العدد : ١٦٨٥٧ - السبت ١٨ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٧ - السبت ١٨ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

حتى لا تذهب منجزات الشعب الفلسطيني سدى

بقلم: د. حسن نافعة {

الخميس ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

ما‭ ‬جرى‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬يعدّ‭ ‬نقطة‭ ‬تحوّل‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬النضال‭ ‬الفلسطيني‭. ‬تلك‭ ‬حقيقة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بمقدور‭ ‬أي‭ ‬مراقب‭ ‬منصف‭ ‬إنكارها‭ ‬أو‭ ‬المجادلة‭ ‬في‭ ‬صحتها‭. ‬فقبل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ،‭ ‬كانت‭ ‬مسيرة‭ ‬النضال‭ ‬السياسي‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مأزق‭ ‬بسبب‭ ‬وصول‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬أوسلو‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬لهذا‭ ‬التحوّل‭ ‬الخطير‭ ‬سوى‭ ‬معنى‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬بداية‭ ‬دخول‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عملياً‭ ‬مرحلة‭ ‬التصفية‭ ‬النهائية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظلت‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬التيه‭ ‬والضياع‭.‬

في‭ ‬سياق‭ ‬كهذا،‭ ‬بدت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬أمسّ‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الزلزال‭ ‬لإعادة‭ ‬تذكير‭ ‬العالم‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تحقّق‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬بدا‭ ‬لكثيرين‭ ‬أشبه‭ ‬بالعمل‭ ‬الخارق،‭ ‬لكنه‭ ‬استطاع‭ ‬بالفعل‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬أوضاع‭ ‬المنطقة‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬وأجبر‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬بالصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬حساباتها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ونجح‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬صدارة‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬النظامين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والعالمي‭.‬

لقد‭ ‬استطاعت‭ ‬حماس،‭ ‬عبر‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬تضليل‭ ‬أقوى‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬والتجسس‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وألحقت‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الجيش‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقهر‮»‬‭ ‬هزيمة‭ ‬قاسية‭ ‬أسقطت‭ ‬أسطورته،‭ ‬وتمكّنت‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬العسكريين‭ ‬والمستوطنين‭ ‬لمقايضتهم‭ ‬بكل‭ ‬المعتقلين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ما‭ ‬تحقّق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬البطولية‭ ‬هو‭ ‬الإنجاز‭ ‬الوحيد،‭ ‬وإنما‭ ‬أضيف‭ ‬إليه‭ ‬إنجازان‭ ‬لا‭ ‬يقلان‭ ‬روعة‭ ‬وإعجازاً،‭ ‬الأول‭: ‬حين‭ ‬تمكّنت‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭ ‬بقيادة‭ ‬حماس‭ ‬من‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬أطول‭ ‬حرب‭ ‬خاضها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬خاضها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬النظامية‭.‬

والثاني‭: ‬حين‭ ‬صمد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬حرب‭ ‬انتقامية‭ ‬همجية،‭ ‬تضمنت‭ ‬عمليات‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬شنها‭ ‬‮«‬الجيش‮»‬‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وراح‭ ‬ضحيتها‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬مئة‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وحدها‭ ‬بين‭ ‬شهيد‭ ‬وجريح‭ ‬ومفقود‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض،‭ ‬والترحيل‭ ‬القسري‭ ‬لما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬وحرمان‭ ‬جميع‭ ‬سكان‭ ‬القطاع‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مليونين‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عناصر‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬وغذاء‭ ‬وكهرباء‭ ‬وغيرها‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬فقد‭ ‬قدّم‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هناك‭ ‬مئات‭ ‬الشهداء‭ ‬والجرحى‭ ‬وآلاف‭ ‬المعتقلين‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬اقتحام‭ ‬ومطاردة‭ ‬مكثفة‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬البشعة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬‮«‬جيش‮»‬‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬هزت‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬أقصاه‭ ‬إلى‭ ‬أقصاه،‭ ‬وذكّرت‭ ‬الجميع‭ ‬بأن‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬قضية‭ ‬عادلة‭ ‬يصرّ‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬بكلّ‭ ‬غال‭ ‬ونفيس،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬أتمّ‭ ‬استعداد‭ ‬لأن‭ ‬يبذل‭ ‬في‭ ‬سبيلها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تستحقه‭ ‬من‭ ‬تضحيات،‭ ‬لأنها‭ ‬قضية‭ ‬وطن‭ ‬تم‭ ‬احتلاله‭ ‬منذ‭ ‬خمسة‭ ‬وسبعين‭ ‬عاماً،‭ ‬وقضية‭ ‬شعب‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬محروما‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭.‬

تقع‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬مسؤولية‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التضحيات‭ ‬والإنجازات‭ ‬الهائلة‭ ‬والبناء‭ ‬فوقها‭. ‬ولكي‭ ‬لا‭ ‬تهدر‭ ‬وتذهب‭ ‬سدى،‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬النخب‭ ‬السياسة‭ ‬والفكرية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬عموماً،‭ ‬وعلى‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬خصوصاً،‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬سد‭ ‬الثغرات‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬يتوقّع‭ ‬أن‭ ‬تتسلل‭ ‬منها‭ ‬أطراف‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية‭ ‬كثيرة‭ ‬يهمها‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتيت‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬لسرقتها‭ ‬والانتقاص‭ ‬من‭ ‬قدرها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فعلى‭ ‬جميع‭ ‬النخب‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أن‭ ‬تستعد‭ ‬منذ‭ ‬الآن‭ ‬لإدارة‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬بالقدرة‭ ‬والصلابة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬أدارت‭ ‬بها‭ ‬حماس‭ ‬مرحلة‭ ‬المواجهة‭ ‬والصدام‭.‬

إذ‭ ‬يتوقّع‭ ‬أن‭ ‬تصرّ‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الحالية‭ ‬بقيادة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وهي‭ ‬أكثر‭ ‬الحكومات‭ ‬تطرفاً‭ ‬وعنصرية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬هزيمة‭ ‬حماس‭ ‬وإسقاط‭ ‬حكمها‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬انتهاز‭ ‬الفرصة‭ ‬لإجبار‭ ‬سكان‭ ‬القطاع‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬القسري‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬كمرحلة‭ ‬أولى‭ ‬تتبعها‭ ‬مرحلة‭ ‬تالية‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬إجبار‭ ‬سكان‭ ‬الضفة‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬القسري‭ ‬إلى‭ ‬الأردن‭.‬

أما‭ ‬إذا‭ ‬عجز‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬فمن‭ ‬المتوقّع‭ ‬أن‭ ‬يتمسّك‭ ‬بنزع‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القطاع‭ ‬مع‭ ‬فرض‭ ‬منطقة‭ ‬عازلة‭ ‬في‭ ‬شماله‭ ‬تخضع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لسيطرته‭ ‬الأمنية‭ ‬المباشرة‭. ‬يلفت‭ ‬النظر‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬ما‭ ‬زال،‭ ‬حتى‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬لا‭ ‬يصرّ‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬وضع‭ ‬القطاع‭ ‬تحت‭ ‬إدارة‭ ‬حماس‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكنه‭ ‬يصرّ‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬وضعه‭ ‬تحت‭ ‬إدارة‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أيضاً‭.‬

صحيح‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يرضخ‭ ‬لاحقاً‭ ‬لضغوط‭ ‬أمريكية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬السلطة،‭ ‬بعد‭ ‬تجديد‭ ‬شبابها‭ ‬وتقوية‭ ‬مركزها،‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬القطاع،‭ ‬خصوصاً‭ ‬إذا‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬الحسم‭ ‬العسكري‭ ‬وأصبح‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مخرج‭ ‬سياسي،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الحالية‭ ‬للقيام‭ ‬بأي‭ ‬عمل‭ ‬جاد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬رغم‭ ‬حديثها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينقطع‭ ‬عن‭ ‬استمرار‭ ‬تمسّكها‭ ‬بحل‭ ‬الدولتين‭ ‬باعتباره‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تجنّب‭ ‬وقوع‭ ‬مواجهات‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

فالأرجح‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬بايدن‭ ‬استغلال‭ ‬الأزمة‭ ‬الراهنة‭ ‬لإدخال‭ ‬بعض‭ ‬التحسينات‭ ‬الشكلية‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومدّها‭ ‬بموارد‭ ‬تمكّنها‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬الأمنية‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬إطلاق‭ ‬‮«‬عملية‭ ‬سياسية‮»‬‭ ‬جديدة‭ ‬تستهدف‭ ‬إعادة‭ ‬تكريس‭ ‬وهم‭ ‬‮«‬حل‭ ‬الدولتين‮»‬‭.‬

لذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬بايدن‭ ‬لإسقاط‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬الحالية،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬جديدة‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬الدينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬وسموترتش‭.‬

ولأن‭ ‬هذا‭ ‬المنحى،‭ ‬وهو‭ ‬أخطر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يواجهه‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬حقوقه‭ ‬المشروعة،‭ ‬بل‭ ‬ويستهدف‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬تمكين‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬تحقيقه‭ ‬بالوسائل‭ ‬العسكرية،‭ ‬يتعيّن‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬والفصائل‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الداعمة‭ ‬للمقاومة،‭ ‬الآن‭ ‬وليس‭ ‬غداً،‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬بكل‭ ‬جدية‭ ‬على‭ ‬توحيد‭ ‬صفوفها‭ ‬حول‭ ‬برنامج‭ ‬وطني‭ ‬يستهدف‭ ‬إجهاض‭ ‬هذا‭ ‬المنحى‭ ‬وطرح‭ ‬تصوّر‭ ‬بديل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لكيفية‭ ‬إدارة‭ ‬النضال‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬والبناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حقّقته‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭.‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شخصيات‭ ‬قيادية‭ ‬محسوبة‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬منها‭ ‬حسين‭ ‬الشيخ‭ ‬ومحمود‭ ‬هباش،‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أدلت‭ ‬مؤخرا‭ ‬بتصريحات‭ ‬إعلامية‭ ‬تلقي‭ ‬فيها‭ ‬باللوم‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬وتحمّلها‭ ‬مسؤولية‭ ‬ما‭ ‬ارتكبته‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬من‭ ‬مذابح‭ ‬ومن‭ ‬عمليات‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬باعتبارها‭ ‬الطرف‭ ‬المبادر‭ ‬بشن‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬وتوعّدت‭ ‬بمساءلة‭ ‬قياداتها‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬لاحقة،‭ ‬وكأن‭ ‬مهمة‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬هي‭ ‬القبول‭ ‬بالاحتلال‭ ‬كأمر‭ ‬واقع‭ ‬والجري‭ ‬وراء‭ ‬أوهام‭ ‬‮«‬أوسلو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحقّق‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬شيئاً‭ ‬طوال‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً،‭ ‬وهذا‭ ‬منحى‭ ‬مقلق‭ ‬للغاية،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الأحرى‭ ‬بالسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أن‭ ‬تبادر‭ ‬بطرح‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬رصّ‭ ‬الصفوف‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬إثارة‭ ‬عوامل‭ ‬الفرقة‭ ‬وتعميق‭ ‬أسباب‭ ‬الانقسام‭.‬

وفي‭ ‬تقديري‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أمام‭ ‬جميع‭ ‬النخب‭ ‬والفصائل‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬خيار‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬سوى‭ ‬الاتحاد‭ ‬وبذل‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬تستطيع‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬لوقف‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وكسر‭ ‬الحصار‭ ‬وإدخال‭ ‬المساعدات‭ ‬العاجلة‭ ‬التي‭ ‬يحتاجها‭ ‬القطاع‭.‬

فهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بالذات،‭ ‬وهي‭ ‬بطبيعتها‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية،‭ ‬تحتاج‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬مرجعية‭ ‬فلسطينية‭ ‬موحّدة،‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬بلورتها‭ ‬كل‭ ‬العقول‭ ‬والقوى‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬والضفة‭ ‬والشتات،‭ ‬تكون‭ ‬مهمتها‭ ‬الأساسية‭ ‬قيادة‭ ‬دفة‭ ‬الاتصالات‭ ‬والمفاوضات‭ ‬حول‭ ‬وضع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬رؤية‭ ‬موحّدة‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬إدارة‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭.‬

 

{‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا