العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

مخاطر بخل الزوج على الحياة الزوجية

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ١٤ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الملتقيات‭ ‬التي‭ ‬زرتها‭ ‬مؤخرًا‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬الشقيقة،‭ ‬كنت‭ ‬أتحدث‭ ‬في‭ ‬ورقتي‭ ‬العلمية‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬وخواص‭ ‬المسؤول‭ ‬الإداري‭ ‬القائد،‭ ‬وكيف‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الموظفين‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭. ‬وأتذكر‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الخواص‭ ‬والصفات‭ ‬تطرقتُ‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬البخل،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬المسؤول‭ ‬الإداري‭ ‬القائد‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬صفة‭ ‬البخل‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬الموظفين،‭ ‬فالموظف‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المستلزمات‭ ‬والأمور‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يوفرها‭ ‬المسؤول‭ ‬القائد،‭ ‬وخاصة‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المستلزمات‭ ‬يمكن‭ ‬توفيرها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يتأثر‭ ‬المسؤول‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬جيبه،‭ ‬كمنح‭ ‬علاوة‭ ‬أو‭ ‬درجة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك‭.‬

وفي‭ ‬فترة‭ ‬الاستراحة،‭ ‬تقدمت‭ ‬مني‭ ‬سيدة‭ ‬محترمة،‭ ‬وطلبت‭ ‬مني‭ ‬تتحدث‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬معين،‭ ‬فلم‭ ‬أمانع،‭ ‬فجلسنا‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬منظورة‭ ‬من‭ ‬وفود‭ ‬الملتقى،‭ ‬ولكنها‭ ‬نوعًا‭ ‬ما‭ ‬بعيدة‭.‬

قالت‭: ‬أنت‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬المسؤول‭ ‬الإداري‭ ‬القائد‭ ‬البخيل‭ ‬وآثاره‭ ‬وأضراره،‭ ‬ولكن‭ ‬ألا‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬الزوج‭ ‬البخيل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬أضرار‭ ‬أكبر‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يدمر‭ ‬المنزل‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬وأولاده؟

وافقتها‭ ‬الفكرة،‭ ‬فالبخل‭ ‬صفة‭ ‬منبوذة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬كان،‭ ‬ولكن‭ ‬طلبت‭ ‬منها‭ ‬‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الفضول‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬توضح‭ ‬أكثر‭.‬

ترددت‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬ثم‭ ‬قالت‭: ‬سوف‭ ‬أحكي‭ ‬لك‭ ‬حكايتي،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬تخبر‭ ‬بها‭ ‬أحدا،‭ ‬وإن‭ ‬رغبت‭ ‬في‭ ‬كتابتها‭ ‬ونشرها‭ ‬فلا‭ ‬تذكر‭ ‬أسماء‭ ‬الأفراد،‭ ‬وعدتها‭ ‬بذلك‭. ‬قالت‭:‬

تزوجت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الخطبة‭ ‬العادية،‭ ‬شخصا‭ ‬لا‭ ‬أعرفه،‭ ‬ولكن‭ ‬عائلتي‭ ‬استحسنت‭ ‬الرجل‭ ‬وعائلته‭. ‬انتهت‭ ‬مراسيم‭ ‬عقد‭ ‬القران‭ ‬وانتقلنا‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬حفل‭ ‬الخطوبة،‭ ‬وبدأنا‭ ‬نرتب‭ ‬للموضوع،‭ ‬فقال‭ ‬لي‭: ‬لماذا‭ ‬نسرف‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬على‭ ‬حفلة‭ ‬كبيرة،‭ ‬دعونا‭ ‬نعمل‭ ‬حفلة‭ ‬صغيرة‭ ‬بين‭ ‬أهلي‭ ‬وأهلك‭ ‬فقط،‭ ‬ونترك‭ ‬الحفلة‭ ‬الكبيرة‭ ‬لليلة‭ ‬الزواج،‭ ‬فهي‭ ‬ليلة‭ ‬العمر‭.‬

أقنعني‭ ‬بفكرته،‭ ‬فوافقت‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فالادخار‭ ‬مطلوب‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن،‭ ‬ولعائلة‭ ‬وليده،‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬تولد‭ ‬بعد‭.‬

بدأنا‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الترتيب‭ ‬والتجهيز،‭ ‬ولكن‭ ‬كنتُ‭ ‬كلما‭ ‬أتصل‭ ‬به،‭ ‬يعتذر‭ ‬عن‭ ‬الحضور‭ ‬بحجج‭ ‬كثيرة،‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬مشغول،‭ ‬أنا‭ ‬في‭ ‬اجتماع،‭ ‬أنا‭ ‬وأنا‭.. ‬وهكذا‮»‬‭. ‬فكنتُ‭ ‬أدفع‭ ‬من‭ ‬جيبي‭ ‬أو‭ ‬أطلب‭ ‬من‭ ‬والدي‭ ‬المال‭ ‬كلما‭ ‬احتجت‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬كنتُ‭ ‬أخجل‭ ‬أن‭ ‬أطلب‭ ‬منه،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬هو‭ ‬بالترتيبات‭ ‬والتجهيزات‭ ‬كلها،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬وحتى‭ ‬الشبكة‭ ‬والدبلة‭ ‬المعتادة‭ ‬فإن‭ ‬المبلغ‭ ‬اللازم‭ ‬جاء‭ ‬مع‭ ‬أخته،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬لحد‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬دفع‭ ‬ثمنها‭.‬

الغريب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬ألتق‭ ‬به‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬بيننا‭ ‬مجرد‭ ‬مكالمات‭ ‬هاتفية‭ ‬فقط،‭ ‬وكان‭ ‬عادة‭ ‬يحادثني‭ ‬من‭ ‬مكتبه‭ ‬في‭ ‬الوزارة‭ ‬في‭ ‬الصباح،‭ ‬ولا‭ ‬يستخدم‭ ‬هاتف‭ ‬المنزل‭ ‬أبدًا،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬لماذا؟‭ ‬

ملاحظة‭ ‬للسادة‭ ‬القراء؛‭ ‬هذا‭ ‬الزواج‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يوجد‭ ‬إلا‭ ‬الهواتف‭ ‬الثابتة‭ ‬فقط،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬هواتف‭ ‬محمولة‭.‬

جاء‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الحفلة،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الحضور،‭ ‬فلم‭ ‬يحضر‭ ‬أحد‭ ‬بعد،‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬العشاء،‭ ‬فأكل،‭ ‬وشرب‭ ‬الشاي‭ ‬والمشروبات،‭ ‬ثم‭ ‬جلس‭ ‬ينتظر‭ ‬بداية‭ ‬الحفل‭.‬

بدأت‭ ‬الحفلة،‭ ‬وأنا‭ ‬نسيت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬فقد‭ ‬كنتُ‭ ‬في‭ ‬نشوة‭ ‬وفرح،‭ ‬فمن‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬والمصاريف‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭. ‬ثم‭ ‬ألبسني‭ ‬الدبلة‭ ‬والشبكة،‭ ‬فقال‭ ‬لي‭: ‬‮«‬ذوق‭ ‬أختي‭ ‬جميل‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الشبكة‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬سكت‭ ‬وبدأ‭ ‬يوزع‭ ‬الابتسامات،‭ ‬ولكني‭ ‬انصعقت،‭ ‬‮«‬ترى،‭ ‬ماذا‭ ‬يقصد؟‮»‬‭.‬

عشنا‭ ‬فترة‭ ‬الخطوبة،‭ ‬نخرج‭ ‬للعشاء‭ ‬أو‭ ‬لمشاهدة‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬مثلنا‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬عرسان‭ ‬جدد،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬عادة‭ ‬يرفض‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن،‭ ‬تارة‭ ‬بحجة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المصاريف،‭ ‬وتارة‭ ‬أنه‭ ‬نسي‭ ‬محفظته،‭ ‬وتارة‭ ‬أن‭ ‬والدته‭ ‬مريضة‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يجلس‭ ‬معها،‭ ‬وكنتُ‭ ‬‭ ‬أنا‭ ‬‭ ‬أدفع‭ ‬من‭ ‬جيبي‭ ‬الخاص‭ ‬كلما‭ ‬دعت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فالله‭ ‬لم‭ ‬أر‭ ‬محفظته‭ ‬قط‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الخطوبة،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يدفع‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭.‬

مرت‭ ‬شهور،‭ ‬وبدأنا‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬لحفلة‭ ‬الزفاف،‭ ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬قال‭: ‬لماذا‭ ‬حفلة‭ ‬ومصاريف؟‭ ‬دعينا‭ ‬نسافر‭ ‬أفضل،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬نغير‭ ‬جو‭ ‬ونعيش‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬معًا‭.‬

جاء‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬وبين‭ ‬يديه‭ ‬أوراق‭ ‬ومطويات‭ ‬لمكاتب‭ ‬السفر‭ ‬والسياحة،‭ ‬وبالفعل‭ ‬بدأنا‭ ‬نخطط‭ ‬ونفكر،‭ ‬‮«‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬أفضل،‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬أجمل‮»‬،‭ ‬وهكذا،‭ ‬حتى‭ ‬اتفقنا‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬السير‭. ‬فأصبح‭ ‬المبلغ‭ ‬الإجمالي‭ (‬بضعة‭ ‬دنانير‭)‬،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬أنتِ‭ ‬ادفعي‭ ‬نص‭ ‬المبلغ‭ ‬وأنا‭ ‬أدفع‭ ‬النص‭ ‬الآخر،‭ ‬فالحياة‭ ‬التي‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬فيها‭ ‬مناصفة‭ ‬بيني‭ ‬وبينك‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬أفهم‭ ‬ماذا‭ ‬يقصد‭ ‬بذلك،‭ ‬ولكني‭ ‬استغربت‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬السلوك،‭ ‬إذ‭ ‬اعتدنا‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الرجل‭ ‬بالدفع‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬المبادرة،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنها‭ ‬مصاريف‭ ‬شهر‭ ‬العسل،‭ ‬فمثل‭ ‬هذه‭ ‬التكاليف‭ ‬يتحملها‭ ‬الرجل‭!‬

ولكني‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬وافقت‭ ‬على‭ ‬مضض،‭ ‬ويا‭ ‬ليتني‭ ‬لم‭ ‬أوافق،‭ ‬إذ‭ ‬أصبحت‭ ‬حياتي‭ ‬كلها‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬مناصفة،‭ ‬وربما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فأنا‭ ‬التي‭ ‬أدفع‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭. ‬فأنا‭ ‬أدفع‭ ‬إيجار‭ ‬الشقة‭ ‬وفواتير‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء،‭ ‬والملابس‭ ‬الخاصة‭ ‬بي‭ ‬وببناتي،‭ ‬وكل‭ ‬مصاريف‭ ‬المدارس‭ ‬ومعظم‭ ‬المستلزمات‭ ‬كنتُ‭ ‬أنا‭ ‬أدفعها،‭ ‬أما‭ ‬هو‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يشتري‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الضرورية،‭ ‬وعندما‭ ‬أقول‭ (‬الضرورية‭) ‬فإني‭ ‬أقصدها،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يشتري‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬مهما‭ ‬طلبنا‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬احتياج‭ ‬لها،‭ ‬فلا‭ ‬أعياد‭ ‬ميلاد،‭ ‬ولا‭ ‬هدايا،‭ ‬ولا‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الطقوس‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الترف‭ ‬أو‭ ‬الترفيه،‭ ‬إن‭ ‬كنتُ‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أرفه‭ ‬عن‭ ‬بناتي‭ ‬كنتُ‭ ‬أنا‭ ‬آخذهم‭ ‬وحدي،‭ ‬أما‭ ‬هو‭ ‬فلم‭ ‬يأت‭ ‬معنا‭ ‬قط‭.‬

في‭ ‬شهر‭ ‬العسل،‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬الفندق،‭ ‬كان‭ ‬الفندق‭ ‬متواضعا‭ ‬جدًا،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬‮«‬هل‭ ‬أنت‭ ‬متأكد‭ ‬من‭ ‬العنوان؟‮»‬‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬نعم،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الفندق‮»‬،‭ ‬قلت‭: ‬‮«‬ولكننا‭ ‬دفعنا‭ ‬مبلغا‭ ‬للفندق‭ ‬الفلاني،‭ ‬فكيف‭ ‬تحولنا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الفندق‮»‬،‭ ‬قال‭ ‬وبكل‭ ‬بساطة‭: ‬‮«‬وجدتُ‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفندق‭ ‬أرخص‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الفندق‭ ‬الذي‭ ‬اتفقنا‭ ‬عليه،‭ ‬لذلك‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الفندق،‭ ‬فهذا‭ ‬الفندق‭ ‬يحوي‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬نريد،‭ ‬فلماذا‭ ‬الفندق‭ ‬الغالي،‭ ‬ثم‭ ‬ماذا‭ ‬نريد‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬الفندق‭ ‬غير‭ ‬غرفة‭ ‬ننام‭ ‬فيها،‭ ‬ومطعم‭ ‬نأكل‭ ‬فيه،‭ ‬وهذا‭ ‬الفندق‭ ‬يحوي‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬فلا‭ ‬داعي‭ ‬للترف‭ ‬والإسراف‭ ‬والتبذير‮»‬‭.‬

للمرة‭ ‬المليون‭ (‬انصعقت‭)‬،‭ ‬ولكني‭ ‬سكت‭.‬

ذات‭ ‬مرة‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬العسل،‭ ‬قلت‭ ‬له‭: ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬مكالمة‭ ‬والدتي‭ ‬ووالدي،‭ ‬فرفض،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬تُعد‭ ‬مكالمة‭ ‬دولية‭ ‬وهي‭ ‬غالية‭ ‬الثمن‭. ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نركب‭ ‬السيارات‭ ‬أو‭ ‬الحافلات‭ ‬أثناء‭ ‬تجوالنا‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬نسير‭ ‬على‭ ‬أقدامنا‭ ‬حتى‭ ‬نشاهد‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬ونتأملها،‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نشتري‭ ‬أي‭ ‬مأكولات‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الفندق،‭ ‬لأن‭ ‬الوجبات‭ ‬محسوبة‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬تكاليف‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬الفندق‭. ‬لم‭ ‬نشتر‭ ‬أي‭ ‬هدايا‭ ‬لأي‭ ‬إنسان،‭ ‬لأننا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬العسل‭ ‬ومن‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬نستمتع‭ ‬نحن‭ ‬ولا‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬لأي‭ ‬ما‭ ‬كان‭.‬

ذات‭ ‬مرة‭ ‬رغبتُ‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬أسورة‭ ‬من‭ ‬الفضة‭ ‬من‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المحلات‭ ‬التقليدية‭ ‬الشعبية‭ ‬لنفسي،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يتملص،‭ ‬ولكني‭ ‬أصررت‭ ‬وقلت‭ ‬له‭ ‬أني‭ ‬‮«‬سوف‭ ‬أدفع‭ ‬من‭ ‬جيبي‮»‬،‭ ‬فوافق،‭ ‬وللأسف‭ ‬أم‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬جيبي‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬يكفي‭ ‬الأسورة‭ ‬فطلبت‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يسدد‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المبلغ،‭ ‬وعندما‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬الفندق‭ ‬طالبني‭ ‬بسداد‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬أخذته‭ ‬منه‭.‬

وعندما‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬البلاد،‭ ‬ذهبت‭ ‬أجري‭ ‬لوالدي‭ ‬وأنا‭ ‬أبكي،‭ ‬وأتذكر‭ ‬أني‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬أني‭ ‬لا‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إليه،‭ ‬لأنه‭ ‬بخيل‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬والدي‭ ‬‭ ‬كعادة‭ ‬الآباء‭ ‬‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬عذر‭ ‬وأعذار،‭ ‬قال‭: ‬ربما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬ضائقة‭ ‬مالية‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬وربما‭ ‬هو‭ ‬كذا‭.. ‬ومثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعذار،‭ ‬وانتهى‭ ‬حديثي‭ ‬مع‭ ‬والدي‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬إليه‭ ‬‮«‬فماذا‭ ‬سيقول‭ ‬الناس،‭ ‬طُلقت‭ ‬فلانة‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬العسل‭ ‬مباشرة؟‮»‬‭.‬

جاءتنا‭ ‬بنتنا‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬وهو‭ ‬يزداد‭ ‬بخلاً‭ ‬على‭ ‬بخل،‭ ‬وأحاول‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬لأطفالي‭ ‬فقط،‭ ‬فكنتُ‭ ‬أشتري‭ ‬لهم‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬ومتطلباتهم‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يشعرا‭ ‬بأي‭ ‬نقص،‭ ‬ومن‭ ‬الغرائب‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يسأل‭ ‬‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الغيرة‭ ‬حتى‭ ‬‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬تأتين‭ ‬بكل‭ ‬هذه‭ ‬المشتريات‭ ‬وهذا‭ ‬المال؟‭ ‬والذي‭ ‬تعلمته‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬أن‭ ‬البخيل‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬هو‭ ‬بخيل‭ ‬في‭ ‬المشاعر‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

عندما‭ ‬يشتري‭ ‬حاجيات‭ ‬المنزل‭ ‬الاعتيادية‭ ‬القابلة‭ ‬للاستهلاك،‭ ‬كالشامبو‭ ‬والصابون‭ ‬والجبن‭ ‬القابلة‭ ‬للدهن‭ ‬وغيرها،‭ ‬يكتب‭ ‬على‭ ‬العلبة‭ ‬تاريخ‭ ‬شرائها،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬يعرف‭ ‬متى‭ ‬‭ ‬بالضبط‭ ‬‭ ‬اشترى‭ ‬تلك‭ ‬المواد‭ ‬ومتى‭ ‬تنتهي‭ ‬وكيف‭ ‬تُستهلك‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أمور،‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يحاسبني‭ ‬ويحاسب‭ ‬أطفالي‭ ‬على‭ ‬الاستهلاك‭ ‬غير‭ ‬المعقول‭ ‬والمتزايد،‭ ‬بالنسبة‭ ‬له،‭ ‬ففي‭ ‬نهاية‭ ‬الشهر‭ ‬نجلس‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬ويضع‭ ‬أوراقه‭ ‬التي‭ ‬سجل‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬المواد‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬ومتى‭ ‬قام‭ ‬بشرائها‭ ‬ومتى‭ ‬انتهت‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬معلومات،‭ ‬ويصرخ‭ ‬‮«‬الاستهلاك‭ ‬متزايد‭ ‬والهدر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنزل‭ ‬غير‭ ‬معقول‮»‬‭.‬

كبر‭ ‬الأطفال‭ ‬وزادت‭ ‬المصاريف‭ ‬وتزايد‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬وزادت‭ ‬المشاكل،‭ ‬وزاد‭ ‬الغضب،‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬رأيته‭ ‬ينهار‭ ‬وبسرعة‭ ‬كبيرة،‭ ‬بيتي،‭ ‬أطفالي،‭ ‬عائلتي،‭ ‬أعصابي،‭ ‬مشاعري،‭ ‬عواطفي‭ ‬عملي،‭ ‬طموحي،‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭.‬

وعندما‭ ‬بلغت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬طلبت‭ ‬الطلاق،‭ ‬ولكنه‭ ‬رفض‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬إلحاحي‭ ‬أكبر‭ ‬منه،‭ ‬وقفت‭ ‬عائلتي‭ ‬معي‭ ‬وكذلك‭ ‬أطفالي،‭ ‬لكنه‭ ‬عاند‭ ‬وعاند‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة،‭ ‬لأنه‭ ‬شعر‭ ‬أنه‭ ‬سوف‭ ‬يخسر‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬طلبت‭ ‬الخلع،‭ ‬فخلعته،‭ ‬هو‭ ‬رحل‭ ‬وأنا‭ ‬كسبت‭ ‬نفسي‭ ‬وأطفالي،‭ ‬وحياتي،‭ ‬واليوم‭ ‬وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬أشعر‭ ‬أني‭ ‬حرة‭.‬

سكتت‭ ‬السيدة،‭ ‬ثم‭ ‬قالت‭: ‬هذه‭ ‬حكايتي،‭ ‬ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أني‭ ‬سمعت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السيدات‭ ‬يعانين‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬والذي‭ ‬أطلبه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بنت‭ ‬تريد‭ ‬الزواج‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أب‭ ‬يأتيه‭ ‬رجل‭ ‬ليتزوج‭ ‬ابنته،‭ ‬وعندما‭ ‬يساءل‭ ‬عن‭ ‬أخلاقه‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يساءل‭ ‬كذلك‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬هو‭ ‬بخيل؟

انتهت‭ ‬السيدة‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬وغادرت،‭ ‬وفكرت‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬فوجدت‭ ‬أنها‭ ‬على‭ ‬حق‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا