العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

صمود غزة يفشل المخططات التوسعية الصهيونية

بقلم: سنية الحسيني {

الثلاثاء ٠٩ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

وصف‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الحالي‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الشريط‭ ‬الساحلي‭ ‬الضيق‭ ‬والأكثر‭ ‬كثافة‭ ‬سكانية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬بالأكثر‭ ‬عنفاً‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬وتفوق‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬أحدثته‭ ‬آلة‭ ‬التدمير‭ ‬الصهيونية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تسعين‭ ‬يوماً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬أحدثته‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬على‭ ‬عاصمة‭ ‬دولة‭ ‬عظمى‭ ‬خلال‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭. ‬حقق‭ ‬ذلك‭ ‬العدوان‭ ‬رقماً‭ ‬قياسياً‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬المدنيين‭ ‬واستهداف‭ ‬المرافق‭ ‬الحياتية‭ ‬الحيوية‭ ‬اللازمة‭ ‬لاستمرار‭ ‬صمودهم‭ ‬وقطع‭ ‬وجفّف‭ ‬وصول‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأساسية‭ ‬اللازمة‭ ‬لبقائهم‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭. ‬وتثبت‭ ‬ضراوة‭ ‬ودموية‭ ‬وقسوة‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬تشنه‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬اليوم،‭ ‬طبيعة‭ ‬العدو‭ ‬الذي‭ ‬يحتل‭ ‬فلسطين،‭ ‬والمتشبع‭ ‬بالنزعة‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬الصهيونية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تبالي‭ ‬بحياة‭ ‬المدنيين،‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الدولة‭ ‬المحتلة‭.‬

ليست‭ ‬النزعة‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬الصهيونية‭ ‬وحدها‭ ‬من‭ ‬يحكم‭ ‬طبيعة‭ ‬ذلك‭ ‬الهجوم‭ ‬وحدوده‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬تاريخ‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬ذلك‭ ‬المحتل‭ ‬بتلك‭ ‬المدينة‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬عمر‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما،‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفسر‭ ‬أو‭ ‬يستشرف‭ ‬غايات‭ ‬حكومة‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬ذلك‭ ‬العدوان،‭ ‬اليوم‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬تصدت‭ ‬‮«‬كتائب‭ ‬القسام‮»‬،‭ ‬الذراع‭ ‬العسكرية‭ ‬لحركة‭ ‬حماس،‭ ‬و«سرايا‭ ‬القدس‮»‬،‭ ‬الجناح‭ ‬العسكري‭ ‬لحركة‭ ‬الجهاد‭ ‬الإسلامي،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬وفصائل‭ ‬فلسطينية‭ ‬مسلحة‭ ‬أخرى‭ ‬لصد‭ ‬ذلك‭ ‬الهجوم‭ ‬والغزو‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المبرمج‭ ‬لمدينتهم،‭ ‬بعزيمة‭ ‬وتصميم‭ ‬وإيمان،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬فجوة‭ ‬ضخمة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإمكانيات‭ ‬العتادية‭ ‬والعددية‭ ‬والتقنية،‭ ‬بمستوى‭ ‬قتالي‭ ‬واستبسالي‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الذهول‭ ‬للمتابعين‭ ‬العسكريين،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬إسرائيليون‭.‬

كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬هجوم‭ ‬إسرائيل،‭ ‬اليوم،‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬تحكمها؟‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬مستقبل‭ ‬حالة‭ ‬الاشتباك‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬كقوة‭ ‬قائمة‭ ‬بالاحتلال‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬القابعين‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬ذلك‭ ‬الاحتلال‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬معطيات‭ ‬معادلات‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬اليوم؟

تشكلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬ضمن‭ ‬مقاربة‭ ‬أيديولوجية،‭ ‬وضعتها‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الأوروبي،‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وعملت‭ ‬على‭ ‬ترسيخها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬وتبنت‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬رغم‭ ‬علمانية‭ ‬مؤسسيها،‭ ‬رؤية‭ ‬دينية‭ ‬يهودية‭ ‬لصقل‭ ‬تلك‭ ‬المقاربة‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬وتبريرها،‭ ‬واختارت‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الديانة‭ ‬بعض‭ ‬الشواهد‭ ‬والمبادئ،‭ ‬لجعلها‭ ‬قواعد‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيديولوجيا،‭ ‬وتجنبت‭ ‬واستبعدت‭ ‬أخرى،‭ ‬بما‭ ‬انسجم‭ ‬مع‭ ‬أهدافها‭ ‬الأساسية‭ ‬باستعمار‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭. ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬يفسر‭ ‬الطابع‭ ‬الغربي‭ ‬لنظام‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬نشأتها‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬العام‭ ‬1948،‭ ‬بعد‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬78%‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬وإقامة‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬عليها‭.‬

لم‭ ‬تغفل‭ ‬قيادات‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالجانب‭ ‬الديني،‭ ‬رغم‭ ‬علمانيتهم،‭ ‬لأنه‭ ‬شكل‭ ‬أساس‭ ‬مقاربتهم‭ ‬السياسية،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬طابعاً‭ ‬سياسياً‭. ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬العام‭ ‬1967،‭ ‬زاد‭ ‬تركيز‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬تسييس‭ ‬الاعتبار‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لانسجامه‭ ‬مع‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاعتبارات‭ ‬السياسية‭ ‬الجديدة‭. ‬فظهر‭ ‬الاستيطان‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬الاحتلال‭ ‬‮«‬يهودا‭ ‬والسامرة‮»‬‭ ‬ترسيخاً‭ ‬لاعتبارات‭ ‬دينية،‭ ‬وركز‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬ديني،‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬اعتبارات‭ ‬أخرى‭. ‬فبدأ‭ ‬بروز‭ ‬دور‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الاستيطان،‭ ‬كما‭ ‬دشنت‭ ‬سياسة‭ ‬اللجوء‭ ‬للعنف‭ ‬لتحقيقها‭ ‬بغطاء‭ ‬رسمي،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تعقيدات‭ ‬بلوغ‭ ‬الهدف‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬تهجير‭ ‬معظم‭ ‬سكانها،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1948‭.‬

ظهرت‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليمينية‭ ‬المنافسة‭ ‬لتلك‭ ‬اليسارية،‭ ‬فصعد‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬الليكود‮»‬‭ ‬اليميني‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1977‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬الذي‭ ‬تغول‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬سياسة‭ ‬الاستيطان،‭ ‬وبات‭ ‬منافساً‭ ‬شرساً‭ ‬لحزب‭ ‬العمل‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬السابقة‭.‬

بعد‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1993،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬لتحقيق‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬بمبادرة‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬العمل‭ ‬اليسارية،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬سياسة‭ ‬الاستيطان‭ ‬أيضاً،‭ ‬تصاعدت‭ ‬مكانة‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليمينية‭ ‬وتعددت،‭ ‬وباتت‭ ‬تتنافس‭ ‬وحدها‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غابت‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليسارية‭ ‬تقريباً‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭.‬

سيطر‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬الليكود‮»‬‭ ‬على‭ ‬مقاليد‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬خلال‭ ‬معظم‭ ‬فترات‭ ‬الحكم‭ ‬التالية‭ ‬على‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو،‭ ‬بمساعدة‭ ‬الأحزاب‭ ‬الدينية،‭ ‬التي‭ ‬تسيس‭ ‬دورها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬الاستيطان‭ ‬سياسة‭ ‬رسمية‭ ‬معلنة‭ ‬وثابتة،‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬الصهيوني‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬واليوم،‭ ‬وفي‭ ‬تطور‭ ‬طبيعي،‭ ‬وصل‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬الليكود‮»‬‭ ‬الأشد‭ ‬يمينية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بمساعدة‭ ‬الأحزاب‭ ‬الدينية‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭. ‬وتوجه‭ ‬اهتمام‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬سياسة‭ ‬الضم‭ ‬والتهويد‭ ‬لأراضي‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وتسليح‭ ‬المستوطنين،‭ ‬وتحييد‭ ‬الوجود‭ ‬السياسي‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الانتقال‭ ‬للمرحلة‭ ‬التالية‭ ‬من‭ ‬الخطة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬خافياً‭ ‬على‭ ‬أحد‭.‬

لم‭ ‬يخرج‭ ‬هجوم‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬غلاف‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬التطورات‭ ‬سابقة‭ ‬الذكر،‭ ‬وبعد‭ ‬عشرة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬وصول‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭. ‬ورغم‭ ‬تخطي‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ‭ ‬وصادم،‭ ‬جميع‭ ‬حدود‭ ‬الدموية‭ ‬والإجرام‭ ‬الذي‭ ‬نشهده‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحالي،‭ ‬فإنه‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬منظومة‭ ‬أيديولوجية‭ ‬صهيونية‭ ‬فسرها‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬الاستقلال‭ ‬المستمرة‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1947،‭ ‬وخلقت‭ ‬نكبة‭ ‬تهجير‭ ‬لحوالي‭ ‬مليون‭ ‬فلسطيني،‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أراضيهم،‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬بإقامة‭ ‬إسرائيل‭ ‬فوق‭ ‬تلك‭ ‬الأراضي‭. ‬يأتي‭ ‬ذلك‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬أيضاً‭ ‬بعد‭ ‬تخلي‭ ‬نتنياهو‭ ‬عن‭ ‬مقاربته‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تبناها‭ ‬صراحة‭ ‬بعد‭ ‬الانقسام‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تقويض‭ ‬حكم‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ودعم‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬واستمرار‭ ‬الصراع‭ ‬والتنافس‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بين‭ ‬غزة‭ ‬والضفة،‭ ‬لتحييد‭ ‬إمكانية‭ ‬إحياء‭ ‬العملية‭ ‬السلمية‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والإسرائيليين‭ ‬أمام‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭. ‬واعتقدت‭ ‬الحكومات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬إخضاع‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لحصار‭ ‬خانق‭ ‬ولهجمات‭ ‬عسكرية‭ ‬رادعة‭ ‬متكررة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تضمن‭ ‬تحييد‭ ‬أي‭ ‬خطر‭ ‬حقيقي‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬غزة‭.‬

وطالما‭ ‬اعتبرت‭ ‬غزة‭ ‬الشوكة‭ ‬المؤذية‭ ‬في‭ ‬عنق‭ ‬الاحتلال،‭ ‬فتمنى‭ ‬إسحق‭ ‬رابين‭ ‬أن‭ ‬يبتلعها‭ ‬البحر‭. ‬خلال‭ ‬عهد‭ ‬الانتداب‭ ‬البريطاني،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بالتغاضي‭ ‬عن‭ ‬عمليات‭ ‬الاستيطان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬السهل‭ ‬الساحلي‭ ‬لفلسطين،‭ ‬بل‭ ‬سهل‭ ‬ذلك،‭ ‬قاوم‭ ‬الغزاويون‭ ‬تحديدا‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭ ‬الاستيطانية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آليتين‭ ‬متكاملتين‭ ‬ناجحتين،‭ ‬منعت‭ ‬وجود‭ ‬الاستيطان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬القطاع‭. ‬بدأ‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقاطعة‭ ‬الغزاويين‭ ‬للمستوطنين‭ ‬الذين‭ ‬تواجدوا‭ ‬فوق‭ ‬أراضي‭ ‬القطاع،‭ ‬وواصلوا‭ ‬شن‭ ‬الهجمات‭ ‬عليهم،‭ ‬ما‭ ‬اضطر‭ ‬قوات‭ ‬الانتداب‭ ‬البريطاني‭ ‬للتدخل‭ ‬وإجلائهم‭ ‬في‭ ‬النهاية‭. ‬وتركزت‭ ‬الآلية‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬السهل‭ ‬الساحلي‭ ‬للقطاع،‭ ‬إذ‭ ‬تبنى‭ ‬فهمي‭ ‬الحسيني‭ ‬رئيس‭ ‬بلدية‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬مشروعا‭ ‬لبناء‭ ‬غزة‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬البحر،‭ ‬فوزع‭ ‬الأراضي‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الساحل‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬غزة،‭ ‬وفتح‭ ‬شارع‭ ‬عمر‭ ‬المختار‭ ‬وشارع‭ ‬الوحدة،‭ ‬فعمرها‭ ‬وخلق‭ ‬حياة‭ ‬فوق‭ ‬تلك‭ ‬الكثبان‭ ‬الرملية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مطمعاً‭ ‬للحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬كباقي‭ ‬مناطق‭ ‬الساحل‭ ‬الفلسطيني‭.‬

بعد‭ ‬احتلال‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1948،‭ ‬شكل‭ ‬الجزء‭ ‬غير‭ ‬المحتل‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬مركز‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬كما‭ ‬انطلقت‭ ‬حركة‭ ‬فتح‭ ‬الثورية‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭. ‬وبعد‭ ‬احتلالها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1967،‭ ‬واصلت‭ ‬غزة‭ ‬دورها‭ ‬المقاوم،‭ ‬فاعتبر‭ ‬الاحتلال‭ ‬أن‭ ‬قواته‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬النهار،‭ ‬بينما‭ ‬تحكمه‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬الليل‭.‬

وبقيت‭ ‬غزة‭ ‬ملهمة‭ ‬للمقاومة،‭ ‬فانطلقت‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1978‭ ‬من‭ ‬حارات‭ ‬غزة‭. ‬وخلال‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬انفجرت‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬الألفية‭ ‬الحالية‭ ‬تشابكت‭ ‬السواعد‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬الوطن‭ ‬المحتل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة،‭ ‬لتتصدى‭ ‬معاً‭ ‬لاعتداءات‭ ‬المحتل،‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬وطني‭ ‬حازم،‭ ‬قوض‭ ‬جميع‭ ‬مساعي‭ ‬الاحتلال‭ ‬لبث‭ ‬الفرقة‭ ‬والانقسام‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد،‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭. ‬وبعد‭ ‬الانقسام‭ ‬وسيطرة‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2007‭ ‬بقي‭ ‬القطاع‭ ‬قوة‭ ‬الردع‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الأقوى‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عاملين،‭ ‬الأول‭ ‬ارتبط‭ ‬بتفكيك‭ ‬المستوطنات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬وانسحاب‭ ‬المستوطنين‭ ‬منها‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬وتعلق‭ ‬الثاني‭ ‬بإحكام‭ ‬السيطرة‭ ‬الأمنية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬قد‭ ‬يفسر‭ ‬ذلك‭ ‬المحاولات‭ ‬والمساعي‭ ‬المتكررة‭ ‬لحكومات‭ ‬الاحتلال‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬لتهجير‭ ‬الغزاويين‭ ‬من‭ ‬أرضهم،‭ ‬والذي‭ ‬جاء‭ ‬آخرها‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬نشهدها‭ ‬حالياً‭.‬

حطم‭ ‬الاعتداء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬والموقف‭ ‬الأميركي‭ ‬الداعم‭ ‬لإبادة‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬والغربي‭ ‬الصامت‭ ‬المنحاز‭ ‬والذي‭ ‬يكيل‭ ‬بمكيالين،‭ ‬والعربي‭ ‬العاجز‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬آخر‮ ‬معاقل‭ ‬الثقة‭ ‬بقدرة‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬فلسطينية‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وأثبتت‭ ‬صلابة‭ ‬قوات‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬مدى‭ ‬ضرورة‭ ‬التسلح‭ ‬بأيديولوجيا‭ ‬وطنية‭ ‬ودينية،‭ ‬لمواجهة‭ ‬تلك‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لاجتثاث‭ ‬الوجود‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬أساسه‭. ‬وطالما‭ ‬سعت‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬بدعم‭ ‬أمريكي‭ ‬غربي،‭ ‬وصل‭ ‬حد‭ ‬مساومة‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بقطع‭ ‬المساعدات‭ ‬عنها،‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬المحتوى‭ ‬الوطني‭ ‬والديني‭ ‬التعليمي‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬بهدف‭ ‬بث‭ ‬ثقافة‭ ‬غير‭ ‬حقيقية‭ ‬عن‭ ‬السلام،‭ ‬رغم‭ ‬استمرار‭ ‬واقع‭ ‬الاحتلال‭.‬

وفي‭ ‬النهاية،‭ ‬أمام‭ ‬جميع‭ ‬تلك‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬هول‭ ‬المؤامرة‭ ‬التي‭ ‬تحاك‭ ‬ضد‭ ‬مستقبل‭ ‬غزة‭ ‬ومقاومتها،‭ ‬بات‭ ‬واجباً‭ ‬وطنياً‭ ‬حدوث‭ ‬التحام‭ ‬فلسطيني‭ ‬فوري‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جميع‭ ‬ألوان‭ ‬الطيف‭ ‬الوطني،‭ ‬وتحييد‭ ‬جميع‭ ‬الخلافات‭ ‬والمصالح،‭ ‬لتشكيل‭ ‬جهة‭ ‬انتقالية،‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية‭ ‬دولية‭ ‬ووطنية،‭ ‬للتفاوض‭ ‬فوراً‭ ‬لوقف‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬بحق‭ ‬الأبرياء‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬كأولوية،‭ ‬والانسحاب‭ ‬الكامل‭ ‬من‭ ‬غزة،‭ ‬والخروج‭ ‬باتفاق‭ ‬تبادل‭ ‬مشرف،‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬التضحيات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الجسام،‭ ‬وليكن‭ ‬ذلك‭ ‬مقدمة‭ ‬لترتيب‭ ‬البيت‭ ‬الفلسطيني‭ ‬سياسياً،‭ ‬للاستعداد‭ ‬للمرحلة‭ ‬القادمة‭.‬

{‭ ‬كاتبة‭ ‬وباحثة‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا