العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل انتهى زمن الهيمنة الفرنسية في إفريقيا؟

بقلم: د. نبيل العسومي

الخميس ١٤ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

إذا‭ ‬عرفنا‭ ‬قصة‭ ‬الاستعمار‭ ‬القديم‭ ‬وتفاصيله‭ ‬وبواعثه‭ ‬وأسبابه‭ ‬ونتائجه‭ ‬على‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬استعمارها‭ ‬يكفينا‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬المستعمرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬فأغلبها‭ ‬تعاني‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬مع‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬الثروات‭ ‬المعدنية‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬الكثير‭ ‬والكثير‭.‬

لقد‭ ‬استطاع‭ ‬الجيل‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬الأفارقة‭ ‬بعد‭ ‬نضال‭ ‬طويل‭ ‬وخسائر‭ ‬بشرية‭ ‬لا‭ ‬تحصى‭ ‬ولا‭ ‬تعد‭ ‬أثناء‭ ‬فترة‭ ‬النضال‭ ‬والكفاح‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬تحديدا‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬استقلالها‭ ‬السياسي‭ ‬ويتجاوز‭ ‬عدد‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬أغلبها‭ ‬تحت‭ ‬المظلة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬دولة‭ ‬لكن‭ ‬خروج‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬كامل‭ ‬فإن‭ ‬كانت‭ ‬القوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬قد‭ ‬غادرت‭ ‬أراضي‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬وأصبح‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭ ‬كيانها‭ ‬وعلمها‭ ‬وسيادتها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬فإن‭ ‬الاستغلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬استمر‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬الناس‭ ‬هذا‭ ‬ومن‭ ‬الأمور‭ ‬اللافتة‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬وبعد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬سنة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مهيمنة‭ ‬ومسيطرة‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬من‭ ‬معادن‭ ‬نفيسة‭ ‬وفوسفات‭ ‬وذهب‭ ‬ويورانيوم‭ ‬والتي‭ ‬تديرها‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬الشركات‭ ‬الفرنسية‭ ‬لصالح‭ ‬الدولة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬نهب‭ ‬منظمة‭ ‬يتم‭ ‬تغطيتها‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الخاصة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬والمستعمر‭ ‬السابق‭ ‬أي‭ ‬المستغل‭ ‬الحالي‭.‬

والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬قد‭ ‬فرضت‭ ‬فرنسا‭ ‬عليها‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالفرنك‭ ‬الأفريقي‭ ‬الذي‭ ‬يطبع‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الفرنسي‭ ‬وغير‭ ‬قابل‭ ‬للصرف‭ ‬إلى‭ ‬عملة‭ ‬أخرى‭ ‬إلا‭ ‬ضمن‭ ‬الدائرة‭ ‬التي‭ ‬يرسمها‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الفرنسي‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬بأن‭ ‬العملة‭ ‬الوطنية‭ ‬علامة‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬السيادة‭ ‬مثل‭ ‬العلم‭ ‬واللغة‭ ‬مما‭ ‬يؤشر‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الاستقلال‭ ‬ناقص‭ ‬وغير‭ ‬مكتمل‭.‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬النهب‭ ‬الممنهج‭ ‬والمستمر‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬نشا‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬هذه‭ ‬المستعمرات‭ ‬من‭ ‬المتعلمين‭ ‬والمثقفين‭ ‬والضباط‭ ‬الذين‭ ‬بدأوا‭ ‬يشعرون‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتواصل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النسق‭ ‬الاستغلالي‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬سببا‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬فقر‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬وتأخرها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬وجود‭ ‬ثروات‭ ‬إفريقية‭ ‬ضخمة‭ ‬يمكن‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬استغلالها‭ ‬الاستغلال‭ ‬الأمثل‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬حياة‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬التخلف‭ ‬إلى‭ ‬التقدم‭ ‬ومن‭ ‬الفقر‭ ‬إلى‭ ‬الغنى‭ ‬فإفريقيا‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬المزود‭ ‬الرئيسي‭ ‬لفرنسا‭ ‬بالطاقة‭ ‬واليورانيوم‭ ‬والمعادن‭ ‬والفوسفات‭ ‬إذ‭ ‬تضخ‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬وخاصة‭ ‬النيجر‭ ‬ومالي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25%‭ ‬من‭ ‬احتياجات‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬مصدر‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬أي‭ ‬اليورانيوم‭ ‬كما‭ ‬تستولي‭ ‬فرنسا‭ ‬وشركاتها‭ ‬على‭ ‬حقول‭ ‬النفط‭ ‬وعلى‭ ‬مناجم‭ ‬الذهب‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬كما‭ ‬تضع‭ ‬يدها‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المعادن‭ ‬النادرة‭ ‬والنفيسة‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدر‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬80%‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬وثروات‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭  ‬يتم‭ ‬استغلالها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬فرنسا‭ ‬أو‭ ‬بإشرافها‭ ‬كذلك‭ ‬عمليات‭ ‬تعدين‭ ‬الذهب‭ ‬يتم‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬وسيطرة‭ ‬فرنسا‭ ‬ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬متواصلة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬توقف‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬الغضب‭ ‬الفرنسي‭ ‬والخوف‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬يمس‭ ‬نفوذها‭ ‬وسيطرتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭.‬

إن‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬والمثقفين‭ ‬والضباط‭ ‬العسكريين‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭ ‬مثل‭ ‬مالي‭ ‬والنيجر‭ ‬وبوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬والغابون‭ ‬ومالي‭ ‬وغيرها‭ ‬بدأوا‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬السيطرة‭ ‬والاستغلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬وأصبحوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬علانية‭ ‬وبكل‭ ‬صراحة‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬يسمى‭ ‬بالاستقلال‭ ‬الثاني‭ ‬للبلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬الاستقلال‭ ‬الأول‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كاملا‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬شكليا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬ظهور‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الهيمنة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والاستغلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬النتائج‭ ‬المباشرة‭ ‬واللاحقة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الانقلابات‭ ‬وحظوظها‭ ‬في‭ ‬النجاح‭ ‬والاستمرار‭ ‬فإنها‭ ‬كانت‭ ‬عنوانا‭ ‬واضحا‭ ‬مرفوعا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬فرنسا،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قادرة‭ ‬ولا‭ ‬قابلة‭ ‬لاستمرار‭ ‬هذا‭ ‬النهب‭ ‬المنظم‭ ‬وقد‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬الجديد‭ ‬ظهور‭ ‬منافسين‭ ‬جدد‭ ‬أقوى‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬وجنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬مثل‭ ‬جمهورية‭  ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬وروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وحتى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كما‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬فرنسا‭ ‬ضمان‭ ‬استمرار‭ ‬حضورها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬لارتفاع‭ ‬التكلفة‭ ‬وضعف‭ ‬مردوده‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬العداء‭ ‬لفرنسا‭ ‬ولكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فرنسي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجماهير‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬تتظاهر‭ ‬علنا‭ ‬ضد‭ ‬الحضور‭ ‬الفرنسي‭ ‬السياسي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬والعسكري‭ ‬مثلما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬النيجر‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬ولذلك‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬النفوذ‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬استمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬عقود‭ ‬بعد‭ ‬استقلال‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬نهايته‭ ‬المحتومة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الانقلابات‭ ‬ومهما‭ ‬امتلكت‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬ومهما‭ ‬هددت‭ ‬باستخدامها‭ ‬ضد‭ ‬قادة‭ ‬الانقلابات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا