العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أزمة فرنسا في منطقة الساحل

الجمعة ٠١ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

شكلت‭ ‬أزمة‭ ‬دولة‭ ‬النيجر‭ ‬بعد‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬محمد‭ ‬بازوم‭ ‬حدثا‭ ‬جديدا‭ ‬ضمن‭ ‬سلسلة‭ ‬‮«‬الثورات‭ ‬العسكرية‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬الهيمنة‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬بلدان‭ ‬الساحل‭ ‬الافريقي،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬النيجر‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬والانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬مما‭ ‬يؤشر‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬الهيمنة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والاستغلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬لثروات‭ ‬هذه‭ ‬البلدان،‭ ‬والتي‭ ‬استمرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬وهو‭ ‬استغلال‭ ‬بدأت‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬لا‭ ‬تقبله‭ ‬ولا‭ ‬تستصيغه‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال،‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمور‭ ‬واضحة‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيها‭ ‬تأكدت‭ ‬خلال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬وهي‭:‬

أ‭ - ‬صمود‭ ‬العسكر‭ ‬في‭ ‬النيجر‭ ‬وعدم‭ ‬تراجعهم‭ ‬عن‭ ‬التحول‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬أنجزوه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬الفرنسية‭ ‬المباشرة‭ ‬وتهديد‭ ‬مجموعة‭ ‬دول‭ ‬الايكواس‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬نيجيريا‭ ‬وتتحكم‭ ‬في‭ ‬قراراتها‭ ‬وتوجهاتها‭ ‬فرنسا‭ ‬التي‭ ‬تحرض‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وعلني‭ ‬على‭ ‬شنّ‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬النيجر،‭ ‬بل‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬غزو‭ ‬النيجر‭ ‬اليوم‭ ‬قبل‭ ‬الغد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬الجديدة‭ ‬وجدت‭ ‬صدى‭ ‬إيجابيا‭ ‬لدى‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬وفي‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬خاصة،‭ ‬حيث‭ ‬أعلنت‭ ‬الدولتان‭ ‬استعدادهما‭ ‬للوقوف‭ ‬عسكريا‭ ‬مع‭ ‬النيجر‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تعرضت‭ ‬لأي‭ ‬هجوم‭ ‬عسكري‭ ‬خارجي،‭ ‬وهذا‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬مؤشر‭ ‬مقلق‭ ‬للسياسة‭ ‬الفرنسية‭ ‬الفاشلة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭.‬

2‭ ‬‭ ‬تردد‭ ‬مجموعة‭ ‬الايكواس‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬النيجر،‭ ‬وهو‭ ‬التردد‭ ‬بين‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬والحل‭ ‬العسكري،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وبرلماناتها‭ ‬تعارض‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬الغزو‭ ‬العسكري‭ ‬للنيجر،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬غزو‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬مدعوما‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬ينجح‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬الفتن‭ ‬ونشر‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الغارقة‭ ‬أصلا‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬والفتن‭ ‬والجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬معظم‭ ‬مناطق‭ ‬هذه‭ ‬البلدان،‭ ‬هذا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مجموعة‭ ‬الايكواس‭ ‬ليس‭ ‬لديها‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والمالية‭ ‬والأسلحة‭ ‬الكافية‭ ‬للتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬لضمان‭ ‬النجاح‭ ‬السريع‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬أراضي‭ ‬النيجر‭ ‬مترامية‭ ‬الأطراف‭ ‬تزيد‭ ‬مساحتها‭ ‬على‭ ‬مليون‭ ‬ومائتي‭ ‬ألف‭ ‬كليومتر‭ ‬مربع‭ ‬مما‭ ‬يوحي‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬غير‭ ‬مستعدة‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬القدرة‭ ‬لترجمة‭ ‬تهديداتها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬وقوف‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مالي‭ ‬وبوركينافاسو‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬النيجر‭ ‬سيجعل‭ ‬الغزو‭ ‬صعبا،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ثمنه‭ ‬باهظا‭ ‬وقد‭ ‬يفضي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬تمزيق‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الليبية،‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬تقسيم‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬شمال‭ ‬وجنوب‭ ‬وشرق‭ ‬وغرب‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬الأسباب‭ ‬الكافية‭ ‬للتقسيم‭ ‬عرقيا‭ ‬وقوميا‭ ‬ومناطقيا‭ ‬ودينيا‭. ‬

3‭ ‬‭ ‬أظهر‭ ‬هذا‭ ‬الانقلاب‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬انقلاب‭ ‬عسكري‭ ‬كالانقلابات‭ ‬السابقة‭ ‬معزول‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬ومكروه‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬حيث‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬النيجر‭ ‬هي‭ ‬مع‭ ‬التوجهات‭ ‬التحريرية‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بعد‭ ‬الاستغلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬الممنهج‭ ‬لثروات‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬وخاصة‭ ‬ثروة‭ ‬اليورانيوم‭. ‬يشهد‭ ‬بذلك‭ ‬عشرات‭ ‬المظاهرات‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬مساندتها‭ ‬للتوجهات‭ ‬الجديدة‭ ‬وللحكومة‭ ‬المؤقتة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تشكيلها‭ ‬لإدارة‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭. ‬وهذه‭ ‬المظاهرات‭ ‬تعزز‭ ‬قوة‭ ‬العسكريين‭ ‬وتجعل‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬لغزو‭ ‬النيجر‭ ‬ضد‭ ‬شعب‭ ‬النيجر‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يصرخ‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬مطالبة‭ ‬بطرد‭ ‬القوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬الموجودة‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬القاعدة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬بل‭ ‬والترحيب‭ ‬الكامل‭ ‬بقرار‭ ‬الحكومة‭ ‬النيجرية‭ ‬طرد‭ ‬السفير‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬رفض‭ ‬المغادرة‭ ‬مخالفا‭ ‬القوانين‭ ‬والأنظمة‭ ‬والبروتوكولات‭ ‬الدولية‭ ‬المعروفة‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬مصرة‭ ‬على‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إشعال‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وزعزعة‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬دولها‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الانقلاب‭ ‬يعدّ‭ ‬حلقة‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬الانقلابات‭ ‬ضد‭ ‬الهيمنة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬جيلا‭ ‬جديدا‭ ‬من‭ ‬العسكريين‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مستعدا‭ ‬لتكرار‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬الأجيال‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬لفرنسا‭ ‬أو‭ ‬القبول‭ ‬بالاستغلال‭ ‬الممنهج‭ ‬لثروات‭ ‬هذه‭ ‬البلدان،‭ ‬ولذلك‭ ‬على‭ ‬فرنسا‭ ‬أن‭ ‬تراجع‭ ‬سياستها‭ ‬وأن‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬النزعة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الاستخفاف‭ ‬بالدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬والاستهانة‭ ‬بإمكانياتها‭ ‬وبإرادة‭ ‬شعوبها‭.. ‬فأمام‭ ‬فرنسا‭ ‬فرصة‭ ‬جديدة‭ ‬لإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬التعاون‭ ‬والتضامن‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬إن‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا