العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

التعليم الحديث وتحديات المستقبل

بقلم: جميلة حسن {

الجمعة ٠٦ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

سعت‭  ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬والتطوير‭ ‬في‭ ‬منظومتها‭ ‬التعليمية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬التحول‭ ‬السريع‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم،‭ ‬وتدفق‭ ‬المعلومات‭ ‬والاكتشافات‭ ‬العلمية،‭ ‬والاختراعات‭ ‬الجديدة‭ ‬والتطور‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬للنهوض‭ ‬والتقدم‭ ‬وتحقيق‭ ‬الإنجازات‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬المحلي‭ ‬والدولي،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬مازالت‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة‭ ‬خلقت‭ ‬فجوة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬التعليم‭ ‬واحتياجات‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬حيث‭ ‬يعاني‭ ‬بعض‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬الفرص‭ ‬التعليمية‭ ‬ما‭ ‬قيد‭ ‬إمكانيتهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تحصيل‭ ‬علمي‭ ‬يؤهلهم‭ ‬لمواجهة‭ ‬ظروف‭ ‬الحياة،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬الفرص‭ ‬الوظيفية‭ ‬المتاحة‭ ‬الملائمة‭ ‬لهم،‭ ‬ما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬والفقر،‭ ‬وساهم‭ ‬أيضا‭ ‬نقص‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬وتوفير‭ ‬الموارد‭ ‬الضرورية‭ ‬والاحتياجات‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬التعليمية،‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬الطلبة‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬قدراتهم‭ ‬الإبداعية‭ ‬والمهنية‭ ‬ما‭ ‬عرقل‭ ‬تطورهم‭ ‬الشخصي‭ ‬والمهني،‭ ‬وفقدوا‭ ‬الثقة‭ ‬بالنظام‭ ‬التعليمي،‭ ‬وبما‭ ‬يقدمه‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬وعلم‭ ‬قابل‭ ‬للتطبيق‭ ‬والتطوير‭.‬

وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه‭ ‬فإن‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليمية‭ ‬وحدها‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬رؤى‭ ‬وفكر‭ ‬شامل،‭ ‬ستكون‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أهدافها‭ ‬المرجوة‭ ‬وتحقيق‭ ‬الجودة‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية،‭ ‬وستكون‭ ‬المخرجات‭ ‬غير‭ ‬ملائمة‭ ‬للمنافسة‭ ‬العالمية،‭ ‬والتطور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والازدهار‭ ‬والابتكار‭. ‬فهي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬انسجام‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬القطاعات‭ ‬المختلفة،‭ ‬والكفاءة‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬التعليمي‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ ‬ومشاركة‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬والتعاون‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬والسرعة‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬المعلومات‭ ‬والعمل‭ ‬لأجل‭ ‬التغيير‭. ‬ومسؤولية‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬وراسمي‭ ‬السياسات‭ ‬التربوية‭ ‬مراجعة‭ ‬نظامهم‭ ‬التعليمي‭ ‬وإدارته‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬ليتناسب‭ ‬مع‭ ‬الاحتياج‭ ‬التربوي‭ ‬ومواكبة‭ ‬متغيرات‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭. ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬حصة‭ ‬الإنفاق‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ -‬مما‭ ‬لاشك‭ ‬فيه‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬العوامل‭ ‬وراء‭ ‬نجاح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التربوية‭ ‬هي‭ ‬الاستثمار‭ ‬الحكومي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭- ‬وتقديم‭ ‬خطط‭ ‬إبداعية‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬ونماذج‭ ‬عمل‭ ‬ناجحة،‭ ‬للاستجابة‭ ‬السريعة‭ ‬والمرنة‭ ‬للفرص‭ ‬الجديدة‭. ‬وأما‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬التربوي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تمكين‭ ‬الطلبة‭ ‬وتوفير‭ ‬بيئة‭ ‬مناسبة‭ ‬لهم‭ ‬لتعلم‭ ‬مهارات‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬لإعداد‭ ‬الطلبة‭ ‬للحياة،‭ ‬ليكونوا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬على‭ ‬الوظائف‭ ‬العالمية‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬تهتم‭ ‬بقياس‭ ‬وتقييم‭ ‬القراءة‭ ‬والرياضيات‭ ‬والعلوم،‭ ‬عليها‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬تقيس‭ ‬مهارات‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬حيث‭ ‬أوضح‭ ‬كتاب‭ ‬مهارات‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬تأليف‭ (‬بيرني‭ ‬ترلينج‭ ‬وتشارلز‭ ‬فادل‭) ‬أهمية‭ ‬مهارات‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬عندما‭ ‬سئل‭ ‬أربعمائة‭ ‬مدير‭ ‬تنفيذي‭ ‬لشركات‭ ‬رئيسة‭ ‬سؤالا‭ ‬بسيطا‭ ‬ولكنه‭ ‬مهم‭ ‬جدا‭: ‬هل‭ ‬الطلاب‭ ‬المتخرجون‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬جاهزون‭ ‬حقا‭ ‬للعمل؟‭ ‬الإجابة‭ ‬الجماعية‭ ‬للمديرين‭: ‬ليسوا‭ ‬جاهزين‭ ‬حقاً‭.‬

وبينت‭ ‬الدراسة‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬الطلاب‭ ‬المتخرجين‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الثانوية‭ ‬والكليات‭ ‬التقنية‭ ‬يفتقدون‭ ‬بعض‭ ‬المهارات‭ ‬الأساسية‭ ‬وعددا‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬المهارات‭ ‬التطبيقية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭: ‬منها‭ ‬الاتصال‭ ‬الشفهي‭ ‬والكتابي‭. ‬التفكير‭ ‬الناقد‭ ‬وحل‭ ‬المشكلات،‭ ‬الاحترافية‭ ‬وأخلاق‭ ‬العمل‭. ‬التعاون‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬فريق‭. ‬القيادة‭ ‬وإدارة‭ ‬المشروع‭ ‬واستخدام‭ ‬التقنيات‭ ‬المختلفة‭.‬

ولذلك‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬تعلم‭ ‬مهارات‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬بموازاة‭ ‬التعليم‭ ‬المدرسي‭ ‬لتهيئة‭ ‬الطلبة‭ ‬للحياة،‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬وظيفية‭ ‬جيدة‭ ‬تلبي‭ ‬احتياجاتهم‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬المهارات‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬طرحها‭ (‬المصدر‭ ‬السابق‭) ‬مقسمة‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬فئات‭ ‬رئيسة‭: ‬مهارات‭ ‬التعلم‭ ‬والإبداع‭ ‬تشمل‭ ‬مهارات‭ ‬التفكير‭ ‬الناقد‭ ‬وحل‭ ‬المشكلات‭ ‬ومهارات‭ ‬الاتصال‭ ‬والمعلومات‭ ‬والثقافة‭ ‬الإعلامية،‭ ‬ومهارة‭ ‬التعاون‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬فريق‭ ‬والقيادة‭ ‬ومهارة‭ ‬الابتكار‭ ‬والإبداع‭. ‬الفئة‭ ‬الثانية‭ ‬مهارات‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬وتشمل‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوسبة‭ ‬وتقنية‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصال،‭ ‬وأخيرا‭ ‬الفئة‭ ‬الثالثة‭ ‬وتشمل‭ ‬مهارتي‭ ‬المهنة‭ ‬والتعلم‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬ومهارة‭ ‬فهم‭ ‬الثقافات‭ ‬المتعددة‭. ‬إن‭ ‬كل‭ ‬طالب‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تعلم‭ ‬هذه‭ ‬المهارات‭ ‬مع‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬داخل‭ ‬البيئة‭ ‬المدرسة،‭ ‬فهي‭ ‬تُغرس‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬التعليمية‭. ‬وكما‭ ‬تم‭ ‬ذكره‭ ‬سابقا‭ ‬تلك‭ ‬المهارات‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تحتاجها‭ ‬المؤسسات‭ ‬اليوم‭ ‬وتعتمد‭ ‬عليها‭ ‬أي‭ ‬مهنة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الرقمنة،‭ ‬والمعلومات‭ ‬والتطور‭ ‬السريع‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬التربوية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المختلفة‭.‬

ختاما‭ ‬إن‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأكثر‭ ‬انفتاحًا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جديد،‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬الأفكار‭ ‬الريادية،‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬المستجدات‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬والاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬التطور‭ ‬المعرفي‭ ‬نحو‭ ‬التعليم‭ ‬المستدام،‭ ‬وإكساب‭ ‬الطلبة‭ ‬مهارات‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬ضمن‭ ‬البيئة‭ ‬التعليمية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬البيئة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ليكتسب‭ ‬الطلبة‭ ‬الصفات‭ ‬التكيفية‭ ‬التي‭ ‬يحتاجون‭ ‬لها‭ ‬لمواكبة‭ ‬بيئة‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تتطور‭ ‬باستمرار‭.‬

وتسعى‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬تشجيع‭ ‬الشراكة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬المختلفة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬والمنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية،‭ ‬للتعاون‭ ‬وتشجيع‭ ‬الإبداع‭ ‬والابتكار‭ ‬الذي‭ ‬يثير‭ ‬الحماس‭ ‬لدى‭ ‬الطلبة‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتعلم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جديد‭ ‬وتلبي‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬المعرفية،‭ ‬لتحقيق‭ ‬فرص‭ ‬جديدة‭ ‬مناسبة‭ ‬لمتطلبات‭ ‬السوق‭ ‬وبيئة‭ ‬العمل،‭ ‬مع‭ ‬تحقيق‭ ‬الكفاءة‭ ‬والجودة‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭.‬

ليسهمَ‭ ‬بذلك‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬الازدهار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬وتخفيض‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬والفقر‭ ‬وتحقيق‭ ‬المنافسة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.‬

 

{ باحثة‭ ‬مختصة‭ ‬

في‭ ‬شؤون‭ ‬التعليم

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا