العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

الثقافي

نبض: أين فن الكاريكاتير؟

بقلم: علي الستراوي

الأحد ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬هو‭ ‬احد‭ ‬فنون‭ ‬الرسم‭ ‬الذي‭ ‬اعتاد‭ ‬القراء‭ ‬على‭ ‬قراءته‭ ‬عبر‭ ‬الصحف‭ ‬أو‭ ‬المجلات‭ ‬الأسبوعية‭ ‬أو‭ ‬الدورية،‭ ‬وكان‭ ‬لهذا‭ ‬الفن‭ ‬رسائل‭ ‬عدة‭ ‬ساخرة‭ ‬وناقدة،‭ ‬ولو‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ظهور‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬ارتبط‭ ‬ارتباطا‭ ‬قوياً‭ ‬بأنه‭ ‬فن‭ ‬ساخر‭ ‬‮«‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬الشخص‭ ‬لصورة‭ ‬مع‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬وتحوير‭ ‬ملامحها‭ ‬وتحويلها‭ ‬الى‭ ‬رسمة‭ ‬ساخرة‭ ‬يكون‭ ‬هدفها‭ ‬الاول‭ ‬السخرية‭ ‬وأحيانا‭ ‬يكون‭ ‬بهدف‭ ‬النقد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الفني‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬الفن‭ ‬اعتدنا‭ ‬كقراء‭ ‬على‭ ‬مشاهدته‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬الصحف‭ ‬اليومية‭ ‬خليجيا‭ ‬وعربيا‭ ‬بل‭ ‬وعالمياً،‭ ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬قلت‭ ‬مشاهدته‭ ‬في‭ ‬الصحف،‭ ‬وبعض‭ ‬الصحف‭ ‬اصبح‭ ‬فيها‭ ‬معدوماً‭ ‬وهذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬اليومية‭ ‬ولكن‭ ‬تعداها‭ ‬لنرى‭ ‬غيابه‭ ‬عن‭ ‬المجلات‭ ‬والدوريات،‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬تساؤلا‭ ‬لماذا‭ ‬يغيب‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬الراقي‭ ‬عن‭ ‬الدور‭ ‬الإعلامي‭ ‬المنوط‭ ‬به؟

والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬ان‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬يتسم‭ ‬بقدرته‭ ‬الفائقة‭ ‬على‭ ‬النقد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الكلمات‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬او‭ ‬كتابة‭ ‬مقالات‭ ‬او‭ ‬تقارير‭ ‬بأكملها‭. ‬

غياب‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬حالة‭ ‬مؤلمة،‭ ‬ومحزنة‭ ‬للكثيرين‭ ‬من‭ ‬عشاقه،‭ ‬فهذا‭ ‬الفن‭ ‬بتعاطيه‭ ‬الفني‭ ‬ناقداً‭ ‬وساخراً‭ ‬وشاهداً‭ ‬على‭ ‬حالات‭ ‬عدة‭ ‬ذات‭ ‬مثالب‭ ‬يعريها‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬بل‭ ‬ويذهب‭ ‬إلى‭ ‬اكبر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬لأنه‭ ‬يضع‭ ‬مبضعه‭ ‬على‭ ‬الجرح،‭ ‬ويقطع‭ ‬مسببات‭ ‬الداء‭ ‬في‭ ‬الجسد‭ ‬الحي،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭ ‬واقعة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬مسببة‭ ‬انتشار‭ ‬الفيروس‭.‬

والغريب‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬تستعين‭ ‬بالصورة‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬وهذا‭ ‬تهميش‭ ‬وتغييب‭ ‬قسري‭ ‬لهذا‭ ‬الفن‭ ‬العريق‭ ‬الذي‭ ‬اعتدنا‭ ‬على‭ ‬قراءته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المقال،‭ ‬لأنه‭ ‬وحده‭ ‬يشكل‭ ‬مقالا‭ ‬مكتمل‭ ‬الأركان‭.‬

ولو‭ ‬رجعنا‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬لوقفنا‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬محطاته‭ ‬في‭ ‬ايطاليا،‭ ‬كونها‭ ‬الدولة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬التي‭ ‬استخدم‭ ‬فيها‭ ‬هذا‭ ‬الفن،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1646م،‭ ‬عبر‭ ‬بروز‭ ‬أهم‭ ‬الفنانين،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الفنان‭ ‬جيان‭ ‬لورينزوبرنيني‭ ‬الذي‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭.‬

ثم‭ ‬عرف‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الفنان‭ ‬جورج‭ ‬تاوتسهند‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬استخدم‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬افكاره‭ ‬السياسية‭.‬

اما‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬فقد‭ ‬برز‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الرسام‭ ‬المبدع‭ ‬يعقوب‭ ‬صنوع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينشر‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬ابو‭ ‬نضارة،‭ ‬ينتقد‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬السياسيين‭.‬

وتعد‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬فترة‭ ‬خصبة‭ ‬وذهبية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬لرسامي‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭.‬

ولهذا‭ ‬الفن‭ ‬رسائله‭ ‬التي‭ ‬تنحو‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬نحو‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬تركيز‭ ‬الفنان‭ ‬على‭ ‬الصورة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الذي‭ ‬للنص‭ ‬فيه‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬الفكرة‭.‬

وظل‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬يتطور‭ ‬بتطور‭ ‬فنانيه‭ ‬الذين‭ ‬ظلوا‭ ‬مخلصين‭ ‬له،‭ ‬وكانت‭ ‬رسائلهم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬شريحة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬شكله‭ ‬الشهيد‭ ‬ناجي‭ ‬العلي‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬اعماله‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬اغتياله،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬الفنانين‭ ‬الآخرين‭ ‬كالفنان‭ ‬مصطفى‭ ‬حسين‭ ‬والفنان‭ ‬جورج‭ ‬كروكشانك‭ ‬والفنان‭ ‬جواد‭ ‬حجازي‭.. ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬المبدعين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وفي‭ ‬محيطنا‭ ‬المحلي‭ ‬اذكر‭ ‬دور‭ ‬الفنان‭ ‬البحريني‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬اعماله‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬قريبة‭ ‬تزين‭ ‬واجهة‭ ‬صحفنا‭ ‬ومجلاتنا‭ ‬امثال‭: ‬المهندس‭ ‬المعماري‭ ‬الفنان‭ ‬خليل‭ ‬الهاشمي‭ ‬والفنان‭ ‬المخضرم‭ ‬عبدالله‭ ‬المحرقي‭ ‬والفنان‭ ‬علي‭ ‬الصميخ‭ ‬والفنان‭ ‬حسن‭ ‬قمبر‭ ‬والفنان‭ ‬نادر‭ ‬القصير‭.. ‬إلخ‭.‬

بقي‭ ‬ان‭ ‬اؤكد‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬يعد‭ ‬غيابا‭ ‬لرسائل‭ ‬عدة‭ ‬بينها‭ ‬المفرح‭ ‬وبينها‭ ‬المحزن‭!‬

وحاجتنا‭ ‬إلى‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬حاجة‭ ‬تقود‭ ‬اكثرنا‭ ‬إلى‭ ‬جمال‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يغذي‭ ‬الروح‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬ويترك‭ ‬شهد‭ ‬النحل‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬الجسد‭ ‬المتعب،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬ضياع‭ ‬قلم‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬ظهور‭ ‬اقلام‭ ‬ملونة‭ ‬زاهية‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬ضعيفة‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.‬

a‭.‬astrawi@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا