العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قراءة في حصاد التغيرات السياسية في عام 2023

بقلم: د. نبيل فهمي

الثلاثاء ٠٢ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

قبل‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬تقريبا،‭ ‬كان‭ ‬المحللون‭ ‬والمؤسسات‭ ‬البحثية‭ ‬يصدرون‭ ‬استقراءاتهم‭ ‬بثقة‭ ‬بشأن‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية‭ ‬لعام‭ ‬2023‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬تقييم‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الاستقراءات‭ ‬دقيقة‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬فمن‭ ‬الأهم‭ ‬تقييم‭ ‬موقفنا‭ ‬الحالي‭ ‬وتحديد‭ ‬الخطوات‭ ‬القادمة‭ ‬خاصةً‭ ‬ونحن‭ ‬دخلنا‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭.‬

توقعات‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭:‬

تركز‭ ‬الاهتمام‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العالم‭ ‬حول‭ ‬خمسة‭ ‬أحداث‭ ‬رئيسية‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬حدوثها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023‭. ‬ففي‭ ‬البداية‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬احتمال‭ ‬قيام‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وهو‭ ‬الاحتمال‭ ‬الذي‭ ‬رفضه‭ ‬الخبراء‭ ‬الغربيون‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬واعتبروه‭ ‬حدثاً‭ ‬مستبعدا‭. ‬وبعد‭ ‬قيام‭ ‬الحرب‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬افترض‭ ‬الكثيرون‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬مجرد‭ ‬نزهة‭ ‬سهلة‭ ‬للجانب‭ ‬الروسي‭ ‬مع‭ ‬انتصار‭ ‬سريع،‭ ‬ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬أثبت‭ ‬خطأ‭ ‬كلا‭ ‬التنبؤين‭. ‬فمع‭ ‬اقتراب‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الجمود‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬مستمرا‭.‬

ثانياً،‮ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬توقعات‭ ‬بشأن‭ ‬انهيار‭ ‬التضامن‭ ‬الغربي‭ ‬حول‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ثبت‭ ‬خطأه‭ ‬أيضاً،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬صعود‭ ‬سياسة‭ ‬‮«‬أمريكا‭ ‬أولاً‮»‬‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬التي‭ ‬ينتهجها‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬والتي‭ ‬ظهرت‭ ‬كنقطة‭ ‬انقسام‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬أوروبا‭. ‬وقد‭ ‬أعرب‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬عن‭ ‬قلقه‭ ‬بشأن‭ ‬القانونين‭ ‬اللذين‭ ‬يدعمان‭ ‬الصناعة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ويميزان‭ ‬في‭ ‬المعاملة‭ ‬بين‭ ‬المنتجين‭ ‬خارج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وداخلها،‭ ‬واللذين‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يؤديا‭ ‬إلى‭ ‬تفتيت‭ ‬وحدة‭ ‬الغرب‭.‬

ثالثاً،‮ ‬يعتقد‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬الغربيين‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬منقسم‭ ‬بالأساس‭ ‬بين‭ ‬الأنظمة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والأنظمة‭ ‬الاستبدادية‭. ‬وقد‭ ‬أثار‭ ‬هذا‭ ‬المنظور‭ ‬مخاوف‭ ‬استقطابية‭ ‬بشأن‭ ‬الطموحات‭ ‬الغربية‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬قد‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬التقريب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬وإيران،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬اختلاف‭ ‬مستويات‭ ‬التقارب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دولة‭.‬

رابعاً،‮ ‬كانت‭ ‬التوترات‭ ‬بشأن‭ ‬تايوان‭ ‬مصدراً‭ ‬كبيراً‭ ‬للقلق‭ ‬بسبب‭ ‬التزام‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ،‭ ‬بإعادة‭ ‬توحيد‭ ‬الصين‭. ‬وما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬هذا‭ ‬القلق‭ ‬زيارة‭ ‬رئيسة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬السابقة‭ ‬نانسي‭ ‬بيلوسي،‭ ‬وإعلان‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬تايوان‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬وقوع‭ ‬أي‭ ‬عدوان‭ ‬ضدها،‭ ‬وتحذير‭ ‬رئيس‭ ‬العمليات‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬صيني‭ ‬محتمل‭ ‬على‭ ‬تايوان‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬2024‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬ثبت‭ ‬عدم‭ ‬دقة‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات،‭ ‬وانتهى‭ ‬العام‭ ‬بمحاولة‭ ‬إعادة‭ ‬تنسيق‭ ‬للقمة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭.‬

خامساً،‮ ‬كانت‭ ‬الاضطرابات‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬والتي‭ ‬تتضمن‭ ‬تحديات‭ ‬مختلفة،‭ ‬بمثابة‭ ‬قضية‭ ‬رئيسية‭ ‬أخرى‭ ‬تركز‭ ‬الاهتمام‭ ‬حولها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023‭.‬

وتضمنت‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تواجهها‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬العام‭: ‬اندلاع‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬مهسا‭ ‬أميني،‭ ‬أثناء‭ ‬احتجازها‭ ‬لدى‭ ‬الشرطة،‭ ‬وعموم‭ ‬الركود‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬صرامة‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬الدولة‭. ‬وهكذا‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الأسئلة‭ ‬المهمة‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬سيكون‭ ‬باستطاعة‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬تصمد‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬وسط‭ ‬التحديات‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تواجهها‭ ‬الدولة؟‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مخاوف‭ ‬بشأن‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬واحتمالية‭ ‬زيادة‭ ‬العدوانية‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وربما‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬برمتها‭ ‬بمثابة‭ ‬تكتيك‭ ‬لتحويل‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬الداخلية‭. ‬ولكن‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات‭.‬

زيادة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭:‬

في‭ ‬الواقع‭ ‬لقد‭ ‬تساءل‭ ‬المحللون‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬سيكون‭ ‬عاماً‭ ‬للتصعيد‭ ‬أم‭ ‬عاماً‭ ‬للتهدئة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تقليل‭ ‬التوترات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬الاقتصادية‭. ‬وقد‭ ‬نشأت‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬بسبب‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬هي‭:‬

1‭. ‬أطر‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي‭ ‬غير‭ ‬الفعالة‭:‬‮ ‬فشلت‭ ‬مفاهيم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬الصراعات،‭ ‬مثل‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬العالم‭.‬

2‭. ‬تصادم‭ ‬التحولات‭ ‬الخضراء‭ ‬مع‭ ‬التحولات‭ ‬الرقمية‭:‬‮ ‬فقد‭ ‬أدت‭ ‬العقوبات‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬الأسواق‭ ‬وأثرت‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭.‬

3‭. ‬الركود‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬المتوقع‭:‬‮ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تباطؤ‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي،‭ ‬فإن‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العالمية‭ ‬والصناعية‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الركود‭.‬

4‭. ‬أزمة‭ ‬توفر‭ ‬السلع‭ ‬الأساسية‭:‬‮ ‬لايزال‭ ‬العالم‭ ‬يصارع‭ ‬تداعيات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬وباء‭ ‬‮«‬كوفيد19‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬المخاوف‭ ‬بشأن‭ ‬توفر‭ ‬السلع‭ ‬الأساسية‭.‬

5‭. ‬انتشار‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسخط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭:‬‮ ‬لقد‭ ‬أدت‭ ‬‮«‬الأزمة‭ ‬الدائمة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسخط‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬مما‭ ‬سلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬المخاوف‭ ‬بشأن‭ ‬الجزء‭ ‬العالمي‭ ‬المحروم‭.‬

6‭. ‬نهاية‭ ‬عصر‭ ‬وفرة‭ ‬الموارد‭:‬‮ ‬يقترب‭ ‬عصر‭ ‬المنتجات‭ ‬الرخيصة‭ ‬والوفيرة‭ ‬من‭ ‬نهايته،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬المخاوف‭ ‬بشأن‭ ‬اقتصادات‭ ‬السوق‭ ‬والتدفق‭ ‬الحر‭ ‬للسلع‭ ‬والخدمات‭.‬

7‭. ‬التفتت‭ ‬التنظيمي‭ ‬والعولمة‭ ‬القطاعية‭:‬‮ ‬أدى‭ ‬تصاعد‭ ‬الاستقطاب‭ ‬والأزمات‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬التفتت‭ ‬التنظيمي‭ ‬والعولمة‭ ‬القطاعية‭ ‬مشكلة‭ ‬متزايدة،‭ ‬مما‭ ‬يقوض‭ ‬القواعد‭ ‬والأنظمة‭ ‬العالمية‭ ‬التوافقية‭.‬

8‭. ‬اختبار‭ ‬الحدود‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭:‬‮ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬النماذج‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المتوترة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأسواق‭ ‬غير‭ ‬الفعالة‭ ‬المتأثرة‭ ‬بالعقوبات،‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬المخاطر‭.‬

إعادة‭ ‬تقييم‭ ‬الأمور‭:‬‮ ‬

أثبتت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬استقراءات‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬عدم‭ ‬دقتها،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬الأحداث‭ ‬أقل‭ ‬دراماتيكية‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬كان‭ ‬بعضها‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬له‭ ‬بكثير‭. ‬ولقد‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬ظهور‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الادعاءات‭ ‬الكاذبة‭ ‬والسياسات‭ ‬العدوانية‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬عدم‭ ‬فعاليتها‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭. ‬ولذلك‭ ‬نرى‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬الآن‭ ‬للتفكير‭ ‬والتأمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬ضبط‭ ‬المسار‭.‬

لقد‭ ‬تأثرت‭ ‬التناقضات‭ ‬الكبيرة‭ ‬الخاصة‭ ‬باستقراءات‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬بعدة‭ ‬عوامل‭. ‬وأول‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الاستقراءات‭ ‬ركزت‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬وبشكل‭ ‬غير‭ ‬متكافئ،‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬والنصف‭ ‬الشمالي‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تجاهلت‭ ‬النصف‭ ‬الآخر‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬استندت‭ ‬هذه‭ ‬الاستقراءات‭ ‬إلى‭ ‬مفاهيم‭ ‬وافتراضات‭ ‬لنظام‭ ‬عالمي‭ ‬قد‭ ‬عفا‭ ‬عليه‭ ‬الزمن‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يعكس‭ ‬النموذج‭ ‬العالمي‭ ‬السائد‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭.‬

ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬التي‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬خطأ‭ ‬هذه‭ ‬الافتراضات‭ ‬أنه‭ ‬ومنذ‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط‭ ‬كان‭ ‬الافتراض‭ ‬السائد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قضية‭ ‬على‭ ‬الأجندة‭ ‬العالمية،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬ومنذ‭ ‬أشهر‭ ‬فقط‭ ‬نشر‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‭ ‬جيك‭ ‬سوليفان،‭ ‬مقالاً‭ ‬يؤكد‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬أماناً‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الاستقراءات‭ ‬السائدة‭ ‬بينما‭ ‬ها‭ ‬هو‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬الانتهاء‭ ‬وأنظار‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬متركزة‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬حصدت‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأرواح‭.‬

ونظراً‭ ‬إلى‭ ‬تنوع‭ ‬مصادر‭ ‬التوترات‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬فمن‭ ‬الملح‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬باعتبارها‭ ‬الأداة‭ ‬الأساسية‭ ‬لإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬دولية‭ ‬وحل‭ ‬النزاعات‭. ‬ويُعد‭ ‬هذا‭ ‬أمراً‭ ‬ملحاً،‭ ‬خاصةً‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬الصراعات‭ ‬الحالية‭ (‬أو‭ ‬الوشيكة‭) ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭: ‬أوكرانيا‭ ‬وفلسطين‭ ‬والسودان‭ ‬واليمن‭... ‬إلخ‭.‬

ويُعد‭ ‬إنهاء‭ ‬حالة‭ ‬الاستقطاب‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬أيضاً‭ ‬قضية‭ ‬ملحة‭ ‬أخرى،‭ ‬فمن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬الصراعات‭ ‬العسكرية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق،‭ ‬والحروب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬المدمرة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬بالذات‭ ‬يمكن‭ ‬للدبلوماسية‭ ‬الثنائية‭ ‬ومتعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬دوراً‭ ‬حاسماً‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭.‬

إن‭ ‬تجديد‭ ‬الجهود‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نزع‭ ‬السلاح‭ ‬العالمي‭ ‬والإقليمي‭ ‬أصبح‭ ‬أمراً‭ ‬ضرورياً‭. ‬وتُعد‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬شديدة‭ ‬الأهمية‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬شهدناه‭ ‬من‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬اتفاقيات‭ ‬دولية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد،‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ (‬كالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭)‬،‭ ‬والمواقف‭ ‬المتصاعدة‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي،‭ ‬وتطوير‭ ‬تقنيات‭ ‬جديدة‭ ‬للاستخدام‭ ‬المزدوج‭.. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يجلب‭ ‬آثاراً‭ ‬مدمرة‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬سواءً‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬التوترات‭ ‬أم‭ ‬على‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭.‬

إن‭ ‬تشجيع‭ ‬وتبني‭ ‬التعايش،‭ ‬كمجتمع‭ ‬عالمي‭ ‬واحد،‭ ‬أمر‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬لمواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬التهديدات‭ ‬العالمية‭ ‬غير‭ ‬العسكرية‭ ‬مثل‭: ‬انتشار‭ ‬الأوبئة‭ ‬وتغير‭ ‬المناخ‭.‬

في‭ ‬الختام،‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬لديها‭ ‬أسباب‭ ‬مشروعة‭ ‬للطعن‭ ‬والتشكيك‭ ‬في‭ ‬دقة‭ ‬الاستقراءات‭ ‬السنوية‭ ‬بشأن‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية،‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬الرضا‭ ‬إزاء‭ ‬غياب‭ ‬المعاملة‭ ‬العادلة‭. ‬فالأدلة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬للأسف‭ ‬تدعم‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭. ‬ولذلك‭ ‬فمن‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المشاركة‭ ‬النشطة‭ ‬مع‭ ‬المحللين‭ ‬والخبراء‭ ‬داخل‭ ‬بلدانها‭ ‬بهدف‭ ‬تطوير‭ ‬وتقديم‭ ‬السردية‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬وجهات‭ ‬نظرها‭ ‬واهتماماتها‭ ‬الحقيقية‭. ‬وينبغي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مشاركة‭ ‬هذه‭ ‬الروايات‭ ‬وموازنتها‭ ‬مع‭ ‬روايات‭ ‬الآخرين‭. ‬

 

{ وزير‭ ‬خارجية‭ ‬مصر‭ ‬السابق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا