العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تحديات التغيير في معادلات الشرق الأوسط

بقلم: د. نبيل فهمي

الأربعاء ٠٦ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

يُعد‭ ‬‮«‬التغيير‮»‬‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬القليلة،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬العامل‭ ‬الحاسم‭ ‬الوحيد،‭ ‬والقوة‭ ‬المستمرة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬المشهد‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬العالمي‭. ‬وقد‭ ‬يختلف‭ ‬حجم‭ ‬التغيير‭ ‬ووتيرته‭ ‬ونتائجه‭ ‬النهائية‭ ‬بحسب‭ ‬عوامل‭ ‬عديدة‭ ‬تحمل‭ ‬دائماً‭ ‬آثاراً‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬ودلالات‭ ‬على‭ ‬المستقبل‭.‬

ونشهد‭ ‬اليوم‭ ‬تغييراً‭ ‬سريعاً‭ ‬ومتزامناً‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬العالمية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والمحلية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المستويات،‭ ‬كنتيجة‭ ‬لعوامل‭ ‬متعددة،‭ ‬منها‭ ‬التقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬الاتصالات،‭ ‬والتواصل‭ ‬المكثف،‭ ‬والعولمة‭. ‬ولهذه‭ ‬التطورات‭ ‬آثار‭ ‬غير‭ ‬محدودة‭ ‬على‭ ‬إمكانية‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق،‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات،‭ ‬وما‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬المحلية‭ ‬والإقليمية‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬المشهد،‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬والتركيبة‭ ‬السكانية‭ ‬الشابة،‭ ‬والوضع‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬والتفاوتات‭ ‬وعدم‭ ‬التكافؤ،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التجانس‭ ‬أو‭ ‬التنوع‭ ‬العرقي‭.‬

إن‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬قطبية‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬مع‭ ‬صعود‭ ‬الهويات‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حضارات‭ ‬وثقافات‭ ‬مترابطة‭ ‬عالمياً،‭ ‬قد‭ ‬خلّف‭ ‬تبعات‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬الدول‭ ‬الإقليمية،‭ ‬كما‭ ‬أدت‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬دوراً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬أشكال‭ ‬الأنظمة‭ ‬المحلية‭ ‬والاستقرار،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

في‭ ‬عالم‭ ‬سريع‭ ‬التغيير،‭ ‬لا‭ ‬يُمثل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بتاريخه‭ ‬الطويل‭ ‬وثقافاته‭ ‬المتنوعة‭ ‬وتقاليده‭ ‬العريقة‭ ‬أي‭ ‬استثناء،‭ ‬فلطالما‭ ‬شهدت‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬تغييرات‭ ‬مستمرة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تستوعب‭ ‬هذه‭ ‬التغييرات‭ ‬بسرعة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.‬

لقد‭ ‬استمرت‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬ارتباطها‭ ‬بعلاقات‭ ‬قوية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية‭ ‬الكبرى‭ ‬باعتبارها‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬الخارجية،‭ ‬فركزت‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬مثل‭ ‬موريتانيا‭ ‬والمغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬وتونس،‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية،‭ ‬أما‭ ‬الدول‭ ‬الواقعة‭ ‬شرقاً،‭ ‬المطلة‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬مثل‭ ‬ليبيا‭ ‬ومصر‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وفلسطين‭ ‬وتركيا‭ ‬وسوريا‭ ‬والأردن‭ ‬والعراق،‭ ‬فمالت‭ ‬إلى‭ ‬التركيز‭ ‬بدرجة‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬فترات‭ ‬مختلفة‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬حافظت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬وثيقة‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭.‬

ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬تتأثر‭ ‬مصالح‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬ومواقفها‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬تأثراً‭ ‬مباشراً‭ ‬وكبيراً‭ ‬بفترات‭ ‬الفوضى‭ ‬أو‭ ‬التحول‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭.‬

ومع‭ ‬التحول‭ ‬العالمي‭ ‬الحالي‭ ‬نحو‭ ‬التعددية‭ ‬القطبية،‭ ‬نلحظ‭ ‬اتجاهاً‭ ‬واضحاً‭ ‬وإيجابياً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬نحو‭ ‬توسيع‭ ‬العلاقات‭ ‬وإعادة‭ ‬توازنها‭. ‬ويُمثل‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬خروجاً‭ ‬عن‭ ‬أنماط‭ ‬التحالفات‭ ‬السابقة‭ ‬ورغبةً‭ ‬في‭ ‬تنويع‭ ‬الشراكات‭ ‬كرد‭ ‬فعل‭ ‬لتغير‭ ‬الواقع‭ ‬الجيوسياسي‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬المؤشرات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التوسع‭ ‬الدولي‭ ‬هو‭ ‬تطوير‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬روابط‭ ‬جديدة،‭ ‬وتنويع‭ ‬علاقاته‭ ‬لتعزيز‭ ‬الفرص‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتعاون‭ ‬الأمني‭ ‬وتوسيع‭ ‬نفوذه‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬

بيد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الأمور‭ ‬الأخرى‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬هو‭ ‬تورط‭ ‬أغلبها‭ ‬في‭ ‬‮«‬نزاعات‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬حدودية‮»‬‭ ‬مع‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جيرانها‭. ‬وتعاملت‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬العموم‭ ‬بحكمة‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬القضايا،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬النهج‭ ‬التصادمي،‭ ‬وبقيت‭ ‬النزاعات‭ ‬كامنة‭ ‬في‭ ‬الغالب،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنها‭ ‬‮«‬عرضة‭ ‬للاشتعال‮»‬‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬سيحد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الإقليمي،‭ ‬حيث‭ ‬تقيم‭ ‬الدول‭ ‬العلاقات‭ ‬الإقليمية‭ ‬باستمرار،‭ ‬ما‭ ‬يخلق‭ ‬بيئة‭ ‬إقليمية‭ ‬معقدة‭ ‬ومراوغة‭.‬

وتُعد‭ ‬هذه‭ ‬المراوغات‭ ‬الإقليمية‭ ‬المستمرة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أسباب‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬منظمة‭ ‬حكومية‭ ‬إقليمية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬فحتى‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ذات‭ ‬العدد‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬متزايدة‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬فعاليتها،‭ ‬بينما‭ ‬تبذل‭ ‬المنظمات‭ ‬دون‭ ‬الإقليمية‭ ‬مجهوداً‭ ‬أكبر‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافها‭.‬

تنتشر‭ ‬هذه‭ ‬السمات‭ ‬بين‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬أقل‭ ‬وضوحاً‭ ‬تاريخياً‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وإيران،‭ ‬وهي‭ ‬دول‭ ‬تتسم‭ ‬بقدراتها‭ ‬الأمنية‭ ‬المتطورة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أظهرت‭ ‬أخيراً‭ ‬إصراراً‭ ‬وعزماً،‭ ‬حيث‭ ‬بذلت‭ ‬بنشاط‭ ‬وإبداع‭ ‬جهوداً‭ ‬دبلوماسية‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية‭ ‬تعكس‭ ‬قدراً‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المرونة‭ ‬والثقة‭ ‬والاستقلال‭.‬

في‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك،‭ ‬شهدت‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭:‬

‭ ‬تحول‭ ‬التوازن‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬نحو‭ ‬تركيا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وإيران،‮ ‬وهي‭ ‬دول‭ ‬اتبعت‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬سياسات‭ ‬إقليمية‭ ‬عدوانية‭ ‬أو‭ ‬عنيدة،‭ ‬محاولة‭ ‬وضع‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬ولكن‭ ‬تعين‭ ‬أخيراً‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬تغيير‭ ‬استراتيجياتها‭ ‬بعدما‭ ‬تبين‭ ‬عدم‭ ‬فعالية‭ ‬سياساتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬العدوانية‭. ‬وتحاول‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬حالياً‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬إنجازاتها،‭ ‬ومواجهة‭ ‬التحديات،‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬البيئات‭ ‬السياسية‭ ‬المتغيرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أساليب‭ ‬أكثر‭ ‬دبلوماسية‭ ‬وجاذبية‭ ‬للفاعلين‭ ‬الإقليميين‭.‬

‭ ‬زادت‭ ‬المؤشرات‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬المنطقة‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬‮«‬التغيير‮»‬‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أكثر‭ ‬ثقة‭ ‬وإيجابية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‮ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تجلى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬ودية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬وروسيا‭. ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬استضافة‭ ‬الرياض‭ ‬مؤتمرات‭ ‬قمة‭ ‬إقليمية‭ ‬مع‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين،‭ ‬وكذلك‭ ‬استضافة‭ ‬روسيا‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬للحوار‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬السادس‭ ‬مع‭ ‬الخليج‭.‬

‭ ‬اتخذت‭ ‬النزاعات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬صبغة‭ ‬إقليمية،‮ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬دور‭ ‬الفاعلين‭ ‬الدوليين‭. ‬كما‭ ‬اتجهت‭ ‬‮«‬دبلوماسية‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‮»‬‭ ‬نحو‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬وليبيا‭ ‬وشرق‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬وسوريا‭ ‬والخليج‭ ‬العربي‭ ‬وإيران‭ ‬والسودان،‭ ‬وهو‭ ‬اتجاه‭ ‬إيجابي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬توجه‭ ‬الفاعلين‭ ‬الإقليميين‭ ‬نحو‭ ‬الاضطلاع‭ ‬بدور‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬للنزاعات‭ ‬في‭ ‬مناطقهم،‭ ‬فنجد‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬استضاف‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬اجتماع‭ ‬المصالحة‭ ‬الليبية،‭ ‬بينما‭ ‬عقدت‭ ‬مصر‭ ‬اجتماعات‭ ‬للدول‭ ‬المجاورة‭ ‬للسودان،‭ ‬واجتماعات‭ ‬أخرى‭ ‬للفصائل‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬كما‭ ‬استضافت‭ ‬السعودية‭ ‬اجتماعات‭ ‬لبحث‭ ‬شؤون‭ ‬السودان،‭ ‬وأبرمت‭ ‬اتفاقاً‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬واستضافت‭ ‬اجتماعاً‭ ‬لجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬عادت‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭. ‬كما‭ ‬تبذل‭ ‬الإمارات‭ ‬جهوداً‭ ‬دبلوماسية‭ ‬هادئة‭ ‬بشأن‭ ‬قضايا‭ ‬مياه‭ ‬النيل‭ ‬الشائكة‭. ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬المهمة‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬هو‭ ‬عودة‭ ‬العلاقات‭ ‬الودية‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬إلى‭ ‬الخليج،‭ ‬وظهور‭ ‬ملامح‭ ‬لتحسن‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وإيران‭. ‬ويوضح‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬النهج‭ ‬المتطور‭ ‬الذي‭ ‬تتبعه‭ ‬المنطقة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬الخلافية‭ ‬داخل‭ ‬حدودها‭. ‬وبمقدور‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استُثمر‭ ‬بحكمة‭ ‬أن‭ ‬يوازن‭ ‬ويحقق‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬الإقليمية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬الفاعلين‭ ‬الآخرين‭ ‬نحو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التكيف‭.‬

‭ ‬تنامى‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‮ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اتضح‭ ‬في‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬للمساعي‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬كفاءة‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وإصلاح‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الوطنية‭ ‬وتحديثها،‭ ‬وإنشاء‭ ‬مراكز‭ ‬لوجستية‭ ‬إقليمية‭ ‬لشرق‭ ‬إفريقيا‭ ‬وغرب‭ ‬آسيا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اتجاه‭ ‬صحي‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬المهارات‭ ‬البشرية،‭ ‬وهو‭ ‬تطور‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أغلب‭ ‬سكانها‭ ‬من‭ ‬الشباب‭. ‬لذا‭ ‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬مؤشرات‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬المنطقة‭ ‬واستعدادها‭ ‬للمستقبل‭.‬

يواجه‭ ‬مستقبل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بالفعل‭ ‬تحديات‭ ‬كبرى‭ ‬يجب‭ ‬مواجهتها‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬والاستقرار‭ ‬المستدامين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬فقد‭ ‬يؤدي‭ ‬انتشار‭ ‬الصراعات‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬قطارات‭ ‬التنمية‭. ‬وهناك‭ ‬تحدٍّ‭ ‬آخر‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬التكافؤ‭ ‬والفروقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتزايدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فالمنطقة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الذكور‭ ‬والإناث‭. ‬ولقد‭ ‬تفاقمت‭ ‬تلك‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بسبب‭ ‬تداعيات‭ ‬جائحة‭ ‬‮«‬كوفيد19‮»‬‭ ‬وبسبب‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬تقرير‭ ‬لمنظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬قد‭ ‬ارتفعت‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬إلى‭ ‬21‭.‬4%‭ ‬بين‭ ‬الذكور‭ ‬و42‭.‬5%‭ ‬بين‭ ‬الإناث‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬حيث‭ ‬وقعت‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬متوازن‭ ‬على‭ ‬الفئة‭ ‬الأعلى‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المستوى‭ ‬التعليمي‭ ‬ممن‭ ‬يبحثون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬عن‭ ‬وظائف‭ ‬آمنة‭ ‬ومستقرة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭. ‬ومن‭ ‬المثير‭ ‬للاهتمام‭ ‬أن‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬قد‭ ‬وصف‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ (‬مثل‭ ‬البحرين‭ ‬والكويت‭ ‬واليمن‭ ‬والإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬والعراق‭ ‬وقطر‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬والأردن‭ ‬ومصر‭ ‬وتونس‭) ‬بأنهم‭ ‬يُمثلون‭ ‬أعلى‭ ‬النسب‭ ‬المهتمة‭ ‬بالتوظيف‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬وظائف‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬فاق‭ ‬بكثير‭ ‬عدد‭ ‬الوظائف‭ ‬المتاحة،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نمو‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬غير‭ ‬الرسمي‭ ‬وهو‭ ‬الأكثر‭ ‬ضعفاً‭. ‬يستدعي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬عاجلة‭ ‬لتعزيز‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وكذلك‭ ‬تعزيز‭ ‬سياسات‭ ‬التأمين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬يتضاءل‭ ‬حالياً‭. ‬وصار‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬وجود‭ ‬نظام‭ ‬قوي‭ ‬يستجيب‭ ‬للأزمات‭ ‬المفاجئة‭ ‬لدعم‭ ‬منخفضي‭ ‬الدخل،‭ ‬ويتضمن‭ ‬ذلك‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬تأمين‭ ‬العمال‭ ‬غير‭ ‬الرسميين‭ ‬بموجب‭ ‬سياسات‭ ‬الحماية‭ ‬والتأمين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬إنتاجيتهم‭.‬

على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬تجاهل‭ ‬تحدياتٍ‭ ‬مثل‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬وندرة‭ ‬المياه‭ ‬وإدارتها،‭ ‬وآثار‭ ‬تغير‭ ‬المناخ،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التسليح‭ ‬النووي‭ ‬وانتشاره‭. ‬وتشير‭ ‬استضافة‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأطراف‭ ‬بشأن‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ (‬كوب‭ ‬28‭) ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬استضافة‭ ‬مصر‭ ‬مؤتمر‭ (‬كوب‭ ‬27‭) ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬تدرك‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬وتدرك‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬حلول‭ ‬شاملة‭ ‬ومنطقية‭ ‬كرد‭ ‬فعل‭ ‬له،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬استعداد‭ ‬المنطقة‭ ‬للإسهام‭ ‬في‭ ‬الجهود‭ ‬العالمية‭ ‬للتصدي‭ ‬لتغير‭ ‬المناخ‭ ‬وعواقبه‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬نجد‭ ‬تحدياً‭ ‬آخر‭ (‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أهمها‭) ‬وهو‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬داخل‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬وتحديدها،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬‮«‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الذات‮»‬‭ ‬تفاوتت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬القومية‭ ‬والعلمانية‭ ‬والأصولية،‭ ‬والطائفية‭ ‬والإصلاحية‭ ‬والحداثية‭.‬‮ ‬

تستطيع‭ ‬المنطقة‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬والهدف‭ ‬المشترك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬العقود‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأكثر‭ ‬استجابة‭ ‬لاحتياجات‭ ‬الشعوب،‭ ‬التي‭ ‬تحترم‭ ‬العرق‭ ‬والتنوع‭ ‬مع‭ ‬إجلال‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقامة‭ ‬مجتمعات‭ ‬مرنة‭ ‬ومستقرة‭.‬‮ ‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاستباقية‭ ‬والتعاونية‭ ‬يمكن‭ ‬للمنطقة‭ ‬أن‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬تفاؤلاً‭.. ‬مستقبل‭ ‬يعزز‭ ‬التنمية‭ ‬والسلام‭ ‬والازدهار‭ ‬لشعوبها‭.‬

 

{‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا