العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إدارة وإرادة التغيير في القرآن الكريم

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لم‭ ‬يعد‭ ‬التغيير‭ ‬أمرًا‭ ‬اختياريًا،‭ ‬فالإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يرفض‭ ‬التغيير‭ ‬يصبح‭ ‬كأنه‭ ‬من‭ ‬الديناصورات‭ ‬التي‭ ‬رفضت‭ ‬التغيير‭ ‬والتأقلم‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الطبيعي‭ ‬المتغير‭ ‬الذي‭ ‬يحيط‭ ‬بها،‭ ‬فانقرضت‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬التغيير‭ ‬أمر‭ ‬حتمي،‭ ‬والإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يرفض‭ ‬التغيير‭ ‬يصنف‭ ‬مع‭ ‬الديناصورات‭ ‬والعقول‭ ‬المتحجرة‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬يأتي‭ ‬عليها‭ ‬يوم‭ ‬فتنقرض‭.‬

1‭. ‬ويلاحظ‭ ‬من‭ ‬السياق‭ ‬القرآني‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬التغيير‭ ‬أمر‭ ‬حتمي‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬فمنذ‭ ‬الآيات‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الفاتحة‭ ‬تأتينا‭ ‬هذه‭ ‬الآيات‭ ‬67‭: ‬‮«‬اهدِنَا‭ ‬الصِّرَاطَ‭ ‬الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬أَنْعَمْتَ‭ ‬عَلَيْهِمْ‭ ‬غَيْرِ‭ ‬الْمَغْضُوبِ‭ ‬عَلَيْهِمْ‭ ‬وَلاَ‭ ‬الضَّالِّينَ‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عندما‭ ‬يخاطبه‭ ‬أن‭ ‬يلهمه‭ ‬النعمة‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬فلا‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الأقوام‭ ‬التي‭ ‬ضلت‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬جهلت‭.‬

وهذا‭ ‬السياق‭ ‬القرآني‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أجزاء‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬مثل‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الرعد‭ ‬الآية‭ ‬11‭: ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬اللّهَ‭ ‬لاَ‭ ‬يُغَيِّرُ‭ ‬مَا‭ ‬بِقَوْمٍ‭ ‬حَتَّى‭ ‬يُغَيِّرُواْ‭ ‬مَا‭ ‬بِأَنْفُسِهِمْ‮»‬،‭ ‬فالتغيير‭ ‬أمر‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الإنسان‭ ‬أولاً،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬التغيير،‭ ‬فإن‭ ‬وجدت‭ ‬تلك‭ ‬الرغبة‭ ‬وتلك‭ ‬البذرة‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬بعدها‭ ‬أمر‭ ‬حتمي‭. ‬والحتمية‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬السعي‭ ‬للتغيير‭ ‬وبلوغ‭ ‬الأهداف‭ ‬المرجوة‭.‬

وربما‭ ‬تأتي‭ ‬قصة‭ ‬أهل‭ ‬الكهف‭ ‬لتوضح‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفتية‭ ‬رفضوا‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬فيها،‭ ‬فأدى‭ ‬هذا‭ ‬الرفض‭ ‬إلى‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬التغيير،‭ ‬فكان‭ ‬تغييرهم‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فهاجروا،‭ ‬وكذلك‭ ‬فعل‭ ‬كل‭ ‬الأنبياء‭ ‬عندما‭ ‬بلغت‭ ‬الأمور‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬أقوامهم‭ ‬حتمية‭ ‬المواجهة‭ ‬الجسدية،‭ ‬رحلوا‭ ‬وهاجروا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬التغيير،‭ ‬فالهدف‭ ‬لدى‭ ‬الأنبياء‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬المواجهة‭ ‬والتصفية‭ ‬الجسدية‭ ‬والعنف‭ ‬وإنما‭ ‬التغيير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭.‬

وفي‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬والقرى‭ ‬التي‭ ‬حولها‭ ‬عندما‭ ‬بلغ‭ ‬الظلم‭ ‬مبلغه‭ ‬وبرز‭ ‬عنصر‭ ‬القوة‭ ‬كحاكم‭ ‬يفرض‭ ‬رأيه،‭ ‬ووجد‭ ‬المظلوم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬قوة،‭ ‬وجد‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬العقول‭ ‬الراجحة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬مما‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬بد،‭ ‬والتغيير‭ ‬حتمية،‭ ‬فسعوا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ (‬بحلف‭ ‬الفضول‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أحلاف‭ ‬الجاهلية‭ ‬الأربعة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها قريش،‭ ‬وقد‭ ‬عقد‭ ‬الحلف‭ ‬في‭ ‬دار عبدالله‭ ‬بن‭ ‬جدعان‭ ‬التيمي‭ ‬القرشي‮ ‬أحد‭ ‬سادات‭ ‬قريش‭ ‬وذلك‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬عشائر‭ ‬قبيلة‭ ‬قريش‭ ‬في‭ ‬مكة،‭ ‬إذ‭ ‬توافق‭ ‬عليه‭ ‬بنو‭ ‬هاشم‭ ‬وبنو‭ ‬تيم‭ ‬وبنو‭ ‬زهرة‭ ‬حيث‭ ‬تعاهدوا‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬أن‭: (‬لا‭ ‬يظلم‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬إلا‭ ‬ردوا‭ ‬ظلامته‭). ‬وقد‭ ‬شهد صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬هذا‭ ‬الحلف‭ ‬قبل‭ ‬بعثته‭ ‬وله‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬20‭ ‬سنة،‭ ‬وقال‭ ‬عنه‭ ‬لاحقًا‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬شهدت‭ ‬مع‭ ‬عمومتي‭ ‬حلفًا‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬جدعان‭ ‬ما‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬لي‭ ‬به‭ ‬حمر‭ ‬النعم،‭ ‬ولو‭ ‬دعيت‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬لأجبت‮»‬‭.‬

وكذلك‭ ‬فعل‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬فعندما‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬مجتمع‭ ‬قريش‭ ‬لا‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬مفهوم‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬ينشده‭ ‬ارتقى‭ ‬بنفسه‭ ‬واعتزل‭ ‬في‭ ‬غار‭ ‬حراء،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬صخب‭ ‬قريش‭ ‬وحياتهم‭ ‬الجامدة‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬عبادة‭ ‬الذات‭ ‬والأصنام‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وفي‭ ‬الغار‭ ‬كان‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬ويبحث‭ ‬في‭ ‬سبل‭ ‬تغيير‭ ‬نفسه‭ ‬وذاته،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إرادة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬كانت‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فأتي‭ ‬التوجيه‭ ‬الكبير‭ ‬بتغيير‭ ‬العالم‭.‬

وفي‭ ‬بحث‭ ‬للدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬شحروري‭ ‬بعنوان‭ (‬سنة‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭) ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عناصر‭ ‬حركة‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر،‭ ‬هي‭:‬

{‭ ‬واقع‭ ‬يقتضي‭ ‬التغيير‭.‬

{‭ ‬هدي‭ ‬أو‭ ‬منهج‭ ‬يغير‭ ‬الواقع‭.‬

{‭ ‬مدير‭ (‬قائد‭) ‬التغيير‭.‬

لنحاول‭ ‬أن‭ ‬نستقرأ‭ ‬النقطة‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬أما‭ ‬الثالثة‭ ‬فلنتركها‭ ‬لمقالات‭ ‬أخرى‭. ‬

أولاً‭: ‬واقع‭ ‬يقتضي‭ ‬التغيير‭. ‬ربما‭ ‬هنا‭ ‬نسأل‭ ‬أنفسنا‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭: ‬متى‭ ‬نشعر‭ ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التغيير؟‭ ‬وهل‭ ‬فعلاً‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التغيير؟‭ ‬وربما‭ ‬السؤال‭ ‬الذهبي‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬نحلم‭ ‬بالتغيير‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬جيد‭ ‬ولا‭ ‬نريد‭ ‬التغيير؟‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يطرحها‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تطرحها‭ ‬المؤسسة‭ ‬على‭ ‬نفسها؟‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬انهارت‭ ‬وانتهت‭ ‬عندما‭ ‬رفضت‭ ‬التغيير‭.‬

يؤكد‭ ‬معظم‭ ‬الباحثين‭ ‬أن‭ ‬بداخل‭ ‬الإنسان‭ ‬الطبيعي‭ ‬قوة‭ ‬خفية‭ ‬ورغبة‭ ‬عارمة‭ ‬في‭ ‬التغيير،‭ ‬ولكن‭ ‬معظمنا‭ ‬يجهلها،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬يفقد‭ ‬خارطة‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬القوة،‭ ‬فتظل‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬أحلاما‭ ‬تبوء‭ ‬بالفشل،‭ ‬فتظل‭ ‬الأوضاع‭ ‬على‭ ‬حالها،‭ ‬حتى‭ ‬يجد‭ ‬الشرارة‭ ‬التي‭ ‬توقد‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬نفسه،‭ ‬فإن‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يوقد‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬فإنه‭ ‬حتمًا‭ ‬سيصل‭ ‬إلى‭ ‬النور‭ ‬وإلا‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬يبرح‭ ‬مكانه‭.‬

قوة‭ ‬التغيير‭ ‬قوة‭ ‬عملاقة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬منا،‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬غنيًا،‭ ‬وتجعل‭ ‬الآخر‭ ‬مبدعًا،‭ ‬وتجعل‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬قادة‭ ‬أو‭ ‬فنانين‭ ‬أو‭ ‬علماء‭. ‬وكذلك‭ ‬تفعل‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات؛‭ ‬فبعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬تنجح‭ ‬خلال‭ ‬أعوام‭ ‬قصيرة‭ ‬وأخرى‭ ‬تظل‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬سنوات‭ ‬ولكنها‭ ‬تسقط‭ ‬في‭ ‬الهاوية‭ ‬بعد‭ ‬سنوات،‭ ‬والسبب‭ ‬هو‭ ‬التغيير،‭ ‬والتاريخ‭ ‬يشهد‭.‬

وهنا‭ ‬دعوني‭ ‬أعود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الرعد‭ ‬الآية‭ ‬11‭: ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬اللّهَ‭ ‬لاَ‭ ‬يُغَيِّرُ‭ ‬مَا‭ ‬بِقَوْمٍ‭ ‬حَتَّى‭ ‬يُغَيِّرُواْ‭ ‬مَا‭ ‬بِأَنْفُسِهِمْ‮»‬،‭ ‬فالتغيير‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬النفس‭ ‬البشرية،‭ ‬فإن‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬فإنه‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬المحيطة‭ ‬بنا،‭ ‬فالإنسان‭ ‬يمتلك‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬نفسه،‭ ‬وهي‭ ‬تنتظره‭ ‬حتى‭ ‬يوقظها‭ ‬من‭ ‬رقادها،‭ ‬ليستمتع‭ ‬بالحياة‭ ‬ويعيش،‭ ‬وقد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭: ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الحواجز‭ ‬التي‭ ‬تغلف‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬وتمنعنا‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭. ‬وهذه‭ ‬حقيقة؛‭ ‬لذلك‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬منهجيته‭ ‬للتغيير‭ ‬لا‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬المفاجئ‭ ‬ولا‭ ‬باستخدام‭ ‬الممارسات‭ ‬العشوائية‭ ‬أو‭ ‬العنيفة،‭ ‬وإنما‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬عبر‭ ‬الممارسات‭ ‬والخطوات‭ ‬البسيطة؛‭ ‬فالنجاح‭ ‬الصغير‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل‭.‬

ثانيًا‭: ‬هدي‭ ‬أو‭ ‬منهج‭ ‬يغير‭ ‬الواقع‭. ‬يستقرئ‭ ‬الدكتور‭ ‬شحروري‭ ‬في‭ ‬بحثه‭ ‬نصوص‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ليستخلص‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المعالم‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الواقع‭ ‬المذموم،‭ ‬ويلخصها‭ ‬في‭ ‬الأساليب‭ ‬الآتية‭:‬

1‭. ‬التدرج‭ ‬في‭ ‬التغيير‭: ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مقال‭ ‬خاص،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نكرر‭ ‬ما‭ ‬قلناه‭ ‬سابقًا،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬أفضل‭ ‬أنواع‭ ‬التغيير‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬بالتدرج،‭ ‬خطوات‭ ‬بسيطة‭ ‬ونجاحات‭ ‬صغيرة‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل‭.‬

2‭. ‬تشخيص‭ ‬الواقع‭ ‬بدقه‭: ‬عادة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الإدارة‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬نبدأ‭ ‬بدراسة‭ ‬الواقع،‭ ‬وتشخيص‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه،‭ ‬سواء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التحليل‭ ‬الرباعي‭ (‬سوات‭) ‬أو‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الطرق،‭ ‬وكذلك‭ ‬فعل‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬فهو‭ ‬يشخص‭ ‬أحوال‭ ‬المجتمعات‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬غلو‭ ‬أو‭ ‬تبسيط،‭ ‬وإنما‭ ‬يضعها‭ ‬أمام‭ ‬القارئ‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬فيكشفها‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬واضحة‭ ‬جلية،‭ ‬فيجد‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬بالفعل‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭. ‬لنستعرض‭ ‬كل‭ ‬قصص‭ ‬الأقوام‭ ‬التي‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم؛‭ ‬قرية‭ ‬سيدنا‭ ‬لوط‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬قرية‭ ‬سيدنا‭ ‬إبراهيم‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬قرية‭ ‬سيدنا‭ ‬صالح‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وتوّج‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بالوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭ ‬العالم‭ ‬قبل‭ ‬البعثة‭ ‬النبوية‭ ‬الشريفة،‭ ‬فهل‭ ‬يعتقد‭ ‬أي‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأقوام‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تغيير؟‭ ‬لذلك‭ ‬جاء‭ ‬الأنبياء‭ ‬بمنهجية‭ ‬التغيير‭ ‬التي‭ ‬رفضتها‭ ‬شعوبهم‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بها‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬التغيير،‭ ‬فانقرضت‭.‬

3‭. ‬الحزم‭ ‬وعدم‭ ‬التردد‭ ‬في‭ ‬التغيير‭: ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬نؤمن‭ ‬بالخطوات‭ ‬البسيطة‭ ‬في‭ ‬التغيير،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الخطوات‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬بحسم‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬تردد؛‭ ‬فالتسويف‭ ‬دائمًا‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬بخير،‭ ‬فعندما‭ ‬نقرر‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نتخذ‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬ألف‭ ‬ميل‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭.‬

4‭. ‬الصبر‭ ‬على‭ ‬التغيير‭ ‬والمجاهدة‭ ‬في‭ ‬سبيله‭: ‬جميعنا‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬ليس‭ ‬بالعملية‭ ‬السهلة،‭ ‬فترك‭ ‬التدخين‭ ‬ليس‭ ‬بالعملية‭ ‬السهلة،‭ ‬لأنه‭ ‬مرتبط‭ ‬بالإدمان،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬المرء‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬أن‭ ‬تصبر‭ ‬لأنها‭ ‬فعلاً‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فطريق‭ ‬النجاح‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مفروشًا‭ ‬بالورود،‭ ‬وإنما‭ ‬تحتاج‭ ‬المؤسسات‭ ‬والأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬إلى‭ ‬الهدوء‭ ‬ورسم‭ ‬الخطط‭ ‬وكل‭ ‬الأمور‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬التغيير‭ ‬بنجاح‭.‬

5‭. ‬اتباع‭ ‬أسلوب‭ ‬الاقناع‭ ‬العلمي‭ ‬الموضوعي‭: ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬فإنه‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬نقاشات‭ ‬وأفكار‭ ‬وحوارات‭ ‬مع‭ ‬فرق‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬النفس‭ ‬لتشجيعها‭ ‬ومراقبتها‭ ‬وحثها‭ ‬على‭ ‬التغيير،‭ ‬وإلا‭ ‬فإن‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬تتوق‭ ‬إلى‭ ‬الخمول‭.‬

6‭. ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬بين‭ ‬الترغيب‭ ‬والترهيب‭: ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬يحتاجون‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬تحفيز‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬بسيطًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حثهم‭ ‬على‭ ‬التغيير؛‭ ‬مثل‭ ‬قطعة‭ ‬شوكولاتة،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬أمر‭ ‬آخر،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬علينا‭ ‬ترهيب‭ ‬أنفسنا‭ ‬وحثها‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬قدمًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغيير،‭ ‬كأن‭ ‬نخاطبها‭ ‬بأن‭ ‬التدخين‭ ‬يسبب‭ ‬السرطان،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬فيه‭.‬

7‭. ‬الغاية‭ ‬لا‭ ‬تبرر‭ ‬الوسيلة‭ ‬في‭ ‬التغيير‭: ‬خلافًا‭ ‬لمبدأ‭ ‬ميكافيلي‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ (‬الغاية‭ ‬تبرر‭ ‬الوسيلة‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬ذلك،‭ ‬فالقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬الطهارة‭ ‬الحسية‭ ‬والمعنوية،‭ ‬فهو‭ ‬يحترم‭ ‬عقل‭ ‬الإنسان‭ ‬ورغبته‭ ‬في‭ ‬التحرر‭ ‬الفكري‭ ‬والجسدي‭ ‬والنفسي،‭ ‬بل‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الخيارات‭ ‬والقيم‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الخطاب‭ ‬القرآني‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬واضحًا‭ ‬لا‭ ‬مواربة‭ ‬فيه،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬مجمله‭ ‬قد‭ ‬حرم‭ ‬الفساد‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعه‭ ‬وتشعباته،‭ ‬فلا‭ ‬يحرم‭ ‬أمرا‭ ‬في‭ ‬آية‭ ‬ويحلله‭ ‬في‭ ‬آية‭ ‬أخرى،‭ ‬إلا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالناسخ‭ ‬والمنسوخ،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬آخر‭.‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يحث‭ ‬على‭ ‬التغيير‭ ‬ويُرغب‭ ‬فيه،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يتغيرون‭ ‬هو‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يدركوا‭ ‬شيئًا‭ ‬عن‭ ‬قوة‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬أعماقهم،‭ ‬ولذلك‭ ‬تجدهم‭ ‬يبقون‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬عليه،‭ ‬وكذلك‭ ‬عدم‭ ‬رغبتهم‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬طويلاً‭ ‬وعدم‭ ‬رغبتهم‭ ‬في‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬سيكون‭ ‬وضعهم‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬التغيير‭ ‬ووضعهم‭ ‬بعد‭ ‬التغيير،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يطرح‭ ‬تلك‭ ‬المقارنات‭ ‬بكل‭ ‬وضوح،‭ ‬فمثلاً‭: ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الزمر‭ ‬الآية‭ ‬9‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬قُلْ‭ ‬هَلْ‭ ‬يَسْتَوِي‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬يَعْلَمُونَ‭ ‬وَالَّذِينَ‭ ‬لَا‭ ‬يَعْلَمُونَ‮»‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الآيات‭.‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا