العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

من أوكرانيا إلى غزة.. لا سبيل غير الحل السياسي

بقلم: د. نبيل العسومي

الثلاثاء ٣١ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

رب‭ ‬ضارة‭ ‬نافعة‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتصدر‭ ‬أحداث‭ ‬العالم‭ ‬والقنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬والإخبارية‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬وغير‭ ‬الفضائية‭ ‬وفجأة‭ ‬تختفي‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬برمتها‭ ‬من‭ ‬الساحة‭ ‬الإعلامية‭ ‬والسياسية‭ ‬وتتحول‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬منسية‭ ‬أو‭ ‬ثانوية‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الروسي‭ ‬والأوكراني‭ ‬والغربي‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والمواجهة‭ ‬الدائرة‭ ‬حاليا‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬قد‭ ‬احتلت‭ ‬مركز‭ ‬الصدارة‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والإعلامية‭.‬

والحقيقة‭ ‬إن‭ ‬لهذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬المفاجئ‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هو‭ ‬يعود‭ ‬جوهريا‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمام‭ ‬بأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬إسرائيل‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬اهتماما‭ ‬بحل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬مضى‭ ‬عليها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬جهود‭ ‬حقيقية‭ ‬لرفع‭ ‬الظلم‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬نتيجة‭ ‬لهذا‭ ‬الدعم‭ ‬الخارجي‭ ‬والأعمى‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تمثله‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬خاصة‭ ‬والغربية‭ ‬عامة‭ ‬فإنه‭ ‬بمجرد‭ ‬ظهور‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬مظهر‭ ‬الضعيف‭ ‬أو‭ ‬الارتباك‭ ‬حتى‭ ‬تهب‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬دون‭ ‬تردد‭ ‬لنجدتها‭ ‬وتتحول‭ ‬كل‭ ‬أجهزة‭ ‬الإعلام‭ ‬المتعاطفة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬باستمرار‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬ظالمة‭ ‬أو‭ ‬مظلومة‭ ‬وهكذا‭ ‬أصبحت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬والدعم‭.‬

ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نضيف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬العامل‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬مثله‭ ‬فشل‭ ‬الهجوم‭ ‬المضاد‭ ‬الأوكراني‭ ‬الذي‭ ‬استثمرت‭ ‬فيه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬وأنفقت‭ ‬لإنجاحه‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬والأطنان‭ ‬العديدة‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ ‬والعتاد‭ ‬وهذا‭ ‬الفشل‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬اندلاع‭ ‬أحداث‭ ‬غزة‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬التأييد‭ ‬الأعمى‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأوروبيين‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬فقد‭ ‬احتدم‭ ‬النقاش‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬وفي‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬حول‭ ‬جدوى‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬مردود‭ ‬فعلي‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬المعارك‭ ‬الفاشلة‭ ‬التي‭ ‬يخوضها‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭ ‬لاختراق‭ ‬الدفاعات‭ ‬الروسية‭ ‬القوية‭ ‬رغم‭ ‬مضي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬الهجوم‭ ‬المضاد‭ ‬الذي‭ ‬بشرت‭ ‬به‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومعظم‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تعول‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬استرجعتها‭ ‬روسيا‭.‬

إن‭ ‬تراجع‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمسألة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وخاصة‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬الغربية‭ ‬بات‭ ‬يثير‭ ‬قلق‭ ‬الحكومة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لأن‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬تتلقاها‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭ ‬فاقت‭ ‬جميع‭ ‬التوقعات‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬سوى‭ ‬مكاسب‭ ‬محدودة‭ ‬وبسيطة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬استمر‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬ليضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الإرهاق‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬واستهلاك‭ ‬الموارد‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تنفق‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬مشكلات‭ ‬الشعوب‭ ‬الأوروبية‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬التدهور‭ ‬المعيشي‭ ‬والتضخم‭.‬

وإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬عجز‭ ‬أوكراني‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬روسيا‭ ‬وعجز‭ ‬غربي‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بروسيا‭ ‬وعجز‭ ‬عن‭ ‬تدمير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي،‭ ‬فسنجد‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ومستجدات‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وما‭ ‬تؤشر‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬قيام‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬وشاملة‭ ‬وخطيرة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العالم‭ ‬واحتمالات‭ ‬تأثير‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اندلاع‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬الشاملة‭ ‬على‭ ‬إمدادات‭ ‬الغذاء‭ ‬والطاقة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬تعقيدات‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والإنساني‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الروسية‭ ‬وخاصة‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬تعطل‭ ‬إمدادات‭ ‬الغاز‭ ‬والنفط‭ ‬الروسيين‭.‬

لقد‭ ‬تورط‭ ‬الغرب‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬اللامحدود‭ ‬دون‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬أي‭ ‬أفق‭ ‬سياسي‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬ينهي‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يجمده‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لتتنفس‭ ‬شعوب‭ ‬البلدان‭ ‬الصعداء‭ ‬ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬تقريبا‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬المواجهة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فهي‭ ‬تقوم‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬مد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ ‬والدعم‭ ‬السياسي‭ ‬والإعلامي‭ ‬وتشجعها‭ ‬على‭ ‬سحق‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بمن‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬إجبار‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬والمغادرة‭ ‬إلى‭ ‬سيناء‭ ‬كما‭ ‬تمنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وذلك‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬أفق‭ ‬لحل‭ ‬سياسي‭ ‬ينقذ‭ ‬المنطقة‭ ‬ككل‭ ‬من‭ ‬أهوال‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬اللاإنسانية‭ ‬ويعيد‭ ‬إلى‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬للجميع‭.‬

على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬اعتبارها‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬والإنساني‭ ‬هو‭ ‬المخرج‭ ‬الوحيد‭ ‬لإنقاذ‭ ‬العالم‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المسالة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬أو‭ ‬المسألة‭ ‬الفلسطينية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا