العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العدوان على غزة يفضح السقوط الأخلاقي للغرب!

بقلم: فاروق يوسف

الأربعاء ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

أن‭ ‬تكون‭ ‬المستشفيات‭ ‬هدفا‭ ‬معلنا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬فتلك‭ ‬نقطة‭ ‬العار‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬خلاف‭ ‬عليها‭.‬

يغض‭ ‬الغرب‭ ‬نظره‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬إنما‭ ‬تشن‭ ‬حربا‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬المدنيين‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬عدوّها‭. ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬كمن‭ ‬يحرق‭ ‬غابة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يصطاد‭ ‬أرنبا‭. ‬في‭ ‬خلفية‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُعفى‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬عمّا‭ ‬حدث‭ ‬لها‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬للآخرين‭.‬

فقطاع‭ ‬غزة‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬موقع‭ ‬حربها‭ ‬القذرة‭ ‬لا‭ ‬صفة‭ ‬قانونية‭ ‬له‭. ‬فلا‭ ‬هو‭ ‬محتل‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬مستقل‭. ‬وحماس‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬2007‭ ‬لا‭ ‬هي‭ ‬دولة‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬حكومة‭. ‬وشعب‭ ‬غزة‭ ‬يعاني‭ ‬إن‭ ‬انقطعت‭ ‬عنه‭ ‬المساعدات‭ ‬الدولية‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬أن‭ ‬غزة‭ ‬كانت‭ ‬مسرحا‭ ‬لسبعة‭ ‬حروب‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الحرب‭ ‬الحالية،‭ ‬شنتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬يعتبرها‭ ‬الغرب‭ ‬جزءا‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬المدنيين،‭ ‬أطفالا‭ ‬ونساء‭ ‬وشيوخا‭ ‬ومرضى‭.‬

لا‭ ‬يختلف‭ ‬اثنان‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانا‭ ‬من‭ ‬المناصرين‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬غزة‭ ‬ضحية‭ ‬لما‭ ‬فعلته‭ ‬إسرائيل‭ ‬عبر‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬هي‭ ‬عمر‭ ‬اتفاق‭ ‬سلام‭ ‬رثّ‭ ‬لم‭ ‬تحترمه‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولم‭ ‬تكتف‭ ‬بوضعه‭ ‬على‭ ‬الرف،‭ ‬بل‭ ‬وضعت‭ ‬دور‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬النفايات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمد‭ ‬إليها‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬يده‭ ‬إلا‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬الإشفاق‭.‬

غزة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬صارت‭ ‬مسألة‭ ‬إنسانية‭ ‬وليست‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬تنتظر‭ ‬التصريح‭ ‬بقيامها‭. ‬تلك‭ ‬مشكلة‭ ‬عصية‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬وبالأخص‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬وضعت‭ ‬صراعها‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬سلّم‭ ‬اهتمام‭ ‬العالم‭. ‬ولهذا‭ ‬نُسيت‭ ‬غزة‭ ‬بأهلها‭ ‬حين‭ ‬قررت‭ ‬إسرائيل‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬ضربة‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬المفاجئة‭ ‬يوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭.‬

يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتفهم‭ ‬موقف‭ ‬الغرب‭ ‬برئاسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬لروسيا‭ ‬والصين‭ ‬موقف‭ ‬حازم‭ ‬لوقف‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬وهم‭ ‬المجردون‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬مصيرهم‭ ‬القانوني؟‭ ‬فلا‭ ‬حماس‭ ‬دولة‭ ‬يحتمون‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬هم‭ ‬مواطنون‭ ‬فلسطينيون‭ ‬يجري‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سلطة‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭.‬

حين‭ ‬بدأ‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬حربه‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬أولا‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وهو‭ ‬المهدد‭ ‬بالسقوط‭ ‬لأسباب‭ ‬داخلية،‭ ‬وثانيا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬فرصة‭ ‬له‭ ‬لكي‭ ‬يقول‭ ‬رأيه‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬العيش‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬قد‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬ولم‭ ‬يهاجر‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬اللجوء‭ ‬التي‭ ‬ترحب‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬انسجاما‭ ‬مع‭ ‬خطة‭ ‬تهجيرهم‭. ‬وثالثا‭ ‬لأن‭ ‬الغرب‭ ‬والعالم‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬سوى‭ ‬حماس‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬حصرها‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬يوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬قتل‭ ‬مدنيين‭ ‬في‭ ‬مستوطنات‭ ‬غلاف‭ ‬غزة‭ ‬واقتياد‭ ‬جزء‭ ‬منهم‭ ‬أسرى‭.‬

كان‭ ‬متوقعا‭ ‬ألاّ‭ ‬يقف‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عند‭ ‬حد‭ ‬بعينه‭ ‬مما‭ ‬سُمّي‭ ‬بـ«الرد‭ ‬الدفاعي‮»‬‭. ‬لقد‭ ‬انتقلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬سريعا‭ ‬من‭ ‬خدعة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬الهجوم‭ ‬المنظم‭. ‬هناك‭ ‬جيش‭ ‬منظم‭ ‬يقتل‭ ‬المدنيين‭. ‬أما‭ ‬أن‭ ‬يعثر‭ ‬ذلك‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬مقاتلي‭ ‬حماس‭ ‬وهي‭ ‬منظمة‭ ‬مدربة‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬العصابات‭ ‬فذلك‭ ‬أشبه‭ ‬بلعبة‭ ‬إلكترونية‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬العبث‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬انتهى‭ ‬إلى‭ ‬المستشفيات‭. ‬كان‭ ‬متوقعا‭ ‬أن‭ ‬يدق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الغربية‭. ‬هناك‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬أشبه‭ ‬بكارثة‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭. ‬إن‭ ‬صمتت‭ ‬فإنها‭ ‬ستخلق‭ ‬منطقة‭ ‬سوداء‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬بقاع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬وهي‭ ‬منطقة‭ ‬قابلة‭ ‬للتوسع‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬احتوائها‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬عدائها‭.‬

لقد‭ ‬استخف‭ ‬الغرب‭ ‬بقوانينه‭ ‬حين‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بإسرائيل‭. ‬ففي‭ ‬أسوأ‭ ‬الحروب‭ ‬كانت‭ ‬المستشفيات‭ ‬خطوطا‭ ‬حمراء‭. ‬أما‭ ‬أن‭ ‬يُسمح‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بتجاوزها،‭ ‬فإن‭ ‬الغرب‭ ‬يضع‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬عار،‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحدها‭ ‬قد‭ ‬صنعته‭ ‬وواجهت‭ ‬تداعياته‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬والعراق‭. ‬وكانت‭ ‬بذلك‭ ‬قد‭ ‬تجاوزت‭ ‬القوانين‭ ‬والمواثيق‭ ‬الدولية‭.‬

ما‭ ‬لم‭ ‬يشعر‭ ‬الغرب‭ ‬وبالأخص‭ ‬منه‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬صارت‭ ‬تمثل‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬العالمي،‭ ‬فإن‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬الهلاك‭. ‬فحرب‭ ‬تنتهي‭ ‬إلى‭ ‬اقتحام‭ ‬المستشفيات‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬مأثرة‭ ‬بطولية،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسجل‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬إلا‭ ‬باعتبارها‭ ‬عارا‭. ‬ذلك‭ ‬العار‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬عار‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عار‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬اصطفت‭ ‬وراء‭ ‬إسرائيل‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شعبا‭ ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬أنه‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا