العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مساران دوليان لا يلتقيان.. والعالم يدفع الثمن!

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الجمعة ١٥ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

هناك‭ ‬مساران‭ ‬دوليان‭ ‬نادرا‭ ‬ما‭ ‬يلتقيان‭. ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬المسار‭ ‬الدولي‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬منظمات‭ ‬وأجهزة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬تُجري‭ ‬المفاوضات‭ ‬الماراثونية‭ ‬العقيمة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬للاتفاق‭ ‬على‭ ‬معاهدة‭ ‬دولية‭ ‬للتصدي‭ ‬لقضية‭ ‬محددة‭ ‬كالقضايا‭ ‬البيئية‭ ‬العامة‭ ‬والمشتركة‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬وأما‭ ‬المسار‭ ‬والخط‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬أنشطة‭ ‬وبرامج‭ ‬الشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬دائماً‭ ‬تحت‭ ‬هيمنة‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية،‭ ‬وتسيطر‭ ‬على‭ ‬مجالس‭ ‬إدارتها‭ ‬وبؤرة‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬فيها‭ ‬شخصيات‭ ‬متنفذة‭ ‬وقوية‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬والمتطورة‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬وتوجهها‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬ومآربها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التوسعية‭.‬

وهذا‭ ‬الخطان‭ ‬المتوازيان‭ ‬يسيران‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب،‭ ‬فخط‭ ‬منظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬يسير‭ ‬ببطء‭ ‬شديد‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬التوافق‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لعلاج‭ ‬القضايا‭ ‬المشتركة،‭ ‬ومنها‭ ‬البيئية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬التعرض‭ ‬أو‭ ‬المساس‭ ‬بمصالح‭ ‬حكومات‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬الغنية‭ ‬وشركاتها‭ ‬العملاقة‭ ‬الثرية‭. ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬هناك‭ ‬خط‭ ‬شركات‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬الكبرى‭ ‬المتقدمة‭ ‬التي‭ ‬تراقب‭ ‬من‭ ‬كثب‭ ‬جهود‭ ‬المنظمات‭ ‬الأممية‭ ‬وقراراتها،‭ ‬وتكوِّن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬جماعات‭ ‬ضغط‭ ‬أممية‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التخصصات‭ ‬العلمية،‭ ‬والسياسية‭ ‬لتدافع‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬وبرامجها‭ ‬التنموية،‭ ‬وتسعى‭ ‬بشتى‭ ‬الوسائل‭ ‬والأدوات‭ ‬لتحقيق‭ ‬أمنها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وازدهارها‭ ‬المالي،‭ ‬كما‭ ‬تعمل‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬المتنفذة‭ ‬مع‭ ‬فرقائها‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬المساس‭ ‬بمكتسباتها‭ ‬التنموية،‭ ‬وعدم‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬أعمالها‭ ‬وأنشطتها‭ ‬المستمرة‭ ‬وتجنب‭ ‬أية‭ ‬خسائر‭ ‬مالية‭ ‬قد‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬نتيجة‭ ‬للتوافقات‭ ‬الأممية‭.‬

والأمثلة‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬تؤيد‭ ‬نظريتي‭ ‬كثيرة،‭ ‬وسأضرب‭ ‬لكم‭ ‬المثال‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬أراه‭ ‬أمامي‭ ‬اليوم،‭ ‬وأشاهد‭ ‬فصوله‭ ‬كاملة،‭ ‬والمتعلق‭ ‬باستخراج‭ ‬الثروات‭ ‬والخيرات‭ ‬الطبيعية‭ ‬العامة‭ ‬والمشتركة‭ ‬لكل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬والواقعة‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬البحار‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬المناطق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للدول،‭ ‬أي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لسيادة‭ ‬أية‭ ‬دولة،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬هذه‭ ‬الثروات‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬معادن،‭ ‬أو‭ ‬حياة‭ ‬فطرية‭ ‬نباتية‭ ‬وحيوانية‭. ‬وهذه‭ ‬الخيرات‭ ‬العامة‭ ‬المشتركة‭ ‬تكون‭ ‬قابعة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬التربة‭ ‬القاعية‭ ‬في‭ ‬المحيطات‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الدولية،‭ ‬وعلى‭ ‬أبعادٍ‭ ‬سحيقة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المواقع‭ ‬البعيدة،‭ ‬والمظلمة،‭ ‬والشديدة‭ ‬البرودة‭ ‬والضغط‭ ‬المرتفع‭.‬

فعيون‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتطورة‭ ‬وبوصلتها‭ ‬الحادة‭ ‬متجهة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرنين‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬طبيعية‭ ‬حية‭ ‬وغير‭ ‬حية،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬موارد‭ ‬وخيرات‭ ‬خاصة‭ ‬بالشعوب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬وتقع‭ ‬تحت‭ ‬سيادة‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬أو‭ ‬الموارد‭ ‬والثروات‭ ‬الطبيعية‭ ‬العامة‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لسيادة‭ ‬أحد،‭ ‬ولا‭ ‬تمتلكها‭ ‬أية‭ ‬دولة،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬مُلك‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬ودولة‭ ‬موجودة‭ ‬على‭ ‬كوكبنا‭.‬

ومن‭ ‬هذه‭ ‬الثروات‭ ‬العامة‭ ‬المشتركة‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تُخفيها‭ ‬أعماق‭ ‬المحيطات‭ ‬السحيقة‭ ‬من‭ ‬كنوز‭ ‬وثروات‭ ‬وتراث‭ ‬جيني‭ ‬حي،‭ ‬وموارد‭ ‬معدنية،‭ ‬وخيرات‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬عنها‭ ‬أحد‭. ‬ولذلك‭ ‬مرحلة‭ ‬استكشاف‭ ‬كنوز‭ ‬قاع‭ ‬المحيطات‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬زمنٍ‭ ‬بعيدٍ‭ ‬جداً،‭ ‬ومنذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬عام،‭ ‬وأجريت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬الميدانية‭ ‬منها‭ ‬الدراسة‭ ‬الشاملة‭ ‬للمحيطات‭ ‬التي‭ ‬أُجريت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬علماء‭ ‬بريطانيين‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1872‭ ‬إلى‭ ‬1876‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬سفينة‭ ‬(HMS Challenger)،‭ ‬ثم‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬الأجهزة‭ ‬والمعدات‭ ‬الخاصة‭ ‬بسبر‭ ‬غور‭ ‬المحيطات،‭ ‬تسارعت‭ ‬واتسعت‭ ‬جهود‭ ‬البحث‭ ‬والاستكشاف،‭ ‬والتنقيب،‭ ‬والتعدين‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬المحيطات،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬الكبرى‭ ‬لديها‭ ‬الآن‭ ‬كم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬حول‭ ‬قاع‭ ‬المحيطات‭ ‬وما‭ ‬في‭ ‬بطنها‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬معدنية‭ ‬وحيوية‭ ‬يمكن‭ ‬التنقيب‭ ‬عنها‭ ‬واستخراجها‭ ‬وتشغيل‭ ‬مصانعها‭ ‬وتنمية‭ ‬حياة‭ ‬شعوبها،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬الثروات‭ ‬الموجودة‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬وفي‭ ‬باطنها‭.‬

فمنذ‭ ‬هذه‭ ‬القرون‭ ‬الطويلة‭ ‬وشركات‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬تخطو‭ ‬خطوات‭ ‬سريعة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الاستكشاف‭ ‬والتعدين‭ ‬في‭ ‬سرية‭ ‬تامة،‭ ‬وتعبث‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬قاع‭ ‬المحيطات‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أعالي‭ ‬البحار‭ ‬فساداً‭ ‬وتدميراً‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬به‭ ‬أحد،‭ ‬كما‭ ‬إنها‭ ‬بدأت‭ ‬بالعمل‭ ‬فعلياً‭ ‬باستخراج‭ ‬هذه‭ ‬الثروات‭ ‬ذات‭ ‬الملكية‭ ‬المشتركة‭ ‬العامة‭ ‬لها‭ ‬وحدها‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬استدامة‭ ‬تنميتها‭ ‬وتحسين‭ ‬حياة‭ ‬شعوبها‭. ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬المستقلة‭ ‬للدول‭ ‬الصناعية‭ ‬وشركاتها‭ ‬لم‭ ‬تخضع‭ ‬لأية‭ ‬مراقبة‭ ‬أممية،‭ ‬ولم‭ ‬تحاسبها‭ ‬أية‭ ‬منظمة‭ ‬مختصة‭ ‬تابعة‭ ‬للأم‭ ‬المتحدة،‭ ‬بل‭ ‬وإن‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬أية‭ ‬معلومات‭ ‬عن‭ ‬أنشطتها‭ ‬وبرامجها‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬البحار‭.‬

وأما‭ ‬المسار‭ ‬الثاني،‭ ‬وهو‭ ‬مسار‭ ‬منظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬متأخراً‭ ‬جداً،‭ ‬ولم‭ ‬يواكب‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬ساحة‭ ‬التعدين‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬المياه‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬هيئة‭ ‬خاصة‭ ‬تحت‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقانون‭ ‬البحار‭ ‬لمتابعة‭ ‬أنشطة‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬التعدين‭ ‬والتنقيب‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬البحار‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬وسلطتها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬أنظمة‭ ‬وخطوط‭ ‬استرشادية‭ ‬لتقنين‭ ‬عملية‭ ‬التنقيب‭. ‬وهذه‭ ‬الهيئة‭ ‬شبه‭ ‬الحكومية‭ ‬رأت‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬جامايكا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬السلطة‭ ‬الدولية‭ ‬لقاع‭ ‬البحار‮»‬‭ ‬(International Seabed Authority). وهذه‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬والمنظمات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬أية‭ ‬سلطة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬والصناعية‭ ‬المتنفذة،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬محاسبتها‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬مخالفة‭ ‬تقوم‭ ‬بها،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفيذي‭ ‬الفني‭ ‬للمراقبة‭ ‬والتفتيش‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬القوية‭ ‬في‭ ‬ظلمات‭ ‬الليل‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬المحيطات‭ ‬النائية‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬قرابة‭ ‬ستة‭ ‬كيلومترات‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭. ‬ولذلك‭ ‬تتحول‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬الأممية‭ ‬كشاهد‭ ‬زور‭ ‬على‭ ‬تجاوزات‭ ‬الدول،‭ ‬كما‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬كواجهة‭ ‬أممية‭ ‬شرعية‭ ‬تُحلل‭ ‬ما‭ ‬يرتكبه‭ ‬الكبار‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬استباحة‭ ‬وفساد‭ ‬للثروات‭ ‬العامة‭ ‬المشتركة‭.‬

واليوم‭ ‬بدأ‭ ‬تفعيل‭ ‬مسار‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬والدول‭ ‬الصناعية‭ ‬نحو‭ ‬المرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬وهي‭ ‬الاستخراج‭ ‬التجاري،‭ ‬وأخذت‭ ‬الأنظار‭ ‬تتجه‭ ‬بشكلٍ‭ ‬خاص‭ ‬نحو‭ ‬منطقة‭ ‬مساحتها‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬5‭ ‬ملايين‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ،‭ ‬بين‭ ‬هاواي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والمكسيك،‭ ‬وهي‭ ‬غنية‭ ‬بمعادن‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬عقيدات‭ ‬صخرية‭ ‬بحجم‭ ‬كرة‭ ‬التنس‭ ‬(polymetallic nodules)،‭ ‬منها‭ ‬الكوبلت‭ ‬والنيكل‭ ‬والنحاس‭ ‬والليثيوم‭ ‬والمنجنيز‭ ‬وعناصر‭ ‬الأرض‭ ‬النادرة‭. ‬وهذه‭ ‬الكنوز‭ ‬الفطرية‭ ‬الثرية،‭ ‬وهذا‭ ‬النظام‭ ‬البيئي‭ ‬البِكْر‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬سهول‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬يُعرف‭ ‬بمنطقة‭ ‬(clarion-clipperton zone)،‭ ‬وهي‭ ‬قابعة‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬القاع‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬4000‭ ‬إلى‭ ‬6000‭ ‬متر‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭. ‬

فقطار‭ ‬التعدين‭ ‬واستخراج‭ ‬الثروات‭ ‬بدأ‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬وضح‭ ‬النهار‭ ‬بحجة‭ ‬توفير‭ ‬المعادن‭ ‬اللازمة‭ ‬للمجتمع‭ ‬الإنساني‭ ‬لبناء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬النظيف‭ ‬والمتجدد‭ ‬للسيارات‭ ‬الكهربائية،‭ ‬والهواتف‭ ‬وأجهزة‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬وطاقة‭ ‬الرياح‭ ‬والطاقة‭ ‬الشمسية،‭ ‬وبالفعل‭ ‬حصلت‭ ‬الشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬على‭ ‬الغطاء‭ ‬الشرعي‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬الدولية‭ ‬لقاع‭ ‬البحر،‭ ‬حيث‭ ‬مَنَحتْ‭ ‬30‭ ‬ترخيصاً‭ ‬رسمياً‭ ‬لعمليات‭ ‬الاستكشاف،‭ ‬وهذه‭ ‬العمليات‭ ‬سيصحبها‭ ‬تدمير‭ ‬شامل‭ ‬لهذه‭ ‬البقعة‭ ‬العذراء‭ ‬والبكر‭ ‬من‭ ‬كوكبنا‭.‬

فتشير‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬6000‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأحياء‭ ‬النباتية‭ ‬والحيوانية‭ ‬المخزنة‭ ‬للبشرية‭ ‬جمعاء‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬الشاسعة،‭ ‬وأن‭ ‬العلماء‭ ‬تعرفوا‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬436‭ ‬نوعاً‭ ‬منها‭. ‬وعمليات‭ ‬التعدين‭ ‬التي‭ ‬تُستخدم‭ ‬فيها‭ ‬سفن‭ ‬عملاقة‭ ‬يزيد‭ ‬طولها‭ ‬على‭ ‬250‭ ‬متراً،‭ ‬وعليها‭ ‬معدات‭ ‬وآليات‭ ‬الحفر‭ ‬والشفط‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬تزن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬أطنان‭ ‬وتسبب‭ ‬تلوثاً‭ ‬ضوئياً‭ ‬وضوضائياً،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأنها‭ ‬ستحدث‭ ‬تدميراً‭ ‬هائلاً‭ ‬للبيئة‭ ‬القاعية،‭ ‬وتوقع‭ ‬زلزالاً‭ ‬شديداً‭ ‬يغير‭ ‬كلياً‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬هذه‭ ‬البيئة‭ ‬المنتجة،‭ ‬وتسبب‭ ‬موتاً‭ ‬جماعياً‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الأنواع‭ ‬المجهولة‭ ‬والنادرة‭ ‬والفريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬والتي‭ ‬تمثل‭ ‬خسارة‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬لها‭ ‬للتراث‭ ‬الجيني‭ ‬الحي‭ ‬فتختفي‭ ‬كلياً‭ ‬من‭ ‬الأرض‭. ‬وهذا‭ ‬التدمير‭ ‬ليس‭ ‬‮«‬موقعياً‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬العملية‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬مسافات‭ ‬طويلة‭ ‬أفقياً‭ ‬ورأسياً،‭ ‬فالسحب‭ ‬البيضاء‭ ‬وحبيبات‭ ‬الرمل‭ ‬والمعادن‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬من‭ ‬الحفر‭ ‬والشفط‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬عمود‭ ‬الماء،‭ ‬وتنتقل‭ ‬إلى‭ ‬مسافات‭ ‬طويلة‭ ‬خارج‭ ‬الموقع‭ ‬فتضر‭ ‬بالأحياء‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬طريقها‭.‬

كذلك‭ ‬فقد‭ ‬أكدت‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العقيدات‭ ‬الصخرية‭ ‬تحتوي‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬مشعة‭ ‬طبيعياً‭ ‬كاليورانيوم،‭ ‬ومع‭ ‬تحلل‭ ‬اليورانيوم‭ ‬تنبعث‭ ‬أشعة‭ ‬ألفا‭ ‬المسببة‭ ‬للسرطان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عناصر‭ ‬مشعة‭ ‬أخرى‭ ‬ناجمة‭ ‬من‭ ‬التحلل،‭ ‬كالثوريم،‭ ‬والريديوم،‭ ‬والرادون‭. ‬وهذه‭ ‬الإشعاعات‭ ‬تسبب‭ ‬مشكلات‭ ‬صحية‭ ‬للعاملين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهنة،‭ ‬حسب‭ ‬الدراسة‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬تقارير‭ ‬علمية‮»‬‭ (‬Scientific‭ ‬Reports‭)‬‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬مايو‭ ‬2023‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬إشعاع‭ ‬جسيمات‭ ‬ألفا‭ ‬من‭ ‬قاع‭ ‬المحيطات‭ ‬الذي‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬المعادن‭ ‬والمخاطر‭ ‬الصحية‭ ‬للتعدين‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‮»‬‭.‬

وختاماً‭ ‬فإن‭ ‬مسار‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬وشركاتها‭ ‬يجري‭ ‬سريعاً،‭ ‬وعلى‭ ‬حساب‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬نحو‭ ‬استغلال‭ ‬ثروات‭ ‬وموارد‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬البر،‭ ‬والبحر،‭ ‬والفضاء،‭ ‬والكواكب،‭ ‬ومسار‭ ‬منظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬يمشي‭ ‬بطيئاً‭ ‬ولا‭ ‬يمكنه‭ ‬اللحاق‭ ‬بمسار‭ ‬الشركات‭ ‬القوية،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنه‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭ ‬وتنظيم‭ ‬تنقلها‭ ‬وحركتها،‭ ‬ولذلك‭ ‬فهما‭ ‬لا‭ ‬يلتقيان‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الحالات‭.‬

bncftpw@batelco‭.‬com‭.‬bh

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا