العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«المُلوِّثْ يدفع»: مبدأ يجب تطبيقه في مؤتمر «تغير المناخ»

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الخميس ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬الأدوات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬ابتدعها‭ ‬الغرب‭ ‬وتستخدم‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬هو‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬المُلوِّثْ‭ ‬يدفع‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬الذي‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬تلويث‭ ‬وفساد‭ ‬البيئة،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬فرداً،‭ ‬أو‭ ‬شركة،‭ ‬أو‭ ‬دولة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬دفع‭ ‬تكاليف‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بتلويثها‭ ‬وتدميرها‭ ‬بيئياً،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يُلزم‭ ‬قانونياً‭ ‬بتخصص‭ ‬الأموال‭ ‬اللازمة‭ ‬لإعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬البيئة‭ ‬وإرجاعها‭ ‬إلى‭ ‬الوضع‭ ‬الفطري‭ ‬الطبيعي‭ ‬كما‭ ‬خلقها‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭. ‬

ودعوني‭ ‬الآن‭ ‬اُطبق‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ،‭ ‬وهذه‭ ‬الآلية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬تلوث‭ ‬وتدهور‭ ‬نوعية‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭. ‬وهذا‭ ‬الغاز‭ ‬ينبعث‭ ‬عند‭ ‬حرق‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬مثل‭ ‬الفحم،‭ ‬ومشتقات‭ ‬البترول،‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى‭ ‬منها‭ ‬محطات‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬والقطارات،‭ ‬والسيارات،‭ ‬والطائرات،‭ ‬والمصانع‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬التي‭ ‬يحترق‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬أنواع‭ ‬هذا‭ ‬الوقود‭. ‬فغاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬الذي‭ ‬ينبعث‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬يتراكم‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬طبقات‭ ‬الجو‭ ‬العليا‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬حبس‭ ‬الحرارة،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬وقوع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التداعيات‭ ‬منها‭ ‬سخونة‭ ‬الأرض‭ ‬ورفع‭ ‬درجة‭ ‬حرارتها،‭ ‬وارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحار‭ ‬وزيادة‭ ‬حموضتها،‭ ‬وهذه‭ ‬تسبب‭ ‬الموجات‭ ‬الحرارية‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬كوكبنا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬وتكرار‭ ‬حرق‭ ‬الغابات،‭ ‬ونزول‭ ‬الفيضانات‭ ‬والأعاصير،‭ ‬والكوارث‭ ‬المناخية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬برمتها،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬عند‭ ‬موقع‭ ‬مصدر‭ ‬التلوث‭.‬

ولو‭ ‬راجعنا‭ ‬التقارير‭ ‬والدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬حول‭ ‬اختلاف‭ ‬نسبة‭ ‬انبعاث‭ ‬ملوثات‭ ‬المناخ‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬تاريخياً،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬عام،‭ ‬لوجدنا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتطورة‭ ‬والمتقدمة‭ ‬والغنية‭ ‬التي‭ ‬بَنَتْ‭ ‬اقتصاداً‭ ‬قوياً‭ ‬طوال‭ ‬القرنين‭ ‬الماضيين،‭ ‬ونفذَّت‭ ‬بعمق‭ ‬برامج‭ ‬تنموية‭ ‬ناجحة،‭ ‬ورفعت‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬حياة‭ ‬شعوبها،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الترتيب‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬انبعاث‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬والميثان‭ ‬والغازات‭ ‬المناخية‭ ‬الأخرى‭ ‬المتهمة‭ ‬بوقوع‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬على‭ ‬حسب‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬الملوث‭ ‬يدفع‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تداعيات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬عليها‭ ‬تخصيص‭ ‬المبالغ‭ ‬اللازمة‭ ‬لمساعدة‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬والفقيرة‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التداعيات‭ ‬المهلكة‭ ‬للحرث‭ ‬والنسل‭ ‬والحجر‭. ‬

فالدول‭ ‬النامية‭ ‬بدأت‭ ‬قريباً‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬برامجها‭ ‬التنموية،‭ ‬أي‭ ‬إنها‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬ليس‭ ‬ببعيد‭ ‬كانت‭ ‬تطلق‭ ‬ملوثات‭ ‬المناخ‭ ‬إلى‭ ‬البيئة،‭ ‬وهذه‭ ‬الملوثات‭ ‬تأخذ‭ ‬عُقوداً‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬لكي‭ ‬تتراكم‭ ‬وتتجمع‭ ‬ويرتفع‭ ‬تركيزها‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬فتسبب‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تتحمل‭ ‬أية‭ ‬مسؤولية‭ ‬في‭ ‬وقوع‭ ‬تداعيات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬التي‭ ‬نعاني‭ ‬منها‭ ‬حالياً،‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬ومؤثر‭ ‬في‭ ‬نزولها‭ ‬عليهم،‭ ‬ولكنهم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الأشد‭ ‬تضرراً‭ ‬منها،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خللاً‭ ‬وشكوكاً‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬مفهوم‭ ‬وسياسة‭ ‬العدالة‭ ‬البيئية‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭.‬

فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬هناك‭ ‬التقارير‭ ‬الدورية‭ ‬المنشورة‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬‭(‬Climate‭ ‬Action‭ ‬Tracker‭)‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الدراسة‭ ‬التاريخية‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬منظمة‭ (‬Carbon‭ ‬Brief)‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2021‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬المسؤولية‭ ‬التاريخية‭ ‬للتغير‭ ‬المناخي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحوار‭ ‬حول‭ ‬العدالة‭ ‬المناخية‮»‬‭. ‬وهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬تُوجه‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬نحو‭ ‬الدول‭ ‬المسؤولة‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬ظاهرة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الأولى،‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬عام1850حتى‭ ‬عام2021‭. ‬وهذه‭ ‬الدول‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬التبعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والفنية‭ ‬لهذا‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬ذات‭ ‬الأبعاد‭ ‬المختلفة،‭ ‬ومنها‭ ‬سخونة‭ ‬كوكبنا‭ ‬وارتفاع‭ ‬حرارتها،‭ ‬وارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬ووقوع‭ ‬كوارث‭ ‬مناخية‭ ‬متكررة‭ ‬وشديدة‭ ‬ومفرطة‭ ‬في‭ ‬حدتها‭ ‬وقوة‭ ‬تدميرها‭ ‬والمساحة‭ ‬الجغرافية‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬تضربها‭.‬

فهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬قدَّمت‭ ‬تحليلاً‭ ‬تاريخياً‭ ‬لمصادر‭ ‬وحجم‭ ‬انبعاثات‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرنين‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬مثل‭ ‬حرق‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬في‭ ‬محطات‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬والسيارات،‭ ‬والمصانع،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬مصانع‭ ‬إنتاج‭ ‬الأسمنت،‭ ‬ثم‭ ‬التغير‭ ‬في‭ ‬استخدامات‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬قطع‭ ‬الأخشاب،‭ ‬وإزالة‭ ‬الغابات‭ ‬لزراعة‭ ‬المحاصيل‭ ‬وإنتاج‭ ‬الوقود‭ ‬الحيوي‭. ‬وكانت‭ ‬نتيجة‭ ‬هذا‭ ‬التقييم‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أَجْمَع‭ ‬أَطْلقتْ‭ ‬زهاء2504جيجا‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬منذ‭ ‬1850،‭ ‬وهذا‭ ‬الغاز‭ ‬الذي‭ ‬يتراكم‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬فيحبس‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬طبقات‭ ‬الجو‭ ‬السفلى‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬حرارة‭ ‬كوكبنا‭ ‬نحو‭ ‬1‭.‬2‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬مستويات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هي‭ ‬المتهمة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬انبعاث‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬الغاز‭ ‬المنطلق‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائتي‭ ‬عام‭ ‬قرابة‭ ‬509‭ ‬جيجا‭ ‬طن،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬تتحمل‭ ‬نسبة‭ ‬20‭.‬3%‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكلية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬وهي‭ ‬بهذه‭ ‬النسبة‭ ‬رفعت‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬الأرض0‭.‬2درجة‭ ‬مئوية‭.‬

كما‭ ‬أشار‭ ‬التقييم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬بنسبة‭ ‬11,4%‭ ‬من‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكلية‭ ‬للدول‭ ‬نتيجة‭ ‬لحرق‭ ‬الفحم‭ ‬وأنواع‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬لتشغيل‭ ‬برامج‭ ‬التنمية‭ ‬المتسارعة‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة،‭ ‬مما‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬رَفْع‭ ‬الصين‭ ‬لدرجة‭ ‬حرارة‭ ‬كوكبنا‭ ‬قرابة0‭.‬1درجة‭ ‬مئوية،‭ ‬وبعد‭ ‬أمريكا‭ ‬والصين‭ ‬جاءت‭ ‬روسيا‭ ‬بنسبة‭ ‬انبعاثات‭ ‬بلغت6‭.‬9%،‭ ‬ثم‭ ‬البرازيل‭ ‬بنسبة4‭.‬5%‭ ‬وإندونيسيا4‭.‬1%‭ ‬نتيجة‭ ‬لحرق‭ ‬الغابات‭ ‬لأسباب‭ ‬طبيعية‭ ‬ومتعمدة،‭ ‬وأخيراً‭ ‬تأتي‭ ‬ألمانيا3‭.‬5%،‭ ‬والهند‭ ‬3‭.‬4،‭ ‬وبريطانيا‭ ‬3%،‭ ‬واليابان‭ ‬2,7%،‭ ‬وكندا2‭.‬6%‭.‬

وبناءً‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬وتقارير‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة،‭ ‬فمن‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬الدول‭ ‬المسؤولة‭ ‬تاريخياً‭ ‬عن‭ ‬حدوث‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الحل،‭ ‬وتُسهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬نشوئها‭ ‬ووقوع‭ ‬تداعياتها‭ ‬العصيبة‭ ‬على‭ ‬كوكبنا‭ ‬برمته‭ ‬وتأثر‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بها،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬والنامية‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬فيها‭ ‬ناقة‭ ‬ولا‭ ‬جمل‭ ‬في‭ ‬تكوينها‭. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتنصل‭ ‬وتتهرب‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬واجباتها‭ ‬الدولية‭ ‬ومسؤولياتها‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬بل‭ ‬وتُعرقل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حلٍ‭ ‬جماعي‭ ‬مشترك‭ ‬وملزم‭. ‬فمن‭ ‬جانب‭ ‬لا‭ ‬تلتزم‭ ‬بالمعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بالتغير‭ ‬المناخي،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬تفي‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬وتعهداتها‭ ‬لتمويل‭ ‬ودعم‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬للتكيف‭ ‬مع‭ ‬تداعيات‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬تقنيات‭ ‬نظيفة‭ ‬لا‭ ‬تنبعث‭ ‬عنها‭ ‬ملوثات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭. ‬فأمريكا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1992‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬بوش‭ ‬الأب‭ ‬وقعتْ‭ ‬على‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الإطارية‭ ‬للتغير‭ ‬المناخي،‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬كلينتون‭ ‬على‭ ‬بروتوكول‭ ‬كيوتو‭ ‬لعام‭ ‬1997،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬بوش‭ ‬الابن‭ ‬فألغى‭ ‬التزام‭ ‬أمريكا‭ ‬تجاه‭ ‬هذا‭ ‬البروتوكول،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬جاء‭ ‬أوباما‭ ‬فوقع‭ ‬على‭ ‬تفاهمات‭ ‬باريس‭ ‬2015‭ ‬للتغير‭ ‬المناخي،‭ ‬والتي‭ ‬انسحب‭ ‬منها‭ ‬ترامب‭ ‬وتخلى‭ ‬عنها‭ ‬كلياً‭.‬

فأمريكا‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬حدوث‭ ‬سخونة‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأكثر‭ ‬دفعاً‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬مكافحة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الدولية،‭ ‬والتي‭ ‬أُطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬المناخ‭ ‬الأخضر‮»‬‭. ‬ففي‭ ‬اجتماع‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬أو‭ ‬كوب‭  (‬15‭)  ‬الذي‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬كوبنهاجن‭ ‬في‭ ‬2009‭ ‬تعهدت‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬الغنية‭ ‬بتخصيص‭ ‬مبلغ‭ ‬مائة‭ ‬بليون‭ ‬دولار‭ ‬سنوياً‭ ‬للدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬والنامية‭ ‬بحلول‭ ‬عام2020،‭ ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬هذا‭ ‬التعهد‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬باريس2015،‭ ‬ولكن‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬لم‭ ‬تف‭ ‬بالتزاماتها،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الطبيعة‮»‬‭ ‬في21‭ ‬أكتوبر‭ ‬2021‭. ‬كما‭ ‬أفاد‭ ‬المقال‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬البلومبرج‭ ‬في15أكتوبر‭ ‬2021‭ ‬بأن‭ ‬مساهمة‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬المناخ‭ ‬الأخضر‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬نسبة40إلى47%‭ ‬من‭ ‬المائة‭ ‬بليون،‭ ‬ولكنها‭ ‬تبرعت‭ ‬فقط‭ ‬بمبلغ‭ ‬نحو7‭.‬6‭ ‬بليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من2016إلى‭ ‬2018‭. ‬

وهذا‭ ‬التوجه‭ ‬الأمريكي‭ ‬السلبي‭ ‬واللامسؤول‭ ‬تجاه‭ ‬كوكبنا‭ ‬وتجاه‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬الفقيرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬يتكرر‭ ‬أمامنا‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬كوب‭ (‬28‭) ‬في‭ ‬دبي،‭ ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬أُقر‭ ‬صندوق‭ ‬‮«‬الخسائر‭ ‬والأضرار‮»‬‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭. ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬حاولت‭ ‬قبل‭ ‬اجتماع‭ ‬دبي‭ ‬السيطرة‭ ‬إدارياً‭ ‬وسياسياً‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصندوق‭ ‬والتهرب‭ ‬من‭ ‬الالتزام‭ ‬بالمبدأ‭ ‬الدولي‭ ‬‮«‬الملوث‭ ‬يدفع‮»‬‭. ‬فأمريكا‭ ‬أولاً‭ ‬ضغطت‭ ‬بنفوذها‭ ‬الكبير‭ ‬وقوتها‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬اللجنة‭ ‬المختصة‭ ‬بتقديم‭ ‬توصيات‭ ‬حول‭ ‬الصندوق‭ ‬إلى‭ ‬اجتماع‭ ‬دبي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جعل‭ ‬مقر‭ ‬الصندوق‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬واشنطن‭ ‬دي‭ ‬سي‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬حيث‭ ‬يسهل‭ ‬التحكم‭ ‬فيه‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليه،‭ ‬ثم‭ ‬أصرت‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬الدفع‭ ‬للصندوق‭ ‬طوعياً‭ ‬وليس‭ ‬إلزامياً،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مباشر‭ ‬بالدول‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬وقوع‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬أمريكا‭ ‬تدفع‭ ‬متى‭ ‬تشاء،‭ ‬والمبلغ‭ ‬الذي‭ ‬تشاء،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تدفع‭ ‬إذا‭ ‬تغيرت‭ ‬سياسات‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬عندما‭ ‬تولى‭ ‬الحُكم‭ ‬الرئيس‭ ‬الجمهوري‭ ‬ترامب‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬الصندوق‭ ‬وإلقاء‭ ‬كرة‭ ‬الدفع‭ ‬في‭ ‬ملاعب‭ ‬الآخرين،‭ ‬فقد‭ ‬دعت‭ ‬أمريكا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬كدول‭ ‬الخليج‭ ‬والصين،‭ ‬والمنظمات،‭ ‬والصناديق‭ ‬إلى‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصندوق‭. ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬تعهد‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬لصندوق‭ ‬‮«‬الخسائر‭ ‬والأضرار‮»‬‭ ‬ضعيفاً‭ ‬جداً،‭ ‬ومخجلاً،‭ ‬ولا‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬حجمها‭ ‬وثرائها‭ ‬وواجباتها‭ ‬التاريخية‭ ‬ومسؤوليتها‭ ‬في‭ ‬نزول‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬على‭ ‬كوكبنا،‭ ‬حيث‭ ‬أفادت‭ ‬بأن‭ ‬مساهمتها‭ ‬ستكون‭ ‬17‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬ميزانية‭ ‬الصندوق‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬250‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030‭. ‬أما‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬دور‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬وقوع‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬وتعهدت‭ ‬بدفع‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬وألمانيا‭ ‬100‭ ‬مليون،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬275‭ ‬مليونا،‭ ‬واليابان‭ ‬10‭ ‬ملايين،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬المبلغ‭ ‬التقديري‭ ‬المطلوب‭ ‬لمساعدة‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬الفقيرة‭ ‬لمحاربة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الالتزامات،‭ ‬وهو‭ ‬387‭ ‬بليون‭ ‬دولار‭ ‬سنوياً‭.     ‬

وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬فإن‭ ‬نائبة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬أعلنت‭ ‬في‭ ‬كلمتها‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬دبي‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬ديسمبر‭ ‬عن‭ ‬التعهد‭ ‬بالمساهمة‭ ‬بمبلغ‭ ‬3‭ ‬بلايين‭ ‬دولار،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬لصندوق‭ ‬‮«‬الخسائر‭ ‬والأضرار‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تمت‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬تشغيله‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬نوفمبر،‭ ‬وإنما‭ ‬للصندوق‭ ‬القديم‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬المناخ‭ ‬الأخضر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أُدخل‭ ‬العناية‭ ‬المركزة‭ ‬لضعف‭ ‬الدعم‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الغنية‭ ‬الأخرى‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬حصة‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬الصندوق‭ ‬حسب‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬الملوث‭ ‬يدفع‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جدية‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬والإعلانات‭ ‬في‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬الصندوق‭ ‬تتضح‭ ‬عندما‭ ‬يذهب‭ ‬الوفود‭ ‬إلى‭ ‬بلدانهم،‭ ‬وتتم‭ ‬دعوتهم‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬بتعهداتهم‭ ‬وتحويل‭ ‬المبالغ‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬الصندوق‭ ‬بشكلٍ‭ ‬دوري‭ ‬سنوي‭.  ‬

وفي‭ ‬تقديري،‭ ‬ومن‭ ‬خبرتي‭ ‬السابقة‭ ‬مع‭ ‬الصناديق‭ ‬المناخية‭ ‬الأخرى،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الصندوق‭ ‬ستنزل‭ ‬عليه‭ ‬قطرات‭ ‬من‭ ‬المطر‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬ثم‭ ‬تبدأ‭ ‬هذه‭ ‬القطرات‭ ‬في‭ ‬الانخفاض‭ ‬تدريجياً‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬الصندوق‭ ‬خاوياً‭ ‬يشتكي‭ ‬قلة‭ ‬المتبرعين‭ ‬وشح‭ ‬إسهاماتهم‭.‬

bncftpw@batelco‭.‬com‭.‬bh

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا