العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

مفردة الألم والحزن في ديوان «أنين الياسمين» للشاعرة فاطمة التيتون

السبت ١٢ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

تتفق‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الشمس‭ ‬مصدر‭ ‬الضوء‭ ‬للأرض،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الشمس‭ ‬قد‭ ‬تتغير‭  ‬في‭ ‬عيون‭ ‬واحساس‭ ‬بعض‭ ‬البشر،‭ ‬فلا‭ ‬يرونها‭ ‬بمثل‭ ‬ما‭ ‬نراها،‭ ‬بل‭ ‬يذهبون‭ ‬على‭ ‬انها‭ ‬ظلام‭ ‬دامس‭ ‬وخوف‭ ‬مسكون‭ ‬بالوجع‭.‬

هكذا‭ ‬أدرك‭ ‬بعض‭ ‬الشعراء،‭ ‬إن‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬الشمس‭ ‬موجع‭ ‬ومؤلم،‭ ‬لأنهم‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬الشمس‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جمال‭ ‬قلوبهم‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬الخوف‭ ‬الذي‭ ‬يتنفس‭ ‬بداخلهم،‭ ‬فيعبرون‭ ‬عنه‭ ‬اي‭ ‬الضوء،‭ ‬بإنه‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬الظلام‭ ‬والحزن‭ ‬والكآبة‭.‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الإحساس‭ ‬نتاج‭ ‬إدراك‭ ‬الشاعر‭ ‬المعاصر،‭ ‬بأن‭ ‬زمنه‭ ‬هو‭ ‬الزمن‭ ‬القاسي،‭ ‬أي‭ ‬زمن‭ ‬الجوع‭ ‬والحروب‭ ‬والموت‭ ‬المجاني،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬الشاعر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحيطه‭ ‬أو‭ ‬يحس‭ ‬حياله‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الا‭ ‬نتاج‭ ‬عقله‭ ‬الباطن‭ ‬المتعب‭ ‬بالخوف‭ ‬والتردد‭ ‬على‭ ‬كسر‭ ‬هذا‭ ‬الألم‭ ‬والخروج‭ ‬لضوء‭ ‬الشمس‭ ‬بقوة‭ ‬متحدياً‭ ‬ألمه‭ ‬وصراعاته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تهدأ‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عين‭ ‬باكية‭ ‬وقلب‭ ‬مريض‭!‬

هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬الشعراء‭ ‬المعاصرين،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬القديم‭ ‬موجودة‭ ‬لكنها‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭.‬

‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬احد‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الخوف‭ ‬والكآبة‭ ‬الشديدة‭ ‬عند‭ ‬الشعراء‭ ‬المعاصرين‭ ‬‮«‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬شدة‭  ‬قضايا‭ ‬الواقع‭ ‬المتأزم‭  ‬التي‭ ‬توالت‭ ‬على‭ ‬الشاعر‭ ‬منذ‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬وأكثرها‭  ‬لوجود‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬الهائلة‭ ‬والفهم‭ ‬الخاطئ‭ ‬للمعاصرة‭ ‬والحداثة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬خلق‭ ‬جوا‭ ‬حاداً‭ ‬من‭ ‬التوتر،‭ ‬فالكآبة‭ ‬تعمقت‭ ‬جذورها‭ ‬في‭ ‬نفسيته،‭ ‬وتحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬فلسفة‭ ‬تشاؤمية‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬الإنساني‭ ‬شراً‭ ‬وفي‭ ‬الحياة‭ ‬سلسلة‭ ‬حلقاتها‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬الذي‭ ‬يفتت‭ ‬أجزاءها،‭ ‬فمظاهر‭ ‬الحزن‭ ‬تنوّعت‭ ‬بين‭ ‬الإحساس‭ ‬بالكآبة‭ ‬واليأس‭ ‬وبين‭ ‬الشعور‭ ‬بالغربة،‭ ‬والوحدة،‭ ‬وظاهرة‭ ‬الحب‭ ‬التي‭ ‬أصابها‭ ‬الحزن‮»‬‭.‬

وترجع‭ ‬الدكتورة‭ ‬الجزائرية‭ ‬نجية‭ ‬موسى‭ ‬اسباب‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭: ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬رؤيتها‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬عاش‭ ‬الشاعر‭ ‬المعاصر‭ ‬دائم‭ ‬الاحتكاك‭ ‬بواقعه‭ ‬ولم‭ ‬يعش‭ ‬في‭ ‬نعومة،‭ ‬لنا‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يعيش‭ ‬بين‭ ‬نار‭ ‬ذاته‭ ‬وطاعون‭ ‬واقعه‭ ‬أصدق‭ ‬تمثيل‭. ‬إذ‭ ‬التحمت‭ ‬في‭ ‬شعره‭ ‬مشاكل‭ ‬واقعية‭ ‬مع‭ ‬الوجدان‭. ‬فالحزن‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬الشاعر‭ ‬المعاصر‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬من‭ ‬العدم،‭ ‬وإنما‭ ‬عندما‭ ‬أر‭ ‬اد‭ ‬الشاعر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مخلصا‭ ‬لذاته‭ ‬ويمنحها‭ ‬ما‭ ‬أرادت‭ ‬من‭ ‬حقوقها‭ ‬عليه،‭ ‬اصطدم‭ ‬بالواقع‭ ‬وبالنظام‭ ‬الخارجي‭. ‬من‭ ‬ّ‭ ‬هنا‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الواقع‭ ‬وظروفه‭ ‬المؤلمة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬الاضطراب‭ ‬والحيرة‭ ‬والقلق،‭ ‬في‭ ‬حزن‭ ‬الشاعر‭ ‬العميق‮»‬‭.  ‬موضحة‭ ‬في‭ ‬دراستها‭ ‬الاستاذة‭ ‬نجية‭ ‬موسى‭ ‬أن‭ ‬الشاعر‭ ‬المعاصر‭: ‬يرفض‭ ‬ويتمرد‭ ‬على‭ ‬واقعه‭ ‬المتخلف‭ ‬والمنحط‭. ‬وذلك‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حجة‭ ‬على‭ ‬عصره،‭ ‬يثور‭ ‬به‭ ‬ويحترق‭ ‬اشتياقا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭. ‬

هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬انها‭ ‬موجودة‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬المعاصرين‭ ‬ولكن‭ ‬تختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬شاعر‭ ‬وآخر،‭ ‬فبعض‭ ‬الشعراء‭ ‬تكون‭ ‬لديهم‭ ‬مفردة‭ ‬الألم‭ ‬واضحة‭ ‬البيان‭ ‬ومتنوعة‭ ‬الحدث‭ ‬وآخرين‭ ‬تكون‭ ‬لديهم‭ ‬المفردة‭ ‬رهينة‭ ‬محبسين،‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬تطويعها‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬قمقمها‭ ‬الواحد‭.‬

‭ ‬هذه‭ ‬المفردة‭ ‬تقودني‭ ‬إلى‭ ‬تجربة‭ ‬فريدة‭ ‬وكثيرة‭ ‬الإصدارات‭ ‬الشعرية،‭ ‬لكنها‭ ‬تعد‭ ‬ضمن‭ ‬المفردة‭ ‬الواحدة‭ ‬وان‭ ‬ذهبت‭ ‬قليلا‭ ‬عما‭ ‬يجوسقها،‭ ‬تعود‭ ‬سريعاً‭ ‬الى‭ ‬حالتها‭ ‬التي‭ ‬جلبت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الألم،‭ ‬الا‭ ‬وهي‭ : ‬الشاعرة‭ ‬المبدعة‭ ‬فاطمة‭ ‬التيتون‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬عندي‭ ‬هاجس‭ ‬الكتابة‭ ‬كلما‭ ‬قرأتُ‭ ‬لها‭ ‬نصاً‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬شعرية‭.‬

‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً‭ ‬ومنذ‭ ‬وقوفي‭ ‬على‭ ‬قصيدتها‭ ‬المعنونة‭ ‬‮«‬نجمة‭ ‬الخرائب‮»‬‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وصيغة‭ ‬الألم‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬قصيدتها‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬وإن‭ ‬طرأ‭ ‬بعض‭ ‬التجديد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬البعد‭ ‬اللغوي‭ ‬والتكنيك‭ ‬الفني‭ ‬للنص‭ ‬إلا‭ ‬أن‭: ‬مفردة‭ ‬الألم‭ ‬ظلت‭ ‬تراوح‭ ‬مكانها‭.‬

فاطمة‭ ‬التيتون‭ ‬شاعرة‭ ‬قديرة‭ ‬وذات‭ ‬خيال‭ ‬واسع‭ ‬تعالج‭ ‬ألمها‭ ‬بفيض‭ ‬من‭ ‬الشوق‭ ‬والوحدة‭ ‬والانتظار‭ ‬وإثارة‭ ‬هاجس‭ ‬الحنين‭ ‬بواقع‭ ‬متأزم‭ ‬ومؤلم،‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬المتميزين‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وقد‭ ‬عملت‭ ‬بعد‭ ‬تخرجها‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭ ‬معلمة‭ ‬لمادة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭. ‬نشرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مجموعاتها‭ ‬الشعرية‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1991مع‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬أرسم‭ ‬قلبي‮»‬‭: ‬‮«‬الأوقات‭ ‬المهجورة‮»‬‭ (‬1994‭) ‬وطقوس‭ ‬الحب‭ (‬1996‭)‬،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الإصدارات‭ ‬وآخرها‭ ‬صدر‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬ديوان‭ ‬شعر‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬أنين‭ ‬الألم‭ ‬‭ ‬أنا‭ ‬وأنت‭ ‬والحنين‮»‬‭ ‬في‭ ‬طبعته‭ ‬الأولى،‭ ‬يحمل‭ ‬قصائد‭ ‬كتبت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عام‭ ‬2019‭ -‬2020‭.‬

حمل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬القصيرة‭ ‬التي‭ ‬أبقت‭ ‬فيها‭ ‬الشاعرة‭ ‬روحها‭ ‬الواقعة‭ ‬بين‭ ‬الألم‭ ‬والحنين‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الانعتاق‭ ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬طاحونة‭ ‬الحزن‭  ‬وشدة‭ ‬واقع‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬أزمتها‭.‬

كقولها‭: ‬الليل‭ ‬قليل‭ ‬النجوم‭ ‬كثيرُ‭ ‬السهر‭ ‬

والبدرُ‭ ‬قليل‭ ‬الحضور‭ ‬كثير‭ ‬السفر‭ ‬

والحديث‭ ‬كثير‭ ‬الوجع‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ندخل‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬فاطمة‭ ‬التيتون‭ ‬الشعري‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نستعين‭ ‬بسراج‭ ‬ينير‭ ‬لنا‭ ‬خطوات‭ ‬ظلمة‭ ‬العتمة،‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬سواد‭ ‬الليل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬التيتون‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬بصيص‭ ‬من‭ ‬الضوء،‭ ‬لأنها‭ ‬مفقودة‭ ‬ومعجونة‭ ‬في‭ ‬جرح‭ ‬بليغ‭ ‬الألم‭ ‬عند‭ ‬التيتون،‭ ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬يحق‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تشرّع‭ ‬نوافذ‭ ‬عتمتها‭ ‬لتأخذنا‭ ‬إلى‭ ‬عالمها‭ ‬المثالي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تشعرنا‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬من‭ ‬الوجع‭ ‬والخوف‭  ‬في‭ ‬مملكتها‭.‬

ومن‭ ‬نص‭ ‬آخر‭ ‬تخاطب‭ ‬فيه‭ ‬الأصدقاء‭ ‬تقول‭ ‬فيه‭: ‬

لا‭ ‬تنتظروا‭ ‬الأصدقاء‭ ‬غادروا‭..‬

النهرُ‭ ‬جفّ‭ ‬والعشاق‭ ‬أفلوا‭!‬

هي‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬عند‭ ‬فاطمة‭ ‬التيتون،‭ ‬يتقدمها‭ ‬الألم‭ ‬والضياع‭ ‬وفقد‭ ‬الأحبة‭ ‬وهجران‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬وكلها‭ ‬تقودنا‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬أخواتها‭ ‬في‭ ‬معنى‭ (‬الألم‭). ‬

ومن‭ ‬نفس‭ ‬المجموعة‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬نص‭ ‬رقم‭ ‬11‭ ‬الذي‭ ‬تقودنا‭ ‬فيه‭ ‬الشاعرة‭ ‬إلى‭ ‬ألم‭ ‬الوحدة‭ ‬كقولها‭:‬

عندما‭ ‬تكون‭ ‬وحيداً‭ ‬تلهو‭ ‬بك‭ ‬الغربان‭ ‬

على‭ ‬شاطئ‭ ‬الموت‭ ‬تُرمى،‭ ‬يلعنك‭ ‬الحصى‭ ‬وتأكلك‭ ‬الرمال‭ ‬

عندما‭ ‬تكون‭ ‬وحيداً‭ ‬لا‭ ‬يقرع‭ ‬بابك‭ ‬إنسان‭ ‬

تأكل‭ ‬ملحَ‭ ‬الأرض‭ ‬وتلعنك‭ ‬الذكريات‭ ‬

عندما‭ ‬تكون‭ ‬وحيداً‭ ‬لا‭ ‬يسمعك‭ ‬الجار‭ ‬

تجادل‭ ‬كل‭ ‬المرايا،‭ ‬تأكلك‭ ‬الوساوس،‭ ‬تطعنك‭ ‬الأوهام‭ ‬

عندما‭ ‬تكون‭ ‬وحيداً‭ ‬لا‭ ‬تسعفك‭ ‬الأزمان‭ ‬

يتبرأ‭ ‬منك‭ ‬الأدنى،‭ ‬يتهرب‭ ‬منك‭ ‬الأعزُّ

والشمس‭ ‬تهرول‭ ‬عنك‭ ‬سريعاً،‭ ‬ولا‭ ‬تعرفك‭ ‬الألحان‭ ‬

كنت‭ ‬وحيداً‭ ‬في‭ ‬الحب،‭ ‬وحيداً‭ ‬في‭ ‬الحزن،‭ ‬وحيداً‭ ‬في‭ ‬الأكفان‭.‬

‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وقفت‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬النصوص‭ ‬مما‭ ‬حمله‭ ‬ديوان‭ ‬الشاعرة‭ ‬فاطمة‭ ‬التيتون‭ ‬المعنون‭ ‬‮«‬انين‭ ‬الياسمين‮»‬‭ ‬يتضح‭ ‬لنا‭: ‬أن‭ ‬الشاعرة‭ ‬مازالت‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬حزنها‭ ‬الأول‭  ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬مغادرته،‭ ‬ومازالت‭ ‬نجمة‭ ‬الخرائب‭ ‬تعيد‭ ‬صورتها‭ ‬في‭ ‬مجاميعها‭ ‬الشعرية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬اصدرتها،‭ ‬وآخرها‭ ‬ما‭ ‬اشرت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬‮«‬أنين‭ ‬الياسمين‮»‬،‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬ألم‭ ‬الأمس‭ ‬وفي‭ ‬طاحونة‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬والخوف‭ ‬والوحدة‭ ‬والضياع‭ ‬بين‭ ‬ظلمة‭ ‬النفس‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬عن‭ ‬كسر‭ ‬هذا‭ ‬التابو‭ ‬المحزن‭ ‬في‭ ‬عالمها‭ ‬الشعري‭ ‬وأن‭ ‬تقدم‭ ‬الحب‭ ‬لأنه‭ ‬يبقى‭ ‬أسيراً‭ ‬بين‭ ‬المها‭ ‬والشعور‭ ‬بالوحدة‭. ‬

وأرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬وإن‭ ‬تشابكت‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يحرك‭ ‬الشاعر‭ ‬من‭ ‬حنين‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الألم‭ ‬مسيطر‭ ‬على‭ ‬الشاعرة‭ ‬وأن‭ ‬بكاء‭ ‬حالات‭ ‬عند‭ ‬تقلبات‭  ‬النفس‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬رؤية‭ ‬الشاعرة‭ ‬للعالم‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬ذلك‭ ‬الألم‭  ‬المعتم،‭ ‬المشحون‭ ‬بالخوف‭ ‬والوجع‭.‬

يبقى‭ ‬أن‭ ‬اقول‭: ‬إن‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬مجموعتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬‮«‬أنين‭ ‬الياسمين‮»‬‭ ‬اكثر‭ ‬مطواعاً‭ ‬وارق‭ ‬بوحاً‭ ‬لولا‭ ‬بقاء‭ ‬الشاعرة‭ ‬على‭ ‬مفردات‭ ‬الغياب‭ ‬والألم‭ ‬والوجع‭ ‬والموت‭ ‬والضياع،‭ ‬والابتعاد،‭ ‬هذه‭ ‬المفردات‭ ‬كلها‭ ‬اجتمعت‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬التيتون‭ ‬الشعري،‭ ‬فظلت‭ ‬حالتها‭ ‬النفسية‭ ‬تعيد‭ ‬وجعها‭ ‬وتخنق‭ ‬كل‭ ‬أمل‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬عالمها‭ ‬الإنساني،‭ ‬عالمها‭ ‬الصو‭ ‬صيلوجي،‭ ‬الذي‭ ‬أبقى‭ ‬الشاعرة‭ ‬ضمن‭ ‬سلوك‭ ‬طغى‭ ‬عليها‭ ‬الخوف‭ ‬والتردد‭ ‬والفقد‭ ‬وشدة‭ ‬الحزن،‭ ‬مبقياً‭ ‬فاطمة‭ ‬التيتون‭ ‬كشاعرة‭ ‬متفردة‭ ‬في‭ ‬عالمها‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬نهج‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬البحرينيين‭ ‬والعرب،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬كسر‭ ‬هذا‭ ‬الألم‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬التيتون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للشاعرة‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استشراف‭ ‬العالم‭ ‬برؤية‭ ‬مختلفة،‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الشعور‭ ‬بالوحدة‭ ‬والانطواء‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الخوف‭ ‬والتردد‭.‬

فجمال‭ ‬المفردة‭ ‬عن‭ ‬التيتون‭ ‬جمال‭ ‬أفقده‭ ‬الحزن‭ ‬وأضاع‭ ‬ملامحه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬مفردة‭ ‬الفرح‭ ‬والشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الحب‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬حب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خداع‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬ربطه‭ ‬بألوان‭ ‬السواد‭ ‬المعتم‭ ‬للنفس‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا