العدد : ١٦٨٤٢ - الجمعة ٠٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٢ - الجمعة ٠٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ شوّال ١٤٤٥هـ

الثقافي

في «حارة العدامة» تكتظ الأجساد بعضها ببعض مسكونة بالحب والسحر!
«ساعة ظهور الأرواح» للأديب البحريني عبد الله خليفة قراءة للرواية

السبت ٠٩ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

الأديب‭ ‬البحريني‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة،‭ ‬هو‭ ‬أديب‭ ‬قاص‭ ‬وروائي‭ ‬وكاتب‭ ‬متمرد‭ ‬على‭ ‬واقعه،‭ ‬منحاز‭ ‬لطبقة‭ ‬الفقراء‭ ‬والعمال‭ ‬والفلاحين‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬أعماله‭ ‬التي‭ ‬أصدرها‭ ‬ضمن‭ ‬مشوار‭ ‬تاريخه‭ ‬الحياتي‭ ‬والأدبي‭. ‬

فمنذ‭ ‬أواخر‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬تجاربه‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬والرواية‭ ‬وأيضا،‭ ‬كاتباً‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬النقد‭ ‬والبعد‭ ‬الفلسفي‭ ‬في‭ ‬قراءته‭ ‬للتاريخ،‭ ‬وهو‭ ‬المجد‭ ‬في‭ ‬مجاله‭ ‬السردي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬ومشواره‭ ‬الأدبي،‭ ‬بين‭ ‬رهان‭ ‬واقع‭ ‬متأزم‭ ‬مؤمن‭ ‬به‭ ‬ضمن‭ ‬منظور‭ ‬انشغالاته‭ ‬بالإنسان‭ ‬وحركة‭ ‬المجتمع‭. ‬

فالكثير‭ ‬من‭ ‬إبداعاته‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬عصارة‭ ‬عمر‭ ‬طويل‭ ‬قضاه‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬وفي‭ ‬الابداع‭ ‬الأدبي‭ ‬والثقافي‭.‬

رحل‭ ‬الروائي‭ ‬الأديب‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬21‭ ‬أكتوبر‭ ‬2014،‭ ‬بعد‭ ‬مشوار‭ ‬احتضن‭ ‬فيه‭ ‬الأدب‭ ‬وشجع‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬به‭.‬

وفي‭ ‬معظم‭ ‬كتابته‭ ‬نقرأ‭: ‬ان‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬خليفة‭ ‬لم‭ ‬ينحاز‭ ‬لطبقة‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬انحاز‭ ‬فيه‭ ‬لطبقة‭ ‬الدنيا‭ ‬من‭ ‬الفقراء‭ ‬والفلاحين‭ ‬والعمال،‭ ‬وما‭ ‬قرأته‭ ‬في‭ ‬روايته‭: ‬‮«‬ساعة‭ ‬ظهور‭ ‬الأرواح‮»‬‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المؤسسة‭ ‬العربية‭ ‬للدراسات‭ ‬والنشر،‭ ‬بيروت‭ ‬‭ ‬لبنان‭ ‬2004‭ ‬م‭.‬

 

عن‭ ‬الرواية‭:‬

تتحدث‭ ‬الرواية‭ ‬عن‭ ‬حارة‭ (‬العدامة‭) ‬التي‭ ‬جسد‭ ‬فيها‭ ‬الروائي‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬ضياعها،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬حارة‭ ‬العدامة‭ ‬مستنقعا‭ ‬زيتيا‭ ‬غير‭ ‬مكتشف،‭ ‬يبحث‭ ‬فيه‭ ‬السحرة‭ ‬والمقاولون‭ ‬عن‭ ‬كنوز‭ ‬الأجداد‭ ‬الضائعة،‭ ‬حيث‭ ‬يتعاملون‭ ‬ويتصلون‭ ‬بقوى‭ ‬غربية‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬أنحاء‭ ‬الكون‭ ‬لمساعدتهم‭ ‬في‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬الكنوز‭ ‬وتغيير‭ ‬طبيعة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حارة‭ ‬العدامة،‭ ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬قوى‭ ‬أخرى‭ ‬غزت‭ ‬العدامة‭ ‬وأحكمت‭ ‬قوتها‭ ‬على‭ ‬المستنقع‭ ‬وحبست‭ ‬الأرواح‭ ‬في‭ ‬الكهوف‭ ‬والحصالات‭ ‬بعدما‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تشغيلها‭ ‬بصورة‭ ‬مختلفة‭.‬

 

الفكرة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الرواية‭: ‬

لقد‭ ‬درج‭ ‬الأديب‭ ‬الروائي‭ ‬البحريني‭ ‬الراحل‭ ‬علي‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أعماله‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬واقعي،‭ ‬منحاز‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬الفقراء‭ ‬والمعوزين،‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬والفلاحين،‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬قصصه‭ ‬القصيرة‭ ‬حملت‭ ‬هموم‭ ‬هذه‭ ‬الشريحة‭ ‬واقفاً‭ ‬على‭ ‬صورٍ‭ ‬من‭ ‬حياتهم،‭ ‬ففي‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬نرى‭ ‬هذه‭ ‬الواقعية‭ ‬جليت‭ ‬بمعاناة‭ ‬هذه‭ ‬الشرائح‭ ‬المجتمعية،‭ ‬ففي‭ ‬البحر‭ ‬صور‭ ‬للبحار‭ ‬المنهك‭ ‬وفي‭ ‬العمل‭ ‬نرى‭ ‬العامل‭ ‬المطحون‭ ‬بنوبات‭ ‬العمل‭ ‬اليومي،‭ ‬وفي‭ ‬الزراعة‭ ‬نرى‭ ‬الفلاح‭ ‬بين‭ ‬حراثة‭ ‬الأرض‭ ‬وبين‭ ‬الدين‭ ‬الذين‭ ‬يطلبه‭ ‬منه‭ ‬الاقطاعي‭ (‬صاحب‭ ‬المزرعة‭).‬

‭ ‬وهذا‭ ‬النهج‭ ‬اتبعه‭ ‬الأديب‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬في‭ ‬قصصه‭ ‬القصيرة‭ ‬ورواياته،‭ ‬وخير‭ ‬شاهد‭ ‬ما‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬ساعة‭ ‬ظهور‭ ‬الأرواح‮»‬‭. ‬

‭ ‬وبرغم‭ ‬ما‭ ‬يمتلكه‭ ‬الروائي‭ ‬من‭ ‬أسلوب‭ ‬واقعي‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أعماله‭ ‬الأدبية‭ ‬تعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬أثار‭ ‬فيها‭ ‬الروائي‭ ‬أسلوب‭ ‬الخيال‭ ‬الشاعري‭ ‬الواسع‭.‬

 

الخيال‭ ‬وتجسيد‭ ‬الصور‭ ‬الشعرية‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬

بأسلوب‭ ‬شاعري‭ ‬ولغة‭ ‬مشحونة‭ ‬بالهم‭ ‬المجتمعي‭ ‬مستحضرا‭ ‬في‭ ‬احداث‭ ‬الرواية‭ ‬ثيمة‭ ‬الاسطورة،‭ ‬مستكشفاً‭ ‬الروائي‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬علم‭ ‬المعدومين‭ ‬والفقراء‭ ‬والمهمشين‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬بأسلوب‭ ‬عجائبي‭ ‬لا‭ ‬ينفك‭ ‬عن‭ ‬الاتصال‭ ‬بالواقع‭ ‬الذي‭ ‬يكشف‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬عن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مثالب‭ ‬المجتمع‭.‬

فبين‭ (‬يوسف‭) ‬الفتى‭ ‬الأبيض‭ ‬و‭(‬جوهر‭) ‬صاحب‭ ‬الجسد‭ ‬الأسمر‭ ‬النحيف‭ ‬مفتول‭ ‬العضلات،‭ ‬و‭(‬الشيخ‭ ‬درويش‭) ‬تكتظ‭ ‬اسنة‭ ‬الرماح‭ ‬الواقعة‭ ‬بين‭ ‬جيلين،‭ ‬جيل‭ ‬يوسف‭ ‬الشاب‭ ‬الحلو‭ ‬وجوهر‭ ‬الشاب‭ ‬الأسمر،‭ ‬اللذان‭ ‬يتوافقا‭ ‬في‭ ‬العمر،‭ ‬وبين‭ ‬الشيخ‭ ‬درويش‭ ‬صاحب‭ ‬البخور‭ ‬والأحجبة‭ ‬والذي‭ ‬يبعد‭ ‬عمره‭ ‬عن‭ ‬يوسف‭ ‬وجوهر‭ ‬تاريخاً‭ ‬وعمراً،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يصنع‭ ‬المعجزات‭ ‬الروحية‭ ‬ويستحضر‭ ‬الأرواح‭ ‬ويعمل‭ ‬الأحجبة‭ ‬ويداوي‭ ‬بشعوذاته‭ ‬ضعاف‭ ‬العقول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إيهام‭ ‬مرضاه‭ ‬بعمل‭ ‬تحريك‭ ‬الأرواح‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬يتم‭ ‬علاج‭ ‬مرضاه،‭ ‬في‭ ‬حارة‭ ‬العدامة‭ ‬وهو‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬تكتظ‭ ‬فيه‭ ‬الأجساد‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬بنيت‭ ‬من‭ ‬الطوب‭ ‬وسعف‭ ‬النخل‭ ‬والجريد‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬يكبر‭ ‬يوسف‭ ‬المدلل‭ ‬الحلو،‭ ‬ليصبح‭ ‬تاجراً،‭ ‬بل‭ ‬اقطاعياً‭ ‬يستغل‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬محبة‭ ‬ومهادنة‭ ‬يوسف‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬العدامة،‭ ‬والذي‭ ‬التف‭ ‬حوله‭ ‬الجميع‭ ‬يتقدمهم‭ ‬الشيخ‭ (‬درويش‭) ‬الذي‭ ‬همه‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الثروة‭ ‬والكنوز‭ ‬المفقودة‭.‬

 

العدامة‭ ‬أرض‭ ‬مباركة‭ ‬

في‭ ‬توظيف‭ ‬الاسطورة‭ ‬والبناء‭ ‬التخيلي‭ ‬استطاع‭ ‬الروائي‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬ان‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬روايته‭ ‬ساعة‭ ‬ظهور‭ ‬الأرواح‭ ‬ثيمة‭ ‬خاصة‭ ‬ذات‭ ‬نكهة‭ ‬تدفقت‭ ‬الوانها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحريك‭ ‬ابطال‭ ‬الرواية‭ ‬بلغة‭ ‬شعرية،‭ ‬كيوسف‭ ‬وجوهر‭ ‬والشيخ‭ ‬درويش‭ ‬وزهرة‭ ‬وأبو‭ ‬سمرة‭ ‬ومريم‭ ‬صاحبة‭ ‬يوسف‭ ‬وشماء‭ ‬التي‭ ‬هربت‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬عرسها‭ ‬من‭ ‬ابو‭ ‬سمرة‭ ‬العجوز‭ ‬المتصابي‭ (‬زير‭ ‬نساء‭ ‬العدامة‭).‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬السرد‭ ‬المشحون‭ ‬بسحر‭ ‬التخيل‭ ‬يتضح‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬الروائي‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬قد‭ ‬اشار‭ ‬اشارة‭ ‬واقعية‭ ‬اهدتنا‭ ‬لمفهوم‭ ‬ضياع‭ (‬العدامة‭).‬

هي‭ ‬العدامة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأكواخ‭ ‬المتراصة‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض،‭ ‬صاحبة‭ ‬المستنقعات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬كنز‭ ‬كبير‭ ‬لأصحاب‭ ‬الثروة‭ ‬والاقطاعيين‭ ‬والسماسرة،‭ ‬فهذه‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬باطنها‭ ‬الزيت‭ ‬غير‭ ‬المكتشف،‭ ‬الذي‭ ‬اثار‭ ‬شهوة‭ ‬المقاولين‭ ‬والسحرة‭ ‬وقطاع‭ ‬الطرق‭ ‬والاستغلاليين‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬العدامة‭.‬

فهي‭ ‬كنوز‭ ‬الاجداد‭ ‬المسلوبة‭ ‬والضائعة،‭ ‬فتهاتف‭ ‬التجار‭ ‬واصحاب‭ ‬الثروات‭ ‬هي‭ ‬مسببات‭ ‬تغير‭ ‬وجه‭ ‬العدامة‭ ‬إلى‭ (‬حارة‭) ‬بها‭ ‬كنوز‭ ‬كبيرة‭ ‬غير‭ ‬مستكشفة،‭ ‬فلا‭ ‬يزال‭ ‬المستنقع‭ ‬الفضي‭ ‬يثير‭ ‬شهوة‭ ‬جشع‭ ‬الإقطاعيين‭ ‬والتجار‭.‬

حلم‭ ‬كبر‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬كبرت‭ ‬احلام‭ ‬سكان‭ ‬العدامة‭ ‬فتصارعوا‭ ‬واشتد‭ ‬خناقهم‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الثروات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬مدفونة‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬العدامة‭.‬

فلم‭ ‬تعد‭ ‬الطيبة‭ ‬لها‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬ساكني‭ ‬العدامة‭ ‬عندما‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬ربوت‭ ‬الكتروني‭ ‬يثير‭ ‬شهوة‭ ‬السراق‭ ‬في‭ ‬سرقة‭ ‬باطن‭ ‬العدامة،‭ ‬أي‭ (‬الحي‭) ‬الجديد‭.  ‬

 

عالم‭ ‬يسكنه‭ ‬حلم‭ ‬فنتازيا‭ ‬الأحلام‭ ‬الأسطورية‭ ‬

في‭ ‬أسلوب‭ ‬الكاتب‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬وتوظيف‭ ‬شخوص‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬يتضح‭ ‬لنا‭ ‬انه‭ ‬التزم‭ ‬بالواقعية‭ ‬كمفهوم‭ ‬طبقي‭ ‬عبر‭ ‬توظيف‭ ‬ابطال‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬العتالين‭ ‬والعمال‭ ‬والفلاحين‭ ‬والمعدومين‭ ‬من‭ ‬طبقات‭ ‬المجتمع،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬صاحب‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬كالتجار‭ ‬والأقطاعين‭ ‬الذين‭ ‬يمتلكون‭ ‬الثروة‭ ‬فيخضعون‭ ‬ابناء‭ ‬العدامة‭ ‬كمخدومين‭ ‬يقومون‭ ‬بتنفيذ‭ ‬ما‭ ‬يريدونه‭ ‬مستغلين‭ ‬ضعفهم‭ ‬وفقرهم‭ ‬وعازتهم‭ ‬للمال‭.‬

بهذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬حرك‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬خليفة‭ ‬أبطال‭ ‬روايته‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬المشعوذين‭ ‬الذين‭ ‬يتاجرون‭ ‬بعقول‭ ‬البسطاء،‭ ‬فيلجئون‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬حياتهم‭.‬

ولم‭ ‬تخل‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬الأسلوب‭ ‬الغرائبي‭ ‬الساحري‭ ‬الذي‭ ‬امتلكه‭ ‬الروائي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬خليفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجاربه‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السرد‭.‬

 

بين‭ ‬رواية‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬خليفة‭ ‬ورواية‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم

تتشابه‭ ‬رسالة‭ ‬رواية‭ ‬ساعة‭ ‬ظهور‭ ‬الأرواح‭ ‬برواية‭ ‬الكاتب‭ ‬المصري‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬المعنونة‭ ‬الشهيرة‭ ‬‮«‬عودة‭ ‬الروح‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬المعنى‭ ‬واحدة‭ ‬عند‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬وعبدالله‭ ‬خليفة‭.‬

مفهوم‭ ‬لبعد‭ ‬رسالي‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬احياء‭ ‬الأرواح‭ ‬الميتة‭ ‬عند‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬والجمع‭ ‬بين‭ ‬الروايتين‭ ‬ساعة‭ ‬ظهور‭ ‬الأرواح‭ ‬وعودة‭ ‬الروح‭ ‬في‭ ‬مغزى‭ ‬مفهوم‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬جدلية‭ ‬وفلسفية،‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬احداث‭.‬Top‭ ‬of‭ ‬Form

ولتقارب‭ ‬شخوص‭ ‬رواية‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬خليفة‭ ‬بشخوص‭ ‬رواية‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬في‭ ‬‮«‬عودة‭ ‬الروح‮»‬‭ ‬تتوحد‭ ‬احداث‭ ‬رواية‭ ‬ساعة‭ ‬ظهور‭ ‬الأرواح‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬احداثها‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬‮«‬العدامة‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬أحد‭ ‬الأحياء‭ ‬التي‭ ‬يسكنها‭ ‬الفقراء،‭ ‬وأيضاً‭ ‬في‭ ‬عودة‭ ‬الروح‭ ‬للحكيم‭ ‬نرى‭ ‬إنه‭ ‬يسرد‭ ‬احداث‭ ‬شخوصه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬من‭ ‬احاث‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬مليء‭ ‬بالشخصيات‭ ‬وكل‭ ‬له‭ ‬حكايته،‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬ومن‭ ‬معاناة‭ ‬الحياة‭.‬

حيث‭ ‬إن‭ ‬الحكيم‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬برومانسية‭ ‬عالية،‭ ‬وعبد‭ ‬الله‭ ‬يتحدث‭ ‬ايضاً‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬ولكن‭ ‬بواقعية‭ ‬معاشة‭ ‬اهل‭ ‬ساكني‭ ‬العدامة‭.‬

 

ملامح‭ ‬الحدث‭.. ‬صور‭ ‬أخرى‭!‬

برغم‭ ‬ما‭ ‬شدتني‭ ‬الرواية‭ ‬واندمجت‭ ‬مع‭ ‬صور‭ ‬احداثها‭ ‬الا‭ ‬انها‭ ‬اربكتني‭ ‬خلال‭ ‬القراءة،‭ ‬لأن‭ ‬الراوي‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬استطاع‭ ‬ان‭ ‬يوظف‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬أوغل‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬الشعرية‭ ‬واللغة‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أحداث‭ ‬الرواية،‭ ‬فسحر‭ ‬الكلمات‭ ‬وتدفقها‭ ‬اصابت‭ ‬ذاكرتي‭ ‬بما‭ ‬يفهم‭ (‬الالتباس‭)‬،‭ ‬فعالمه‭ ‬بين‭ ‬واقعية‭ ‬وبين‭ ‬سحر‭ ‬خيالي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬ادبه‭ ‬الآخر‭.‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬تجربة‭ ‬مغايرة‭ ‬إلا‭ ‬إنها‭ ‬عالم‭ ‬ميتافيزيقي‭ ‬خيالي‭ ‬غلب‭ ‬عليه‭ ‬لغة‭ ‬السحر‭ ‬البلاغي‭.‬

خلافا‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬سائداً‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬بواقعية‭ ‬مفرطة‭ ‬لا‭ ‬غرائبية‭ ‬فيها‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬ظهور‭ ‬الأرواح،‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬الواقعية‭ ‬غير‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬ادب‭ ‬خليفة‭.‬

ومن‭ ‬دون‭ ‬إضافة‭ ‬العالم‭ ‬الغرائبي‭ ‬لشخوص‭ ‬أفعال‭ ‬أبطال‭ ‬الرواية،‭ ‬ففي‭ ‬الغرائبية‭ ‬أصبح‭ ‬القارئ‭ ‬بين‭ ‬سندان‭ ‬واقعية‭ ‬مفهوم‭ ‬العمل‭ ‬وبين‭ ‬ميتافيزيقيا‭ ‬الخيال‭ ‬الحالم‭ ‬لمعنى‭ ‬الغرائبية‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬أبرزه‭ ‬الروائي‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬ابطال‭ ‬الرواية‭. ‬

لأن‭ ‬الأسلوب‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬القارئ‭ ‬متكأ‭ ‬في‭ ‬إكمال‭ ‬العمل،‭ ‬فالصعوبة‭ ‬في‭ ‬التمسك‭ ‬بكل‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ابطال‭ ‬الرواية،‭ ‬يربك‭ ‬القارئ‭.‬

والجميل‭ ‬أنني‭ ‬اكتشفتُ‭ ‬عالم‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬خليفة‭ ‬وتنوع‭ ‬لغته‭ ‬السردية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نتاجه‭ ‬السردي‭ ‬وبالخصوص‭ ‬قراءتي‭ ‬لرواية‭ ‬ساعة‭ ‬ظهور‭ ‬الأرواح‭ ‬ما‭ ‬عكس‭ ‬داخلي‭ ‬من‭ ‬أبعاد‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬اثارها‭ ‬الرواي،‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬اهل‭ ‬البحرين‭ ‬قديما‭ ‬يعيشون،‭ ‬وكيف‭ ‬كانت‭ ‬تبنى‭ ‬منازلهم‭ ‬وماذا‭ ‬يعملون،‭ ‬فعرفت‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالفقراء‭ ‬وبعالم‭ ‬اصحاب‭ ‬الثروة،‭ ‬وعرفت‭ ‬أنني‭ ‬امام‭ ‬عمل‭ ‬روائي‭ ‬شدني‭ ‬قراءته‭ ‬وشدني‭ ‬على‭ ‬الاطلاع‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬القصصي‭ ‬والروائي‭.‬

فالبحر‭ ‬والنخل‭ ‬وابناء‭ ‬القرية‭ ‬وابناء‭ ‬المدينة‭ ‬هي‭ ‬عوالم‭ ‬شخوص‭ ‬أعمال‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭.‬

فالرواية‭ ‬لديه‭ ‬هي‭ ‬بعد‭ ‬ادبي‭ ‬متكامل،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬قارئ‭ ‬ان‭ ‬يفقد‭ ‬البوصلة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬أعماله‭ ‬الأدبية‭.‬

وتظل‭ ‬الصورة‭ ‬متكاملة‭ ‬الحدث‭ ‬في‭ ‬أبعاد‭ ‬أخرى،‭ ‬صور‭ ‬يومية‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬وانشغالاتهم‭.‬

 

{‭ ‬طالب‭ ‬بجامعة‭ ‬البحرين‭ ‬–‭ ‬قسم‭ ‬الإعلام

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا