العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

باشينيان على طريقة زيلينسكي

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

يبدو‭ ‬أن‭ ‬نيكول‭ ‬باشينيان‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬جمهورية‭ ‬أرمينيا‭ ‬يكرر‭ ‬نفس‭ ‬أخطاء‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فلاديمير‭ ‬زيلينسكي‭ ‬في‭ ‬استفزاز‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والتطاول‭ ‬عليها‭ ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬لأرمينيا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬بمعنى‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬وفي‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬الوجوه‭ ‬والمطابقة‭ ‬لها‭ ‬عناصر‭ ‬نجملها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭:‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬جمهورية‭ ‬أرمينيا‭ ‬كما‭ ‬جمهورية‭ ‬أذربيجان‭ ‬كانت‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬اتحاد‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابق‭ ‬واستطاعت‭ ‬دولة‭ ‬الاتحاد‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬جمهوريات‭ ‬الاتحاد‭ ‬والسكوت‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الخلافات‭ ‬الاثنية‭ ‬أو‭ ‬الجغرافية‭ ‬لأن‭ ‬تلك‭ ‬الجمهوريات‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬كيان‭ ‬أكبر‭ ‬وهو‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬ناغورنا‭ ‬كاراباخ‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬جغرافيا‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬جمهورية‭ ‬أذربيجان‭ ‬لكن‭ ‬تسكنها‭ ‬أغلبية‭ ‬أرمينية‭.‬

ثانيا‭: ‬بمجرد‭ ‬تفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬واستقلال‭ ‬دوله‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬ديسمبر‭ ‬1991‭ ‬عادت‭ ‬تلك‭ ‬الجمهوريات‭ ‬إلى‭ ‬وضعها‭ ‬السابق‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬مشاكلها‭ ‬السابقة‭ ‬فيها‭ ‬الاتحاد‭ ‬نفسه‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬عادت‭ ‬النعرات‭ ‬الحدودية‭ ‬وكأنما‭ ‬الاتحاد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجودا‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬موضوع‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬أرمينيا‭ ‬وأذربيجان‭ ‬حول‭ ‬إقليم‭ ‬ناغورنا‭ ‬كاراباخ‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬إعلاميا‭ ‬بمعركة‭ ‬100‭ ‬عام‭ ‬عندما‭ ‬انطلق‭ ‬الخلاف‭ ‬الحدودي‭ ‬بين‭ ‬الدولتين‭ ‬عام‭ ‬1920‭ ‬كما‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬أيضا‭ ‬بحرب‭ ‬المرتفعات‭ ‬وظهرت‭ ‬تلك‭ ‬الخلافات‭ ‬مجددا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬استطاعت‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ (‬30‭) ‬سنة‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬ومنع‭ ‬تفاقمه‭ ‬وخصوصا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬بذلته‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬لحماية‭ ‬أرمينيا‭ ‬ومنع‭ ‬اندلاع‭ ‬الصراع‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬الدولتين‭ ‬الجارتين‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الدعم‭ ‬المباشر‭ ‬والمتواصل‭ ‬لأذربيجان‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬تركيا‭ ‬لأسباب‭ ‬تاريخية‭ ‬وقومية‭ ‬وغيرها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اندلعت‭ ‬حرب‭ ‬2020‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وكانت‭ ‬حربا‭ ‬دامية‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬إلا‭ ‬بواسطة‭ ‬روسية‭ ‬ناجحة‭ ‬انتهت‭ ‬بموافقة‭ ‬باشينيان‭ ‬على‭ ‬تبعية‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭ ‬الكبير‭ ‬إلى‭ ‬أذربيجان‭ ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬موافقة‭ ‬أذربيجان‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬المواطنين‭ ‬الأرمن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وتوطينهم‭ ‬وعدم‭ ‬المساس‭ ‬بهم‭ ‬وركزت‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وحدات‭ ‬عسكرية‭ ‬للحماية‭ ‬ومنع‭ ‬اندلاع‭ ‬أي‭ ‬اشتباك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تشعل‭ ‬المنطقة‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الضحايا‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬خلال‭ ‬الحروب‭ ‬من‭ ‬عام1991‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬آلاف‭ ‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬الجيشين‭ ‬ومواطني‭ ‬البلدين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬حيث‭ ‬اندلعت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬انتهت‭ ‬بهزيمة‭ ‬أرمينيا‭ ‬وخرجت‭ ‬الجماهير‭ ‬الأرمينية‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬مطالبة‭ ‬باستقالة‭ ‬باشينيان‭ ‬لمسؤوليته‭ ‬عن‭ ‬هزيمة‭ ‬أرمينيا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭.‬

ثالثا‭: ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬بذلتها‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬لحماية‭ ‬أرمينيا‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬والوساطة‭ ‬المتكررة‭ ‬فإن‭ ‬الأرمن‭ ‬في‭ ‬ناغورنا‭ ‬كاراباخ‭ ‬أعلنوا‭ ‬حكومة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭ ‬وشكلوا‭ ‬جيشا‭ ‬في‭ ‬تحد‭ ‬لأذربيجان‭ ‬ومثلما‭ ‬تؤكد‭ ‬الوقائع‭ ‬الأخيرة‭ ‬فإن‭ ‬إطلاق‭ ‬شرارة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬الأرمن‭ ‬تحديدا‭ ‬الذين‭ ‬اعتدوا‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬الأذربيجاني‭ ‬بما‭ ‬يمتلكه‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬زودتهم‭ ‬بها‭ ‬القوات‭ ‬الأرمينية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬موجودا‭ ‬في‭ ‬ناغورنا‭ ‬كاراباخ‭ ‬بل‭ ‬الأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأرمن‭ ‬اعتدوا‭ ‬على‭ ‬قوات‭ ‬السلام‭ ‬الروسية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تحميهم‭ ‬وقتلوا‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬الروس‭.‬

رابعا‭: ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬السلبية‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬حكومة‭ ‬أرمينيا‭ ‬وخاصة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬نيكول‭ ‬باشينيان‭ ‬فإن‭ ‬روسيا‭ ‬تعاملت‭ ‬بطول‭ ‬نفس‭ ‬ولم‭ ‬تستجب‭ ‬للاستفزازات‭ ‬الأرمينية‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬إعلان‭ ‬باشينيان‭ ‬انضمام‭ ‬أرمينيا‭ ‬إلى‭ ‬بروتوكول‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬2023‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬أرمينيا‭ ‬من‭ ‬اعتقال‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬زيارته‭ ‬لها‭ ‬بضغط‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬كما‭ ‬نفذت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأرمينية‭ ‬مع‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬مناورات‭ ‬عسكرية‭ ‬إمعانا‭ ‬في‭ ‬الاستفزاز‭ ‬واعتقادا‭ ‬من‭ ‬حكوم‭ ‬باشينيان‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحميها‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬اندلاع‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬جيرانها‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬رغم‭ ‬انضمام‭ ‬أرمينيا‭ ‬رسميا‭ ‬إلى‭ ‬الحلف‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬روسيا‭ ‬ويضم‭ ‬6‭ ‬دول‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬فداحة‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬المتناقض‭ ‬وهذا‭ ‬الاستفزاز‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬واستنادا‭ ‬إلى‭ ‬النقاط‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬أعلاه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تخسر‭ ‬أرمينيا‭ ‬معركتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬مع‭ ‬أذربيجان‭ ‬وأن‭ ‬تتكبد‭ ‬داخل‭ ‬ناغورنا‭ ‬كاراباخ‭ ‬هزيمة‭ ‬عسكرية‭ ‬مذلة‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة‭ ‬حيث‭ ‬انتهت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بهزيمة‭ ‬منكرة‭ ‬انتهت‭ ‬بتسليم‭ ‬وتسلم‭ ‬الأسلحة‭ ‬وخروج‭ ‬المسلحين‭ ‬من‭ ‬الإقليم‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬أرمينيا‭ ‬بحماية‭ ‬روسية‭ ‬وانتقال‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأرمن‭ ‬من‭ ‬مكانهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭ ‬إلى‭ ‬أرمينيا‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أذربيجان‭ ‬قد‭ ‬أعلنت‭ ‬رسميا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬الاندماج‭ ‬والبقاء‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬الأذربيجانية‭ ‬فسوف‭ ‬يحظى‭ ‬بالرعاية‭ ‬ويعتبر‭ ‬مواطنا‭ ‬أذربيجانيا‭.‬

إن‭ ‬الأخطاء‭ ‬القاتلة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأرميني‭ ‬وحكومته‭ ‬تؤكد‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يختار‭ ‬طريق‭ ‬الاستفزاز‭ ‬لقوة‭ ‬عظمى‭ ‬ومؤثرة‭ ‬مثل‭ ‬روسيا‭ ‬يخسر‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬مهما‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬خارجي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا