العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

محكمة العدل الدولية واختبار مصداقية القانون الدولي

بقلم: عبد المجيد سويلم {

السبت ١٣ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬نهاية‭ ‬محاضرة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬احتار‭ ‬كيف‭ ‬يردّ‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬المُغرضين‭ ‬من‭ ‬الحضور،‭ ‬عندما‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يربط‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬وبين‭ ‬الإرهاب‭ ‬بصورةٍ‭ ‬‮«‬تلقائيّة‮»‬،‭ ‬سطحية‭ ‬وساذجة‭.. ‬ورد‭ ‬الراحل‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬حسنين‭ ‬هيكل‭ ‬قائلاً‭: ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أنكر‭ ‬بالمطلق‭ ‬أنّ‭ ‬ثمة‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬الفصائل‮»‬،‭ ‬وبين‭ ‬الإرهاب،‭ ‬لكني‭ ‬أعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليكون‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬لو‭ ‬أنّ‭ ‬فعل‭ ‬إبادة‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬الحُمر‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬كان‭ ‬يُبثّ‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرةً‭.‬

ضجّت‭ ‬القاعة‭ ‬بالتصفيق‭ ‬المتواصل‭ ‬وقوفاً‭ ‬لهذا‭ ‬الجواب‭ ‬الذي‭ ‬يُكثّف‭ ‬حِنكة‭ ‬المثقّف،‭ ‬وحِكمة‭ ‬السياسي‭ ‬الكاتب‭ ‬المُخضرَم‭.‬

سيصعب‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬الإفلات‭ ‬هذه‭ ‬المرّة‭.. ‬وسيصعب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬مكانة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم،‭ ‬وفي‭ ‬عالم‭ ‬الغد‭ ‬إذا‭ ‬تلكّأ‭ ‬أو‭ ‬تردّد‭ ‬في‭ ‬إدانة‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وسيسجّل‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬الحالتين‭ ‬جلسات‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة‭ ‬وقراراتها‭ ‬كمفصلٍ‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬المسار‭ ‬التحرُّري‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كلّه‭. ‬سيصعب‭ ‬كثيراً‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬الوثائق‭ ‬التي‭ ‬سُجّلت‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭.‬

تهمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ثابتة‭ ‬ثُبوتاً‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إثبات‭.‬

القتل‭ ‬الجماعي‭ ‬موثّق،‭ ‬واعتقال‭ ‬المئات‭ ‬والآلاف‭ ‬موثّق،‭ ‬وموثّقة‭ ‬تعريتهم‭ ‬في‭ ‬الساحات‭ ‬والميادين،‭ ‬وفي‭ ‬الشاحنات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقلّهم‭ ‬مثل‭ ‬الأغنام‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬المسالخ‭.‬

وموثّق‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬قتل‭ ‬الآلاف‭ ‬على‭ ‬الطرقات‭ ‬وهم‭ ‬يحاولون‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬القصف‭ ‬حسب‭ ‬‮«‬الإعلانات‮»‬‭ ‬الرسمية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬حول‭ ‬المناطق‭ ‬‮«‬الآمنة‮»‬،‭ ‬وموثّق‭ ‬فعل‭ ‬القتل‭ ‬والإبادة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الهائمين‭ ‬على‭ ‬وجوههم،‭ ‬وموثّق‭ ‬قصف‭ ‬مدمّر‭ ‬وخاص‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القسوة‭ ‬والسّاديّة‭ ‬لأماكن‭ ‬تجمّعهم‭ ‬الجديدة‭!‬

أي‭ ‬أنّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬كانت‭ ‬توجّههم‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬المناطق‭ ‬الآمنة‮»‬‭ ‬بهدف‭ ‬تجميعهم‭ ‬للقتل‭ ‬الجماعي‭ ‬تحديداً‭.‬

ومُعلن‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الأشهاد،‭ ‬وعلى‭ ‬لسان‭ ‬كلّ‭ ‬قادة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬السياسيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬وقادة‭ ‬الأذرع‭ ‬الأمنية،‭ ‬العمل‭ ‬القصدي‭ ‬المباشر‭ ‬لحرمان‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬والماء،‭ ‬ومن‭ ‬الدواء،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مقايضة‮»‬‭ ‬كلّ‭ ‬قطرةٍ‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬والوقود،‭ ‬وكلّ‭ ‬رغيف‭ ‬خبزٍ‭ ‬باستعادة‭ ‬‮«‬المحتجزين‮»‬‭.‬

أي‭ ‬أنّ‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬اعتبرت‭ ‬أنّ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬عربي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يموتوا‭ ‬جوعاً،‭ ‬أو‭ ‬عطشاً،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تفتك‭ ‬بهم‭ ‬الأمراض،‭ ‬وأن‭ ‬تتوقّف‭ ‬أيّ‭ ‬مؤسّسة‭ ‬صحيّة‭ ‬عن‭ ‬مداواتهم‭.‬

ولم‭ ‬تقتصر‭ ‬الجرائم‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬الجنون‭ ‬والإجرام،‭ ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬تعمّدت،‭ ‬وبصورةٍ‭ ‬موثّقة‭ ‬ومعلنة‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬المستشفيات‭ ‬بحجة‭ ‬وجود‭ ‬أنفاق‭ ‬وقيادات‭ ‬مقاومة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المستشفيات،‭ ‬وحيث‭ ‬لم‭ ‬يثبت‭ ‬ذلك‭ ‬بالمطلق‭ ‬بعد‭ ‬التدمير‭ ‬الكامل‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬مستشفى،‭ ‬وبعد‭ ‬التدمير‭ ‬شبه‭ ‬الكلّي‭ ‬لباقي‭ ‬المستشفيات‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭.‬

أمّا‭ ‬تدمير‭ ‬المساجد‭ ‬والكنائس‭ ‬والمدارس‭ ‬والشوارع‭ ‬والمؤسّسات‭ ‬الحكومية‭ ‬والأهلية،‭ ‬وكلّ‭ ‬ما‭ ‬يمتّ‭ ‬للحياة‭ ‬بصلة،‭ ‬وكلّ‭ ‬الأفران‭ ‬والمخازن‭ ‬ومراكز‭ ‬الإيواء‭ ‬ومؤسّسات‭ ‬وكالة‭ ‬تشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬‮«‬الأونروا‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يتمّ‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬قدمٍ‭ ‬وساق،‭ ‬هذا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأهمية‭ ‬الخاصة‭ ‬للقتل‭ ‬المتعمّد‭ ‬لعشرات‭ ‬الصحافيين‭. ‬يُضاف‭ ‬إلى‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬بالذات‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة‭ ‬واستثنائية،‭ ‬وهو‭ ‬التصريحات‭ ‬المباشرة‭ ‬والموثّقة‭ ‬حول‭ ‬فعل‭ ‬الإبادة‭ ‬تحديداً‭.‬

وهنا‭ ‬سقط‭ ‬معظم‭ ‬قادة‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الفخّ‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يحسبوا‭ ‬حسابه‭ ‬في‭ ‬غَمرة‭ ‬الجنون‭ ‬الذي‭ ‬ألمّ‭ ‬بهم،‭ ‬وراحوا‭ ‬يوزّعون‭ ‬التهديد‭ ‬تلو‭ ‬التهديد‭ ‬والوعيد‭ ‬وراء‭ ‬الوعيد‭ ‬حول‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬تحديداً،‭ ‬من‭ ‬التهجير‭ ‬أو‭ ‬الموت،‭ ‬ومن‭ ‬التشرّد‭ ‬إلى‭ ‬الجوع‭ ‬والعطش،‭ ‬هذا‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬حرق‭ ‬القطاع،‭ ‬وقتل‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬بضربةٍ‭ ‬واحدة‭.. ‬وأخيراً‭ ‬وليس‭ ‬آخراً‭ ‬الإبادة‭ ‬بالقنبلة‭ ‬النووية‭.‬

مخطّطات‭ ‬التهجير‭ ‬معلنة‭ ‬ومعروفة‭ ‬قبل‭ ‬الـسابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وهجوم‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬لا‭ ‬يُبرّر‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬الزوايا‭ ‬التي‭ ‬يُعالج‭ ‬بها‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأزمات،‭ ‬لأنّ‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬يأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬الدوافع،‭ ‬كما‭ ‬يأخذ‭ ‬مقدار‭ ‬الفعل‭ ‬وردّة‭ ‬الفعل،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬‮«‬المتصارعين‮»‬،‭ ‬ويأخذ‭ ‬قبل‭ ‬كلّ‭ ‬شيءٍ‭ ‬الوضع‭ ‬القانوني‭ ‬للقطاع‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬الحصار،‭ ‬وفي‭ ‬ظلّ‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬شُنّت‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬قبل‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬شنّته‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭.‬

وبهذه‭ ‬المعاني‭ ‬كلّها‭ ‬فإنّ‭ ‬الأدلّة‭ ‬دامغة،‭ ‬والوقائع‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الدعوى‭ ‬موثّقة،‭ ‬والتصريحات‭ ‬طالت‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬ورئيس‭ ‬الحكومة،‭ ‬ووزير‭ ‬الجيش،‭ ‬وكلّ‭ ‬قاعدة‭ ‬الجيش‭ ‬والأذرع‭ ‬الأمنية،‭ ‬وقادة‭ ‬الأحزاب،‭ ‬وأعضاء‭ ‬كنيست،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬تصريحات‭ ‬‮«‬معزولة‮»‬‭ ‬لمتطرّفٍ‭ ‬هنا،‭ ‬ومهووسٍ‭ ‬هناك،‭ ‬والأمر‭ ‬كلّه‭ ‬على‭ ‬‮«‬أعلى‮»‬‭ ‬المستويات‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬أيّ‭ ‬لبسٍ‭ ‬أو‭ ‬إبهامٍ‭ ‬أو‭ ‬غموض‭ ‬أو‭ ‬تفسير‭ ‬أو‭ ‬تأويل‭.‬

لا‭ ‬تملك‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬دفوعاتها‭ ‬المتوقّعة‭ ‬سوى‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬القضاة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬طريق‮»‬‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬ينتمون‭ ‬إليها،‭ ‬أو‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬‮«‬فيلم‭ ‬وثائقي‮»‬‭ ‬أعدّته‭ ‬خصّيصاً‭ ‬منذ‭ ‬الأيّام‭ ‬الأولى‭ ‬للحرب‭ ‬ثبت‭ ‬بالدليل‭ ‬القاطع‭ ‬بُطلان‭ ‬محتواه،‭ ‬وجرى‭ ‬فضح‭ ‬محاولات‭ ‬تزوير‭ ‬الوقائع،‭ ‬وتراجع‭ ‬قيادات‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬وصحافة‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬عن‭ ‬‮«‬التمسُّك‮»‬‭ ‬بما‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬أكاذيب‭ ‬وتضليلٍ‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إليها‭ ‬الشكّ‭.‬

وحتى‭ ‬أنّ‭ ‬محاولة‭ ‬اتهام‭ ‬دولة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬باللاسامية،‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬كراهية‭ ‬اليهود‭ ‬إنّما‭ ‬تشكّل‭ ‬حالة‭ ‬خواءٍ‭ ‬كامل،‭ ‬وتنطُّحٍ‭ ‬أخرق‭ ‬وأحمق،‭ ‬لأنّ‭ ‬بلداً‭ ‬كجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬تمثّل‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬العالم،‭ ‬وفي‭ ‬نظر‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬نفسه‭ ‬نموذجاً‭ ‬على‭ ‬التحرُّر‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري،‭ ‬وتعتبر‭ ‬المصالحة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬بالذات‭ ‬قيمةً‭ ‬إنسانية‭ ‬عالية،‭ ‬ومعياراً‭ ‬على‭ ‬التسامح‭ ‬والعدل‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭ ‬والإثنيات‭ ‬والأعراق‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬اتهامها‭ ‬باللاسامية‭.‬

وبهذه‭ ‬المعاني،‭ ‬أيضاً،‭ ‬فإنّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬مأزقٍ‭ ‬قانوني‭ ‬كبير‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬بعده‭ ‬إذا‭ ‬حكمت‭ ‬المحكمة‭ ‬لصالح‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متوقّع‭.‬

قيمة‭ ‬الإدانة‭ ‬توازي‭ ‬الربح‭ ‬الصافي‭ ‬لأكبر‭ ‬معركةٍ‭ ‬دبلوماسية‭ ‬وسياسية‭ ‬وقانونية‭ ‬منذ‭ ‬نكبة‭ ‬1948‭ ‬وحتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬

فإضافة‭ ‬إلى‭ ‬القرار‭ ‬المستعجل‭ ‬الذي‭ ‬سيلي‭ ‬الإدانة‭ ‬مباشرة‭ ‬بوقف‭ ‬الجريمة،‭ ‬والذي‭ ‬سيضع‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬كلّه‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬خانقة،‭ ‬ويضع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أمام‭ ‬أكبر‭ ‬إحراجٍ‭ ‬تتعرّض‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬تاريخها،‭ ‬فإنّ‭ ‬الإدانة‭ ‬ستتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة‭ ‬ارتكازٍ‭ ‬صلبة‭ ‬لسلسلة‭ ‬قرارات‭ ‬أممية‭ ‬لمعاقبة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وربّما‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬لها،‭ ‬أو‭ ‬تحويل‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬إلى‭ ‬دعمٍ‭ ‬مشروط،‭ ‬وإلى‭ ‬دعمٍ‭ ‬مراقَب‭ ‬وتحت‭ ‬طائلة‭ ‬المساءلة‭.‬

وستتحوّل‭ ‬قرارات‭ ‬المحكمة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسّط‭ ‬والبعيد،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬المدى‭ ‬المباشر‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة‭ ‬ارتكاز‭ ‬لمحاكمة‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬بصورةٍ‭ ‬فردية‭ ‬لمئات،‭ ‬وربّما‭ ‬لآلافٍ‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬وأجهزة‭ ‬الأمن،‭ ‬ولآلافٍ‭ ‬من‭ ‬عتاة‭ ‬المتطرّفين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أوساط‭ ‬المستوطنين،‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الإدانة‭ ‬بالذات‭.‬

وأظنّ‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬الإدانة‭ ‬ستفعل‭ ‬فعلها‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬مزيدٍ‭ ‬من‭ ‬الانفكاكات‭ ‬بين‭ ‬الصهيونية‭ ‬واليهودية،‭ ‬وبين‭ ‬أجنحة‭ ‬صهيونية‭ ‬تقليدية‭ ‬وأخرى‭ ‬تسمّى‭ ‬‮«‬تلمودية‮»‬‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الاستخدامات‭ ‬الاصطلاحية،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬خسارات‭ ‬مؤكّدة‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬‮«‬اللاسامية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تبتزّ‭ ‬بها‭ ‬إسرائيل‭ ‬العالم‭ ‬كلّه،‭ ‬وحوّلتها‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬قضية‭ ‬ابتزازٍ‭ ‬عرفتها‭ ‬البشرية‭ ‬الحديثة‭ ‬والمعاصرة‭.‬

معركةٌ‭ ‬ضارية‭ ‬حقّاً،‭ ‬وقضية‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الاستقلال‭ ‬الوطني‭ ‬والتحرُّري‭ ‬لشعبنا‭ ‬كلّه،‭ ‬ومفصل‭ ‬قد‭ ‬يوازي‭ ‬النصف‭ ‬الآخر‭ ‬للحرب‭ ‬الدائرة‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا