العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ليتنا نطبق العوخصة

يعتقد‭ ‬العاملون‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الخدمة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سخر‭ ‬لهم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬لبهدلة‭ ‬العباد‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقضي‭ ‬أحدهم‭ ‬لك‭ ‬حاجة‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬زيارة،‭ ‬فأنت‭ ‬مطالب‭ ‬بإبراز‭ ‬مستندات‭ ‬‮«‬مصورة‮»‬‭ ‬وأصلية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لجأت‭ ‬إليهم‭ ‬طالباً‭ ‬تزويدك‭ ‬بمثل‭ ‬تلك‭ ‬المستندات‭. ‬وسر‭ ‬التعقيدات‭ ‬الإدارية‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الخدمة‭ ‬العامة‭ ‬العربية‭ ‬هو‭ ‬الولع‭ ‬العربي‭ ‬بالتوقيعات‭ ‬أو‭ ‬الإمضاءات،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يعتبر‭ ‬العربي‭ ‬وظيفته‭ ‬محترمة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تخوله‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الأوراق،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬العرب‭ ‬هم‭ ‬أفضل‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ ‬توقيعاً‭ ‬ويتفنن‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬الخطوط‭ ‬الأفقية‭ ‬والحلزونية‭ ‬منتشياً‭ ‬وكأنه‭ ‬يوقع‭ ‬أمراً‭ ‬بالهجوم‭ ‬النووي‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭. ‬ولكن‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬المسؤول‭ ‬العربي‭ ‬رغم‭ ‬ولعه‭ ‬الشديد‭ ‬بالتوقيع‭ ‬ضنين‭ ‬به‭ ‬ولا‭ ‬يتكرم‭ ‬برسم‭ ‬توقيعه‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مستند‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتخمر‭ ‬المستند‭ ‬على‭ ‬طاولته‭ ‬حتى‭ ‬تشرف‭ ‬صلاحيته‭ ‬على‭ ‬الانتهاء‭. ‬

عندما‭ ‬ذهبت‭ ‬مع‭ ‬عائلتي‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬كخبير‭ ‬أجنبي‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬جيراني‭ ‬العرب‭ ‬كي‭ ‬يعينني‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬عيالي‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬فبادر‭ ‬بالاتصال‭ ‬بمكتب‭ ‬تعليم‭ ‬المنطقة،‭ ‬ثم‭ ‬ناولني‭ ‬الهاتف‭ ‬وتحدثت‭ ‬مع‭ ‬سيدة‭ ‬سألتني‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬سكني،‭ ‬ثم‭ ‬طلبت‭ ‬مني‭ ‬الانتظار‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬قليلاً‭ ‬وعادت‭ ‬لتخبرني‭ ‬أن‭ ‬أذهب‭ ‬بالبنت‭ ‬الصغرى‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬وأن‭ ‬اصطحب‭ ‬الولد‭ ‬والبنت‭ ‬الأكبر‭ ‬سناً‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬ثانوية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬لندن،‭ ‬فقلت‭ ‬لها‭: ‬ماذا‭ ‬يا‭ ‬قليلة‭ ‬الحياء؟‭ ‬تريدين‭ ‬أن‭ ‬ترسلي‭ ‬ابنتي‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬فيها‭ ‬ذكور‭ ‬فحول‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬يدرسون‭ ‬فيه‭ ‬الجنس‭ ‬في‭ ‬رياض‭ ‬الأطفال؟‭ ‬تطلبين‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬عربيقي‭ (‬عربي‭-‬إفريقي‭) ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬طالبان‭ ‬السودان؟‭ ‬ارتعدت‭ ‬المسكينة‭ ‬خوفاً‭ ‬ثم‭ ‬غابت‭ ‬عني‭ ‬قليلاً‭ ‬وأبلغتني‭ ‬بتسجيل‭ ‬ابنتي‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬بنات‭ (‬حاف‭)‬،‭ ‬توجهت‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬الابتدائية‭ ‬التي‭ ‬خصصوها‭ ‬للبنت‭ ‬الصغرى،‭ ‬متسلحا‭ ‬بالشهادات‭ ‬الموثقة‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬أنها‭ ‬ابنتي‭ ‬وأنني‭ ‬زوج‭ ‬أمها‭ ‬وأنها‭ ‬كانت‭ ‬تدرس‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬نظامية‭ ‬وليس‭ ‬مدرسة‭ ‬المشاة‭ ‬وشهادة‭ ‬الميلاد‭ ‬وجواز‭ ‬السفر‭ ‬الذي‭ ‬يثبت‭ ‬أنني‭ ‬مقيم‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬شرعاً‭ ‬ووثيقة‭ ‬تثبت‭ ‬أنني‭ ‬وأفراد‭ ‬عائلتي‭ ‬خالون‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ (‬هذه‭ ‬كانت‭ ‬مزورة‭)‬،‭ ‬وقابلت‭ ‬مدير‭ ‬المدرسة‭ ‬وقدمت‭ ‬له‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬الموثقة‭ ‬فألقى‭ ‬عليها‭ ‬نظرة‭ ‬ثم‭ ‬سألني‭: ‬ماذا‭ ‬أفعل‭ ‬بهذه‭ ‬الأوراق؟‭ ‬باختصار‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬صاحبنا‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬أي‭ ‬طفل‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬أن‭ ‬يتلقى‭ ‬تعليمه‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬أهله‭ ‬مهاجرين‭ ‬غير‭ ‬قانونيين‭.‬

ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬وأنا‭ ‬أكبر‭ ‬أنصار‭ ‬العوخصة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬الخصخصة‭ ‬والعولمة‭ ‬وتعني‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العالمية‭ ‬أي‭ ‬الغربية‭ ‬لخصخصة‭ ‬وزارات‭ ‬الخدمات‭ ‬مثل‭ ‬التربية‭ ‬والصحة،‭ ‬وتخيل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬وتأتيك‭ ‬ممرضة‭ ‬سويدية‭ ‬لقياس‭ ‬قوة‭ ‬إبصارك‭: ‬تصبح‭ ‬زرقاء‭ ‬يمامة‭ ‬خلال‭ ‬ثوان‭ ‬معدودة‭! ‬تضرب‭ ‬زوجتك‭ ‬فتعتقلك‭ ‬وتستجوبك‭ ‬شرطية‭ ‬فرنسية‭ ‬وكلمة‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وأخرى‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬وتطلب‭ ‬يدها‭ ‬على‭ ‬سنة‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ ‬فتضطر‭ ‬زوجتك‭ ‬القديمة‭ ‬البالية‭ ‬إلى‭ ‬شطب‭ ‬الدعوى‭ ‬ولكن‭ ‬هيهات‭! ‬لا‭ ‬حاجة‭ ‬بك‭ ‬إلى‭ ‬مسيار‭ ‬لتلويث‭ ‬النسل‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الله‭ ‬الواسعة‭. ‬

وقد‭ ‬ارتفعت‭ ‬معنوياتي‭ ‬مؤخراً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تناقلت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الجميلات‭ ‬الغربيات‭ ‬يعرضن‭ ‬بويضاتهن‭ ‬للبيع‭ ‬للراغبين‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬النسل‭. ‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لك‭ ‬بنت‭ ‬أمها‭ ‬الطبيعية‭ ‬أنجلينا‭ ‬جولي‭ ‬أو‭ ‬جنيفر‭ ‬لوبيز‭: ‬كاكاو‭ ‬بالحليب‭ ‬أو‭ ‬كابوتشينو‭ ‬بالزبادي‭. ‬كم‭ ‬أود‭ ‬رصد‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬ابنتي‭ ‬مروة‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأخت‭ ‬من‭ ‬الأب‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬تعايره‭ ‬بلون‭ ‬بشرته‭ ‬وحجم‭ ‬أنفه‭ ‬وقلة‭ ‬ماله‭. ‬وبمثل‭ ‬تلك‭ ‬البنت‭ ‬لن‭ ‬أكون‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الزواج‭ ‬بنبيلة‭ ‬عبيد‭ ‬كي‭ ‬أرفع‭ ‬من‭ ‬أسهمي‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والطبقية‭. ‬قلة‭ ‬وفاء؟‭ ‬فليكن‭: ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أفتك‮»‬‭/‬انعتق‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الإنترنت‭ ‬سوى‭ ‬أنه‭ ‬بؤرة‭ ‬فساد‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬يشده‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الفساد‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬يدري‭ ‬فقد‭ ‬يجعلني‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬أحمد‭ ‬زويل‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الشاب‭ ‬خالد‭ (‬إلى‭ ‬متى‭ ‬سيبقى‭ ‬شاباً؟‭)‬،‭ ‬بالمناسبة‭ ‬لدي‭ ‬معلومات‭ ‬بأن‭ ‬زويل‭ ‬هذا‭ ‬سوداني‭ ‬لأن‭ ‬اسم‭ ‬عائلته‭ ‬تصغير‭ ‬‮«‬زول‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا