العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الثقافي

أخرجها الرويعي بشكل مسرحي معاصر
«السيد والعبد».. حوارية مشوقة تندلع من نبضها الأسئلة والدهشة

تغطية: زهراء غريب

السبت ٠١ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

جسدان‭ ‬متلاحمان‭ ‬في‭ ‬محراب‭ ‬الصمت؛‭ ‬يؤّم‭ ‬نبضهما‭ ‬ضوء‭ ‬وألحان‭ ‬تناجي‭ ‬الرب‭ ‬أن‭ ‬برضاه‭ ‬سيندلع‭ ‬الصوت‭ ‬ويشتعل‭ ‬الحلم‭. ‬

وعلى‭ ‬وقع‭ ‬الموسيقى‭ ‬يتبدى‭ ‬جسدا‭ ‬الممثلان‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تشابك‭ ‬تام‭ ‬يأخذ‭ ‬بالتنافر‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً؛‭ ‬فالأيدي‭ ‬تدنو‭ ‬وتمتد‭ ‬والأقدام‭ ‬العارية‭ ‬تتباعد‭ ‬ببطء‭ ‬فينزاح‭ ‬ستار‭ ‬الخطى‭ ‬لتنكشف‭ ‬معالم‭ ‬عالمين‭ ‬منفردين‭ ‬يخلقهما‭ ‬‮«‬السيد‭ ‬والعبد‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬فضاء‭ ‬الخشبة‭ ‬يبرع‭ ‬الممثلان‭ ‬عبر‭ ‬التماهي‭ ‬والتباعد‭ ‬الجسدي‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬حالات‭ ‬مفعمة‭ ‬بالتشويق؛‭ ‬تتصادم‭ ‬فيها‭ ‬الأوهام‭ ‬بالحقائق‭ ‬والخير‭ ‬بالشر‭ ‬والخوف‭ ‬بالألم؛‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬جدلية‭ ‬فلسفية‭ ‬تتساءل‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬امتلاك‭ ‬الانسان‭ ‬حرية‭ ‬القرار‭ ‬والهوية‭ ‬والكلمة،‭ ‬وتنقل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬وأزمات‭ ‬نفسية‭ ‬داخلية‭ ‬لكل‭ ‬سيد‭ ‬وعبد‭.‬

وبجانب‭ ‬التمثيلات‭ ‬الحركية‭ ‬الجسدية‭ ‬والايمائية‭ ‬التي‭ ‬أتقن‭ ‬الفنانان‭ ‬صالح‭ ‬الدرازي‭ ‬وأحمد‭ ‬سعيد‭ ‬تجسيدها‭ ‬ثمة‭ ‬مؤازرة‭ ‬حوارية‭ ‬ذات‭ ‬معانٍ‭ ‬مكثفة‭ ‬انطوت‭ ‬على‭ ‬تجليات‭ ‬عميقة‭ ‬للسيادة‭ ‬والعبودية‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬الانسان‭ ‬ويعايش‭ ‬انعكاساتها‭ ‬بما‭ ‬تحويه‭ ‬من‭ ‬تناقضات‭ ‬وتحديات‭ ‬اجتماعية‭. ‬كما‭ ‬نقلت‭ ‬الدواعي‭ ‬والمعايير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬تجعله‭ ‬يشرعن‭ ‬الجيد‭ ‬أو‭ ‬السيئ‭ ‬من‭ ‬أفعاله،‭ ‬وصورّت‭ ‬مآل‭ ‬مصيره‭ ‬إلى‭ ‬الموت‭ ‬كحقيقة‭ ‬وجودية‭ ‬راسخة‭.‬

وكما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يغزل‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬التاريخ‭ ‬مسرحاً،‭ ‬شيّد‭ ‬مخرج‭ ‬العمل‭ ‬خالد‭ ‬الرويعي‭ ‬من‭ ‬حوارية‭ ‬‮«‬السيد‭ ‬والعبد‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬المسرحية‭ ‬مسماها،‭ ‬إحياءً‭ ‬إبداعياً‭ ‬لنص‭ ‬بابلي‭ ‬شعري‭ ‬غير‭ ‬مكتمل‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬الأكادي‭ ‬عبر‭ ‬إعادة‭ ‬سرده‭ ‬بشكل‭ ‬متشابك‭ ‬ومغاير‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬اخراجي‭ ‬فريد‭ ‬متكئ‭ ‬على‭ ‬تجسيدات‭ ‬ايمائية‭ ‬جسدية‭ ‬وتصويرية‭ ‬وأساليب‭ ‬مسرحية‭ ‬معاصرة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الاشتغال‭ ‬المسرحي‭ ‬وفقاً‭ ‬لمدارس‭ ‬تمثيلية‭ ‬مختلفة‭ ‬كمدرستي‭ ‬ستانسلافسكي‭ ‬وتشيخوف‭.‬

وبشأن‭ ‬فكرة‭ ‬العمل‭ ‬يقول‭ ‬الرويعي‭: ‬‮«‬المسرحية‭ ‬تحمل‭ ‬السيد‭ ‬والعبد؛‭ ‬هذه‭ ‬الحوارية‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬أقدم‭ ‬حوارية‭ ‬كُتبت‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬وهي‭ ‬تعطي‭ ‬شكلها‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬المسرحي‭ ‬لذلك‭ ‬هي‭ ‬شكلّت‭ ‬بهويتها‭ ‬السردية‭ ‬أو‭ ‬الحوارية‭ ‬بُعدا‭ ‬حديثا‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬كونها‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬المراسلة،‭ ‬وهذا‭ ‬تحديداً‭ ‬ما‭ ‬دفعني‭ ‬الى‭ ‬اختيار‭ ‬النص‭ ‬الموجود‭ ‬لدّي‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬عاما؛‭ ‬إذ‭ ‬كنت‭ ‬أحاول‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬إخراجه‭ ‬وها‭ ‬قد‭ ‬واتتني‭ ‬فرصة‭ ‬الاشتغال‭ ‬عليه؛‭ ‬فجدليته‭ ‬مرعبة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬فكيف‭ ‬نتحول‭ ‬إلى‭ ‬عبيد‭ ‬وسادة‭ ‬بإرادتنا؟‮»‬‭.‬

ويوضحّ‭ ‬الرويعي‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬جدلية‭ ‬تاريخية‭ ‬منذ‭ ‬نشوء‭ ‬الخليقة،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحالي‭ ‬تأخذ‭ ‬مسألة‭ ‬السيادة‭ ‬والعبودية‭ ‬أبعادا‭ ‬مختلفة‭ ‬‮«‬فما‭ ‬عادت‭ ‬الفكرة‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬هويات‭ ‬الأشخاص‭ ‬بشأن‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬السيد‭ ‬والعبد؛‭ ‬فكلاهما‭ ‬قد‭ ‬يتجسدان‭ ‬في‭ ‬دواخلنا،‭ ‬وفي‭ ‬السياقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والطبقية‭. ‬والعمل‭ ‬يذهب‭ ‬نحو‭ ‬الاتجاهات‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬أيضاً‭ ‬خوف‭ ‬السيد‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬عبده‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬لن‭ ‬يفعل‭ ‬شيئاً‭ ‬يجعله‭ ‬يمارس‭ ‬سلطته‭ ‬عليه،‭ ‬ومخاوف‭ ‬العبد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬سيده‭ ‬والرؤية‮»‬‭.‬

مؤدي‭ ‬دور‭ ‬السيد،‭ ‬الفنان‭ ‬صالح‭ ‬الدرازي‭ ‬يلفت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬دوري‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬جسد‭ ‬أوجها‭ ‬متعددة‭ ‬للسيادة‭ ‬وطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬عديدة‭ ‬حولها،‭ ‬وتم‭ ‬تعزيزه‭ ‬بأساليب‭ ‬تمثيلية‭ ‬جديدة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬الجسد‭ ‬وتحريكه‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬اعتيادي؛‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬تحديا‭ ‬جديدا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬ممتعاً‭ ‬كوني‭ ‬أجرب‭ ‬أساليب‭ ‬مسرحية‭ ‬معاصرة‭ ‬لأول‭ ‬مرة‮»‬‭.‬

وتنوعت‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬أداها‭ ‬الفنان‭ ‬أحمد‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬دوره‭ ‬كعبد‭ ‬‮«‬إذ‭ ‬كنت‭ ‬أحاول‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬تجسيد‭ ‬أكثر‭ ‬حالات‭ ‬العبودية‭ ‬التي‭ ‬مرّت‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬وتطورت‭ ‬عبر‭ ‬الزمن؛‭ ‬كالعبودية‭ ‬للأفكار‭ ‬والأشخاص‭ ‬والرغبات‭. ‬وكنت‭ ‬أحاول‭ ‬إبراز‭ ‬العبد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أشكاله‭ ‬وبأكثر‭ ‬من‭ ‬طريقة‭ ‬عبر‭ ‬حركات‭ ‬جسدية‭ ‬إيمائية‭ ‬وحوار‭ ‬مع‭ ‬السيد‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬المعنى‭ ‬المراد‭ ‬إيصاله‭ ‬ويعكس‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬الحديث‭ ‬بين‭ ‬الانسان‭ ‬والرغبات‭ ‬والمجتمع‭ ‬والوجود‮»‬‭.‬

والعمل‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬وسينوغرافيا‭ ‬خالد‭ ‬الرويعي،‭ ‬وتمثيل‭ ‬صالح‭ ‬الدرازي‭ ‬وأحمد‭ ‬سعيد‭. ‬

‭ ‬ويضم‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬الإخراج‭ ‬والسينوغرافيا‭ ‬باسل‭ ‬حسين‭ ‬وسعاد‭ ‬عوض‭ ‬الله،‭ ‬فيما‭ ‬يتكون‭ ‬فريق‭ ‬الإنتاج‭ ‬من‭ ‬حسين‭ ‬مرزوق‭ ‬وعلي‭ ‬أبو‭ ‬ديب‭ ‬بإشراف‭ ‬حسين‭ ‬الرفاعي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا