العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

القضية الفلسطينية بين عقدة جوردون وسيف الإسكندر!

بقلم: د. ناجي صادق شراب

الخميس ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

تشبه‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إليها‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بكل‭ ‬مستوياتها‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بعقدة‭ ‬جوردون،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬تفوقت‭ ‬عليها‭ ‬بتحولها‭ ‬إلى‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬جوردون؛‭ ‬فنحن‭ ‬أمام‭ ‬نموذج‭ ‬فريد‭ ‬واستثنائي‭ ‬للقضايا‭ ‬والأزمات‭ ‬الدولية‭. ‬فمنذ‭ ‬ان‭ ‬نشأت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬عاما‭ ‬وهي‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬العقد‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬حلها‭ ‬وفكها‭.‬

فالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المركبة‭ ‬الممتدة‭ ‬التي‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها،‭ ‬بل‭ ‬تتوالد‭ ‬العقد‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬وعدم‭ ‬استئصالها‭ ‬من‭ ‬جذورها‭. ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬أصل‭ ‬ونشأة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وهي‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬استئصال‭ ‬العقدة‭ ‬الرئيسة‭ ‬لها،‭ ‬وهنا‭ ‬السؤال‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬سيف‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه؟‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هو‭ ‬محاولات‭ ‬الحيلولة‭ ‬دون‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬تجمع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬عرب‭ ‬ويهود؛‭ ‬وذلك‭ ‬لرغبة‭ ‬ومصلحة‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬والإمبريالية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقودها‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬قومية‭ ‬يهودية‭ ‬خالصة‭ ‬لليهود‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الصهيوني‭ ‬الأول‭ ‬عام‭ ‬1897‭ ‬الذي‭ ‬نص‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭. ‬

وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬سيف‭ ‬الإسكندر‭ ‬البريطاني‭ ‬على‭ ‬استئصال‭ ‬المشكلة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لكل‭ ‬مواطنيها‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬استئصال‭ ‬المكون‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ليؤسس‭ ‬لهذه‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬وفقا‭ ‬للقرار‭ ‬الأممي‭ ‬197‭ ‬ووقتها‭ ‬كانت‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬تتحكمان‭ ‬في‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية،‭ ‬ولتبدأ‭ ‬مع‭ ‬قيام‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬بروز‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بعقدة‭ ‬جوردون‭ ‬وتعدد‭ ‬مكوناتها‭ ‬ومستوياتها‭. ‬وتحول‭ ‬سيف‭ ‬الإسكندر‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬عطلته‭ ‬وتحكمت‭ ‬في‭ ‬تعقيدات‭ ‬القضية‭ ‬بعدم‭ ‬السماح‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬بقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الحلول‭ ‬المشتركة‭ ‬كالحل‭ ‬الكونفدرالي‭ ‬أو‭ ‬الفيدرالي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬وبتشجيع‭ ‬المشاريع‭ ‬المشتركة‭ ‬لتقدم‭ ‬نموذجا‭ ‬جديدا‭ ‬لدولة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التعايش‭ ‬المشترك‭ ‬والمواطنة‭ ‬الواحدة‭. ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬دخلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬أولها‭ ‬حرب‭ ‬1948‭ ‬لتبرز‭ ‬عقدة‭ ‬اللاجئين‭ ‬بتشريد‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ليعيشوا‭ ‬في‭ ‬الشتات،‭ ‬وملف‭ ‬القدس‭ ‬وتقسيمها‭ ‬ثم‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭ ‬وملف‭ ‬عدم‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬خيار‭ ‬الحرب‭ ‬ودخول‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬فيها‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬1948‭ ‬ثم‭ ‬1956‭ ‬ثم‭ ‬حرب‭ ‬1967‭ ‬التي‭ ‬احتلت‭ ‬بموجبها‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وأراضي‭ ‬عربية،‭ ‬ولتبرز‭ ‬العقدة‭ ‬العربية‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬العقدة‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬العقدة‭ ‬الدولية‭ ‬وتعطيل‭ ‬كل‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬وحماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬لتزداد‭ ‬عقدة‭ ‬جوردون‭ ‬تشابكا‭ ‬وتعقيدا‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬يصعب‭ ‬معها‭ ‬أي‭ ‬حل؛‭ ‬بدليل‭ ‬فشل‭ ‬كل‭ ‬المفاوضات‭ ‬ومحاولات‭ ‬التسوية‭ ‬الجزئية‭ ‬لتعطيل‭ ‬سيف‭ ‬الإسكندر‭ ‬الذي‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وبالتحليل‭ ‬السياسي‭ ‬الميكروسكوبي‭ ‬للقضية‭ ‬لمعرفة‭ ‬أس‭ ‬عقد‭ ‬جوردون‭ ‬نجد‭ ‬أولا‭ ‬قلب‭ ‬العقدة‭ ‬في‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وفلسطين‭.‬

فاليوم‭ ‬نجد‭ ‬عقدة‭ ‬جوردون‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ممثلة‭ ‬بالحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬تجسد‭ ‬قمة‭ ‬وذروة‭ ‬التحالف‭ ‬بين‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭ ‬والقومية‭ ‬بتشكيل‭ ‬أكثر‭ ‬حكومة‭ ‬متطرفة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التسوية‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وبرفض‭ ‬مطلق‭ ‬للقبول‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تدفن‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬لقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بالاستيطان‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬‮«‬ج‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬الأغوار،‭ ‬لتكتمل‭ ‬الدائرة‭ ‬الاستيطانية‭ ‬وغلق‭ ‬ملف‭ ‬القدس‭ ‬كاملا‭ ‬وعدم‭ ‬استعداد‭ ‬لمناقشة‭ ‬ملف‭ ‬اللاجئين‭.‬

وبالمقابل‭ ‬العقدة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفلسطيني‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬بنية‭ ‬متجذرة‭ ‬برؤية‭ ‬سياسية‭ ‬تحكمها‭ ‬تناقضات‭ ‬آيديولوجية‭ ‬بين‭ ‬حركتي‭ ‬حماس‭ ‬وفتح،‭ ‬وغياب‭ ‬الرؤية‭ ‬الوطنية‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬فتتلخص‭ ‬عقدة‭ ‬جوردون‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الاختلاف‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬ذاتها،‭ ‬وفي‭ ‬ضعف‭ ‬المتغير‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬وتأثير‭ ‬المتغيرات‭ ‬والمؤثرات‭ ‬الخارجية،‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬القرار‭ ‬والاتفاق‭. ‬وتمتد‭ ‬العقدة‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬العربي‭ ‬وفي‭ ‬توجهات‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتراجع‭ ‬القضية‭ ‬كأحد‭ ‬مكونات‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أيضا‭ ‬قائما‭ ‬بأولوية‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬لكل‭ ‬دولة،‭ ‬وفي‭ ‬خيارات‭ ‬التفكك‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وتحول‭ ‬القضية‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬دعم‭ ‬اقتصادي‭ ‬وسياسي‭. ‬ودوليا‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬أم‭ ‬العقد‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قضية‭ ‬دولية‭ ‬ذات‭ ‬أولويات‭ ‬واهتمامات‭ ‬دولية‭ ‬أمام‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية‭ ‬المتزايدة‭ ‬وأمام‭ ‬تحولات‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬والحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الروسية‭ ‬ببعدها‭ ‬الدولي‭. ‬وكذلك‭ ‬احتكار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬سيف‭ ‬الإسكندر‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬حسم‭ ‬القضية،‭ ‬وعدم‭ ‬فاعلية‭ ‬وتأثير‭ ‬الفواعل‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى‭ ‬المنشغلة‭ ‬بقضاياها‭.‬

وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬ماهية‭ ‬القضية‭ ‬يبقى‭ ‬تفعيل‭ ‬سيف‭ ‬الإسكندر‭ ‬متوقفا‭ ‬على‭ ‬تفعيل‭ ‬المتغير‭ ‬الفلسطيني‭ ‬واستعادة‭ ‬القضية‭ ‬مكانتها‭ ‬الدولية‭. ‬وهذا‭ ‬يستلزم‭ ‬تفعيل‭ ‬المتغير‭ ‬العربي‭ ‬والفلسطيني‭ ‬وربط‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭ ‬بتسوية‭ ‬القضية‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬العقدة‭ ‬الأساس‭ ‬التي‭ ‬بقيامها‭ ‬قد‭ ‬يتم‭ ‬تفكيك‭ ‬كل‭ ‬العقد‭ ‬المكونة‭ ‬للقضية‭ ‬وتحول‭ ‬سيف‭ ‬الإسكندر‭ ‬إلى‭ ‬اليد‭ ‬العربية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬استئصال‭ ‬العقدة‭ ‬من‭ ‬جذورها‭ ‬بقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭.‬

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬مختص

‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا