العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

روسيا تحبط مؤامرة «فاجنر»

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ٣٠ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬ضد‭ ‬54‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الناتو‭ ‬وحلفائه‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬صمود‭ ‬روسيا‭ ‬الكبير‭ ‬واللافت‭ ‬للنظر‭ ‬أمام‭ ‬هجمات‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬المستمرة‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬التضحيات‭ ‬الجسيمة‭ ‬التي‭ ‬دفعتها‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬النازيين‭ ‬الجدد‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬تدفعها،‭ ‬فإن‭ ‬الخيانة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬مجموعة‭ ‬فاغنر‭ ‬بقيادة‭ ‬المجرم‭ ‬بريغوجين‭ ‬شكلت‭ ‬طعنة‭ ‬خطيرة‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬الخاصرة‭ ‬الروسية‭ ‬ومست‭ ‬هيبة‭ ‬روسيا‭ ‬وجيشها‭ ‬وقيادتها‭ ‬السياسية‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يراود‭ ‬أعداء‭ ‬روسيا‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬القيادة‭ ‬الروسية‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الخطوات‭ ‬السريعة‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬استطاعت‭ ‬إحباط‭ ‬هذه‭ ‬المؤامرة‭ ‬التي‭ ‬نفذتها‭ ‬مجموعة‭ ‬فاغنر‭ ‬وقائدها‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يوصف‭ ‬بأنه‭ ‬صديق‭ ‬للرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬مهدها‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬لهذا‭ ‬التمرد‭ ‬خلفيات‭ ‬وأسباب‭ ‬فخلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الماضية‭ ‬تكرر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬اتهام‭ ‬قائد‭ ‬مجموعة‭ ‬فاغنر‭ ‬لوزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسي‭ ‬وقيادات‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬بأنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تمده‭ ‬بالأسلحة‭ ‬والذخائر‭ ‬اللازمة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬التأخر‭ ‬غير‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬مدينة‭ ‬أرتيومسك‭ ‬‮«‬باخموت‮»‬‭ ‬الصغيرة‭ ‬وتضمنت‭ ‬تصريحاته‭ ‬المتكررة‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬اتهامات‭ ‬واضحة‭ ‬وصريحة‭ ‬لوزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسي‭ ‬ورئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان‭ ‬الروسية‭ ‬بعدم‭ ‬الاستجابة‭ ‬لمتطلبات‭ ‬خوض‭ ‬المعركة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجبهة‭ ‬الخطيرة‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تفسير‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬مسرحية‮»‬‭ ‬لتبادل‭ ‬الأدوار‭ ‬والإلهاء‭ ‬الإعلامي‭ ‬لكن‭ ‬انفجار‭ ‬هذا‭ ‬التمرد‭ ‬الخطير‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬روستوف‭ ‬على‭ ‬القيادة‭ ‬الروسية‭ ‬أكد‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الخلاف‭ ‬حقيقي‭ ‬وجدي‭.‬

هذا‭ ‬التمرد‭ ‬الذي‭ ‬أعلنته‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬رسميا‭ ‬وتحدث‭ ‬عنه‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬صراحة‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬ألقاها‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬التمرد‭ ‬حيث‭ ‬وصف‭ ‬هذا‭ ‬التمرد‭ ‬المسلح‭ ‬بأنه‭ ‬خيانة‭ ‬وطعنة‭ ‬في‭ ‬الظهر‭ ‬وحاول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬التحذير‭ ‬بالعقاب‭ ‬الشديد‭ ‬ودعوة‭ ‬المتمردين‭ ‬إلى‭ ‬التراجع‭ ‬عما‭ ‬أقدموا‭ ‬عليه‭.‬

كلمة‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬تضمنت‭ ‬محاور‭ ‬رئيسية‭ ‬مهمة‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬حدث‭:‬

الأول‭: ‬دعوة‭ ‬من‭ ‬وصفهم‭ ‬بالرفاق‭ ‬إلى‭ ‬نبذ‭ ‬كل‭ ‬الخلافات‭ ‬أثناء‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الخلافات‭ ‬لمواجهة‭ ‬الأعداء‭.‬

الثاني‭: ‬التهديد‭ ‬باتخاذ‭ ‬كل‭ ‬الإجراءات‭ ‬وأشدها‭ ‬لإعادة‭ ‬الاستقرار‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬روستوف‭ ‬داعيا‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬وجهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬إلى‭ ‬التصدي‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التمرد‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬له‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬الأوامر‭ ‬إلى‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الروسية‭ ‬بالقضاء‭ ‬التام‭ ‬على‭ ‬قادة‭ ‬هذا‭ ‬التمرد‭ ‬المسلح‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭.‬

الثالث‭: ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬قد‭ ‬تعرضت‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الخيانات‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬بالفشل‭ ‬الذريع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ألحقت‭ ‬أفدح‭ ‬الأضرار‭ ‬بروسيا‭ ‬وشعبها‭.‬

الرابع‭: ‬تأكيد‭ ‬وحدة‭ ‬الشعب‭ ‬الروسي‭ ‬وعدم‭ ‬قدرة‭ ‬أي‭ ‬تمرد‭ ‬أو‭ ‬خيانة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬مجريات‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وقدرة‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وأمنها‭ ‬واستقرارها‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لهذا‭ ‬التمرد‭ ‬تداعيات‭ ‬كثيرة‭ ‬أمنية‭ ‬وعسكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الداخلي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬وعلى‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬نفسها‭ ‬لولا‭ ‬حكمة‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬وثقة‭ ‬القيادات‭ ‬الروسية‭ ‬والمجتمع‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬الجلل‭ ‬لتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬بلا‭ ‬خسائر‭ ‬أو‭ ‬إراقة‭ ‬دماء‭ ‬أو‭ ‬وقوع‭ ‬ضحايا‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بالفعل‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬عودة‭ ‬مقاتلي‭ ‬مجموعة‭ ‬فاغنر‭ ‬إلى‭ ‬ثكناتهم‭ ‬ومغادرة‭ ‬قائد‭ ‬المجموعة‭ ‬يفغيني‭ ‬بريغوجين‭ ‬إلى‭ ‬بيلاروسيا‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬اقتراح‭ ‬الرئيس‭ ‬البيلوروسي‭ ‬الكسندر‭ ‬لوكاشنكو‭ ‬ووافق‭ ‬عليه‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬وقائد‭ ‬مجموعة‭ ‬فاغنر‭ ‬يفيغيني‭ ‬بريغوجين‭. ‬

إن‭ ‬أعداء‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ودول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬مجتمعة‭ ‬كانوا‭ ‬وما‭ ‬زالوا‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬يحاولون‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬والوسائل‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الروسي‭ ‬بالوسائل‭ ‬المخابراتية‭ ‬أو‭ ‬الإعلامية‭ ‬أو‭ ‬الإرهابية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشلوا‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬ولذلك‭ ‬كانوا‭ ‬يتمنون‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬هذا‭ ‬التمرد‭ ‬حيث‭ ‬سخروا‭ ‬الآلة‭ ‬الإعلامية‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها‭ ‬وأنواعها‭ ‬لدعم‭ ‬هذا‭ ‬التمرد‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬سرعة‭ ‬تعامل‭ ‬القيادة‭ ‬الروسية‭ ‬والإجراءات‭ ‬العاجلة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اتخاذها‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬وضعت‭ ‬حدا‭ ‬لهذا‭ ‬التمرد‭ ‬وبالتالي‭ ‬تم‭ ‬تجاوز‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬وحماية‭ ‬روسيا‭ ‬ووحدتها‭ ‬الجغرافية‭ ‬وقوتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬وهيبتها‭ ‬السياسية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا