العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

سـرديـات: في الذكاء الاصطناعي وتحققاتها الممكنة!

بقلم: د. ضياء عبدالله الكعبي

السبت ١٢ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

 

ما‭ ‬سأقوله‭ ‬عن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬وتحقّقاته‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الثقافيّة‭ ‬والإبداعيّة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالكتابات‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬والثقافية‭ ‬العربيّة‭ ‬على‭ ‬اختلافها‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬السَّرديات Narratives‭)) ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬حيِّز‭ ‬التوقعات‭ ‬والاحتمالات‭ ‬المستقبليّة؛‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬طارئين‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التحقّقات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربيّة،‭ ‬وخاصة‭ ‬عندما‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬والإبداع‭. ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬كان‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الإبداع‭ ‬الرقمي‭ ‬العربي‭ (‬مسرح،‭ ‬رواية‭ ‬وغيرهما‭)‬،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع‭ ‬ضئيلاً‭ ‬وشحيحًا‭ ‬مقارنة‭ ‬بالإبداع‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحقول‭ ‬الكتابية‭ ‬الإبداعيّة‭. ‬وفي‭ ‬تصوري‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الحلول‭ ‬محلّ‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬المبدع‭ ‬مطلقًا،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬يمتلك‭ ‬الحساسية‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬ولا‭ ‬الذكاء‭ ‬العاطفي؛‭ ‬فنحن‭ ‬نستطيع‭ ‬توظيفه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التحرير‭ ‬والتصحيح‭ ‬الكتابي،‭ ‬ونستطيع‭ ‬توظيفه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الميتافيرسmeta‭ ‬verse‭ ‬والسَّرديات‭ ‬الكبرى،‭ ‬ونستطيع‭ ‬كذلك‭ ‬توظيفه‭ ‬فيnarrative‭ ‬campaigns،‭ ‬وهي‭ ‬الحملات‭ ‬السردية‭ ‬الداعمة‭ ‬لخطاب‭ ‬التسامح‭ ‬الثقافي‭ ‬ونبذ‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬والتطرف‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كلّه،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬المتخيلات‭ ‬السٍّردية‭ ‬الإبداعية‭ ‬الفارقة‭ ‬فلايزال‭ ‬الطريق‭ ‬طويلاً‭ ‬لتحققاته‭ ‬الإلكترونية‭.‬

يستخدم‭ ‬حاليًا‭ ‬تطبيق‭ ‬chatgpt‭)) ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الكلمات‭ ‬المفتاحية،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الموضوعات‭ ‬الكتابيّة،‭ ‬وإنتاج‭ ‬العناوين،‭ ‬ولكن‭ ‬ستبقى‭ ‬حدود‭ ‬الإبداع‭ ‬ضيقة‭ ‬نوعا‭ ‬ما‭ ‬مقارنة‭ ‬الحدود‭ ‬اللانهائية‭ ‬للإبداع‭ ‬البشري،‭ ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬حدود‭ ‬كتابات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬الإشكاليات‭ ‬الدينيّة‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وغيرها‭ ‬ستبقى‭ ‬محدودة‭ ‬بحدود‭ ‬حريات‭ ‬الشركات‭ ‬المطوِّرة‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أنَّ‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬سينتج‭ ‬معه‭ ‬أخلاقيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬وحقوق‭ ‬الملكيات‭ ‬الفكرية‭ ‬والجماعية،‭ ‬وحدود‭ ‬الانتحال‭ ‬والسرقات‭ ‬الفكرية‭ ‬والإبداعية‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬تكنولوجية‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود‭ ‬والقارات‭ ‬والأزمنة‭!‬

سأورد‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬حديثي‭ ‬عن‭ ‬تطبيقات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تأثر‭ ‬الرواية‭ ‬الجديدة‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬كلارا‭ ‬والشمس‮»‬‭ ‬للروائي‭ ‬البريطاني‭ ‬كازو‭ ‬إيشيغورو‭ ‬Kazuo‭ ‬Ishiguro‭ (‬1954‭)‬،‭ ‬هو‭ ‬روائيّ‭ ‬بريطانيّ‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬يابانيّ،‭ ‬حائز‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬في‭ ‬الآداب‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2017‭ ‬وقد‭ ‬استوحى‭ ‬موضوعات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬رواياته‭. ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬لتبرير‭ ‬فوزه‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬كشفت‭ ‬روايات‭ ‬كازو‭ ‬إيشيغورو‭ ‬المشحونة‭ ‬بالعواطف‭ ‬عن‭ ‬الهاوية‭ ‬الكامنة‭ ‬تحت‭ ‬شعورنا‭ ‬الوهمي‭ ‬بالتواصل‭ ‬مع‭ ‬العالم‮»‬‭. ‬وتنتمي‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬كلارا‭ ‬والشمس‮»‬‭ ‬Klara‭ ‬and‭ ‬The‭ ‬Sun‭(‬2021‭) ‬إلى‭ ‬روايات‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬أدب‭ ‬الديستوبيا‭ ‬Dystopia‭ (‬أدب‭ ‬المدن‭ ‬الفاسدة‭ ‬والمجتمعات‭ ‬التخيلية‭ ‬الفاسدة‭ ‬وغير‭ ‬المرغوب‭ ‬فيها‭). ‬وتشتغل‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬سرديات‭ ‬مضادة‭ ‬لاحتمالات‭ ‬سيطرة‭ ‬الروبوتات‭ ‬والآلات‭ ‬الذكية‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬وتحكمها‭ ‬بمستقبل‭ ‬البشرية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬بعض‭ ‬روايات‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الاستباقات‭ ‬الزمنية‭. ‬ولا‭ ‬تندرج‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬كذلك‭ ‬ضمن‭ ‬قانون‭ ‬الروائيّ‭ ‬الأمريكيّ‭ ‬إسحاق‭ ‬أسيموف‭ ‬Isaac‭ ‬Asimov‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬التملص‮»‬،‭ ‬1942،‭ ‬التي‭ ‬صاغ‭ ‬فيها‭ ‬ضوابط‭ ‬برمجة‭ ‬الروبوتات‭ ‬الآلية‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالمجتمعات‭ ‬البشرية،‭ ‬وهذه‭ ‬القوانين‭ ‬هي‭: ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬لآلي‭ ‬إيذاء‭ ‬بشري‭ ‬أو‭ ‬السكوت‭ ‬عمَّا‭ ‬قد‭ ‬يسببه‭ ‬من‭ ‬أذى‭ ‬له،‭ ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬الآلي‭ ‬إطاعة‭ ‬أوامر‭ ‬البشر‭ ‬إلا‭ ‬إن‭ ‬تعارضت‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الأول،‭ ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬الآلي‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬بقائه‭ ‬طالما‭ ‬لا‭ ‬يتعارض‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬القانونين‭ ‬الأول‭ ‬والثاني،‭ ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬لأيّ‭ ‬روبوت‭ ‬أن‭ ‬يؤذي‭ ‬الإنسانيّة،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بإيذاء‭ ‬نفسها‭.‬

‭ ‬تصدر‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬كلارا‭ ‬والشَّمس‮»‬‭ ‬عن‭ ‬مضامين‭ ‬إنسانية‭ ‬عميقة‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬تأمُّل‭ ‬معاني‭ ‬‮«‬الإنسانية‮»‬‭ ‬الحقيقية؛‭ ‬فكلارا‭ ‬الصديق‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الذي‭ ‬يستمد‭ ‬طاقته‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬تقدم‭ ‬العون‭ ‬والمساعدة‭ ‬والحماية‭ ‬لجوزي‭ ‬الفتاة‭ ‬العاجزة،‭ ‬وتساعدها‭ ‬على‭ ‬الشِّفاء‭ ‬التام‭ ‬بتعريضها‭ ‬للشَّمس‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تستعيد‭ ‬الفتاة‭ ‬المريضة‭ ‬عافيتها‭ ‬ينتهي‭ ‬الأمر‭ ‬بكلارا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تُوضع‭ ‬في‭ ‬مخزن‭ ‬البيت‭ ‬المظلم‭! ‬

ويقدم‭ ‬لنا‭ ‬كازو‭ ‬إيشيغورو‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬صفحات‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬سردًا‭ ‬بضمير‭ ‬المتكلم‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الصديق‭ ‬الاصطناعي‭ ‬كلارا،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬محطاتها‭ ‬الزمنية‭ ‬الثلاث‭: ‬في‭ ‬المتجر‭ (‬قبل‭ ‬الاقتناء‭) ‬وهي‭ ‬تتلقى‭ ‬التحذيرات‭ ‬من‭ ‬سلوك‭ ‬البشر،‭ ‬ثمَّ‭ ‬بعد‭ ‬اقتنائها‭ ‬ومرحلة‭ ‬الصداقة‭ ‬العميقة‭ ‬مع‭ ‬جوزي،‭ ‬ثمَّ‭ ‬بعد‭ ‬قذفها‭ ‬في‭ ‬المخزن‭ ‬لتفقد‭ ‬حياتها‭ ‬في‭ ‬ابتعادها‭ ‬عن‭ ‬الطاقة‭ ‬المحرِّكة‭ ‬لها‭(‬الشَّمس‭). ‬إنَّ‭ ‬ثمَّة‭ ‬أسئلة‭ ‬فلسفيّة‭ ‬كبرى‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬السَّرد‭ ‬الحكائي‭ ‬المبسط؛‭ ‬وهي‭ ‬أسئلة‭ ‬عن‭: ‬الإنسانية،‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬العالم،‭ ‬والحب،‭ ‬والحياة،‭ ‬والصداقة،‭ ‬و‭(‬الاستعباد‭ ‬المضاد‭)‬؛‭ ‬أيّ‭ ‬استعباد‭ ‬الإنسان‭ ‬المستقبلي‭ ‬لأجهزة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬واستشراف‭ ‬المستقبل‭. ‬لقد‭ ‬صنَّفت‭ ‬مجلة‭ (‬الإيكونوميست‭) ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬الروايات‭ ‬الأكثر‭ ‬مبيعًا‭ ‬وتأثيرًا‭ ‬في‭ ‬2021‭. ‬إنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬الاستثنائية‭ ‬ذات‭ ‬المعاني‭ ‬الفلسفيّة‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬صياغة‭ ‬الإنسان‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حوله‭! ‬إنَّها‭ ‬رواية‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬تفاصيلنا‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة‭ ‬وعن‭ ‬سرديات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬مضامينها‭ ‬وتحققاتها‭ ‬الممكنة‭.‬

 

{ أستاذة‭ ‬السَّرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،

كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا