الكواليس
وفاء جناحي
waffajanahi@gmail.com
** السكرتيرة الموهوبة **
جلست أمامي، ونظرت إليّ بكل ثقة وقالت: قضيت عمري كله أحاول أن أبرهن للناس بأنني موهوبة.
يقولون إن عمل الناس هو ما يبرهن للآخرين على مدى جودته، ولكنني اكتشفت بعد فترة طويلة من عملي أن الناس أو معظم الناس تضغط على غيرها وتحاول أن تدمره بسبب الغيرة والحسد أحيانا أو لأسباب شخصية أخرى أو من غير سبب أحيانا، لمجرد أنه يشعر بأن هذا الشخص لا يستحق أن يصل إلى هذه المرحلة من النجاح.
ابتسمت صاحبة القصة وقالت: أعمل سكرتيرة في إحدى الوزارات الحكومية لمسؤول مهم، ولكن بسبب شغفي بالقراءة وحبي الكبير للإعلام نميت موهبتي في كتابة القصص القصيرة، وأصبحت أكتب وأرسل للمجلات المحلية، وبعد أن اجتهدت وصبرت سنوات طويلة، أصبحت قصصي تنشر في عدد من المجلات العربية المشهورة، وأصبح اسمي معروفا نسبيا، وبدأت ألقى بعض الإشادات من عدد من النقاد وأتلقى دعوات في ملتقيات أدبية وإعلامية، وهو ما حفزني وجعلني أواصل في أجمل موهبة منحني إياها رب العالمين.
وأضافت: نجاحي كان له طعم خاص، حيث إن كفاحي للوصول إلى الشهرة أو محبة الناس لم يكن في محاولة التطور الفكري أو في أسلوب الكتابة فقط، بل كان كفاحا مضاعفا، حيث إنني كنت أشعر بأني مضطرة أن أقنع وأغير النظرة القاسية التي كنت أراها في عين كل من يسألني أو يكون على دراية بعملي الأساسي!! فما إن أقول إنني سكرتيرة حتى تتغير الوجوه وتصفر وكأنني أعمل في وظيفة غير لائقة. أصبحت أشعر وأتأكد أن نظرة الناس للسكرتيرة (كوصمة عار) أو كنظرتهم للزوجة الثانية أنها شريرة بحتة، حيث إن السكرتيرة خصوصا (لو كانت تملك قليلا من الجمال) يجب أن تكون هبلة أو استغلالية ومستحيل أن تدخل في عالم الفكر والتأليف. الكارثة أن هذه النظرة كانت من أناس المفروض أنهم مثقفون وأدباء وكتاب يكتبون وينشرون معاناة الناس في الجرائد والمجلات إلا أن نظرة الدونية للسكرتيرة كانت تأتي منهم أولا. والغريب أن بعضهم ممن كانوا يستنكرون أو يشككون في موهبتي كان عملهم الأساسي في البلديات دائرة المحاري أو محصلي كهرباء أو أو... لا أقلل من شأن أي مهنة (معاذ الله)، لكنني أريد أن أبين لكم أن المثقفين الأفاضل ينظرون إلى مهنة السكرتارية فقط لا غير نظرة دونية.
تقول صاحبة القصة: أقسم أن بعضهم وصل إلى تشكيكي في موهبتي، حيث كان يصرح البعض بأنه من المستحيل ان تألف السكرتيرة هذه القصص وبأنها من المؤكد أنها استغلت أحد الأشخاص لكي يكتب لها، كنت أبكي في البداية وأشتكي للمقربين مني وأعاني من هذا الظلم ولكن عزائي الوحيد كان أن الناس أصبحت تعرفني أكثر وتحبني كثيرا، وتذكرت كلام أقرب الناس لي وهو زوجي الحبيب عندما قال لي يوما بعد أن قررت اعتزال الكتابة: غلطانة يا مبدعة لا تجعلي الحاقدين يفوزون بل اثبتي مع الأيام والسنين أنك صاحبة القلم المتميزة وأنك متفوقة عليهم، فالمزيف والمستغل ومن يكتبون عنه سيكتشف بعد سنين، والمبدع سيبدع أكثر وسوف تحصلين على كل الحب والتقدير والاحترام من الجميع في النهاية عندما تثبتين للعالم كله أن السكرتيرة الجميلة موهوبة ومبدعة أكثر منهم.
في النهاية تقول بطلة قصتنا: كافحت واجتهدت أكثر بعد أن عشت بسلام داخلي وقررت أن أتحدى كل نظرات الدونية لمهنتي المسكينة (السكرتيرة)، وأواجه الكل بنظرات الثقة والفوز، حيث إن موهبتي أعطتني القوة التي ضعفت كبرياء كل متنمر وأصبحت من أشهر وأحب كتّاب جيلي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك