العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الحج.. والتنمية البشرية المستدامة

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٥ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

لا‭ ‬تخلو‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العبادات‭ ‬والشرائع‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬الحج،‭ ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬علماء‭ ‬الغرب‭ ‬اليوم‭ ‬يعترفون‭ ‬بالمنافع‭ ‬الكثيرة‭ ‬لرحلة‭ ‬لحج،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬على‭ ‬طريقته‭ ‬الخاصة،‭ ‬حيث‭ ‬إن الحج عندهم‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬رحلة‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬محدد‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬عدة‭ ‬أعوام،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬الذين‭ ‬يسهمون‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬المتعافين‭ ‬من‭ ‬المخدرات‭ ‬والمسكرات‭ ‬ينصحون‭ ‬هذه‭ ‬الفئات‭ ‬بالذهاب‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ (‬الحج‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬زيارة‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التأمل‭ ‬والهدوء‭ ‬والتشافي‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬اعتقادًا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعد‭ ‬وسيلة‭ ‬للشفاء‭ ‬من‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأمراض،‭ ‬وكذلك‭ ‬فهي‭ ‬وسيلة‭ ‬لتعلم‭ ‬فنون‭ ‬الحياة‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الطاقة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تعيد‭ ‬توازن‭ ‬الجسم،‭ ‬وتزيد‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬العقلي‭ ‬والعاطفي‭ ‬والجنسي‭. ‬إن‭ ‬كان‭ ‬زيارة‭ ‬الأماكن‭ ‬الطبيعية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فكيف‭ ‬بزيارة‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

البرمجة‭ ‬والطاقة‭ ‬الإيجابية

يستغرب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الغرب‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بدراسة‭ ‬السلوكيات‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬حجاج‭ ‬البيت‭ ‬الحرام‭ ‬بكل‭ ‬تلك‭ ‬الطاقة‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬يظهرها‭ ‬المسلم‭ ‬بعد‭ ‬زيارته‭ ‬والانتهاء‭ ‬من‭ ‬موسم‭ ‬الحج،‭ ‬إذ‭ ‬وجد‭ ‬علماء‭ ‬البرمجة‭ ‬اللغوية‭ ‬العصبية‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬ينهك‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬كثرة‭ ‬الهموم‭ ‬والمشاكل‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬وهذه‭ ‬تعرف‭ (‬بالطاقة‭ ‬أو‭ ‬الشحنات‭ ‬السلبية‭)‬،‭ ‬لذلك‭ ‬ينصحونهم‭ ‬بالقيام‭ ‬بعملية‭ ‬تفريغ‭ ‬لهذه‭ ‬الشحنة‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬بصورة‭ ‬أفضل،‭ ‬وعندما‭ ‬بحثوا‭ ‬عن‭ ‬أفضل‭ ‬وسيلة‭ ‬لتفريغ‭ ‬تلك‭ ‬الشحنة‭ ‬أشاروا‭ ‬إلى‭ ‬الاصطياف‭ ‬والسفر‭ ‬والسياحة،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يسهم‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬تفريغ‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الشحنات‭ ‬والتراكمات‭ ‬السلبية،‭ ‬وأن‭ ‬يستعيدوا‭ ‬نشاطهم‭ ‬وطاقتهم‭.‬

وفي‭ ‬الحج‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المشقة‭ ‬والتعب‭ ‬والجهد‭ ‬والصعوبات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المسلم‭ ‬عندما‭ ‬يفرغ‭ ‬من‭ ‬المناسك‭ ‬يرجو‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أن‭ ‬يعيده‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لأداء‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المناسك،‭ ‬وأن‭ ‬يعيده‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬مرات‭ ‬ومرات،‭ ‬فهل‭ ‬سألنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الشعور؟

يقول‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬لأن‭ ‬الحج‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬عبادة‭ ‬مفروضة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تعيد‭ ‬توازن‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭. ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬أسبوعًا‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬زمن‭ ‬الحياة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تسهم‭ ‬بصورة‭ ‬مذهلة‭ ‬في‭ ‬تفريغ‭ ‬كل‭ ‬الشحنات‭ ‬والطاقات‭ ‬السلبية،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬تعيد‭ ‬تعبئة‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬بالطاقة‭ ‬والشحنات‭ ‬الإيجابية،‭ ‬حتى‭ ‬تفيض‭ ‬النفس‭ ‬بذلك‭. ‬وتعيد‭ ‬برمجة‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬العصبي‭ ‬للدماغ‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬إفراز‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬ما‭ ‬يسهم‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬التوازن،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بسبب‭ ‬أداء‭ ‬رياضة‭ ‬التأمل،‭ ‬فأنت‭ ‬تتأمل‭ ‬وأنت‭ ‬جالس‭ ‬في‭ ‬صحن‭ ‬الحرم،‭ ‬تتأمل‭ ‬تلك‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة،‭ ‬تتأمل‭ ‬أفواج‭ ‬الحجيج‭ ‬الذين‭ ‬يطوفون‭ ‬بالحرم،‭ ‬تتأمل‭ ‬البشر‭ ‬وهم‭ ‬يقفون‭ ‬في‭ ‬عرفة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يحدث‭ ‬أمام‭ ‬ناظرك،‭ ‬وتحدث‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬بتنظيم‭ ‬فائق‭ ‬القدرة،‭ ‬تحدث‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭ ‬وفي‭ ‬زمان‭ ‬واحد،‭ ‬والجميع‭ ‬يسير‭ ‬بطريقة‭ ‬واحدة‭ ‬وبمنهجية‭ ‬واحدة‭.‬

ومن‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬وجدنا‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬التوزان‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬البرمجة‭ ‬العصبية‭ ‬والتي‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬الحج،‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭:‬

1‭.  ‬المحيط‭ ‬الإيجابي‭: ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬المحيط‭ ‬والمجتمع‭ ‬كله‭ ‬منشغلاً‭ ‬بالتغيير‭ ‬والإيجابية‭ ‬فإنك‭ ‬حتمًا‭ ‬ستتأثر‭ ‬به،‭ ‬ففي‭ ‬موسم‭ ‬الحج‭ ‬وفي‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نشاهد،‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬نستشعر‭ ‬تفاعل‭ ‬الجميع‭ ‬مع‭ ‬الأجواء‭ ‬المحيطة‭ ‬برغبة‭ ‬ذاتية‭ ‬في‭ ‬التغيير،‭ ‬دون‭ ‬إجبار‭ ‬أو‭ ‬ضغوط‭ ‬خارجية،‭ ‬بل‭ ‬تجد‭ ‬الأفراد‭ ‬يمارسون‭ ‬الصلاة‭ ‬والدعاء‭ ‬وبقية‭ ‬العبادات‭ ‬طواعية‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬إكراه،‭ ‬بل‭ ‬بكل‭ ‬خشوع،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الطاعة‭ ‬والالتزام،‭ ‬فمن‭ ‬أمرهم‭ ‬بذلك؟‭ ‬وكيف‭ ‬انصاع‭ ‬الجميع؟‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أجواء‭ ‬مناسك‭ ‬الحج‭ ‬تؤسس‭ ‬لنمط‭ ‬اجتماعي‭ ‬إيجابي،‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬لأنها‭ ‬تبدأ‭ ‬بهذه‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنه‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬معهم‭ ‬إلى‭ ‬أوطانهم‭ ‬فيعيدوا‭ ‬بناء‭ ‬النفس‭.‬

2‭.  ‬دورة‭ ‬قصيرة‭ ‬لإعادة‭ ‬النشاط‭ ‬والفاعلية‭ ‬والتفاعلية‭: ‬فئة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬يشعرون‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬موسم‭ ‬الحج‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬لكان‭ ‬أفضل،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬رغبتهم‭ ‬في‭ ‬الاستزادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الطاقة‭ ‬الروحانية‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬يشعرون‭ ‬بها‭. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مفهومًا‭ ‬أن‭ ‬الحج‭ ‬دورة‭ ‬قصيرة‭ ‬جدًا‭ ‬ومجهدة‭ ‬جدًا،‭ ‬وممتعة‭ ‬جدًا،‭ ‬إنها‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬وقت‭ ‬فيها‭ ‬للعب‭ ‬والخمول‭ ‬والنوم‭ ‬والكسل،‭ ‬إنه‭ ‬وقت‭ ‬قصير،‭ ‬ولكن‭ ‬العمل‭ ‬فيه‭ ‬إنجازات‭ ‬عظيمة‭ ‬ولا‭ ‬تأتي‭ ‬إلا‭ ‬بالهمم‭ ‬العالية‭ ‬والنشاط‭ ‬والحيوية‭. ‬إنها‭ ‬دورة‭ ‬قصيرة‭ ‬جدًا،‭ ‬بأهداف‭ ‬محددة،‭ ‬ومخرجات‭ ‬واضحة،‭ ‬ومنهج‭ ‬وبرنامج‭ ‬ريادي‭ ‬معلوم،‭ ‬تحوي‭ ‬محاورها‭ ‬أنشطة‭ ‬وأفكار‭ ‬وتمارين‭ ‬تهدف‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬جهة‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تحيد‭ ‬ولم‭ ‬تحد‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬شرع‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬الحج‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭. ‬الحج‭ ‬دورة‭ ‬قصيرة‭ ‬وأيام‭ ‬معدودة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬فوائدها‭ ‬الروحانية‭ ‬والإيجابية‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا‭. ‬

3‭.  ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭: ‬في‭ ‬موسم‭ ‬الحج‭ ‬نلتقي‭ ‬بجميع‭ ‬سكان‭ ‬الأرض،‭ ‬وبجميع‭ ‬البشر‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬لغاتهم‭ ‬وألوانهم‭ ‬وأصولهم‭ ‬ودرجة‭ ‬ثرائهم،‭ ‬نلتقي‭ ‬ببشر‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬العربية‭ ‬ولم‭ ‬ينطقوها،‭ ‬نلتقي‭ ‬ببشر‭ ‬ألوانهم‭ ‬لا‭ ‬تقارب‭ ‬ألوان‭ ‬بشرتنا،‭ ‬نلتقي‭ ‬ببشر‭ ‬أتوا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬المباركة‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬من‭ ‬حطام‭ ‬الدنيا‭ ‬إلا‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬قاموا‭ ‬بتوفيره‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬طلب‭ ‬رضا‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭. ‬عندما‭ ‬تجلس‭ ‬في‭ ‬الحرم‭ ‬وتصلي‭ ‬وعندما‭ ‬تلتفت‭ ‬عن‭ ‬يمينك‭ ‬تشاهد‭ ‬وترى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬أتى‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬والذي‭ ‬على‭ ‬يسارك‭ ‬أتى‭ ‬من‭ ‬الغرب،‭ ‬فلا‭ ‬فواصل‭ ‬ولا‭ ‬طبقات،‭ ‬ولا‭ ‬أثرياء‭ ‬ولا‭ ‬فقراء،‭ ‬فتجلس‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬وتتحدث‭ ‬وتجلس‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬فتتحدث،‭ ‬بكل‭ ‬أريحية‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬أي‭ ‬ضغائن،‭ ‬يجمعكم‭ ‬رب‭ ‬واحد‭ ‬ودين‭ ‬واحد،‭ ‬وفكر‭ ‬واحد‭. ‬هذا‭ ‬التواصل‭ ‬وهذا‭ ‬الاتصال‭ ‬هو‭ ‬محور‭ ‬أساسي‭ ‬لهذا‭ ‬الدين،‭ ‬فالكل‭ ‬سواء‭ ‬أمام‭ ‬الخالق‭ ‬جل‭ ‬وعلا‭. ‬فقد‭ ‬ترك‭ ‬الإنسان‭ ‬مفتاح‭ ‬مكتبه‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬وأتى‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬واجبات‭ ‬المسؤولية‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬مكتب‭ ‬فخم‭ ‬وحشم‭ ‬وخدم،‭ ‬أنت‭ ‬وحدك‭ ‬أمام‭ ‬الله‭ ‬وأمام‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬البشر،‭ ‬ترى‭ ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬شعورك،‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬وهذه‭ ‬البيئة‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬الطاقة‭ ‬لديك‭ ‬مرتفعة،‭ ‬وتقوم‭ ‬بتكوين‭ ‬روابط‭ ‬وعلاقات‭ ‬جديدة‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬بقية‭ ‬البشر،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬عليه،‭ ‬فالقرار‭ ‬لك‭ ‬وحدك‭. ‬

4‭.  ‬ممارسة‭ ‬الرياضة‭ ‬الخفيفة‭: ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬لجامعة‭ ‬هارفارد‭ ‬الأمريكية‭ ‬أثبت‭ ‬الباحثون‭ ‬أن‭ ‬المشي‭ ‬بسرعة‭ ‬معتدلة،‭ ‬بحدود‭ ‬4‭ ‬‭ ‬5‭ ‬كيلومترات‭ ‬في‭ ‬الساعة،‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تخفيض‭ ‬الإصابة‭ ‬بأمراض‭ ‬القلب‭ ‬بنسبة‭ ‬40%‭ ‬عند‭ ‬النساء‭ ‬والرجال‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭. ‬وأكدت‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬المشي‭ ‬يحسن‭ ‬التنفس‭ ‬عند‭ ‬الإنسان،‭ ‬ويعزز‭ ‬نظام‭ ‬المناعة،‭ ‬ويقضي‭ ‬على‭ ‬الكآبة،‭ ‬ويساعد‭ ‬على‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬نخر‭ ‬العظام،‭ ‬ويساعد‭ ‬على‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬السكر،‭ ‬كما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الوزن‭ ‬الزائد‭. ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬العلماء‭ ‬بأمريكا‭ ‬بدأوا‭ ‬ينصحون‭ ‬الناس‭ ‬بالمشي‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬السيارات‭ ‬لأن‭ ‬نسبة‭ ‬الناس‭ ‬ذوي‭ ‬الوزن‭ ‬الزائد‭ ‬تجاوزت‭ ‬40%،‭ ‬ويؤكدون‭ ‬أن‭ ‬الوزن‭ ‬الزائد‭ ‬يرتبط‭ ‬ارتباطًا‭ ‬وثيقًا‭ ‬بأمراض‭ ‬القلب‭ ‬ومرض‭ ‬السكر،‭ ‬ويؤكد‭ ‬التقرير‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الأمراض‭ ‬بأن‭ ‬أفضل‭ ‬أسلوب‭ ‬لحياة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬هو‭ ‬المشي‭.‬

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬المشي‭ ‬أمر‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬الحج،‭ ‬فنحن‭ ‬نطوف‭ ‬حول‭ ‬الكعبة‭ ‬ونسعى‭ ‬بين‭ ‬الصفا‭ ‬والمروة‭ ‬مشيًا‭ ‬على‭ ‬الأقدام،‭ ‬علمًا‭ ‬أن‭ ‬طول‭ ‬الشوط‭ ‬الواحد‭ ‬للطائف‭ ‬المحاذي‭ ‬للكعبة‭ ‬تمامًا‭ ‬70‭ ‬مترًا،‭ ‬وذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أطوال‭ ‬الأشواط‭ ‬السبعة‭ ‬مجتمعة‭ ‬تبلغ‭ ‬نحو‭ ‬نصف‭ ‬كيلو‭ ‬متر‭ ‬أي‭ ‬490‭ ‬مترًا،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬دورة‭ ‬الطائف‭ ‬حول‭ ‬الكعبة‭ ‬أكثر‭ ‬بُعدًا‭ ‬عنها‭ ‬بسبب‭ ‬الزحام‭ ‬فإن‭ ‬طول‭ ‬الشوط‭ ‬يزداد‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا،‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬حاذى‭ ‬الطائف‭ ‬الرواق‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬200‭ ‬متر‭ ‬للشوط‭ ‬الواحد‭.‬

أما‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬الصفا‭ ‬والمروة‭ ‬فإنها‭ ‬تبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬400‭ ‬متر‭ ‬للشوط‭ ‬الواحد،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬المسافة‭ ‬التي‭ ‬يقطعها‭ ‬الحاج‭ ‬بين‭ ‬الصفا‭ ‬والمروة‭ ‬تبلغ‭ ‬كلها‭ ‬حوالي‭ ‬3‭ ‬كيلومترات‭.‬

5‭.  ‬التطلع‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬إنسان‭ ‬جديد‭: ‬من‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬نفسه‭ ‬وترك‭ ‬كل‭ ‬العادات‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬يستشعر‭ ‬أنها‭ ‬سلبية‭ ‬يمكنه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الإيجابي‭ ‬لدورة‭ ‬حج‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام،‭ ‬فأنت‭ ‬إنسان‭ ‬حر،‭ ‬يمكنك‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬الإيجابية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬ترغب‭ ‬ويمكنك‭ ‬أن‭ ‬تركن‭ ‬وتبقى‭ ‬في‭ ‬السلبية،‭ ‬فلا‭ ‬يجبرك‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬شيء،‭ ‬فالحج‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموسم‭ ‬علاقة‭ ‬خفية‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬خالقك‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬في‭ ‬الخفاء،‭ ‬فيمكن‭ ‬أن‭ ‬تدعي‭ ‬أنك‭ ‬تعبد‭ ‬وتدعو‭ ‬الله‭ ‬ولكنك‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬لا‭ ‬شيء،‭ ‬إنها‭ ‬علاقة‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬الله،‭ ‬وهنا‭ ‬نرتقي‭ ‬بالإنسان‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬الإحسان‭ ‬‮«‬اعبد‭ ‬الله‭ ‬كأنك‭ ‬تراه‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬تبلغ‭ ‬مرتبة‭ ‬الحساسية‭ ‬والشفافية‭ ‬والشعور‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المرتبة‭ ‬فاعلم‭ ‬‮«‬فإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تراه‭ ‬فإنه‭ ‬يراك‮»‬‭.‬

فعندما‭ ‬يبلغ‭ ‬الإنسان‭ ‬مرتبة‭ ‬الإحسان،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬أعماله‭ ‬تتغير،‭ ‬فيصبح‭ ‬إنسانًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬المعطيات‭ ‬وكل‭ ‬العلاقات‭ ‬البشرية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬بهذه‭ ‬الشفافية،‭ ‬عندئذ‭ ‬تتغير‭ ‬حياته‭ ‬طوال‭ ‬السنة‭ ‬وبطريقة‭ ‬مستدامة‭.‬

6‭.  ‬توافق‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬الكون‭: ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬يدور‭ ‬ويطوف‭ ‬حول‭ ‬مركز‭ ‬محدد،‭ ‬فالإلكترونات‭ ‬في‭ ‬الذرة‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬النواة،‭ ‬والكواكب‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الشمس،‭ ‬والنجوم‭ ‬في‭ ‬المجرة‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬مركز‭ ‬المجرة،‭ ‬والمجرة‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬مركز‭ ‬لتجمع‭ ‬المجرات‭ ‬وهكذا،‭ ‬فلو‭ ‬تأملنا‭ ‬هذه‭ ‬الدورات‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنها‭ ‬غالبًا‭ ‬تتم‭ ‬من‭ ‬اليسار‭ ‬إلى‭ ‬اليمين،‭ ‬وسبحان‭ ‬الله‭ ‬لو‭ ‬تأملنا‭ ‬حركة‭ ‬الحجاج‭ ‬حول‭ ‬الكعبة‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنها‭ ‬تتم‭ ‬بنفس‭ ‬الاتجاه‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬اليسار‭ ‬إلى‭ ‬اليمين،‭ ‬وكأننا‭ ‬عندما‭ ‬نطوف‭ ‬حول‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬إنما‭ ‬نتناغم‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬الكون‭ ‬كله،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬يسبح‭ ‬بحمد‭ ‬الله‭ ‬ويمتثل‭ ‬أمره‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬طوافنا‭ ‬نسبح‭ ‬بحمد‭ ‬الله‭ ‬ونمتثل‭ ‬أوامره،‭ ‬وهذا‭ ‬يعلمنا‭ ‬الصبر‭ ‬والخضوع‭ ‬لله‭ ‬تعالى‭ ‬ويعلمنا‭ ‬التواضع‭ ‬أيضًا‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المنغصات‭ ‬من‭ ‬سلوك‭ ‬بعض‭ ‬الحجاج،‭ ‬فإن‭ ‬موسم‭ ‬الحج‭ ‬يعد‭ ‬موسما‭ ‬عظيما،‭ ‬وإعادة‭ ‬الطاقة‭ ‬والتوزان‭ ‬الإيجابي‭ ‬للنفس‭ ‬البشرية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬عبادة‭ ‬رائعة‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا