العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

من قتل وديع؟.. ومن يقف وراء الجرائم المروعة؟

بقلم: موسى عساف

الأربعاء ١٨ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

‮«‬أنا‭ ‬ممتن‭ ‬لأن‭ ‬أكون‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وقد‭ ‬أتيت‭ ‬كيهودي‮»‬‭.. ‬بهذه‭ ‬الكلمات‭ ‬استهل‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي،‭ ‬أنتوني‭ ‬بلينكن،‭ ‬زيارته‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬انطلاق‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬أعلنتها‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬وأوقعت‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬أعقبها‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬استهدفت‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بشراً‭ ‬وحجراً‭ ‬وحياة‭.‬

تصريح‭ ‬بلينكن‭ ‬أعاد‭ ‬إلى‭ ‬الأذهان‭ ‬تصريح‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬الابن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2001،‭ ‬عندما‭ ‬قال‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬الصليبية،‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬ستأخذ‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬لاقت‭ ‬وقتها‭ ‬انتقاداً‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬فيما‭ ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬أي‭ ‬مسؤول‭ ‬علناً‭ ‬للوقوف‭ ‬أمام‭ ‬تصريح‭ ‬بلينكن،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤشر‭ ‬على‭ ‬متغيرات‭ ‬كثيرة‭ ‬عاشها‭ ‬ويعيشها‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭.‬

تصريح‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬كما‭ ‬جورج‭ ‬بوش،‭ ‬أعطى‭ ‬مؤشراً‭ ‬واضحاً‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التخندق‭ ‬الغربي،‭ ‬المسيحي‭ ‬اليهودي،‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مسلم،‭ ‬متجاوزين‭ ‬بذلك‭ ‬جميع‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬يتشدق‭ ‬بها‭ ‬الغرب‭ ‬ليل‭ ‬نهار،‭ ‬ويطالبنا‭ ‬نحن‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬بأن‭ ‬نلتزم‭ ‬بها‭ ‬ونضعها‭ ‬ضمن‭ ‬معايير‭ ‬تعاملاتنا،‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭.‬

بلينكن‭ ‬يعلنها‭ ‬حرباً‭ ‬دينية،‭ ‬ويفتح‭ ‬المجال‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬لكل‭ ‬متطرف‭ ‬ومهووس‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬‮«‬حربه‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬أينما‭ ‬كانوا،‭ ‬حيث‭ ‬جاءت‭ ‬أولى‭ ‬تلك‭ ‬التفاعلات‭ ‬بقتل‭ ‬الطفل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وديع‭ ‬الفيومي‭ ‬ذي‭ ‬الـ6‭ ‬سنوات‭ ‬بـ26‭ ‬طعنة‭ ‬مباشرة‭ ‬وإصابة‭ ‬والدته،‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬شيكاغو‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬متطرف‭ ‬أمريكي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكدته‭ ‬تحقيقات‭ ‬الشرطة‭ ‬التي‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الضحيتين‭ ‬‮«‬استُهدفا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المشتبه‭ ‬فيه‭ ‬لأنهما‭ ‬يعتنقان‭ ‬الديانة‭ ‬الإسلامية‮»‬‭.‬

تصريحات‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬الغربيين،‭ ‬وما‭ ‬سبقها‭ ‬وتبعها‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬إعلامي‭ ‬تفنن‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭ ‬حول‭ ‬تداعيات‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬لحركة‭ ‬حماس،‭ ‬والادعاءات‭ ‬بقطع‭ ‬رؤوس‭ ‬الأطفال‭ ‬وحرق‭ ‬الجثث‭ ‬والاغتصابات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭.. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يمثل‭ ‬تصريحاً‭ ‬لكل‭ ‬مهووس‭ ‬ومتطرف‭ ‬ومريض‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬هوسه‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬شرق‭ ‬أوسطي‭ ‬أو‭ ‬مسلم،‭ ‬وتحديداً‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬فلسطينيا‭.‬

نؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬مجمله‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬مؤيداً‭ ‬لقضايانا‭ ‬العادلة‭ ‬والمصيرية،‭ ‬لكنه‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬كان‭ ‬يحتجب‭ ‬بورقة‭ ‬التوت‭ ‬ليواري‭ ‬سوءاته،‭ ‬لكنه‭ ‬اليوم‭ ‬يسقط‭ ‬هذه‭ ‬الورقة،‭ ‬وكأنه‭ ‬في‭ ‬اتفاق‭ ‬غير‭ ‬معلن،‭ ‬يتحدث‭ ‬بلغة‭ ‬واحدة‭ ‬ومصطلحات‭ ‬محددة‭ ‬عندما‭ ‬يتناول‭ ‬الحدث‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬يحاول‭ ‬إيهامنا‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬مساحة‭ ‬لفلسطيني‭ ‬أو‭ ‬متعاطف‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬يستهل‭ ‬حواره‭ ‬بالطلب‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يدين‭ ‬عملية‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬في‭ ‬تعامٍ‭ ‬واضح‭ ‬لتاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬والشتات‭ ‬والدمار‭ ‬والقتل‭ ‬والتشريد‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬طيلة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

السقوط‭ ‬المدوي‭ ‬للإعلام‭ ‬الغربي،‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي،‭ ‬يمثل‭ ‬امتداداً‭ ‬لحالة‭ ‬السقوط‭ ‬السياسي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬واحدة‭ ‬بين‭ ‬المعتدي‭ ‬والضحية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬أصدرت‭ ‬قوانين‭ ‬وتشريعات‭ ‬وتهديدات‭ ‬مباشرة‭ ‬بالترحيل‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يتعاطف‭ ‬مع‭ ‬ضحايا‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ولم‭ ‬تراع‭ ‬بذلك‭ ‬حتى‭ ‬الشخصيات‭ ‬المشهورة‭ ‬من‭ ‬رياضيين‭ ‬وفنانين‭ ‬ونشطاء‭.‬

الرسائل‭ ‬الكاذبة‭ ‬والأخبار‭ ‬المضللة‭ ‬التي‭ ‬غصت‭ ‬بها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنها‭ ‬موجهة،‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تهيئة‭ ‬الأرضية‭ ‬لمواصلة‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬جر‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬شاملة‭ ‬ومفتوحة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬تداعياتها‭ ‬ونتائجها‭ ‬الكارثية‭.‬

الأكاذيب‭ ‬والادعاءات‭ ‬الرسمية‭ ‬والإعلامية‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التراجع‭ ‬عنها‭ ‬لاحقاً‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬لوس‭ ‬أنجلوس‭ ‬تايمز‭ ‬وغيرها،‭ ‬لم‭ ‬تغير‭ ‬شيئاً‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬المشهد،‭ ‬حيث‭ ‬وضعت‭ ‬البذرة‭ ‬الأولى‭ ‬لتشكيل‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬عالمي‭ ‬سيرى‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬حرباً‭ ‬عادلة‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬يطلق‭ ‬عليهم‭ ‬‮«‬الدواعش‮»‬،‭ ‬يروج‭ ‬لها‭ ‬أنها‭ ‬حرب‭ ‬صليبية‭ ‬‭ ‬يهودية‭ ‬ضد‭ ‬جماعات‭ ‬إرهابية‭ ‬متطرفة،‭ ‬غاضاً‭ ‬البصر‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬المذابح‭ ‬والتشريد‭ ‬والمعاناة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

لم‭ ‬يُقتل‭ ‬وديع‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المتطرف‭ ‬الإرهابي،‭ ‬جوزيف‭ ‬تشوبا،‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬وديع‭ ‬هي‭ ‬رسائل‭ ‬السياسيين‭ ‬الغربيين‭ ‬والإعلام‭ ‬المتحيز‭.. ‬وبالتأكيد‭ ‬صمتنا‭ ‬المخجل‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا