العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

بين كارثة تدمير درسدن الألمانية.. وحرب الإبادة الصهيونية في غزة!

بقلم: د. تيسير خالد

السبت ١٤ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬يشاهد‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬الرمال‭ ‬وفي‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬أحياء‭ ‬مدينة‭ ‬غزة‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬ذهنه‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬درسدن‭ ‬الألمانية‭ ‬في‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬1945‭ ‬يوم‭ ‬أغارت‭ ‬طائرات‭ ‬بريطانية‭ ‬وأمريكية‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬وحولتها‭ ‬إلى‭ ‬أنقاض‭. ‬يومها‭ ‬هاجمت‭ ‬800‭ ‬طائرة‭ ‬قاذفة‭ ‬بريطانية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬أفرو‭ ‬لانكاستر‮»‬‭ ‬و311‭ ‬طائرة‭ ‬أمريكية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬بي‭-‬17‮»‬‭ ‬مدينة‭ ‬درسدن‭. ‬وألقت‭ ‬الطائرات‭ ‬البريطانية‭ ‬1478‭ ‬طنًّا‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬الشديدة‭ ‬الانفجار‭ ‬و1182‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬الحارقة‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬النائمة‭ ‬لتُحدث‭ ‬إعصارا‭ ‬ناريا،‭ ‬ثم‭ ‬ألقت‭ ‬الطائرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬771‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬14‭ ‬فبراير،‭ ‬و466‭ ‬طنا‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ .‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬درسدن‭ ‬صناعات‭ ‬عسكرية‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬فيها‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬قواعد‭ ‬إمداد‭ ‬لجيش‭ ‬ألماني‭ ‬متهالك‭ ‬أصلا‭ ‬ينتظر‭ ‬لحظة‭ ‬الاستسلام‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الوحشية،‭ ‬التي‭ ‬بدأها‭ ‬الجيش‭ ‬النازي‭ ‬وغطت‭ ‬أحداثها‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬بأسرها‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬الغرب‭. ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬سقط‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬مدنيين‭ ‬فدمر‭ ‬78‭ ‬ألف‭ ‬دار‭ ‬سكنية‭ ‬تدميرا‭ ‬كاملا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المباني‭ ‬الأخرى‭ ‬غير‭ ‬السكنية‭ ‬ومنها‭ ‬50‭ ‬مبنى‭ ‬تاريخيا‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬مدني‭ .‬

عدد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬الألمانية‭ ‬البارزة‭ ‬منهم‭ ‬الكاتب‭ ‬الألماني‭ ‬الحائز‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل،‭ ‬غونتر‭ ‬غراس،‭ ‬وصف‭ ‬قصف‭ ‬درسدن‭ ‬بمثابة‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭. ‬الصحفي‭ ‬الأمريكي‭ ‬المعروف‭ ‬كريستوفر‭ ‬هيتشينس‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬الجوي‭ ‬على‭ ‬درسدن‭ ‬كان‭ ‬تدريب‭ ‬الطيارين‭ ‬على‭ ‬إلقاء‭ ‬القنابل،‭ ‬أما‭ ‬المؤرخ‭ ‬الألماني‭ ‬يورغ‭ ‬فريدريخ‭ ‬فقد‭ ‬وصف‭ ‬قصف‭ ‬درسدن‭ ‬بالعملية‭ ‬الإرهابية‭.‬

جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والأعمال‭ ‬الإرهابية‭ ‬لها‭ ‬سجل‭ ‬حافل‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬ممتد‭ ‬للحكومات‭ ‬والإدارات‭ ‬البريطانية‭ ‬والأمريكية،‭ ‬بل‭ ‬وذلك‭ ‬لحكام‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭. ‬فتلك‭ ‬قواسم‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬حكام‭ ‬لندن‭ ‬وواشنطن‭ ‬وتل‭ ‬أبيب‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬لتحالف‭ ‬سمته‭ ‬الشيطانية‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬على‭ ‬أحد‭. ‬وهي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ليست‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬حكام‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬منذ‭ ‬تنفيذ‭ ‬الجرائم‭ ‬المروعة‭ ‬في‭ ‬‮«‬خطة‭ ‬دالت‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬أقرتها‭ ‬قيادة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الوكالة‭ ‬اليهودية‭ ‬والحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬آذار‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬وترتب‭ ‬عليها‭ ‬محو‭ ‬مئات‭ ‬البلدات‭ ‬والقرى‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬الوجود،‭ ‬وهي‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المتطرفين‭ ‬الجدد‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬أمثال‭ ‬ايتمار‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬وبتسلئيل‭ ‬سموتريتش‭ ‬وغيرهما‭ ‬مجرد‭ ‬تدريب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قادم‭ ‬وفقا‭ ‬لخطة‭ ‬الحسم‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬تنفيذها‭ ‬على‭ ‬مراحل‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بدعم‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬الذي‭ ‬انشغل‭ ‬جيشه‭ ‬عن‭ ‬غزة‭ ‬بأساطير‭ ‬وبمرافقة‭ ‬المهووسين‭ ‬بإقامة‭ ‬الصلوات‭ ‬التلمودية‭ ‬في‭ ‬‮«‬قبر‭ ‬يوسف‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬مذبح‭ ‬يشع‮»‬‭ ‬وبتوفير‭ ‬الحماية‭ ‬للمستوطنات‭ ‬والبؤر‭ ‬الاستيطانية‭ ‬وما‭ ‬يسمى‭ ‬المزارع‭ ‬الرعوية‭ ‬وما‭ ‬تحويه‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬وكيانات‭ ‬إرهاب‭ ‬يهودي‭ ‬كزعران‭ ‬‮«‬شبيبة‭ ‬التلال‮»‬‭ ‬وزعران‭ ‬‮«‬تدفيع‭ ‬الثمن‮»‬‭.‬

وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬درسدن‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬وزن‭ ‬القنابل‭ ‬التي‭ ‬ألقيت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬البريطانية‭ ‬والأمريكية‭ ‬نحو‭ ‬2249‭ ‬طنا،‭ ‬غزة‭ ‬غير‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬الناطق‭ ‬بلسان‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أن‭ ‬طائراته‭ ‬ألقت‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬اليومين‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬من‭ ‬العدوان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬المتفجرات،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬وزن‭ ‬المتفجرات‭ ‬التي‭ ‬تلقيها‭ ‬طائراته‭ ‬على‭ ‬المدنيين‭ ‬الأبرياء‭ ‬كلما‭ ‬طال‭ ‬أمد‭ ‬العدوان‭ ‬سيكون‭ ‬أضعافا‭ ‬مضاعفة‭ ‬لما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬الألمانية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية،‭ ‬تعهدت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بمضاعفة‭ ‬معاناتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تزويد‭ ‬حكام‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬قنابل‭ ‬الموت‭ ‬والدمار‭ ‬أمريكية‭ ‬الصنع‭ ‬تلقيها‭ ‬طائرات‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬أمريكية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬لمحو‭ ‬أحياء‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬الخارطة‭ ‬وتفريغ‭ ‬شريط‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬سكانه‭ ‬تمهيدا‭ ‬لمخطط‭ ‬سيطرة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬يراود‭ ‬حكام‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬جميع‭ ‬أهدافه‭.‬

غونتر‭ ‬غروس،‭ ‬ذاك‭ ‬الأديب‭ ‬الألماني‭ ‬الكبير‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬قبل‭ ‬ثمانية‭ ‬أعوام‭. ‬كان‭ ‬يوصف‭ ‬بضمير‭ ‬ألمانيا‭ ‬وعميد‭ ‬أدبائها،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬النقد‭ ‬لدولة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬المطالبة‭ ‬بنزع‭ ‬أسلحتها‭ ‬النووية،‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬المشهورة‭ ‬‮«‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬‮«‬وجه‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬انتقادات‭ ‬لاذعة‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬وسلوك‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬متحررا‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬الذنب‭ ‬الألمانية،‭ ‬فالنازية‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬وأهوال‭ ‬الهولوكوست‭ (‬المحرقة‭) ‬ليست‭ ‬ذريعة‭ ‬لأن‭ ‬نصمت‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬إسرائيل‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‮»‬‭. ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬حاول‭ ‬غروس‭ ‬ما‭ ‬أمكنه‭ ‬ذلك‭ ‬تحطيم‭ ‬‮«‬صنم‭ ‬عبادة‮»‬‭ ‬هو‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬ووقف‭ ‬يحذر‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬جنون‭ ‬الغطرسة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وهو‭ ‬جنون‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتخطى‭ ‬جنون‭ ‬العدوان‭ ‬الهمجي‭ ‬الراهن‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وما‭ ‬يرافقه‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أعظم‭ ‬وأخطر،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تجاوزت‭ ‬خطوة‭ ‬بايدن‭ ‬إرسال‭ ‬حاملات‭ ‬الطائرات‭ ‬والبوارج‭ ‬والمدمرات‭ ‬إلى‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬حدود‭ ‬المناورة‭ ‬السياسية‭ .‬

{‭ ‬عضو‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬للجبهة‭ ‬

الديمقراطية‭ ‬لتحرير‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا