العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الحرب على جنين وأوهام الردع الإسرائيلي

بقلم: أشرف العجرمي

الثلاثاء ١١ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

أعلنت‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬على‭ ‬مخيّم‭ ‬جنين،‭ ‬لان‭ ‬المستويَين‭ ‬الأمني‭ ‬والسياسي‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬كانا‭ ‬يرغبان‭ ‬في‭ ‬إنهائها‭ ‬بأسرع‭ ‬وقت،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬ما‭ ‬أعلنه‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬كهدف‭ ‬لها‭ ‬وهو‭ ‬استعادة‭ ‬الردع‭ ‬الأمني‭ ‬المفقود‭. ‬رغم‭ ‬مظاهر‭ ‬احتفال‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬بنتيجة‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬سمّوها‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬وحديقة‮»‬،‭ ‬وبالذات‭ ‬بعدد‭ ‬الشهداء‭ ‬والجرحى‭ ‬والمعتقلين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وعدد‭ ‬العبوات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬العثور‭ ‬عليها‭ ‬ومعامل‭ ‬إنتاجها‭ ‬وإنتاج‭ ‬الصواريخ‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬التطوير‭ ‬الأولى‭.‬

لكن‭ ‬بحسب‭ ‬المصادر‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬تقرر‭ ‬القيام‭ ‬بهذه‭ ‬العملية‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬خلال‭ ‬عهد‭ ‬حكومة‭ ‬يائير‭ ‬لابيد‭ ‬السابقة،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تنفذ‭ ‬إلا‭ ‬مؤخرا،‭ ‬والسبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬للدفع‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬هو‭ ‬العملية‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬جنين،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬فيها‭ ‬تفجير‭ ‬مركبة‭ ‬‮«‬النمر‮»‬‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المدرعة‭ ‬على‭ ‬مدخل‭ ‬مخيم‭ ‬جنين‭. ‬وأيضاً‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬نفذها‭ ‬مقاومون‭ ‬فلسطينيون‭ ‬في‭ ‬مستوطنة‭ ‬‮«‬عيلي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬قتل‭ ‬فيها‭ ‬أربعة‭ ‬مستوطنين،‭ ‬والتي‭ ‬ضغطت‭ ‬كثيراً‭ ‬على‭ ‬وزراء‭ ‬‮«‬الصهيونية‭ ‬الدينية‮»‬،‭ ‬ودفعتهم‭ ‬إلى‭ ‬المطالبة‭ ‬بعملية‭ ‬عسكرية‭ ‬سريعة‭ ‬انتقاماً‭ ‬للمستوطنين‭ ‬القتلى‭ ‬ولاستعادة‭ ‬الردع‭ ‬المتآكل‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

‭ ‬ولو‭ ‬دققنا‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬المتعلقة‭ ‬بدوافع‭ ‬الحرب،‭ ‬فسنجد‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬الاجتياح‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتكررة‭ ‬لجنين‭ ‬ونابلس‭ ‬هي‭ ‬الدافع‭ ‬وراء‭ ‬ازدياد‭ ‬حدة‭ ‬ووتيرة‭ ‬العمليات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المتكررة‭. ‬فعملية‭ ‬‮«‬عيلي‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬اجتياح‭ ‬جنين‭ ‬وقتل‭ ‬مواطنين‭ ‬فلسطينيين‭ ‬فيها‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الاجتياح‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية‭ ‬تماماً‭ ‬لما‭ ‬ترغب‭ ‬السلطات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بتحقيقه‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬القيادات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لا‭ ‬تستوعب‭ ‬دروس‭ ‬التاريخ،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬عنصريتها‭ ‬وتطرفها‭ ‬يعمي‭ ‬بصيرتها‭ ‬فلا‭ ‬ترى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬أنفها،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬غبائها‭. ‬فكل‭ ‬المتطرفين‭ ‬سقطوا‭ ‬بسبب‭ ‬عماهم‭ ‬حين‭ ‬ظنوا‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬تدوم‭ ‬وتسمح‭ ‬لهم‭ ‬بالسيطرة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭. ‬

وإسرائيل‭ ‬اليوم‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬غيّها‭ ‬وشعورها‭ ‬بعظمة‭ ‬القوة،‭ ‬وأنها‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬يحلو‭ ‬لها‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مسلحة‭ ‬بحصانة‭ ‬وحماية‭ ‬دولية‭ ‬تمنحها‭ ‬لها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتخلّص‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬عقليتها‭ ‬الاستعمارية‭. ‬

فما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬جنين‭ ‬مؤخرا‭ ‬هو‭ ‬تكرار‭ ‬لما‭ ‬حصل‭ ‬العام‭ ‬2002‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بوتيرة‭ ‬أصغر‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬حدة‭. ‬ولكن‭ ‬مجرد‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬جنين‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬للتفكير‭ ‬بما‭ ‬يفعلون‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وهل‭ ‬ينجحون‭ ‬بقمع‭ ‬إرادة‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬انتزاع‭ ‬حقوقه‭ ‬الوطنية‭ ‬المشروعة‭ ‬المقرة‭ ‬دولياً‭ ‬كأيّ‭ ‬شعب‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭.‬

تتعاقب‭ ‬الأجيال‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وكل‭ ‬جيل‭ ‬يأتي‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬جرأة‭ ‬وأشد‭ ‬صلابة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬فمن‭ ‬جيل‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬إلى‭ ‬جيل‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الأولى،‭ ‬ثم‭ ‬جيل‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الثانية،‭ ‬والآن‭ ‬جيل‭ ‬العرين‭ ‬والكتائب‭ ‬وما‭ ‬شئنا‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬والألقاب‭. ‬

ولكن‭ ‬الشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬المستمر‭ ‬مع‭ ‬تغيّر‭ ‬الأجيال‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لا‭ ‬ينسون‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تعتقد‭ ‬جولدا‭ ‬مئير‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬جيل‭ ‬يولد‭ ‬بجينات‭ ‬مجبولة‭ ‬بحبّ‭ ‬فلسطين‭ ‬وتصميم‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬الوطن‭ ‬والتخلّص‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للسنين‭ ‬أن‭ ‬تمحو‭ ‬الذاكرة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أو‭ ‬الشعور‭ ‬الوطني‭ ‬لدى‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬أنموذجاً‭ ‬في‭ ‬النضال‭ ‬والكفاح‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المراحل‭.‬

الحرب‭ ‬التي‭ ‬تشنّها‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬جنين‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الفشل،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬الردع‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬موجوداً‭ ‬أصلاً‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬نعمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ببعض‭ ‬الهدوء‭ ‬ربما‭ ‬بسبب‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأننا‭ ‬سنصل‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬عبر‭ ‬عملية‭ ‬سياسية‭ ‬ومفاوضات‭ ‬وتدخل‭ ‬دولي،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬عقلية‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومدى‭ ‬تصميمه‭ ‬وإرادته‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬قدماً‭ ‬في‭ ‬الكفاح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حريته‭ ‬واستقلاله‭.‬

وهو‭ ‬فشل‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬استغلال‭ ‬إسرائيل‭ ‬للظروف‭ ‬التي‭ ‬تمنحها‭ ‬الفرصة‭ ‬لتحقيق‭ ‬سلام‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تفوّقها‭ ‬القائم‭ ‬الآن‭ ‬والذي‭ ‬يعطيها‭ ‬أفضلية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬اتفاق‭. ‬فالذهاب‭ ‬إلى‭ ‬ضمّ‭ ‬المناطق‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬دولة‭ ‬أبارتهايد،‭ ‬سيقودان‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬إسرائيل‭ ‬أفضلية‭ ‬التفوّق‭ ‬العسكري‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬وتفقد‭ ‬معها‭ ‬هدف‭ ‬الصهيونية‭ ‬الأهم‭ ‬وهو‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية،‭ ‬أي‭ ‬ذات‭ ‬الأغلبية‭ ‬والصبغة‭ ‬اليهودية‭.‬

يستطيع‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أن‭ ‬يسجل‭ ‬لنفسه‭ ‬إنجازاً‭ ‬آنياً‭ ‬بأنه‭ ‬شنّ‭ ‬حرباً‭ ‬على‭ ‬جنين،‭ ‬وقتل‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬واستولى‭ ‬على‭ ‬سلاح‭ ‬ومعدات‭ ‬قتالية،‭ ‬ويستطيع‭ ‬أن‭ ‬يُسكت‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الحرب،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يزايد‭ ‬على‭ ‬المعارضة‭ ‬بأنه‭ ‬نفذ‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يفعلوا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬السابقة‭ ‬لم‭ ‬‮«‬تقصر‮»‬‭ ‬أبداً‭ ‬في‭ ‬العدوان‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬

ولكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انفجرت‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬ووجه‭ ‬عتاة‭ ‬التطرف‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬عملية‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬كرد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬جنين،‭ ‬وستنفجر‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬المتوقعة‭. ‬وسيكتشفون‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يغادروا‭ ‬مربّع‭ ‬الصفر‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا