العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

قصة قصيرة : الدّقائقُ الأخيرةُ

بقلم: الأديبة إبتسام عبدالرّحمن الخميري {

السبت ٢٦ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬تلك‭ ‬اللّحظة‭ ‬المتأخّرة‭ ‬من‭ ‬اللّيل‭ ‬كانت‭ ‬السّاعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬اللّيل‭ ‬إلّا‭ ‬عشر‭ ‬دقائق،‭ ‬انتفضتُ‭ ‬من‭ ‬فراشي‭ ‬وركضتُ‭ ‬نحو‭ ‬مكتبي‭ ‬الصّغير‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬قلم‭ ‬وبعض‭ ‬أوراق،‭ ‬بيديّ‭ ‬المرتعشتين‭ ‬كانت‭ ‬الأوراق‭ ‬تتطاير‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬وكان‭ ‬القلب‭ ‬يرتجفُ‭ ‬معها‭... ‬كنتُ‭ ‬أحسُّ‭ ‬أنّ‭ ‬دقّاته‭ ‬تتسارعُ‭ ‬وتتصارعُ‭ ‬مع‭ ‬الزّمن‭ ‬لكنّ‭ ‬صوتا‭ ‬من‭ ‬أعماقي‭ ‬كان‭ ‬يهتفُ‭ ‬بل‭ ‬يصرخُ‭ ‬بأعلى‭ ‬صوته‭:‬

‮«‬هيّا‭ ‬يا‭ ‬أحلام‭ ‬انتفضي‭ ‬وانفُضي‭ ‬غبار‭ ‬أزمنةٍ،‭ ‬إنّكِ‭ ‬مجموعة‭ ‬أحلام‭ ‬ولستِ‭ ‬حلمًا‭ ‬واحدا،‭ ‬أليسَ‭ ‬هذا‭ ‬اسمكِ؟

إذنْ،‭ ‬كوني‭ ‬الأحلام‭ ‬الجميلة‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬ذات‭ ‬اللحظة‭ ‬كان‭ ‬الفكرُ‭ ‬يربكهُ،‭ ‬يُوقفه،‭ ‬ينهرُهُ‭...‬

خرجتْ‭ ‬منّي‭ ‬تنهيدة‭ ‬عميقة‭ ‬أحسستُها‭ ‬أراحتني‭ ‬ممّا‭ ‬بداخلي‭ ‬من‭ ‬صراعٍ‭ ‬فابتسمتُ‭ ‬كما‭ ‬كنتُ‭ ‬منذُ‭ ‬طفولتي‭ ‬وشبابي،‭ ‬ابتسامة‭ ‬أملٍ‭ ‬وإصرار‭ ‬في‭ ‬آنٍ‭. ‬

لا‭ ‬يزال‭ ‬الوقت‭ ‬يمرّ‭ ‬رتيبا‭ ‬ثقيلا،‭ ‬بل‭ ‬لكأنّه‭ ‬قد‭ ‬توقّف‭ ‬عن‭ ‬المسير،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬منتصف‭ ‬اللّيل‭ ‬إلّا‭ ‬تسعة‭ ‬دقائق،‭ ‬نظرتُ‭ ‬إلى‭ ‬السّاعة‭ ‬الحائطيّة،

‭- ‬ها‭ ‬قد‭ ‬مرّت‭ ‬دقيقة‭ ‬واحدة،‭ ‬جيّد‭ ‬جدّا‭.‬

‭ ‬لأوّل‭ ‬مرّة‭ ‬أسعدُ‭ ‬بتباطؤِ‭ ‬عقارب‭ ‬السّاعة،‭ ‬هكذا‭ ‬هو‭ ‬الإنسانُ‭ ‬يأملُ‭ ‬أن‭ ‬يُطَوّعَ‭ ‬الزّمنَ‭ ‬لخدمته‭. ‬قلتُ‭ ‬ذلك‭ ‬وأنا‭ ‬ماأزالُ‭ ‬أبعثر‭ ‬الأوراق‭ ‬باحثة‭ ‬عن‭ ‬ورق‭ ‬أبيض‭..‬

‭- ‬الحمد‭ ‬للّه،‭ ‬أخيرا‭. ‬ها‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬أوراق‭.‬

عندئذٍ،‭ ‬فتحتُ‭ ‬درج‭ ‬مكتبي‭ ‬الأيمن‭ ‬والوحيد‭ ‬أخرجتُ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬جوفه‭ ‬من‭ ‬دفاتر‭ ‬وملفّاتٍ‭ ‬تحوّل‭ ‬بياضها‭ ‬اصفرارا‭... ‬بحثت‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المرّة‭ ‬ليس‭ ‬طويلا‭. ‬فوجهتي‭ ‬باتت‭ ‬واضحة‭ ‬أمامي‭ ‬تمام‭ ‬الوضوح،‭ ‬أخرجتُ‭ ‬ملفًا‭ ‬كُتب‭ ‬عليه‭ ‬بخطّ‭ ‬غليظٍ‭ ‬أحمرَ‭: ‬‮«‬قصص‭ ‬قصيرة‭ ‬للنّشر‮»‬‭.‬

وضعته‭ ‬أمامي‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬السّاعة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬اللّيل‭ ‬إلّا‭ ‬سبع‭ ‬دقائق‭... ‬بعض‭ ‬الثّواني‭ ‬فقط‭ ‬ويغلق‭ ‬باب‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬المسابقة‭ ‬العربيّة‭... ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الثّواني‭ ‬القليلة‭ ‬توهّج‭ ‬الحلم‭ ‬بداخلي‭ ‬وانتصب‭ ‬صامدا‭ ‬محلّقا‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬البعيد‭... ‬رأيتني‭ ‬صبيّة‭ ‬مرفرفة‭ ‬كفراشة‭ ‬تبتسم‭ ‬لها‭ ‬دروب‭ ‬الحياة‭... ‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الثّواني‭ ‬القليلة‭ ‬سكنني‭ ‬الحلم‭ ‬وهزّني‭ ‬الإصرار‭ ‬والعزيمة‭ ‬فما‭ ‬عادت‭ ‬يديّ‭ ‬مرتجفتين‭ ‬وما‭ ‬عاد‭ ‬الزّمن‭ ‬يبعدني‭ ‬عنه‭ ‬حلما‭ ‬سكنني‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬وهذه‭ ‬القصص‭ ‬بين‭ ‬درج‭ ‬مكتبي‭:‬

‭- ‬لقد‭ ‬حان‭ ‬أوان‭ ‬القطاف،‭ ‬لقد‭ ‬حان‭ ‬فلا‭ ‬تتيبّسي‭.‬

رفعتُ‭ ‬سمّاعة‭ ‬الهاتف‭ ‬وأعلنتُ‭ ‬بكلّ‭ ‬عزم‭:‬

‭- ‬أريد‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬المسابقة‭.‬

فجاءني‭ ‬الصّوت‭ ‬ممزوجا‭ ‬بالحلم‭ ‬منغمسا‭ ‬في‭ ‬ذاتي‭ ‬الحالمة‭ ‬على‭ ‬الدّوام‭... ‬

{ أديبة‭ ‬وقاصة‭ ‬تونسية‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا