العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

متى سنحاسب أنفسنا؟

نستقبل‭ ‬عاما‭ ‬جديدا‭ ‬بقلوب‭ ‬كسيرة‭ ‬حزينة،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬علينا‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬نتفاءل‭ ‬أو‭ ‬نتعلق‭ ‬بالأمل‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬آت‭.‬

منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬نعيش‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬أكبر‭ ‬محنة‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬المعاصر‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭.. ‬وأي‭ ‬محنة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬وهو‭ ‬يباد‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ونرى‭ ‬وطنا‭ ‬لنا‭ ‬يتم‭ ‬تدميره‭.‬

في‭ ‬وضع‭ ‬كالذي‭ ‬نعيشه‭ ‬ونحن‭ ‬نستقبل‭ ‬عاما‭ ‬جديدا‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬نكتفي‭ ‬بالحسرة‭ ‬والألم‭ ‬والحزن‭.. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الرسمية‭ ‬والشعبية،‭ ‬وقفة‭ ‬تأمل‭ ‬ومراجعة‭ ‬ومحاسبة‭ ‬للنفس‭.‬

لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نتأمل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وما‭ ‬يعنيه،‭ ‬وأي‭ ‬دروس‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتعلمها‭ ‬وماذا‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬الآن‭ ‬ومستقبلا‭.‬

قضايا‭ ‬كثيرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نطرحها،‭ ‬وتساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نثيرها‭ ‬ونناقشها‭ ‬بأمانة‭ ‬وموضوعية‭.‬

أول‭ ‬وأكبر‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬والتساؤلات‭ ‬تتعلق‭ ‬بما‭ ‬كشفت‭ ‬عنه‭ ‬محنة‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬عجز‭ ‬عربي‭ ‬كامل‭.‬

الدول‭ ‬العربية‭ ‬كلها‭ ‬فرادى‭ ‬ومجتمعة‭ ‬عجزت‭ ‬عجزا‭ ‬كاملا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬شعبا‭ ‬عربيا‭ ‬يُباد‭ ‬وأن‭ ‬توقف‭ ‬حرب‭ ‬إبادته‭.‬

لقد‭ ‬اكتشفنا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬مكانتنا‭ ‬متواضعة‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القدرة‭ ‬والتأثير‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا‭. ‬اكتشفنا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يكترث‭ ‬بنا‭ ‬وبمواقفنا‭ ‬ومطالباتنا‭.‬

هذه‭ ‬كارثة‭ ‬كبرى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عندها‭. ‬تساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نطرحها‭.. ‬لماذا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العجز‭ ‬العربي؟‭.. ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬نستطع‭ ‬بكل‭ ‬إمكانياتنا‭ ‬وقدراتنا‭ ‬أن‭ ‬نحمي‭ ‬شعبا‭ ‬عربيا‭ ‬أو‭ ‬ندافع‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا؟‭.. ‬أين‭ ‬الخلل‭ ‬بالضبط‭ ‬ومن‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المُهين‭ ‬الذي‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه؟‭ ‬ماذا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬تجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬لنا‭ ‬مكانة‭ ‬يُعتدّ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬العالم؟

قضية‭ ‬كبرى‭ ‬أخرى‭ ‬تثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عندها‭ ‬وتكون‭ ‬موضع‭ ‬مراجعة‭ ‬تتعلق‭ ‬بعلاقاتنا‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

على‭ ‬امتداد‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬عقدنا‭ ‬تحالفات‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬وعبر‭ ‬صفقات‭ ‬مهولة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬بمليارات‭ ‬لا‭ ‬تحصى‭ ‬دعمنا‭ ‬اقتصادات‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬وبشكل‭ ‬عام‭ ‬لطالما‭ ‬اعتبرناها‭ ‬دولا‭ ‬صديقة‭ ‬وحليفة‭.‬

ثم‭ ‬مع‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬غزة‭ ‬اكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬تُكنّ‭ ‬لنا‭ ‬حقدا‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬له،‭ ‬وعداء‭ ‬لم‭ ‬يخطر‭ ‬ببالينا‭. ‬لم‭ ‬تشارك‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬فقط‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬بل‭ ‬أظهرت‭ ‬نوايا‭ ‬عدوانية‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬إبادة‭ ‬كل‭ ‬العرب‭. ‬فعلت‭ ‬هذا‭ ‬بلا‭ ‬مواربة‭.‬

الآن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬بداهة‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬نظر‭ ‬شاملة‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭. ‬هل‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬العلاقات‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬ونتجاهل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فعلوه‭ ‬بأهلنا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وبنا؟‭.. ‬على‭ ‬أي‭ ‬أسس‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تقوم‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬في‭ ‬المستقبل؟‭.. ‬وأسئلة‭ ‬غير‭ ‬هذه‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نناقشها‭.‬

قضية‭ ‬كبرى‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تراجع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬موقفها‭ ‬منها،‭ ‬هي‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والموقف‭ ‬منها‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تؤكد‭ ‬باستمرار‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هي‭ ‬قضية‭ ‬العرب‭ ‬الأولى،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬حقوقه‭ ‬كاملة‭.. ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬المعروفة‭. ‬ولا‭ ‬نشك‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬صادقة‭ ‬في‭ ‬مواقفها‭ ‬هذه‭.‬

لكن‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬ويجري‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تتساءل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬فعلناه‭ ‬حقا‭ ‬لنصرة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والشعب‭ ‬الفلسطيني؟‭.. ‬لماذا‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬النقطة‭ ‬التي‭ ‬نعجز‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬إبادة‭ ‬شاملة‭ ‬يتعرض‭ ‬لها؟‭.. ‬هل‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬إمكانية‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬بإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬معه‭ ‬مثلا‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬جدوى‭ ‬أو‭ ‬معنى؟‭.. ‬كيف‭ ‬نبني‭ ‬موقفا‭ ‬عربيا‭ ‬جديدا‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬ننصر‭ ‬به‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬حقا‭ ‬ونلعب‭ ‬دورنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استعادة‭ ‬حقوقه؟‭ ‬هذه‭ ‬أسئلة‭ ‬حاسمة‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتشف‭ ‬الكل‭ ‬أن‭ ‬الخطر‭ ‬الصهيوني‭ ‬يهددنا‭ ‬جميعا‭ ‬ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬فقط‭.‬

بشكل‭ ‬عام‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬نعيش‭ ‬لحظة‭ ‬فارقة‭ ‬مؤلمة‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭. ‬أبسط‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نفعله‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نحاسب‭ ‬أنفسنا‭ ‬ونستخلص‭ ‬الدروس‭ ‬ونبني‭ ‬مواقفنا‭ ‬وسياساتنا‭ ‬النظرية‭ ‬والعملية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭.‬

والأمر‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الرسمية‭ ‬العربية‭ ‬فقط‭. ‬المثقفون‭ ‬العرب‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬لهم‭ ‬علاقة‭ ‬بالشأن‭ ‬العام‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يراجعوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬أيضا‭ ‬ويحاسبوا‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وأن‭ ‬يطرحوا‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبوه‭ ‬في‭ ‬وصولنا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا