العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

حفظ اللسان عن الفضول

بقلم: د. سعد الله المحمدي

الخميس ٠٤ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

تذخر‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأمثال‭ ‬السائرة‭ ‬والحِكَم‭ ‬اللطيفة‭ ‬حول‭ ‬حفظ‭ ‬اللسان‭ ‬وصيانته‭ ‬من‭ ‬فضول‭ ‬القول‭ ‬واللّغو‭ ‬والثرثرة،‭ ‬كقولهم‭: ‬‮«‬إنّ‭ ‬البلاء‭ ‬موكّل‭ ‬بالمنطق‮»‬‭. ‬وقولهم‭: ‬‮«‬رُبّ‭ ‬رأسٍ‭ ‬حصيدُ‭ ‬لسانٍ‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬كثُر‭ ‬كلامه،‭ ‬كثُر‭ ‬ملامه،‭ ‬وطاعة‭ ‬اللسان‭ ‬ندامة،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الكلام‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬فإن‭ ‬السكوت‭ ‬من‭ ‬فضّة،‭ ‬ورُبّ‭ ‬قول‭ ‬أشد‭ ‬من‭ ‬صولٍ،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭.‬

كما‭ ‬تحملُ‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أحشاء‭ ‬بحرها‭ ‬الطامي‭ ‬دررا‭ ‬نادرةً‭ ‬من‭ ‬الأبيات‭ ‬الشعرية‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬تحثّ‭ ‬على‭ ‬السكوتّ‭ ‬وملازمة‭ ‬الصمت،‭ ‬والكفّ‭ ‬عن‭ ‬التطاول‭ ‬والتشدق‭ ‬وتجريح‭ ‬الناس‭ ‬أو‭ ‬النيل‭ ‬منهم‭ ‬أو‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬شأنهم؛‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬القولَ‭ ‬يَنفذُ‭ ‬ما‭ ‬لاَ‭ ‬تنفُذُ‭ ‬الإبَرُ‭: ‬

وقد‭ ‬يُرجي‭ ‬لجُرح‭ ‬السّيف‭ ‬بُرءٌ‭ ‬

‭ ‬وجُرح‭ ‬الدهر‭ ‬ما‭ ‬جرح‭ ‬اللسان

ويذكر‭ ‬الشافعي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬أنّ‭ ‬المرء‭ ‬لابدّ‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬حيطة‭ ‬وحذر‭ ‬ٍ‭ ‬من‭ ‬لدغات‭ ‬لسانه؛‭ ‬حيث‭ ‬إنّ‭ ‬أشدّ‭ ‬السّموم‭ ‬فتكا‭ ‬سُمّ‭ ‬اللسان،‭ ‬وطاعتها‭ ‬تورث‭ ‬الندم‭ ‬والخيبة‭ ‬والخذلان‭.‬

احفَظ‭ ‬لِسانَكَ‭ ‬أَيُّها‭ ‬الإِنسانُ‭ ‬

‭ ‬لا‭ ‬يَلدَغَنَّكَ‭ ‬إِنَّــــهُ‭ ‬ثُعبــــانُ

كَم‭ ‬في‭ ‬المَقابِرِ‭ ‬مِن‭ ‬قَتيلِ‭ ‬لِسانِهِ

‭ ‬كانَت‭ ‬تَهابُ‭ ‬لِقاءَهُ‭ ‬الشّجعان

وقالوا‭ ‬في‭ ‬فضل‭ ‬الصمت‭ ‬عن‭ ‬فضول‭ ‬الكلام،‭ ‬وصيانة‭ ‬اللسان‭ ‬عن‭ ‬اللغو‭ ‬والعبث‭ ‬والجدال‭ ‬العقيم‭: ‬إنّه‭ ‬دليلٌ‭ ‬على‭ ‬الحكمة‭ ‬والعقل،‭ ‬وصفاء‭ ‬السريرة‭ ‬وحسن‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهو‭ ‬يُكسب‭ ‬أهله‭ ‬الهيبة‭ ‬والوقار،‭ ‬ومحبة‭ ‬الناس‭ ‬ولطفهم؛‭ ‬لسلامتهم‭ ‬من‭ ‬ضرره‭ ‬وأذاه،‭ ‬وشبّهوا‭ ‬الألفاظ‭ ‬النابية‭ ‬والكلمات‭ ‬الجارحة‭ ‬بوخز‭ ‬السِّنان،‭ ‬وذكروا‭ ‬أنّ‭ ‬زلّة‭ ‬الرأي‭ ‬تُنسي‭ ‬زلّة‭ ‬القدم‭ ‬كإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬زلّة‭ ‬القدم‭ ‬أخفّ‭ ‬احتمالا‭ ‬من‭ ‬زلّة‭ ‬اللسان،‭ ‬وأنّ‭ ‬الإنسان‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬السلامة‭ ‬من‭ ‬الأذى‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يتحكّم‭ ‬في‭ ‬لسانه،‭ ‬ويمتنع‭ ‬عن‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬أعراض‭ ‬الناس‭ ‬وعوراتهم،‭ ‬ويعرض‭ ‬عن‭ ‬القيل‭ ‬والقال‭ ‬وكثرة‭ ‬المراء‭ ‬والجدال‭.‬

إذا‭ ‬شئتَ‭ ‬أنْ‭ ‬تَحْيَا‭ ‬سَلِيْمًا‭ ‬مِنَ‭ ‬الأذَى‭ ‬

‭ ‬وَحظّك‭ ‬مَوْفُوْرٌ‭ ‬وَعِرْضُكَ‭ ‬صَيِّنُ

لسانك‭ ‬لا‭ ‬تذكر‭ ‬به‭ ‬عورة‭ ‬إمرئ‭ ‬

‭ ‬فَكُلُّكَ‭ ‬عورات‭ ‬ولِلنَّاسِ‭ ‬ألْسُنُ

وشبّهوا‭ ‬كذلك‭ ‬القول‭ ‬الجميل‭ ‬والفعل‭ ‬الحسن‭ ‬بالعسل،‭ ‬وأنه‭ ‬سببٌ‭ ‬للمحبّة‭ ‬والودّ‭ ‬والتقارب‭ ‬والتفاهم،‭ ‬فمن‭ ‬لانت‭ ‬كلمته‭ ‬وجبت‭ ‬محبّته،‭ ‬وأصبح‭ ‬طَعْمُ‭ ‬ذِكْرِه‭ ‬مَعْسُولا‭ ‬بِكُلِّ‭ ‬فَمٍ‭. ‬والكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬والتعاطف‭ ‬مع‭ ‬الناس،‭ ‬والثناء‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬المشرق‭ ‬من‭ ‬حديثهم،‭ ‬واحترامهم،‭ ‬والاستماع‭ ‬إليهم،‭ ‬وتحفيزهم‭ ‬على‭ ‬الخير،‭ ‬وعدم‭ ‬الحطّ‭ ‬من‭ ‬أقدارهم‭ ‬جمالٌ‭ ‬وسموّ‭ ‬وأريحيّة‭ ‬تصفي‭ ‬السرائر‭ ‬وتدخل‭ ‬البهجة‭ ‬والسرور،‭ ‬وتترك‭ ‬مفعولا‭ ‬سحريا‭ ‬في‭ ‬النفوس‭.‬

وزن‭ ‬الكلام‭ ‬إذا‭ ‬نطقتَ‭ ‬ولا‭ ‬تكن‭ ‬

‭ ‬ثرثارةً‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬واد‭ ‬يخطبُ

شمعة‭ ‬أخيرة‭:‬

إن‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يحسن‭ ‬اختيار‭ ‬الألفاظ‭ ‬والتعبيرات‭ ‬في‭ ‬الطرح‭ ‬والمناقشة،‭ ‬ويستمع‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين‭ ‬بهدوء‭ ‬ورويّة‭ ‬جديرٌ‭ ‬بالاحترام‭ ‬والتقدير،‭ ‬أمّا‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬إلا‭ ‬نفسه‭ ‬فقط‭ ‬وأنّه‭ ‬‮«‬وحده‭ ‬الكوكب‭ ‬الدّرّي،‭ ‬وقُبة‭ ‬الفلَك،‭ ‬ونادرة‭ ‬الزمان،‭ ‬وبركة‭ ‬الوقت،‭ ‬وغيره‭ ‬قاصر،‭ ‬وعليه‭ ‬مآخذ‭ ‬وملاحظات‮»‬‭ ‬الجديرٌ‭ ‬أن‭ ‬يصدق‭ ‬عليه‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭: ‬

ومن‭ ‬لم‭ ‬يقيِّد‭ ‬لفظه‭ ‬متجمّلاً‭ ‬

‭ ‬سيُطلَقُ‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬يجملُ‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا