العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأوضاع العربية ونظرية «المستبد العادل»

بقلم: د. عمرو الشوبكي

السبت ٠٢ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

جمعني‭ ‬نقاش‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬العرب‭ ‬حول‭ ‬أسباب‭ ‬المواجهات‭ ‬الدموية‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا،‭ ‬واعتبر‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مؤامرة‭ ‬كونية‭ ‬حركت‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬الدمار‭ ‬والخراب‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬اعتبر‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬طبيعة‭ ‬النظم‭ ‬التي‭ ‬شهدتها،‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النهايات‭ ‬والأوضاع‭ ‬المأساوية‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬ضعف‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وغيابها‭ ‬وانقسام‭ ‬مؤسساتها‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬جعل‭ ‬البعض‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬عودة‭ ‬نظام‭ ‬قوي‭ ‬مركزي‭ ‬ولم‭ ‬يتردد‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬كلمة‭ ‬دكتاتوري‭ ‬يعيد‭ ‬النظام‭ ‬والأمن‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬وانقسامات‭ ‬سياسية،‭ ‬وأكد‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬بلد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حكمه‭ ‬إلا‭ ‬بنظام‭ ‬مثل‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬جديد،‭ ‬وأننا‭ ‬بلاد‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬فيها‭ ‬الديمقراطية‭ ‬إنما‭ ‬فقط‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬مستبد‭ ‬عادل،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬صدام‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬أمنا‭ ‬وتقدما‭ ‬ورخاء‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي،‭ ‬وهو‭ ‬جزئيا‭ ‬صحيح،‭ ‬لكنه‭ ‬ينسى‭ ‬أو‭ ‬يتناسى‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬الأساسي‭ ‬عما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬أزمات،‭ ‬فقد‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬وبمجرد‭ ‬انتهائها‭ ‬بأشهر‭ ‬معدودة‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يغزو‭ ‬الكويت‭ ‬ويشطبها‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬ويضمها‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أصل‭ ‬الداء‮»‬‭ ‬في‭ ‬مآسي‭ ‬العراق‭ ‬هو‭ ‬صيغة‭ ‬‮«‬المستبد‭ ‬العادل‮»‬‭ (‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬ضمانة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عادلا‭) ‬وغياب‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬قرارات‭ ‬مصيرية،‭ ‬مثل‭ ‬الحروب‭ ‬والغزوات،‭ ‬فالاستبداد‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يجعل‭ ‬أحدا‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬قرار‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬بغزو‭ ‬واحتلال‭ ‬الكويت،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬باحث‭ ‬مبتدئ‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬إلا‭ ‬سيقول‭ ‬مستحيل‭ ‬ان‭ ‬يتم‭ ‬السماح‭ ‬للعراق‭ ‬باحتلال‭ ‬بلد‭ ‬نفطي‭ ‬ثري‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المنظومة‭ ‬العالمية‭ ‬مثل‭ ‬الكويت،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أعلنت‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الخداع‭ ‬عدم‭ ‬اهتمامها‭ ‬بغزو‭ ‬الكويت‭.‬

نفس‭ ‬‮«‬الحديث‭ ‬العراقي‮»‬‭ ‬تكرر‭ ‬في‭ ‬ليبيا؛‭ ‬فالصراع‭ ‬المسلح‭ ‬بين‭ ‬فرقاء‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬وضعف‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬غيابها‭ ‬جعل‭ ‬البعض‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬القديم،‭ ‬وهي‭ ‬مقولة‭ ‬تتناسى‭ ‬أن‭ ‬بقاء‭ ‬القذافي‭ ‬42‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬أضعف‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وأنهى‭ ‬أي‭ ‬فرق‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬القائم،‭ ‬فتحول‭ ‬الجيش‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬وطنية‭ ‬إلى‭ ‬كتائب‭ ‬واستهدف‭ ‬بالأفكار‭ ‬الشعبوية‭ (‬الجماهيرية‭) ‬مهنية‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬شرطة‭ ‬وقضاء‭ ‬وجهاز‭ ‬إداري،‭ ‬فكان‭ ‬سقوط‭ ‬نظامه‭ ‬مساويا‭ ‬لسقوط‭ ‬تلقائي‭ ‬لأجهزة‭ ‬الدولة،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وليبيا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬نتاج‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬تدخل‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬بسبب‭ ‬طبيعة‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬حكم‭ ‬في‭ ‬البلدين‭.‬

النقاش‭ ‬حول‭ ‬تجارب‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬حديث‭ ‬ذو‭ ‬شجون،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تعثر‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬التجارب،‭ ‬ويظل‭ ‬مهما‭ ‬معرفة‭ ‬الأسباب‭ ‬وأخذ‭ ‬العبر‭ ‬والدروس‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا