العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المأزق الإسرائيلي بعد عملية «طوفان الأقصى»

بقلم: د. ناصيف حتّي

السبت ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

اهتزت‭ ‬صورة‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقهر،‭ ‬وتحديدا‭ ‬سمعة‭ ‬الأجهزة‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬منذ‭ ‬نجاح‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬عملية‭ ‬الاختراق‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭. ‬عنصر‭ ‬المفاجأة‭ ‬شكَّل‭ ‬سقطة‭ ‬مدوية‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لسمعة‭ ‬تلك‭ ‬الأجهزة‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬لمفهوم‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المحصن‭ ‬خير‭ ‬تحصين‭. ‬ويبدو‭ ‬الارتباك‭ ‬على‭ ‬أشده‭ ‬بين‭ ‬التهديد‭ ‬بالغزو‭ ‬فورا‭ ‬والذي‭ ‬يتكرر،‭ ‬وتأخير‭ ‬تنفيذ‭ ‬ذلك‭ ‬القرار‭ ‬إدراكا‭ ‬لصعوبة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬استحالة‭ ‬تحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬أعلنتها‭ ‬إسرائيل‭. ‬وللتذكير‭ ‬أعلن‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يوآف‭ ‬جالانت‭ ‬عن‭ ‬أهداف‭ ‬ثلاثة‭: ‬وهي‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حماس‭ ‬وتدمير‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬والآخر‭ ‬الإزالة‭ ‬الكاملة‭ ‬لجيوب‭ ‬المقاومة،‭ ‬وإقامة‭ ‬نظام‭ ‬أمنى‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬القطاع‭. ‬وقد‭ ‬أعلن‭ ‬جالانت‭ ‬أنه‭ ‬سيتم‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬شهر‭ ‬وثلاثة‭ ‬أشهر‭. ‬عملية‭ ‬احتلال‭ ‬شمال‭ ‬غزة،‭ ‬كما‭ ‬تهدد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالقيام‭ ‬بذلك‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬شبه‭ ‬المستحيل‭ ‬احتلال‭ ‬جميع‭ ‬أراضي‭ ‬القطاع،‭ ‬دونها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصعوبات‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تمت‭. ‬فهي‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬استنزاف‭ ‬كبير‭ ‬ومستمر‭ ‬للقوة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المحتلة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التعبئة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الحاصلة‭ ‬حاليا‭ ‬والتي‭ ‬ستزداد‭ ‬زخما‭ ‬مع‭ ‬الاجتياح‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭. ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الهجوم‭ ‬المتكرر‮»‬‭ (‬غزو‭ ‬وانسحاب‭) ‬بقوة‭ ‬نارية‭ ‬قصوى‭ ‬لن‭ ‬تأتى‭ ‬أيضا‭ ‬بالنتيجة‭ ‬المعلنة‭ ‬إسرائيليا،‭ ‬أي‭ ‬هزيمة‭ ‬حماس‭ ‬‮«‬وإخراجها‭ ‬كليا‭ ‬من‭ ‬الملعب‮»‬‭.‬

‭ ‬السيناريو‭ ‬الأكثر‭ ‬واقعية‭ ‬قوامه‭ ‬تصعيد‭ ‬كلي‭ ‬للقتال‭ ‬والعدوان‭ ‬الواسع‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬ممتدة‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تمتد‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬ولو‭ ‬بأشكال‭ ‬أخرى،‭ ‬أقل‭ ‬ضراوة‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬وقد‭ ‬بدأنا‭ ‬نشهد‭ ‬إرهاصات‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬مع‭ ‬ازدياد‭ ‬أعمال‭ ‬المقاومة‭ ‬والمواجهة‭ ‬للاحتلال‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ازدياد‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬والاعتداء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المستوطنين‭ ‬على‭ ‬السكان‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

خلاصة‭ ‬القول،‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وضعت‭ ‬السقف‭ ‬عاليا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأهدافها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وهي‭ ‬أسيرة‭ ‬وضع‭ ‬قوامه‭ ‬إنها‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬أعلنتها‭ ‬وتكرر‭ ‬تأكيدها‭. ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬آخر،‭ ‬فإن‭ ‬الانحياز‭ ‬الأعمى‭ ‬للموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬ومعه‭ ‬الأوروبي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬‮«‬تفهم‮»‬‭ ‬وبالتالي‭ ‬شرعنة‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أفشل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬محاولة‭ ‬البحث‭ ‬الجدي‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬وولوج‭ ‬باب‭ ‬التهدئة‭. ‬

موقفان‭ ‬عربيان‭ ‬مهمان‭ ‬للقوى‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬انخرطت‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭. ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ستؤدي‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استمرت‭ ‬وبالطبع‭ ‬تصاعدت‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التعقيدات‭ ‬والتوترات‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الإقليمي‭ ‬مستقبلا‭ ‬بتداعيات‭ ‬مكلفة‭ ‬للجميع‭. ‬تم‭ ‬إلغاء‭ ‬القمة‭ ‬الرباعية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬قادة‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭ ‬والسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬كرسالة‭ ‬بشأن‭ ‬موقفه‭ ‬الداعم‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مشروط‭ ‬للعدوان‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬الموقف‭ ‬الآخر‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬الخلاف‭ ‬العربي‭ ‬الغربي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬إليها‭ ‬واستضافتها‭ ‬القاهرة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬إصرار‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬الغربية‭ ‬الأساسية‭ ‬المشاركة‭ ‬على‭ ‬تضمين‭ ‬البيان‭ ‬‮«‬التفهم‮»‬‭ ‬وبالتالي‭ ‬التبرير‭ ‬للأعمال‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬رغم‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬الكبيرة‭ ‬لهذا‭ ‬العدوان‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يسمح‭ ‬للقمة‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬هدفها‭ ‬الأساسي‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬بيان‭ ‬لوقف‭ ‬القتال،‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الانحياز‭ ‬الغربي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬عامة‭ ‬لخطة‭ ‬عمل‭ ‬للتهدئة‭ ‬والذهاب‭ ‬نحو‭ ‬إحياء‭ ‬المسار‭ ‬السياسي‭ ‬للتسوية‭ ‬السلمية‭ ‬للنزاع‭.‬

‭ ‬مسار‭ ‬رغم‭ ‬العوائق‭ ‬الكثيرة‭ ‬أمامه،‭ ‬لكنه‭ ‬يبقى‭ ‬الطريق‭ ‬الوحيد‭ ‬لإنهاء‭ ‬حالة‭ ‬الحرب‭ ‬والاحتلال‭ ‬وإحلال‭ ‬السلام‭ ‬وفق‭ ‬القرارات‭ ‬الدولية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭. ‬وتبدو‭ ‬هنالك‭ ‬قطيعة‭ ‬واضحة‭ ‬وفاضحة‭ ‬بين‭ ‬تكرار‭ ‬مجمل‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬إعلانها‭ ‬دعم‭ ‬لعملية‭ ‬السلام‭ ‬ولحل‭ ‬‮«‬الدولتين‭ ‬اللتين‭ ‬تعيشان‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‮»‬‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والانخراط‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬وحازم‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬وهنالك‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬صيغ‭ ‬التعاون‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬بلورتها‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬توفرت‭ ‬الإرادة‭ ‬ومعها‭ ‬الحزم‭ ‬لولوج‭ ‬ذلك‭ ‬الطريق‭ ‬للتشجيع‭ ‬والتحفيز‭ ‬بغية‭ ‬إحياء‭ ‬ومواكبة‭ ‬عملية‭ ‬المفاوضات‭ ‬المطلوبة‭ ‬التي‭ ‬تبدأ‭ ‬بوقف‭ ‬القتال‭ ‬وباتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭ ‬لخفض‭ ‬التوتر‭ ‬وتبريد‭ ‬الجبهات‭ ‬وفك‭ ‬الاشتباك‭ ‬والذهاب‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬نحو‭ ‬المفاوضات‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المرجعيات‭ ‬التي‭ ‬أشرنا‭ ‬إليها‭ ‬سابقا،‭ ‬لإحلال‭ ‬السلام‭ ‬الشامل‭ ‬والعادل‭ ‬والدائم‭ ‬وفتح‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬الاستقرار‭ ‬والازدهار‭ ‬لجميع‭ ‬دوله‭ ‬وشعوبه‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬إننا‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬سباق‭ ‬بين‭ ‬محاولات‭ ‬إسرائيل‭ ‬فرض‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬يهدد‭ ‬أي‭ ‬أمل‭ ‬بالتوصل‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬المبني‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي،‭ ‬وضمن‭ ‬شروط‭ ‬أخرى،‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الحقوق‭ ‬الوطنية‭ ‬المشروعة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وإيقاف‭ ‬هذه‭ ‬السياسة،‭ ‬الحاملة‭ ‬والواعدة‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والدمار‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬بالأمر‭ ‬السهل‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الأحزاب‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭ ‬المتشددة‭ ‬والممسكة‭ ‬بالسلطة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭: ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬السهل‭ ‬ولكنه‭ ‬يبقى‭ ‬بالأمر‭ ‬الضروري‭ ‬والواقعي‭ ‬والمبدئي‭ ‬لبناء‭ ‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭ ‬طال‭ ‬انتظاره‭. ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬ندرك،‭ ‬كما‭ ‬تدل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المؤشرات،‭ ‬أن‭ ‬الانتظار‭ ‬سيطول،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مخاوف‭ ‬من‭ ‬توسع‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الإقليمي،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬ذلك‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬قوامه‭ ‬أساسا‭ ‬إقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭.‬

 

{‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬لبنان‭ ‬الأسبق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا