العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مدينة سانت بطرسبرج تجمع بين الماضي والحاضر

بقلم: د. نبيل العسومي

الأحد ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

خلال‭ ‬وجودي‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬عمل‭ ‬زرت‭ ‬مدينة‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبرج‭ ‬وهي‭ ‬المدينة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬بعد‭ ‬موسكو‭ ‬والعاصمة‭ ‬القديمة‭ ‬لروسيا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬الزعيم‭ ‬الروسي‭ ‬قائد‭ ‬ثورة‭ ‬أكتوبر‭ ‬الاشتراكية‭ ‬فلاديمير‭ ‬لينين‭ ‬العاصمة‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1917،‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬القيصر‭ ‬الروسي‭ ‬بيتر‭ ‬أو‭ ‬بطرس‭ ‬الأول‭ ‬عام‭ ‬1703‭ ‬بعد‭ ‬تحريرها‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬السويدي‭ ‬الذي‭ ‬دمر‭ ‬وخرب‭ ‬وهدم‭ ‬المدينة‭ ‬قبل‭ ‬خروجهم‭ ‬منها‭ ‬مدحورين‭ ‬مهزومين‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬بقيادة‭ ‬بيتر‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬بنى‭ ‬أول‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬ليكون‭ ‬سكنا‭ ‬له‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬موجودا‭ ‬وتحول‭ ‬إلى‭ ‬مزار‭ ‬ومعلم‭ ‬سياحي‭ ‬يقصده‭ ‬زوار‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬روسيا‭ ‬وخارجها،‭ ‬وهو‭ ‬بيت‭ ‬صغير‭ ‬من‭ ‬طابق‭ ‬واحد،‭ ‬كما‭ ‬بنى‭ ‬قلعة‭ ‬بيتروبافلسكي‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭ ‬لتكون‭ ‬مقرا‭ ‬للحكومة‭ ‬تحولت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬سجن‭ ‬لمعارضي‭ ‬القيصر‭ ‬من‭ ‬سياسيين‭ ‬ومثقفين‭ ‬وكتاب،‭ ‬فلا‭ ‬تزال‭ ‬الزنزانات‭ ‬التي‭ ‬قضى‭ ‬المعارضون‭ ‬لنظام‭ ‬القيصر‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬والكتاب‭ ‬المشهورين‭ ‬موجودة،‭ ‬منها‭ ‬زنزانة‭ ‬الكاتب‭ ‬الروسي‭ ‬الشهير‭ ‬مكسيم‭ ‬جوركي‭ ‬صاحب‭ ‬رواية‭ ‬الأم‭ ‬موجودة‭ ‬فيها‭ ‬الطاولة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يكتب‭ ‬عليها‭ ‬رواياته‭ ‬والكرسي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬عليه‭ ‬وأدواته‭ ‬وكذلك‭ ‬زنزانات‭ ‬التعذيب‭ ‬وأدوات‭ ‬التعذيب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬للمعارضين‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬وكوادر‭ ‬تنظيم‭ ‬الديسمبريين‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬العشر‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بثورة‭ ‬ضد‭ ‬القيصر‭.‬

وللإسراع‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المدينة‭ ‬بعد‭ ‬تحريرها‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬السويدي‭ ‬عمل‭ ‬القيصر‭ ‬بيتر‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬التسهيلات‭ ‬الكبيرة‭ ‬والامتيازات‭ ‬لرجال‭ ‬الأعمال‭ ‬الروس‭ ‬الموجودين‭ ‬بالخارج‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬المدينة،‭ ‬وكثير‭ ‬منهم‭ ‬تقلدوا‭ ‬مناصب‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬القيصرية‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬إعادة‭ ‬البناء،‭ ‬ولذلك‭ ‬تتميز‭ ‬المدينة‭ ‬بمبانيها‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬لأغراض‭ ‬مختلفة‭ ‬كمساكن‭ ‬للمواطنين‭ ‬وكمؤسسات‭ ‬ومقار‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬صالحة‭ ‬سواء‭ ‬للسكن‭ ‬أو‭ ‬كمكاتب،‭ ‬فالشخص‭ ‬عندما‭ ‬يتجول‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬لوحة‭ ‬مكتوبا‭ ‬عليها‭ ‬سكن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المبنى‭ ‬شخص‭ ‬مشهور‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬عاما‭.‬

وتحتضن‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬الروسية‭ ‬العريقة‭ ‬متحف‭ ‬الارميتاج‭ ‬الشهير‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬أفضل‭ ‬متحف‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬والذي‭ ‬يتناول‭ ‬مختلف‭ ‬مراحل‭ ‬تطور‭ ‬روسيا،‭ ‬ويضم‭ ‬قسما‭ ‬لتاريخ‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭ ‬كما‭ ‬ضم‭ ‬جناحا‭ ‬للبحرين‭ ‬مدة‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الاتفاقية‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬بين‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬وقعتها‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ومتحف‭ ‬الارميتاج،‭ ‬والقصر‭ ‬الشتوي‭ ‬للقيصر‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬لأول‭ ‬طلقة‭ ‬من‭ ‬السفينة‭ ‬الأفرورا‭ ‬معلنة‭ ‬بداية‭ ‬ثورة‭ ‬أكتوبر‭ ‬الاشتراكية‭ ‬العظمى‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬الزعيم‭ ‬البلشفي‭ ‬فلاديمير‭ ‬لينين‭ ‬ضد‭ ‬الحكم‭ ‬القيصري‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1917،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬هذه‭ ‬السفينة‭ ‬راسية‭ ‬مكانها‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬ولم‭ ‬تتحرك‭ ‬وهي‭ ‬الطلقة‭ ‬الأولى‭ ‬والأخيرة‭ ‬لها‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬متحف‭ ‬لزوار‭ ‬المدينة‭.‬

ومدينة‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبرج‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬البطش‭ ‬الهتلري‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الوطنية‭ ‬العظمى‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬محاصرة‭ ‬المدينة‭ ‬مدة‭ ‬900‭ ‬يوم‭ ‬عانى‭ ‬خلالها‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬والمرض‭ ‬وراح‭ ‬ضحية‭ ‬هذا‭ ‬الحصار‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬مواطن‭ ‬روسي،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تسقط‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الألمان‭ ‬وتم‭ ‬تحريرها‭ ‬وأطلق‭ ‬عليها‭ ‬لقب‭ ‬المدينة‭ ‬البطلة‭ ‬حالها‭ ‬حال‭ ‬المدن‭ ‬السوفيتية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬أبدت‭ ‬شجاعة‭ ‬وبطولة‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الجيش‭ ‬الألماني‭.‬

وتتميز‭ ‬المدينة‭ ‬أيضا‭ ‬بأنهارها‭ ‬وفروعها‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬بين‭ ‬المباني‭ ‬الضيفة‭ ‬وبجسورها‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬360‭ ‬جسرا‭ ‬تفتح‭ ‬بعضها‭ ‬من‭ ‬الساعة‭ ‬الثانية‭ ‬صباحا‭ ‬حتى‭ ‬السادسة‭ ‬صباحا‭ ‬حيث‭ ‬تتوقف‭ ‬حركة‭ ‬السير‭ ‬عليها‭ ‬للسماح‭ ‬للبواخر‭ ‬الكبيرة‭ ‬بالعبور‭.‬

لقد‭ ‬تحولت‭ ‬مدينة‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبرج‭ ‬التي‭ ‬ولد‭ ‬فيها‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬إلى‭ ‬ملتقى‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬اللقاءات‭ ‬والمنتديات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬منتدى‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبرج‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬يقام‭ ‬سنويا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬برعاية‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬ويحضره‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬العالم‭ ‬منهم‭ ‬قادة‭ ‬عرب‭ ‬كالرئيس‭ ‬المصري‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسي‭ ‬ورئيس‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬وأمير‭ ‬قطر‭ ‬الشيخ‭ ‬تميم‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬ثاني،‭ ‬وآخرها‭ ‬كان‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬روسيا‭-‬إفريقيا‭ ‬الذي‭ ‬حضرته‭ ‬49‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬54‭ ‬دولة‭.‬

سكان‭ ‬المدينة‭ ‬حالهم‭ ‬حال‭ ‬بقية‭ ‬الشعب‭ ‬الروسي‭ ‬يتسمون‭ ‬بالطيبة‭ ‬وكرم‭ ‬الضيافة،‭ ‬يحبون‭ ‬الأجانب‭ ‬ويحترمونهم‭ ‬ويقدمون‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المساعدة‭ ‬لمن‭ ‬يطلب‭ ‬المساعدة‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يتحدثون‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يحاولون‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬لمن‭ ‬يطلبها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تردد،‭ ‬فمن‭ ‬السهل‭ ‬عندما‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬أن‭ ‬تطلبها‭ ‬من‭ ‬المارة‭ ‬أو‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭.‬

إنها‭ ‬مدينة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر؛‭ ‬بين‭ ‬ماضي‭ ‬روسيا‭ ‬وتاريخها‭ ‬بأحداثه‭ ‬وتطوراته‭ ‬وحاضر‭ ‬روسيا‭ ‬وحداثتها‭ ‬وتطورها‭ ‬الذي‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬مكانتها‭ ‬الدولية‭ ‬كدولة‭ ‬عظمى‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭ ‬العالمية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا