العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

جماليات المفارقة في مجموعة «رأسي عش للعصافير» للقاص خلدون السراي

السبت ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

صدر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬امل‭ ‬الجديدة‭ ‬للطباعة‭ ‬والنشر‭ ‬والتوزيع‭ ‬وضمن‭ ‬منشورات‭ ‬اتحاد‭ ‬الادباء‭ ‬والكتاب‭ ‬في‭ ‬البصرة‭ ‬الكتاب‭ ‬السردي‭ ‬الجديد‭ ‬للقاص‭ ‬البصري‭ ‬الشاب‭ (‬خلدون‭ ‬السراي‭) ‬بعنوان‭ (‬رأسي‭ ‬عش‭ ‬للعصافير‭) (‬قصص‭ ‬قصيرة‭ ‬جداً‭) ‬والذي‭ ‬ضم‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬90‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬جداً،‭ ‬وهو‭ ‬تجربته‭ ‬الثانية‭ ‬بمجال‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً،‭ ‬أي‭ ‬بمعنى‭ ‬ان‭ ‬خلدون‭ ‬يحاول‭ ‬ان‭ ‬يستمر‭ ‬على‭ ‬تجربته‭ ‬التي‭ ‬انطلق‭ ‬ضمنها‭ ‬وهنا‭ ‬يقدم‭ ‬زاوية‭ ‬اكثر‭ ‬نضجا‭ ‬لتجربته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عنايته‭ ‬بصياغة‭ ‬النصوص‭ ‬والاعتناء‭ ‬ببنيتها‭ ‬اكثر‭ ‬نمواً‭ ‬ونضوجاً‭ ‬لغويا‭ ‬وسردياً‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى‭ ‬،‭ ‬فهو‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬التقاطات‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭ (‬المألوفة‭) ‬ليصورها‭ ‬بطرق‭ (‬غير‭ ‬مألوفة‭) ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬اللغوي‭ ‬والبناء‭ ‬السردي،‭ ‬والتلاعب‭ ‬بالمفردات‭ ‬والبناء‭ ‬القصصي‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬اللقطة‭ ‬السريعة،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬يحتاج‭ ‬الى‭ ‬وعي‭ ‬ثقافي‭ ‬ومهارة‭ ‬لغوية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ (‬اكتناز‭ ‬النص‭) ‬وفيوضاته‭ ‬الدلالية،‭ ‬فتحفل‭ ‬نصوص‭ ‬خلدون‭ ‬السراي‭ ‬بالمفارقات‭ ‬والدلالات‭ ‬والايحاءات‭ ‬والثنائيات‭ ‬وحتى‭ ‬التناقضات‭ ‬اللغوية‭  ‬لان‭ ‬نصوصه‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬ثيم‭ ‬مجتمعية‭ ‬يحاول‭ ‬ان‭ ‬ينتقدها‭ ‬تارة‭ ‬ويسخر‭ ‬منها‭ ‬تارة‭ ‬أخرى،‭ ‬بالاتكاء‭ ‬على‭ ‬السرد‭ ‬المتآزر‭ ‬بأساليب‭ ‬الافتراض‭ ‬والهذيانات‭ ‬والثنائيات‭ ‬الدلالية‭ ‬والسخرية‭ ‬والترميز‭ ‬أحيانا،‭ ‬فهو‭ ‬يعتمد‭ ‬ضمن‭ ‬بناه‭ ‬السردية‭ ‬على‭ ‬المتخيل‭ ‬المتناقض‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬او‭ ‬مع‭ ‬البناء‭ ‬الهرمي‭ ‬للحدث‭ (‬فتأتي‭ ‬المفارقة‭ ‬في‭ ‬قفلات‭ ‬قصصه‭) ‬او‭ ‬ما‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬دهشة‭ ‬الختام،‭ ‬فمثلاً‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬متلازمة‭:‬

‭ (‬خفت‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬هذياني‭ ‬حول‭ ‬السر‭ ‬الذي‭ ‬تطارني‭ ‬لعنته،‭ ‬تسارعت‭ ‬خطواتي‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬الى‭ ‬المنزل،‭ ‬توجهت‭ ‬نحو‭ ‬المرآة،‭ ‬وقفت‭ ‬امامها،‭ ‬رأيت‭ ‬الثقب‭ ‬مبتلعاً‭ ‬راسي‭).‬

والسراي‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬قصصه‭ ‬بهذه‭ ‬المجموعة‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬مهمة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالإنسان‭ ‬والوجود‭ ‬وعلاقته‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬ضمن‭ ‬بناء‭ ‬هذه‭ ‬السرديات‭ ‬القصيرة‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬المتلقي‭ ‬اعمال‭ ‬الذهن‭ ‬وقدرة‭ ‬تأويلية‭ ‬خاصة،‭ ‬لارجاع‭ ‬هذه‭ ‬الاحالات‭ ‬والايماءات‭ ‬الى‭ ‬مرجعياتها‭ ‬الفلسفية‭ ‬والجمالية‭ ‬والحياتية‭: ‬

في‭ ‬قصة‭ (‬إصابة‭) (‬سألت‭ ‬والدتي‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬وجودنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬لم‭ ‬تجب‭... ‬مسكت‭ ‬فردة‭ ‬نعلها‭ ‬ورمته‭ ‬علي‭ ‬فجأة‭! ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬الامر‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬قادما‭ ‬باتجاهي‭ ‬ولكن‭... ‬اخترق‭ ‬جسدي‭ ‬ليقع‭ ‬خلفي‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ /‬ص9‭).‬

وفق‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬المتناقضة‭ ‬لطبيعة‭ ‬الأشياء‭ ‬وللظروف‭ ‬الفيزيقية،‭ ‬يعتمد‭ ‬السراي‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬دهشة‭ ‬قصصه‭ ‬بتقديم‭ ‬التناقضات‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬التساؤلات‭ ‬لدى‭ ‬القارئ،‭ ‬رغم‭ ‬الوقوع‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬المباشرة‭ ‬او‭ ‬الدلالة‭ ‬المستهلكة‭ ‬او‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ (‬نسق‭ ‬وطبيعة‭ ‬الدهشة‭ / ‬او‭ ‬الفراغات‭ ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬يملئها‭ ‬القارئ‭) ‬كما‭ ‬في‭ ‬نص‭ (‬تنصت‭) (‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للجدار‭ ‬سبب‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬صديقي‭ ‬الواقف‭ ‬خلفه‭// ‬ص10‭) ‬فأحراز‭ ‬القارئ‭ ‬لإحالة‭ (‬ظاهرة‭) ‬للعلن‭ ‬او‭ (‬متوقعة‭) ‬انما‭ ‬يفقد‭ ‬النص‭ ‬طبيعة‭ ‬دهشته‭ ‬للقارئ‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬فيما‭ ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الإحالة‭ ‬في‭ ‬المفارقة‭ ‬تفضي‭ ‬الى‭ ‬معنى‭ ‬مخفي‭ ‬او‭ ‬مضمر‭ ‬في‭ ‬النسق‭ ‬المجتمعي‭ ‬للقارئ،‭ ‬ويتكرر‭ ‬نفس‭ ‬الامر‭ ‬في‭ ‬قصة‭ (‬معروف‭). ‬ويستمر‭ ‬القاص‭ ‬خلدون‭ ‬الساري‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬المفارقة‭ ‬بقفلات‭ ‬قصصه‭ ‬او‭ ‬خاتمتها،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬نص‭ (‬تدبير‭). ‬

‭(‬عدت‭ ‬مسرعا‭ ‬لزوجتي‭ ‬ايقظتها‭ ‬من‭ ‬نومها‭ ‬واخبرتها‭ ‬باني‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬مأوى‭ ‬يجمعنا،‭ ‬دون‭ ‬وعي‭ ‬منها‭ ‬ولفرحتها‭ ‬رافقتي‭ ‬حتى‭ ‬دخلنا‭ ‬ذلك‭ ‬البيت،‭ ‬شعرت‭ ‬حينها‭ ‬بسعادة‭ ‬كبيرة‭ ‬تفوق‭ ‬بهجة‭ ‬الدود‭ ‬الذي‭ ‬اتخمته‭ ‬جثتي‭/ ‬ص13‭).‬

ان‭ ‬السراي‭ ‬يعتمد‭ ‬الزخم‭ ‬الدلالي‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬اقل‭ ‬الكلمات‭ ‬وهي‭ ‬مهمة‭ ‬محفوفة‭ ‬بالمخاطر‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬بناء‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جدا،‭ ‬ففي‭ ‬نصه‭ (‬تدبير‭) ‬ترى‭ ‬المفارقة‭ ‬تجمع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المتناقضات‭ (‬جمالية‭ ‬المكان‭ /‬المأوى‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يطمح‭ ‬له‭ ‬الزوج‭ ‬والزوجة‭) ‬وبين‭ ‬بشاعة‭ ‬المكان‭ ‬الاخر‭ (‬القبر‭/ ‬ومشهد‭ ‬الدود‭ ‬الذي‭ ‬تصيبه‭ ‬تخمة‭ ‬لأكله‭ ‬الأجساد‭ ‬الميتة‭) ‬وهو‭ ‬ضمن‭ ‬بنية‭ ‬ناقدة‭ ‬على‭ (‬حلم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مأوى‭ ‬مريح‭) ‬بسهولة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوطن،‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تفك‭ ‬شفرته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثنائية‭ (‬الراحة‭/ ‬القلق‭) (‬المنزل‭/ ‬القبر‭) (‬الأعلى‭/ ‬الأسفل‭) ( ‬الفرح‭ /‬لفرحتها‭/ ‬والحزن‭ ‬المتصل‭ ‬بالرحيل‭ ‬بعد‭ ‬الموت‭).‬

ان‭ ‬السرد‭ ‬المتصل‭ ‬بترك‭ ‬مساحات‭ ‬تأويلية‭ ‬للقارئ‭ ‬هو‭ ‬سرد‭ ‬ذكي‭ ‬من‭ ‬سارد‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يبني‭ ‬شعرية‭ ‬المفارقة‭ ‬في‭ ‬نصوصه،‭ ‬وكيف‭ ‬يغذي‭ ‬سرديته‭ ‬بهذه‭ ‬الشعرية‭ ‬لتخلق‭ ‬صورا‭ ‬متخيلة‭ ‬مفترضة‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬قارئ‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬السراي‭ ‬ببراعة‭ ‬في‭ ‬نص‭ (‬دَين‭) ‬ان‭ ‬السراي‭ ‬وان‭ ‬كان‭ ‬يبني‭ ‬نصوصه‭ ‬وعلى‭ ‬وفق‭ ‬نسق‭ ‬تصاعدي‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬النهايات‭ ‬تضم‭ ‬صدمة‭ ‬التلقي‭ ‬لكسر‭ ‬افق‭ ‬التوقع‭ ‬والانتظار‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقارئ‭ ‬ليكشف‭ ‬عن‭ ‬أسلوب‭ ‬المفارقات‭ ‬في‭ ‬نهاياته‭ ‬المخالفة‭ ‬لنسق‭ ‬سير‭ ‬الحدث‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭.‬

‭(‬اقتلاعي‭ ‬للشجرة‭ ‬التي‭ ‬زرعتها‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬سكني،‭ ‬لم‭ ‬أتوقع‭ ‬ان‭ ‬الربيع‭ ‬سيغذي‭ ‬جذورها‭ ‬لتطأ‭ ‬ارض‭ ‬منزلي‭).‬

وكأنه‭ ‬يتناص‭ ‬بأسلوب‭ ‬المفارقة‭ ‬مع‭ ‬مقولات‭ (‬إن‭ ‬أنت‭ ‬اقترضته‭ ‬كان‭ ‬السداد‭ ‬من‭ ‬أهلك‭) ‬وأيضا‭ (‬كما‭ ‬تَدِينُ‭ ‬تُدَان‭)‬،‭ ‬والجميل‭ ‬أيضا‭ ‬بهذه‭ ‬النصوص‭ ‬هو‭ ‬التنوع‭ ‬بتعددية‭ ‬الأصوات‭ ‬الساردة،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬نصوص‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬وهو‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬يحسب‭ ‬للسارد‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ (‬تلاش‭) (‬إقرار‭) ‬وغيرها،‭ ‬كما‭ ‬يستمر‭ ‬السراي‭ ‬بأسلوب‭ ‬المفارقة‭ ‬في‭ ‬نص‭ (‬تلاش‭) ‬بطريقة‭ ‬تكسر‭ ‬تماماً‭ ‬نسق‭ ‬الحدث‭ ‬المتصاعد‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬هادئاً‭ ‬تماماً‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬خاتمته‭ ‬تبدو‭ ‬صادمة‭ ‬تماماً،‭ ‬وهذه‭ ‬ميزة‭ ‬مهمة‭ ‬لان‭ ‬يكون‭ ‬مستوى‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جدا‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الجمالية‭ ‬في‭ ‬بنائه‭:‬

‭ (‬انهض‭ ‬مع‭ ‬صوت‭ ‬الديك‭ ‬اتخبط‭ ‬عمداً‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬يصدر‭ ‬ضجيجاً‭... ‬متأملاً‭ ‬سماع‭ ‬ضحكاته‭ ‬التي‭ ‬توقفت‭ ‬مع‭ ‬وقوف‭ ‬الباب‭ ‬حين‭ ‬ركلته‭/ ‬ص20‭).‬

وهذه‭ ‬الثنائيات‭ ‬التي‭ ‬تجسر‭ ‬اغلب‭ ‬نصوص‭ ‬السراي‭ ‬انما‭ ‬تهيمن‭ ‬عليها‭ ‬ثنائية‭ ‬مركزية‭ ( ‬الواقع‭ / ‬الحلم‭) ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الحلم‭ ‬المتخيل‭ ‬والواقع‭ ‬الصادم،‭ ‬يفترض‭ ‬السراي‭ ‬احداث‭ ‬هذه‭ ‬النصوص،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬نص‭ (‬فقاعات‭) ‬ونصوص‭ ‬أخرى،‭ ‬يبني‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬القاص‭ ‬مفارقاته‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬حلم‭ (‬يسعى‭ ‬له‭) ‬وافتراض‭ ‬حالم‭ ‬من‭ ‬سارد‭ ‬يسعى‭ ‬لمستقبل‭ ‬مفترض‭ ‬اجمل‭ ‬من‭ (‬الحالي‭) ‬الملبد‭ ‬بالألم‭ ‬والوجع،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬واقع‭ ‬حانق‭ ‬يؤسر‭ ‬تلك‭ ‬الاحلام‭ ‬فيحيلها‭ ‬الى‭ ‬صدمات‭ ‬يومية‭.‬

ان‭ ‬اكتناز‭ ‬نصوص‭ ‬السراي‭ ‬تشيء‭ ‬بصورة‭ ‬موجزة‭ ‬عن‭ (‬الحادث‭) ‬المسرود،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬حالات‭ ‬من‭ ‬الومض‭ ‬او‭ ‬الصورة‭ ‬الشعرية،‭ ‬الى‭ ‬تختف‭ ‬فيها‭ ‬احياناً‭ ‬زوايا‭ ‬الحدث‭ ‬والرؤية،‭ ‬وتتجمد‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ (‬الإحالة‭) ‬او‭ ‬الايماء‭ ‬للمعنى‭ ‬المضمر‭ ‬في‭ ‬خلد‭ ‬القارئ‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تفصيلات‭ ‬أخرى،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬متعة‭ ‬تفسير‭ ‬الصور‭ ‬السردية‭ ‬في‭ ‬هكذا‭ ‬نصوص،‭ ‬او‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬تأويلاتها‭ ‬الاحالية‭.‬

في‭ ‬نص‭ (‬وفاء‭) (‬وعدتني‭ ‬ان‭ ‬نبقى‭ ‬معاً،‭ ‬مضت‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬على‭ ‬فراقنا،‭ ‬نصحتها‭ ‬كثيرا‭ ‬بالابتعاد‭ ‬عني‭ ‬ولكن،‭ ‬تحتضنني‭ ‬ولا‭ ‬تكترث،‭ ‬كيف‭ ‬اقنعها‭ ‬ان‭ ‬جسدي‭ ‬بدأ‭ ‬يتعفن‭/‬ص‭ ‬27‭) ‬والامر‭ ‬يتكرر‭ ‬تماماً‭ ‬في‭ ‬نص‭ (‬مدد‭ /‬ص32‭) ‬ونص‭ (‬سراب‭ /‬ص40‭) ( ‬جزاء‭/‬ص41‭) (‬امتحان‭/‬ص46‭) (‬ايثار‭/‬92‭).‬

السراي‭ ‬يجيد‭ ‬تماماً‭ ‬صنع‭ (‬الصورة‭ ‬السردية‭) ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬الصورة‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬تتداخل‭ ‬فنياً‭ ‬مع‭ ‬المفارقة‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬لتقديمها‭ ‬القاص‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السرديات‭ ‬الموجزة‭ ‬جداً،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬تهيمن‭ ‬المباشرة‭ ‬او‭ ‬طريقة‭ ‬الاخبار‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الحدث‭ ‬المحكي‭ ‬مما‭ ‬يفرغ‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬دلالاتها‭ ‬الفكرية‭ ‬والجمالية‭.‬

ان‭ ‬السراي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬ينفذ‭ ‬الى‭ ‬جوهر‭ ‬الحدث‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬الابانة‭ ‬في‭ ‬تناقضاته،‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬المفارقات‭ ‬التي‭ ‬تصنعها‭ ‬نصوصه‭ ‬القصيرة،‭ ‬تشيء‭ ‬الى‭ ‬الحقيقة‭ ‬النسبية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المهزوز‭ ‬والمتناقض،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحمل‭ ‬معنى‭ ‬نصوصه‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الفكرية،‭ ‬ان‭ ‬المجموعة‭ ‬حافلة‭ ‬بمفارقات‭ ‬لغوية‭ ‬ومواقف‭ ‬وشخصية‭ ‬وحافلة‭ ‬بالانساق‭ ‬اللغوية‭ ‬الضدية‭ ‬التي‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬المفارقات‭ ‬البنائية،‭ ‬وظفها‭ ‬السارد‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬قصص‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة،‭ ‬ان‭ ‬السراي‭ ‬في‭ ‬نصياته‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬إنسانية‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الضبابية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تلف‭ ‬العالم،‭ ‬وعن‭ ‬مدينة‭ ‬فاضلة‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬هذا‭ ‬الانسان‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬منغصات‭ ‬الحياة‭ ‬وعن‭ ‬كل‭ ‬السلبيات‭ ‬الشائنة،‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬انسان‭ ‬متجرد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التناقضات‭ ‬والزيف‭ ‬المجتمعي‭ ‬والازدواجية‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬انسان‭ ‬العصر‭ ‬الحالي،‭ ‬السراي‭ ‬يقدم‭ ‬في‭ ‬مجموعته‭ ‬مفاهيم‭ ‬إنسانية‭ ‬تستحق‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬عليها‭ ‬والالتفات‭ ‬لها‭ ‬فهي‭ ‬تذكرنا‭ ‬بأهمية‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المملوء‭ ‬بالتناقضات‭ ‬والسوداوية‭.‬

 

{ ناقد‭ ‬وأكاديمي‭ ‬من‭ ‬العراق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا