العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إلى متى تستمر الحرب العبثية في السودان؟

بقلم: باسم برهوم

الثلاثاء ٢٩ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬طفولتي‭ ‬سمعت‭ ‬كلمة‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬أحاديث‭ ‬الأهل‭ ‬عن‭ ‬الجنود‭ ‬السودانيين‭ ‬الذي‭ ‬جاءوا‭ ‬مع‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬بالطبع‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أعرف‭ ‬المقصود،‭ ‬لكن‭ ‬كانوا‭ ‬يصفونهم‭ ‬بالشجعان،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يعلمون‭ ‬أنهم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هزيمة‭ ‬عربية‭ ‬مدوية‭ ‬أمام‭ ‬العصابات‭ ‬الصهيونية‭. ‬لاحقا‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬المتوسطة‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬تعلمت‭ ‬من‭ ‬درس‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والخرائط‭ ‬الملونة‭ ‬أن‭ ‬السودان‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وأنه‭ ‬أكبر‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مساحة،‭ ‬وفي‭ ‬التاريخ‭ ‬تعلمت‭ ‬أن‭ ‬السودان‭ ‬طالما‭ ‬اتحد‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬وكان‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬حضارتها‭ ‬القديمة،‭ ‬وكان‭ ‬اسمها‭ ‬حضارة‭ ‬بلاد‭ ‬وادي‭ ‬النيل‭.‬

أول‭ ‬تواصل‭ ‬معرفي‭ ‬مع‭ ‬السودان‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬لي‭ (‬ماهر‭ ‬عثمان‭) ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬البث‭ ‬البريطانيةBBC‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬عمان‭ ‬ومعه‭ ‬رواية‭ ‬الطيب‭ ‬صالح‭ ‬‮«‬موسم‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‮»‬،‭ ‬وبالمناسبة‭ ‬صالح‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬الـ«بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬،‭ ‬قرأت‭ ‬الرواية‭ ‬بنهم،‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬جولاتي‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الفلسفة،‭ ‬شدتني‭ ‬الرواية‭ ‬وأعجبت‭ ‬بها‭ ‬أشد‭ ‬إعجاب،‭ ‬فالرواية‭ ‬تتناول‭ ‬مسألة‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‭ ‬وتلاقيها‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬معا،‭ ‬ومنذ‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬بدأت‭ ‬أهتم‭ ‬أكثر‭ ‬بالسودان‭ ‬وأتابع‭ ‬أخباره‭ ‬وصراعاته‭ ‬الداخلية‭ ‬وانقلابات‭ ‬الجنرالات‭ ‬وبنخبه‭ ‬المثقفة‭ ‬وأدبه‭ ‬واقتصاده‭ ‬وأحزابه‭. ‬ثم‭ ‬خبا‭ ‬اهتمامي‭ ‬عندما‭ ‬طال‭ ‬حكم‭ ‬جعفر‭ ‬النميري‭ ‬وفقدنا‭ ‬الأمل،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬ديمقراطي‭ ‬عاد‭ ‬اهتمامي‭ ‬بالسودان‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬شعبه‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬النميري،‭ ‬وتسلم‭ ‬الحكم‭ ‬الجنرال‭ ‬سوار‭ ‬الذهب‭ ‬عام‭ ‬1987،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬وعد‭ ‬بتسليم‭ ‬السلطة‭ ‬لحكومة‭ ‬مدنية‭. ‬وبالفعل‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬ضابط‭ ‬عربي‭ ‬يفي‭ ‬بوعده‭. ‬لقد‭ ‬أعاد‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الأمل،‭ ‬وسادت‭ ‬الديمقراطية‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة،‭ ‬لكن‭ ‬انقلاب‭ ‬الجنرال‭ ‬البشير‭ ‬المدعوم‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬أعاد‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسلاموية‭.‬

قبل‭ ‬أربعة‭ ‬أعوام‭ ‬ثار‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬وأسقط‭ ‬نظام‭ ‬البشير،‭ ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬تفاءلنا‭ ‬خيرا‭ ‬بأن‭ ‬يعود‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬الشقيق‭ ‬لينهض‭. ‬لكننا‭ ‬اليوم‭ ‬نراقب‭ ‬مشهدا‭ ‬مريعا‭ ‬يدمر‭ ‬فيه‭ ‬السودانيون‭ ‬بلدهم‭ ‬ومقدرات‭ ‬بلدهم‭ ‬بأيديهم،‭ ‬والشعب‭ ‬السوداني‭ ‬تشرد‭ ‬وجاع‭ ‬وازداد‭ ‬فقره،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬السودان‭ ‬مكانًا‭ ‬يصلح‭ ‬للعيش،‭ ‬وأكثر‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬يذهب‭ ‬نحو‭ ‬التقسيم‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬دول،‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬وثالثة‭ ‬في‭ ‬الوسط‭.‬

لماذا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الخراب؟‭ ‬من‭ ‬سيدفع‭ ‬فاتورة‭ ‬إعادة‭ ‬التعمير؟‭ ‬ألم‭ ‬نر‭ ‬ما‭ ‬حل‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وغير‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬حروبا‭ ‬أهلية،‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬اليمن‭ ‬وليبيا‭ ‬والصومال،‭ ‬ورواندا؟

الحل‭ ‬يبدأ‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬بوقف‭ ‬آلة‭ ‬الدمار‭ ‬فورا،‭ ‬ثم‭ ‬تنتقل‭ ‬الأطراف‭ ‬إلى‭ ‬الحوار،‭ ‬والطريق‭ ‬الأسلم‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬الجميع‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬ومن‭ ‬يختاره‭ ‬الشعب‭ ‬عبر‭ ‬انتخابات‭ ‬ديمقراطية‭ ‬يحكم‭ ‬البلاد،‭ ‬والطرف‭ ‬الآخر‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬معارضة‭ ‬نشطة‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إقناع‭ ‬الشعب‭ ‬بها‭ ‬عبر‭ ‬برامجها‭.‬

لن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬منتصر‭ ‬في‭ ‬الاقتتال‭ ‬الحالي،‭ ‬الجميع‭ ‬سينتهي‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬الدمار،‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬السودان‭ ‬وحدته،‭ ‬كما‭ ‬سبقت‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭. ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬صح‭ ‬وخطأ‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬السودانية،‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬خطأ،‭ ‬لأنها‭ ‬اختارت‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬ورجحتها‭ ‬على‭ ‬الحوار‭.‬

السودان‭ ‬بلد‭ ‬غني‭ ‬بثرواته‭ ‬وموارده‭ ‬الطبيعية‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سلة‭ ‬العرب‭ ‬الغذائية‭. ‬ولكن‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬ليس‭ ‬السودان‭ ‬وحده‭ ‬من‭ ‬يدمر‭ ‬مقدراته‭ ‬بيديه،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬عربية‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد،‭ ‬والسؤال‭ ‬هل‭ ‬المشكلة‭ ‬فينا‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬مؤامرة‭ ‬خارجية؟‭ ‬أصحاب‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬يلقون‭ ‬كل‭ ‬المسؤولية‭ ‬على‭ ‬التدخلات‭ ‬الخارجية،‭ ‬والذين‭ ‬يبالغون‭ ‬بجلد‭ ‬الذات‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬داخلية،‭ ‬مجتمعات‭ ‬ذات‭ ‬صراعات‭ ‬تاريخية‭.‬

وسوء‭ ‬التعليم‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬إن‭ ‬المسألة‭ ‬هي‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬الأمرين‭ ‬فكلما‭ ‬كثرت‭ ‬نقاط‭ ‬ضعف‭ ‬الداخل‭ ‬سمحت‭ ‬للخارج‭ ‬بأن‭ ‬يتدخل‭.‬

ربما‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬السودان‭ ‬وكما‭ ‬حال‭ ‬باقي‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬هو‭ ‬الاستقرار‭ ‬وإدارة‭ ‬صالحة‭ ‬وحكم‭ ‬رشيد،‭ ‬وفساد‭ ‬أقل‭ ‬وديمقراطية‭ ‬وشفافية‭ ‬ومساحة‭ ‬حوار‭ ‬أكبر،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة،‭ ‬دولة‭ ‬كل‭ ‬مواطنيها،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬السودان‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬ليصح‭ ‬حال‭ ‬الأمة،‭ ‬ولكن‭ ‬المطلوب‭ ‬فورا‭ ‬هو‭ ‬وقف‭ ‬القتال‭ ‬والدمار‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا