العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

** السكرتيرة الموهوبة **

جلست‭ ‬أمامي،‭ ‬ونظرت‭ ‬إليّ‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬وقالت‭: ‬قضيت‭ ‬عمري‭ ‬كله‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أبرهن‭ ‬للناس‭ ‬بأنني‭ ‬موهوبة‭.‬

يقولون‭ ‬إن‭ ‬عمل‭ ‬الناس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يبرهن‭ ‬للآخرين‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬جودته،‭ ‬ولكنني‭ ‬اكتشفت‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬عملي‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬أو‭ ‬معظم‭ ‬الناس‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬غيرها‭ ‬وتحاول‭ ‬أن‭ ‬تدمره‭ ‬بسبب‭ ‬الغيرة‭ ‬والحسد‭ ‬أحيانا‭ ‬أو‭ ‬لأسباب‭ ‬شخصية‭ ‬أخرى‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬سبب‭ ‬أحيانا،‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬يشعر‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬النجاح‭.‬

ابتسمت‭ ‬صاحبة‭ ‬القصة‭ ‬وقالت‭: ‬أعمل‭ ‬سكرتيرة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الوزارات‭ ‬الحكومية‭ ‬لمسؤول‭ ‬مهم،‭ ‬ولكن‭ ‬بسبب‭ ‬شغفي‭ ‬بالقراءة‭ ‬وحبي‭ ‬الكبير‭ ‬للإعلام‭ ‬نميت‭ ‬موهبتي‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬أكتب‭ ‬وأرسل‭ ‬للمجلات‭ ‬المحلية،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اجتهدت‭ ‬وصبرت‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬أصبحت‭ ‬قصصي‭ ‬تنشر‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬العربية‭ ‬المشهورة،‭ ‬وأصبح‭ ‬اسمي‭ ‬معروفا‭ ‬نسبيا،‭ ‬وبدأت‭ ‬ألقى‭ ‬بعض‭ ‬الإشادات‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬وأتلقى‭ ‬دعوات‭ ‬في‭ ‬ملتقيات‭ ‬أدبية‭ ‬وإعلامية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حفزني‭ ‬وجعلني‭ ‬أواصل‭ ‬في‭ ‬أجمل‭ ‬موهبة‭ ‬منحني‭ ‬إياها‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭.‬

وأضافت‭: ‬نجاحي‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬طعم‭ ‬خاص،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬كفاحي‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الشهرة‭ ‬أو‭ ‬محبة‭ ‬الناس‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬التطور‭ ‬الفكري‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬الكتابة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬كفاحا‭ ‬مضاعفا،‭ ‬حيث‭ ‬إنني‭ ‬كنت‭ ‬أشعر‭ ‬بأني‭ ‬مضطرة‭ ‬أن‭ ‬أقنع‭ ‬وأغير‭ ‬النظرة‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أراها‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يسألني‭ ‬أو‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬بعملي‭ ‬الأساسي‭!! ‬فما‭ ‬إن‭ ‬أقول‭ ‬إنني‭ ‬سكرتيرة‭ ‬حتى‭ ‬تتغير‭ ‬الوجوه‭ ‬وتصفر‭ ‬وكأنني‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬وظيفة‭ ‬غير‭ ‬لائقة‭. ‬أصبحت‭ ‬أشعر‭ ‬وأتأكد‭ ‬أن‭ ‬نظرة‭ ‬الناس‭ ‬للسكرتيرة‭ (‬كوصمة‭ ‬عار‭) ‬أو‭ ‬كنظرتهم‭ ‬للزوجة‭ ‬الثانية‭ ‬أنها‭ ‬شريرة‭ ‬بحتة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬السكرتيرة‭ ‬خصوصا‭ (‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تملك‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬الجمال‭) ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هبلة‭ ‬أو‭ ‬استغلالية‭ ‬ومستحيل‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الفكر‭ ‬والتأليف‭. ‬الكارثة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أناس‭ ‬المفروض‭ ‬أنهم‭ ‬مثقفون‭ ‬وأدباء‭ ‬وكتاب‭ ‬يكتبون‭ ‬وينشرون‭ ‬معاناة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الجرائد‭ ‬والمجلات‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نظرة‭ ‬الدونية‭ ‬للسكرتيرة‭ ‬كانت‭ ‬تأتي‭ ‬منهم‭ ‬أولا‭. ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬ممن‭ ‬كانوا‭ ‬يستنكرون‭ ‬أو‭ ‬يشككون‭ ‬في‭ ‬موهبتي‭ ‬كان‭ ‬عملهم‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬البلديات‭ ‬دائرة‭ ‬المحاري‭ ‬أو‭ ‬محصلي‭ ‬كهرباء‭ ‬أو‭ ‬أو‭... ‬لا‭ ‬أقلل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬أي‭ ‬مهنة‭ (‬معاذ‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬لكنني‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أبين‭ ‬لكم‭ ‬أن‭ ‬المثقفين‭ ‬الأفاضل‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬مهنة‭ ‬السكرتارية‭ ‬فقط‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬نظرة‭ ‬دونية‭.‬

تقول‭ ‬صاحبة‭ ‬القصة‭: ‬أقسم‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬تشكيكي‭ ‬في‭ ‬موهبتي،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يصرح‭ ‬البعض‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬ان‭ ‬تألف‭ ‬السكرتيرة‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬وبأنها‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬استغلت‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬لكي‭ ‬يكتب‭ ‬لها،‭ ‬كنت‭ ‬أبكي‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬وأشتكي‭ ‬للمقربين‭ ‬مني‭ ‬وأعاني‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الظلم‭ ‬ولكن‭ ‬عزائي‭ ‬الوحيد‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬أصبحت‭ ‬تعرفني‭ ‬أكثر‭ ‬وتحبني‭ ‬كثيرا،‭ ‬وتذكرت‭ ‬كلام‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬لي‭ ‬وهو‭ ‬زوجي‭ ‬الحبيب‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قررت‭ ‬اعتزال‭ ‬الكتابة‭: ‬غلطانة‭ ‬يا‭ ‬مبدعة‭ ‬لا‭ ‬تجعلي‭ ‬الحاقدين‭ ‬يفوزون‭ ‬بل‭ ‬اثبتي‭ ‬مع‭ ‬الأيام‭ ‬والسنين‭ ‬أنك‭ ‬صاحبة‭ ‬القلم‭ ‬المتميزة‭ ‬وأنك‭ ‬متفوقة‭ ‬عليهم،‭ ‬فالمزيف‭ ‬والمستغل‭ ‬ومن‭ ‬يكتبون‭ ‬عنه‭ ‬سيكتشف‭ ‬بعد‭ ‬سنين،‭ ‬والمبدع‭ ‬سيبدع‭ ‬أكثر‭ ‬وسوف‭ ‬تحصلين‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الحب‭ ‬والتقدير‭ ‬والاحترام‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬عندما‭ ‬تثبتين‭ ‬للعالم‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬السكرتيرة‭ ‬الجميلة‭ ‬موهوبة‭ ‬ومبدعة‭ ‬أكثر‭ ‬منهم‭.‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬تقول‭ ‬بطلة‭ ‬قصتنا‭: ‬كافحت‭ ‬واجتهدت‭ ‬أكثر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عشت‭ ‬بسلام‭ ‬داخلي‮ ‬وقررت‭ ‬أن‭ ‬أتحدى‭ ‬كل‭ ‬نظرات‭ ‬الدونية‭ ‬لمهنتي‭ ‬المسكينة‭ (‬السكرتيرة‭)‬،‭ ‬وأواجه‭ ‬الكل‭ ‬بنظرات‭ ‬الثقة‭ ‬والفوز،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬موهبتي‭ ‬أعطتني‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬ضعفت‭ ‬كبرياء‭ ‬كل‭ ‬متنمر‭ ‬وأصبحت‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬وأحب‭ ‬كتّاب‭ ‬جيلي‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا