العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

رسائل بوتين إلى العالم الإسلامي

بقلم: د. نبيل العسومي

الخميس ١٣ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تسمح‭ ‬فيه‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬بإهانة‭ ‬القرآن‭ ‬واستفزاز‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يحظى‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمون‭ ‬والقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬بكل‭ ‬التقدير‭ ‬والاحترام‭.‬

ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬التي‭ ‬شهدناها‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أحرق‭ ‬فيه‭ ‬مواطن‭ ‬سويدي‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬المصحف‭ ‬الشريف‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضربها‭ ‬بقدميه‭ ‬ككرة‭ ‬القدم‭ ‬بحضور‭ ‬الشرطة‭ ‬السويدية‭ ‬وحراستها‭ ‬له‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬يحتضن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أهداه‭ ‬إليه‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬مساجد‭ ‬الجمعة‭ ‬بجمهورية‭ ‬داغستان‭ ‬الروسية‭ ‬خلال‭ ‬زيارته‭ ‬للمسجد‭ ‬بمناسبة‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى‭ ‬المبارك‭ ‬لتقديم‭ ‬التهاني‭ ‬إلى‭ ‬سكان‭ ‬هذه‭ ‬الجمهورية‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تقطنها‭ ‬أغلبية‭ ‬مسلمة،‭ ‬قائلا‭ ‬إنه‭ ‬سيحتفظ‭ ‬بهذه‭ ‬النسخة‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬بالكرملين‭.‬

هذه‭ ‬المفارقة‭ ‬بين‭ ‬الصورتين‭ ‬والمشهدين‭ ‬تبين‭ ‬بوضوح‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تحترم‭ ‬الأديان‭ ‬التوحيدية‭ ‬وتقدر‭ ‬معتنقيها‭  ‬وبين‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬الأديان‭ ‬ولا‭ ‬معتنقيها‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬مفهومها‭ ‬للحرية‭ ‬الفردية‭ ‬أو‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬موجة‭ ‬استنكار‭ ‬واستياء‭ ‬شديدين‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬نتيجة‭ ‬لقيام‭ ‬هذا‭ ‬المتطرف‭ ‬السويدي‭ ‬بحرق‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬أمام‭ ‬مسجد‭ ‬ستوكهولم‭ ‬في‭ ‬السويد‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬العيد،‭ ‬إمعانا‭ ‬في‭ ‬استفزاز‭ ‬المسلمين‭ ‬وازدراء‭ ‬دينهم‭ ‬وكتابهم‭ ‬المقدس‭  ‬وهم‭ ‬يحتفلون‭ ‬بعيدهم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لقي‭ ‬الموقف‭ ‬المغاير‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬كل‭ ‬التقدير‭ ‬والاحترام‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬والدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬وزاد‭ ‬من‭ ‬شعبيته‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬روسيا‭ ‬بالذات‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬المشرف‭ ‬للرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬حركة‭ ‬لاكتساب‭ ‬التعاطف‭ ‬أو‭ ‬شعبية‭ ‬إضافية‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬مكرس‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تعاقب‭ ‬وفقا‭ ‬لقانون‭ ‬العقوبات‭ ‬الروسي‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعتدى‭ ‬على‭ ‬المقدسات‭ ‬الدينية‭ ‬كتعبير‭ ‬للحرية،‭ ‬ولا‭ ‬يدخل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬الحريات‭ ‬بعكس‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وقوانينها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تجرم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال،‭ ‬حيث‭ ‬تعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬كحرية‭ ‬للتعبير‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭.‬

هذا‭ ‬العمل‭ ‬البغيض‭ ‬والمتكرر‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬السويدية‭ ‬ستوكهولم‭ ‬بحرق‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ليس‭ ‬جديدا،‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬الأخير‭ ‬فسوف‭ ‬تتكرر‭ ‬باستمرار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬السويد‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬الأخرى‭ ‬تحت‭ ‬نفس‭ ‬الذريعة‭ ‬وهي‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬وعدم‭ ‬تجريم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬الدنيئة‭ ‬التي‭ ‬تلحق‭ ‬الضرر‭ ‬بمعتنقي‭ ‬الديانة‭ ‬الإسلامية‭ ‬السمحاء،‭ ‬حيث‭ ‬يلجأ‭ ‬المتطرفون‭ ‬إلى‭ ‬التدليس‭ ‬أو‭ ‬الحرق‭ ‬أو‭ ‬الإساءة‭ ‬للرموز‭ ‬الدينية‭ ‬الإسلامية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬محاولات‭ ‬الإساءة‭ ‬للرسول‭ ‬الكريم‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الاستفزازات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تعزيز‭ ‬الكراهية‭ ‬وإثارة‭ ‬النعرات‭ ‬الدينية‭ ‬والطائفية،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬الإخلال‭ ‬بالأمن‭ ‬أو‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬متطرفة‭ ‬أخرى،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬التطرف‭ ‬يولد‭ ‬التطرف‭ ‬والبغض‭ ‬والاحتقار‭ ‬يولد‭ ‬البغض‭ ‬والاحتقار،‭ ‬فإحراق‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭  ‬هو‭ ‬جريمة‭ ‬وفعل‭ ‬مخز‭ ‬واستفزاز‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مليار‭ ‬ونصف‭ ‬المليار‭ ‬مسلم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬دينية‭ ‬رفيعة‭ ‬وهي‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى‭ ‬المبارك‭.‬

إن‭ ‬الادعاء‭ ‬بأن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬الاستفزازية‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬هو‭ ‬ادعاء‭ ‬خال‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬منطق‭ ‬حضاري‭ ‬لأن‭ ‬الحرية‭ ‬كما‭ ‬تعلمناها‭ ‬وتعلمها‭ ‬غيرنا‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حرية‭ ‬لا‭ ‬تمس‭ ‬حرية‭ ‬الآخرين‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعتدي‭ ‬على‭ ‬مقدسات‭ ‬الآخرين‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬حوار‭ ‬أو‭ ‬نقاش‭ ‬فكري‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬وغير‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحق‭ ‬لكان‭ ‬ذلك‭ ‬أمرا‭ ‬جيدا‭ ‬ومحترما‭ ‬ويخدم‭ ‬التقارب‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬لكن‭ ‬تدنيس‭ ‬مقدسات‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬ديمقراطي‭ ‬هو‭ ‬قمة‭ ‬الفوضى‭ ‬والمنافاة‭ ‬لمنطق‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬استقرار‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬احتضان‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وضمها‭ ‬إلى‭ ‬صدره‭ ‬هي‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيها‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬بما‭ ‬يمتلكه‭ ‬من‭ ‬اعتدال‭ ‬وتسامح‭ ‬وحكمة‭ ‬يقدر‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف‭ ‬ويقدر‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬شعبه‭ ‬وسائر‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فتقديره‭ ‬لأبناء‭ ‬شعبه‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬مسألة‭ ‬سياسية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬الروسية‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأوقات‭ ‬الصعبة،‭ ‬حيث‭ ‬تمثلت‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬صورة‭ ‬في‭ ‬مشاركة‭ ‬القوات‭ ‬الشيشانية‭ ‬الروسية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬الروسي‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تقدير‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬للمسلمين‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬البلدان‭ ‬الإسلامية‭ ‬إشارة‭ ‬إيجابية‭ ‬مقدرة‭ ‬تلقتها‭ ‬البلدان‭ ‬الإسلامية‭ ‬قاطبة‭ ‬بالشكر‭ ‬والتقدير،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مؤسسة‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬أصدرت‭ ‬بيانا‭ ‬عبرت‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬تقديرها‭ ‬لهذا‭ ‬الموقف‭ ‬الإيجابي‭ ‬للرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الأزهر‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬المشرفة‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭ ‬التحية‭ ‬والتقدير‭ ‬لهذا‭ ‬الموقف‭ ‬الشجاع‭ ‬الذي‭ ‬وقفه‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ويضمه‭ ‬إلى‭ ‬صدره‭ ‬ويدافع‭ ‬عن‭ ‬مقدسات‭ ‬المسلمين‭ ‬وعن‭ ‬الإسلام‭ ‬كدين‭ ‬سماوي‭.‬

إن‭ ‬المهزلة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬الغرب‭ ‬باستمرار‭ ‬وترعاها‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وتتبناها‭ ‬تماما‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬منطق‭ ‬الحرية‭ ‬ومنطق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يشعر‭ ‬بمصداقية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬والحرية‭ ‬الغربية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا