زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
جيل عن جيل يفرِق
ما إن وقعت عينا ابنتي على تقرير صحفي عن افتتاح عيادة طبية لعلاج أمراض العيون بالليزر بطريقة أكثر حداثة من طريقة «الليزك» التي ظلت شائعة نحو ربع قرن، حتى اندفعت نحوي وهي تصيح: مبروك يا أبا الجعافر (شوفوا الأدب! وهذه البنت دون عيالي الثلاثة الآخرين إذا نادتني: جعفر عباس، فمعنى ذلك أنها غاضبة مني وعليّ، واحتمال تحرمني من الميراث). المهم واصلت البنية: أخيراً تستطيع التخلص من النظارات الطبية! ومدت لي الصحيفة وأثناء قراءتي للتقرير قالت ما معناه في لهجة حزينة مفتعلة: لكن خسارة لأنك لن تستطيع إجراء العملية اللازمة للتخلص من النظارة لأن النظارة توفر لك ستاراً تخفي وراءه عينيك، وسيصبح شكلك دون نظارة بشعاً.
لو صدر هذا الكلام عن الشخصيات أو الأشياء التي لا أحبها: بشار الأسد أو نادية الجندي أو الكوسة أو بسام أبو شريف أو فاروق الفيشاوي أو المحشي، لو صدر عنهم لما آلمني، ولكن أن يكون مصدره ابنتي التي لا هم لي سوى السعي لنيل رضاها وتفادي انتقاداتها، فقد أحسست بما أحس به يوليوس قيصر عندما رأى صديقه بروتس ضمن قاتليه:
Et tu. Brute. then fall Caesar. حتى أنت يا بروتس، من ثم فليسقط قيصر ميتا، (هذا النص الذي جاء الجزء الأول منه باللغة اللاتينية، والجزء الثاني منه بالإنجليزية، جاء في مسرحية جولياس سيزر –يوليوس قيصر– للكاتب والشاعر الإنجليزي الجهبذ وليم شكسبير، الذي قال دكتاتور ليبيا الهالك مدمِّر الجزافي إن أصله عربي واسمه الاصلي «والي شيخ زبير»، وقياسا على ذلك فهولندا بلد نوبي–عربي، أسسها نوبي إلمامه باللغة العربية ضعيف، فلما احتج الألمان قائلين إنهم أحق بحكم هولندا ركب النوبي رأسه وقال بعربية مكسرة «هو لنا دا» أي «هذا المكان لنا» وشيئا فشيئا صارت «هو- لن- دا»، بنفس الطريقة التي زعم بها بعض العرب أن الأرناؤوط عرب، غزوا ناحية في أوربا ليقيموا ملكا فيها، ولما فشلت محاولتهم رفض بعضهم العودة إلى قواعدهم وقرروا البقاء في جنوب شرق أوروبا قائلين: عار أن نعود، و«لبست» فيهم العبارة، وتم تحويرها بمرور الزمن إلى «أرناؤوط»).
ولكن بيني وبينكم فإن معظم ما قالته عني ابنتي تلك صحيح! ولكنني أعيب عليها أنها لا تعرف اللف والدوران أو تزويق الكلام: بابا لماذا تلبس هذه الملابس المبهدلة؟.. تصرفك في هذا الأمر أو ذاك كان سخيفاً.. بابا انت شين.. وأحياناً تقول لي: شكلك «دِشِن» وتعني بالعامية السودانية «قبيح ومرعب بشكل لا يطاق». تقول هذا عن الرجل الذي كان وارداً أن يتزوج بالأميرة ديانا، الرجل الذي طلبت يده ممثلات أحلى ألف مرة من مونيكا لوينسكي التي جعلت بلبل كلينتون يفقد وقاره، ولكنني لا أكف عن التساؤل: هل هي قليلة أدب لأنها «تعطيني في المليان»؟.. وأجيب بلا تردد: حاشا وكلا.. هي بالتأكيد ذات نزعات إرهابية وتختلف عني سلوكياً في طفولتي. فحتى بعد تخرجي في الجامعة لم أكن أستطيع أن أقول لأبي إن ما يفعله خطأ، برغم أنه كثيراً ما كان يخطئ.. حتى عندما منعني من دخول الجامعة وهو يصدر حكمه القاطع «بلا جامعة.. بلا كلام فارغ.. بقيت راجل ولازم تدبر أمورك وتاكل عيش بعرق جبينك» لم اعترض ولم أناقشه وحاولت التوفيق بين الدراسة والعمل، (علما أنني عشت كطالب بعرق جبين الحكومة التي كانت تعطينا التعليم والمسكن والطعام).
كثيرون من أبناء جيلي دفعوا ثمن أخطاء آبائهم وعدم رغبتهم في الاعتراض على أي قرار يصدر منهم.. أبي لم يكن فظاً أو قاسياً أو دكتاتوريا، ومع ذلك لم أتجرأ ولا مرة واحدة على كسر فرماناته. وكثيراً ما دفعنا أنا وهو ثمن سكوتي على الخطأ! ولكن كان كل همي عدم إغضابه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك