العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الهشاشة الحضارية والتصنيعية في العالم العربي

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لا‭ ‬نريد‭ ‬جلد‭ ‬الذات،‭ ‬ولكن‭ ‬أحداث‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬والتنادي‭ ‬إلى‭ ‬مقاطعة‭ ‬بعض‭ ‬المنتجات‭ ‬الغربية‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بسيطة،‭ ‬أوضحت‭ ‬لنا‭ ‬‭ ‬كعالم‭ ‬عربي‭ ‬‭ ‬أننا‭ ‬نفتقد‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المقومات‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بسيطة‭.‬

القضية‭ ‬ليست‭ ‬أنواعًا‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬القهوة‭ ‬التي‭ ‬أعتمد‭ ‬عليها‭ ‬الشباب،‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬أو‭ ‬أنواعا‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الصابون‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬عليها‭ ‬ربة‭ ‬الأسرة‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭: ‬ما‭ ‬المنتجات‭ ‬الصناعية‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬التي‭ ‬ينتجها‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬حتى‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬لو‭ ‬حدثت‭ ‬المقاطعة‭ ‬بالعكس،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬أمتنع‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬والشرقي‭ ‬أن‭ ‬يزود‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬بالمنتجات‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬الأساسية؛‭ ‬مثل‭ ‬الأرز‭ ‬والقمح‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬ترى‭ ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬وأن‭ ‬نستمر؟

عندما‭ ‬نفتح‭ ‬الصحف‭ ‬العربية‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬المنتشرة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬نجد‭ ‬عناوين‭ ‬عريضة‭ ‬يطلقها‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬عن‭ ‬الصناعات‭ ‬الثقيلة‭ ‬أو‭ ‬التحويلية‭ ‬أو‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬كونها‭ ‬بهرجة‭ ‬إعلامية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬جادة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يزخر‭ ‬بالمعرفة‭ ‬العلمية‭ ‬والأيدي‭ ‬العاملة‭ ‬ورؤوس‭ ‬الأموال‭.‬

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عباءة‭ ‬العالم‭ ‬الغربي،‭ ‬وندور‭ ‬في‭ ‬فلكهم،‭ ‬ونقتات‭ ‬على‭ ‬منتجاتهم‭ ‬الغربية،‭ ‬ونعيش‭ ‬ونحاول‭ ‬أن‭ ‬نتعايش‭ ‬على‭ ‬أفكارهم‭ ‬وحتى‭ ‬أنظمتهم‭ ‬وحياتهم،‭ ‬فهم‭ ‬الذي‭ ‬ينظمون‭ ‬نمط‭ ‬حياتنا‭ ‬وأفكارنا‭ ‬وحتى‭ ‬صناعتنا‭ ‬وملابسنا‭ ‬وكل‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة،‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬متجنيًا‭ ‬على‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬تعالوا‭ ‬لنلقي‭ ‬نظرة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬التفاصيل‭.‬

النظام‭ ‬المدرسي‭ ‬والتعليمي‭: ‬من‭ ‬أين‭ ‬جئنا‭ ‬بالنظام‭ ‬التعليمي‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم،‭ ‬نظامنا‭ ‬اليوم‭ ‬مقسم‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬مستويات‭: ‬الابتدائي،‭ ‬الإعدادي،‭ ‬الثانوي،‭ ‬الجامعي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الإنسان‭ ‬حقل‭ ‬العمل،‭ ‬هل‭ ‬سألنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬هذا‭ ‬النظام؟‭ ‬ولماذا‭ ‬النظام‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة؟‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الرباعي‭ ‬يتناسب‭ ‬معنا‭ ‬كعالم‭ ‬عربي؟‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬قام‭ ‬بدراسة‭ ‬لمعرفة‭ ‬مدى‭ ‬ملاءمة‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬مع‭ ‬البيئة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية؟‭ ‬هل‭ ‬فكرت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬تغير‭ ‬هذا‭ ‬النظام؟‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬فكر‭ ‬أحد‭ ‬المسؤولين‭ ‬التغيير‭ ‬فهل‭ ‬سيتمكن‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أم‭ ‬سيواجه‭ ‬المعضلة‭ ‬الأزلية‭ ‬لا‭ ‬للتغيير،‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الراحة‭ ‬والنظام‭ ‬مستقر،‭ ‬فلماذا‭ ‬نغير؟

التخصصات‭ ‬الجامعية‭ ‬وطريقة‭ ‬التدريس‭: ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬التخصصات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تدريسها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬تم‭ ‬استيرادها‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الغربي،‭ ‬فهل‭ ‬هذه‭ ‬التخصصات‭ ‬تناسبنا‭ ‬وتناسب‭ ‬مجتمعاتنا؟‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬والشرقي‭ ‬اهتم‭ ‬بعلوم‭ ‬الفضاء،‭ ‬لذلك‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬جامعاتنا‭ ‬نحت‭ ‬ذلك‭ ‬المنحى،‭ ‬اهتمت‭ ‬الجامعات‭ ‬الغربية‭ ‬والشرقية‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬وجدنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬وأولادنا‭ ‬وجامعاتنا‭ ‬تجري‭ ‬خلف‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬تنادى‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬والشرقي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬التنمية‭ ‬والذكي‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يتخصص‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التخصص‭. ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬حتى‭ ‬طريقة‭ ‬التدريس‭ ‬بنظام‭ ‬المحاضرات‭ ‬وخاصة‭ ‬النظرية،‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬النظام‭ ‬النظري‭ ‬أسهل‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬التطبيقي‭ ‬والعملي،‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬أحد‭ ‬المهندسين‭ ‬أن‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭ ‬قليلاً‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬بالتدريس‭ ‬التطبيقي‭ ‬والعملي‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الهندسة،‭ ‬فهل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬صحيح؟

وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭: ‬وجدنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬أننا‭ ‬محاصرون‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل،‭ ‬الفيس‭ ‬بوك،‭ ‬الواتساب‭ ‬والانستجرام‭ ‬وغيرها،‭ ‬فلا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ (‬غزة‭) ‬أو‭ (‬إسرائيل‭) ‬أو‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مصطلحات‭ ‬حتى‭ ‬يزال‭ ‬الحساب‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الفضاء‭ ‬الرقمي،‭ ‬لماذا؟‭ ‬بسبب‭ ‬بسيط‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬مملوكة‭ ‬لشركات‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬العرب،‭ ‬وربما‭ ‬هنا‭ ‬يأتي‭ ‬السؤال‭: ‬أين‭ ‬الوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية؟‭ ‬لماذا‭ ‬ليس‭ ‬لدينا‭ ‬منتجاتنا‭ ‬الرقمية‭ ‬الخوارزمية‭ ‬الخاصة؟‭ ‬أين‭ ‬المتخصصون‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التخصصات،‭ ‬لماذا‭ ‬هاجروا‭ ‬وذهبوا‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬الشرقية؟‭ ‬هل‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬ندور‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬الفكر‭ ‬ونعيش‭ ‬تحت‭ ‬العباءة‭ ‬الغربية؟

الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والمائي‭: ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬ونحن‭ ‬نعتمد‭ ‬على‭ ‬المنتجات‭ ‬الزراعية‭ ‬والحيوانية‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬والشرقية‭ ‬المحيطة،‭ ‬فنحن‭ ‬نأكل‭ ‬الأرز‭ ‬الذي‭ ‬يأتينا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدولة،‭ ‬والقمح‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬الأخرى،‭ ‬والبطاطس‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬الثالثة،‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬تأتينا‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الزراعية‭ ‬الأساسية؟‭ ‬ثم‭ ‬المنتجات‭ ‬الحيوانية‭ ‬والمواشي‭ ‬هل‭ ‬تأتينا‭ ‬من‭ ‬السهول‭ ‬والحقول‭ ‬العربية‭ ‬أم‭ ‬تأتينا‭ ‬مذبوحة‭ ‬جاهزة‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬مجمدة‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك؟‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬يخرج‭ ‬علينا‭ ‬بعض‭ ‬التجار‭ ‬ويبشرون‭ ‬بتوفر‭ ‬اللحوم‭ ‬والدواجن‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تقبع‭ ‬خلف‭ ‬الحدود‭.‬

وجانب‭ ‬آخر‭ ‬وهو‭ ‬موضوع‭ ‬المياه؛‭ ‬إذ‭ ‬نحن‭ ‬نعلم‭ ‬أنه‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ثلاثة‭ ‬أنهار‭ ‬عظيمة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬الأنهار‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬كميات‭ ‬المياه‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬في‭ ‬أراضيها،‭ ‬والسبب‭ ‬لأن‭ ‬منابع‭ ‬تلك‭ ‬الأنهار‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬أما‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬والتي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬تحلية‭ ‬المياه‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬شريان‭ ‬الحياة‭ ‬لأنه‭ ‬إن‭ ‬تعطلت‭ ‬تلك‭ ‬المحطات‭ ‬فإنها‭ ‬ستواجه‭ ‬أزمة‭ ‬كارثية‭.‬

الصناعات‭ ‬الاستهلاكية‭: ‬لنذهب‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬ونتفحص‭ ‬المنتجات‭ ‬حتى‭ ‬البسيطة‭ ‬منها‭: ‬صابون‭ ‬الاستحمام‭ ‬بأنواعها‭ ‬المختلفة،‭ ‬صابون‭ ‬غسيل‭ ‬الملابس،‭ ‬الأواني‭ ‬المنزلية،‭ ‬القرطاسية،‭ ‬ملابسنا‭ ‬والأقمشة‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬منها،‭ ‬الساعات‭ ‬التي‭ ‬نستخدمها،‭ ‬الحقائب‭ ‬التي‭ ‬نحملها،‭ ‬أجهزة‭ ‬الحاسوب‭ ‬التي‭ ‬نعمل‭ ‬عليها،‭ ‬السيارات‭ ‬التي‭ ‬نركبها،‭ ‬وغيرها‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير،‭ ‬ترى‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬جاءت؟‭ ‬ومن‭ ‬الذي‭ ‬صنعها؟‭ ‬هل‭ ‬منشأها‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬أتت‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك؟

وربما‭ ‬الكثير،‭ ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭ ‬هو‭: ‬لماذا‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع؟‭ ‬لماذا‭ ‬أصبحنا‭ ‬نستورد‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬من‭ ‬الإبرة‭ ‬حتى‭ ‬الصاروخ‭ ‬كما‭ ‬يقال؟‭ ‬وإن‭ ‬أرادت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بالصناعة‭ ‬فإنها‭ ‬تقوم‭ ‬بعملية‭ ‬الإعفاء‭ ‬الضريبي‭ ‬وتستورد‭ ‬المصانع‭ ‬الجاهزة‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬لتقوم‭ ‬تلك‭ ‬المصانع‭ ‬بإنتاج‭ ‬منتجاتها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬العربية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تستورد‭ ‬العمالة‭ ‬الرخيصة‭ ‬القادمة‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الحدود،‭ ‬والمستفيد‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ‬المصنع‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التسهيلات‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والأسواق‭ ‬المفتوحة‭ ‬لأنها‭ ‬تتوسط‭ ‬العالم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يساعدها‭ ‬إلى‭ ‬التصدير‭ ‬وامتلاك‭ ‬الأسواق‭.‬

وحتى‭ ‬نكون‭ ‬إيجابيين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬نقول‭: ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬بناء‭ ‬وجودنا‭ ‬الحقيقي‭ ‬ودورنا‭ ‬البناء‭ ‬حتى‭ ‬تقف‭ ‬شعوبنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬وتعتمد‭ ‬على‭ ‬أنفسها‭ ‬في‭ ‬الصناعة‭ ‬والغذاء،‭ ‬ونحافظ‭ ‬على‭ ‬أسواقنا‭ ‬ونملؤها‭ ‬بالمنتجات‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية؟‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الكثير،‭ ‬ولكن‭ ‬دعونا‭ ‬نطرح‭ ‬بعض‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬نعتقد‭ ‬أنها‭ ‬مفيدة،‭ ‬منها‭:‬

أولاً‭: ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تغير‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬دون‭ ‬قلب‭ ‬أنظمة‭ ‬التعليم‭ ‬رأسًا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬تعميم‭ ‬النظام‭ ‬التطبيقي‭ ‬والتأهيل‭ ‬المهني،‭ ‬وتغيير‭ ‬ثقافة‭ ‬العمل‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬به‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬البسيطة‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬ورش‭ ‬العمل‭. ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يتخرج‭ ‬كل‭ ‬الطلبة‭ ‬ليعملوا‭ ‬في‭ ‬المكاتب‭ ‬المكيفة‭ ‬أو‭ ‬المراكز‭ ‬الراقية،‭ ‬ثم‭ ‬نأتي‭ ‬بالعمالة‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬نولول‭ ‬ونعاني‭ ‬من‭ ‬البطالة،‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بالدور‭ ‬أولادها‭ ‬وبناتها‭ ‬حتى‭ ‬وفي‭ ‬أبسط‭ ‬الوظائف‭. ‬

والأنظمة‭ ‬التعليمية‭ ‬اليوم‭ ‬تخرج‭ ‬موظفين‭ ‬ولا‭ ‬تخرج‭ ‬رواد‭ ‬عمل،‭ ‬ولا‭ ‬تخرج‭ ‬فنيين‭ ‬وعمالة‭ ‬محترفة،‭ ‬سواء‭ ‬كنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬المدارس‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الجامعات،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬إن‭ ‬بقينا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬فسنظل‭ ‬هكذا‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬القادمة‭.‬

ثانيًا‭: ‬أشارت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬خطط‭ ‬التنمية‭ ‬العربية‭ ‬وبرامج‭ ‬تنفيذها‭ ‬أيضًا‭ ‬اعتمدت‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الصناعي‭ ‬على‭ ‬مخططين‭ ‬ركزوا‭ ‬جل‭ ‬اهتمامهم‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬بهرجة‭ ‬انتقائية‭ ‬يتم‭ ‬الافتخار‭ ‬بضخامتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الاعتداد‭ ‬بكفاءتها‭ ‬وأدائها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الأجنبية‭ ‬دون‭ ‬توطينها‭ ‬لاحقًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صيانتها‭ ‬وتطويرها‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬الأيدي‭ ‬العاملة‭ ‬المحلية‭.‬

لذلك‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬الصناعات‭ ‬المحلية‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬المحيطين‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دمجهم‭ ‬في‭ ‬أنشطتها،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬إقامة‭ ‬صناعات‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬عمال‭ ‬من‭ ‬المحليين‭ ‬بعد‭ ‬تأهيلهم‭ ‬وعلى‭ ‬إنتاجهم‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬أولية‭ ‬وبسيطة‭ ‬دون‭ ‬إهمال‭ ‬مسألة‭ ‬الإنتاج‭ ‬بمواصفات‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬منافسة‭ ‬السلع‭ ‬الأجنبية‭. ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬التأسيس‭ ‬لصناعة‭ ‬كهذه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬رفض‭ ‬فئات‭ ‬معينة‭ ‬تتحكم‭ ‬بالمصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ولا‭ ‬تسمح‭ ‬بتطوير‭ ‬شامل‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬مصالحها‭ ‬الخاصة؟

ثالثًا‭: ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الصناعات‭ ‬العربية‭ ‬تعتمد‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المستوردة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المرتبطة‭ ‬بأساليب‭ ‬الإنتاج‭ ‬ووسائله‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬الإنتاج‭ ‬الصناعي‭.‬

رابعًا‭: ‬الاعتماد‭ ‬‭ ‬ربما‭ ‬‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬النفطي،‭ ‬حيث‭ ‬أشارت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬يشكل‭ ‬المكون‭ ‬الأساسي‭ ‬للدخل‭ ‬المحلي‭ ‬والمصدر‭ ‬الرئيس‭ ‬لتمويل‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

خامسًا‭: ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تعتمد‭ ‬بصورة‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬صناعة‭ ‬غير‭ ‬فعالة،‭ ‬فتشير‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬توزيع‭ ‬في‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬والعمالة‭ ‬بين‭ ‬النشاطات‭ ‬الصناعية‭ ‬بصورة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬النزعة‭ ‬الريعية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬إنتاجية‭ ‬عوامل‭ ‬الإنتاج‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬والمحاولات‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬بصمة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الصناعات‭ ‬العالمية‭ ‬الثقيلة،‭ ‬مكتفية‭ ‬بمحاولات‭ ‬متواضعة‭ ‬لعمليات‭ ‬تجميع‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬اكتساب‭ ‬سمعة‭ ‬جيدة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا