زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
قلبي على وطني
لي أكثر من 15 ألف مقال منشور في صحف عربية في منطقة الخليج والسودان وبريطانيا (الصحف المهاجرة)، وجميعها تحت مسمى زاوية منفرجة أو غائمة أو حادة أو معكوسة، ولن تجد من بينها مائة خضت فيها في شأن سياسي من البداية الى النهاية، وقد كتبت ومازلت أكتب العديد من المقالات السياسية الصرفة، ولكنني لا أنشرها تحت مسميات الأعمدة تلك بل في صفحات الرأي والمقالات.
ولكن وطني ينزف اليوم، بسبب حرب بين قابيل وهابيل، مدينة الخرطوم بحري التي ولدت فيها وابتنيت فيها مسكنا ظلت سوح اقتتال طوال الأشهر الأربعة ونيف الماضية حتى كادت تخلو من السكان. أقاربي من الدرجة الأولى والثانية وهم بالمئات صاروا نازحين داخل الوطن وخارجه. بيتي الخاص تعرض مثل عشرات الآلاف من البيوت للانتهاك والاغتصاب والاحتلال، ولا أعرف ماذا جرى أو يجري داخله: هل صار قاعدة عسكرية أم استراحة محارب؟ ولا يحزنني في شيء وقوع بيتي تحت الاحتلال او تعرض محتوياته للنهب او التهشيم، فالمصاب الجلل العظيم هو أن وطني كله يتعرض للكسر والبتر والتفكيك، فأصدقاء الأمس صاروا أعداء وتوزعوا على خندقين، وصار الوطن في مرمى نيران الطرفين، اللذين يصمّان الآذان عن صرخات المكلومين بفقد الأعزاء، ومن تيتموا وترملوا وتبعثروا في كل واد.
وصاح فيهم زهير بن أبي سلمى من قبره:
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً
وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها
وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم
كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ
يا قوم زهير هذا جاهلي شهد حروبا لم تكن فيها راجمات صواريخ ولا قصف جوي ولا دبابات أو مدفعية، ولكن منها ما استمر عقودا لأنها «تضرم» والنار من مستصغر الشرر، وها هي حرب الخرطوم تتمدد الى أطراف السودان التي بها عشرات الحركات المسلحة التي تزعم أنها «تحريرية»، ولكن سجلها يكشف أن معظمها تحول الى عصابات مسلحة، ودول الجوار السوداني غربا تتهاوى الواحدة تلو الأخرى تحت سنابك العسكر الانقلابيين، وتنظيم بوكو حرام، وهو النسخة الإفريقية لداعش بدأ يتمدد من غرب السودان الى وسطه، فمناخ الحرب العبثية التي تدور رحاها في مدن السودان الأوسط والغربي أوصل البلاد الى حالة اللادولة.
وطن به أراضٍ بكر وأنهار جارية ظلت كتب الجغرافيا تبشر بأنه سلة غذاء العالم صار بسبب بؤس حكوماته يستجدي الخبز والأسبرين، والموتى لا يجدون الكفن بل أحيانا لا يجدون من يدفنهم فتبقى جثثهم في الشوارع قوتا للكلاب الضالة، وهكذا تتعرض كرامة الانسان حيا او ميتا للانتهاك، فالخراب أسهل من الإعمار والهدم أسهل من البناء ووقف الحرب أصعب من إشعالها، والمواطن السوداني يصرخ اليوم بصوت الشاعر محمد مفتاح الفيتوري:
قتلوني وأنكرني قاتلي
وهو يلتف بردان في كفني
وأنا من؟
سوى رجل واقف خارج الزمن
كلما زيَّفوا بطلا
قلت: قلبي على وطني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك