العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأفعال.. في القرآن الكريم!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٢٥ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

الأفعال‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ثلاثة‭: ‬فعل‭ ‬ماض،‭ ‬وفعل‭ ‬مضارع،‭ ‬وفعل‭ ‬أمر،‭ ‬وهي‭ ‬لها‭ ‬عطاء‭ ‬في‭ ‬ذاتها،‭ ‬ولها‭ ‬عطاء‭ ‬آخر‭ ‬حين‭ ‬تلتبس‭ ‬بالنص‭ ‬القرآني،‭ ‬فالفعل‭ ‬‮«‬أتى‮»‬‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬هو‭ ‬فعل‭ ‬ماض‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬مضى‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬أوانه‭ ‬لكن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬عطاءً‭ ‬جديدًا‭ ‬أو‭ ‬متجددًا‭ ‬لهذا‭ ‬الفعل‭ ‬حين‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: (‬أتى‭ ‬أمر‭ ‬الله‭ ‬فلا‭ ‬تستعجلوه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عما‭ ‬يشركون‭) ‬النحل‭ / ‬1‭.‬

و«أتى‮»‬‭ ‬كما‭ ‬بينا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬مضى،‭ ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬التبس‭ ‬الفعل‭ ‬الماضي‭ ‬بالنص‭ ‬القرآني‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬‮«‬فلا‭ ‬تستعجلوه‮»‬‭ ‬فكيف‭ ‬يقول‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ (‬أتى‭ ‬أمر‭ ‬الله‭..) ‬ثم‭ ‬يأمرنا‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بألا‭ ‬نستعجله‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬سبحانه‭: (‬فلا‭ ‬تستعجلوه‭..) ‬ومن‭ ‬المنطق‭ ‬ألا‭ ‬نستعجل‭ ‬أمرًا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬بعد،‭ ‬ولم‭ ‬يأت‭ ‬زمانه،‭ ‬أما‭ ‬ألا‭ ‬نستعجل‭ ‬فعلًا‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬وانتهى‭ ‬زمانه،‭ ‬فهذا‭ ‬أمر‭ ‬يقتضي‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬نتدبر‭ ‬معناه،‭ ‬ونستقصي‭ ‬دلالاته‭ ‬إذًا،‭ ‬فمن‭ ‬معاني‭ ‬الفعل‭ ‬الماضي‭ ‬ومن‭ ‬دلالاته‭ ‬أنه‭ ‬يفيد‭ ‬تأكيد‭ ‬حدوث‭ ‬الفعل‭ ‬وديمومته،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬رجوع‭ ‬عنه‭.‬

إذًا،‭ ‬ففعل‭ ‬‮«‬أتى‮»‬‭ ‬يفيد‭ ‬التحقق،‭ ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬المراد‭ ‬من‭ ‬الفعل‭ ‬الماضي،‭ ‬وهو‭ ‬المجيء‭ ‬سواء‭ ‬جاء‭ ‬بصياغة‭ ‬الماضي‭ ‬أو‭ ‬الحاضر،‭ ‬أو‭ ‬المستقبل‭. ‬

مثال‭ ‬آخر‭ ‬حول‭ ‬الأفعال‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬النصر،‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬إذا‭ ‬جاء‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬والفتح‭ (‬1‭) ‬ورأيت‭ ‬الناس‭ ‬يدخلون‭ ‬في‭ ‬دين‭ ‬الله‭ ‬أفواجا‭ (‬2‭) ‬فسبح‭ ‬بحمد‭ ‬ربك‭ ‬واستغفره‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬توابا‭ (‬3‭)) (‬سورة‭ ‬النصر‭) ‬واختيار‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬النصر‮»‬‭ ‬عنوانًا‭ ‬على‭ ‬السورة‭ ‬المباركة‭ ‬له‭ ‬عطاؤه‭ ‬بالقراءة‭ ‬المتدبرة‭ ‬وله‭ ‬دلالاته‭ ‬الواضحة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬كان‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬غزوة‭ ‬بدر‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬عددهم‭ ‬على‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬وأربعة‭ ‬عشر‭ ‬رجلًا‭ ‬وكان‭ ‬الرسول‭ ‬في‭ ‬دعائه‭ ‬بالنصر‭ ‬لهذه‭ ‬الفئة‭ ‬القليلة‭: ‬اللهم‭ ‬إن‭ ‬تهلك‭ ‬هذه‭ ‬العصابة‭ ‬فلن‭ ‬تعبد‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬أبدًا،‭ ‬وكأن‭ ‬هذه‭ ‬العصابة‭ ‬هم‭ ‬كل‭ ‬المسلمين،‭ ‬وأما‭ ‬اليوم،‭ ‬فالمسلمون‭ ‬كُثرُ‭ ‬ويربو‭ ‬عدًدهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المليار‭ ‬ونصف‭ ‬المليار‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنهم‭ ‬اليوم‭ ‬نوعية‭ ‬جديدة‭. ‬فيهم‭ ‬السفراء‭ ‬ورجال‭ ‬الدين،‭ ‬وفيهم‭ ‬العلماء‭ ‬والمفكرون،‭ ‬وأصحاب‭ ‬التخصصات‭ ‬المختلفة‭.‬

إذًا،‭ ‬فالنصر‭ ‬متحقق،‭ ‬والزيادة‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬اطراد‭ -‬كما‭ ‬أسلفنا‭ - ‬ليست‭ ‬زيادة‭ ‬عددية،‭ ‬بل‭ ‬زيادة‭ ‬نوعية،‭ ‬والإسلام‭ ‬يستقبل‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬وفودًا‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والمفكرين‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الجنسيات‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬الحق‭ ‬الذي‭ ‬وجدوه‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬ولَم‭ ‬يجدوه‭ ‬في‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الديانات‭ ‬السماوية‭ (‬المحرفة‭) ‬والديانات‭ ‬البشرية‭ ‬القاصرة‭.‬

وللأفعال‭ ‬عطاء‭ ‬في‭ ‬ذاتها،‭ ‬وعطاء‭ ‬عند‭ ‬التباسها‭ ‬بالنص‭ ‬القرآني‭.. ‬في‭ ‬سورة‭ ‬التوبة،‭ ‬وفِي‭ ‬الآية‭ (‬40‭) ‬بالتحديد‭ ‬عند‭ ‬حديثها‭ ‬يوم‭ ‬الهجرة،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬إلا‭ ‬تنصروه‭ ‬فقد‭ ‬نصره‭ ‬الله‭ ‬إذ‭ ‬أخرجه‭ ‬الذين‭ ‬كفروا‭ ‬ثاني‭ ‬اثنين‭ ‬إذ‭ ‬هما‭ ‬في‭ ‬الغار‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬لصاحبه‭ ‬لا‭ ‬تحزن‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬معنا‭ ‬فأنزل‭ ‬الله‭ ‬سكينته‭ ‬عليه‭ ‬وأيده‭ ‬بجنود‭ ‬لم‭ ‬تروها‭ ‬وجعل‭ ‬كلمة‭ ‬الذين‭ ‬كفروا‭ ‬السفلى‭ ‬وكلمة‭ ‬الله‭ ‬هي‭ ‬العليا‭ ‬والله‭ ‬عزيز‭ ‬حكيم‭).‬

نلاحظ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬القرآني‭ ‬ورود‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ (‬تنصروه،‭ ‬فقد‭ ‬نصره‭ ‬الله،‭ ‬أخرجه،‭ ‬لا‭ ‬تحزن،‭ ‬فأنزل،‭ ‬وأيده،‭ ‬لًم‭ ‬تروها،‭ ‬وجعل‭ ‬ونلاحظ‭ ‬أن‭ ‬لهذه‭ ‬الأفعال‭ ‬عطاء‭ ‬في‭ ‬ذاتها،‭ ‬ولها‭ ‬عطاء‭ ‬أكثر‭ ‬حين‭ ‬تلتبس‭ ‬بالنص‭ ‬القرآني،‭ ‬فالفعل‭: ‬تنصروه‭ ‬فعل‭ ‬مضارع‭ ‬يفيد‭ ‬الحال‭ ‬والاستقبال،‭ ‬فهو‭ ‬منصور‭ ‬الآن‭ ‬لحاجته‭ ‬إلى‭ ‬النصر‭ ‬في‭ ‬وقته‭ ‬وحينه‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬النصر‭ ‬بفعل‭: ‬فقد‭ ‬نصره‭ ‬الله،‭ ‬فبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النصر‭ ‬بإسناد‭ ‬الفعل‭ ‬إلى‭ ‬الزمن‭ ‬الماضي‭ ‬يطمئن‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ناصره‭ ‬على‭ ‬أعدائه‭ ‬وأعداء‭ ‬دينه،‭ ‬وأيد‭ ‬ذلك‭ ‬بكلمة‭ ‬‮«‬‭ ‬فقد‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تفيد‭ ‬التحقيق‭.‬

إذًا،‭ ‬فلابد‭ ‬وأن‭ ‬فعل‭ ‬النصر‭ ‬متحقق‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬لأنه‭ ‬جاء‭ ‬بصيغة‭ ‬الماضي،‭ ‬وإن‭ ‬هذا‭ ‬النصر‭ ‬منسوب،‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬العليا‭ ‬أي‭ ‬الذات‭ ‬الإلهية،‭ ‬ثم‭ ‬مجيء‭ ‬النصر‭ ‬بصيغة‭ ‬المضارع‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬إلا‭ ‬تنصروه‮»‬‭ ‬والفعل‭ ‬هنا‭ ‬منسوب‭ ‬إلى‭ ‬الناس،‭ ‬وكأن‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬يقول‭ ‬لهم‭: ‬إن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬غير‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬نصركم‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ناصره‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬والحاضر،‭ ‬والمستقبل‭!‬

ونلاحظ‭ ‬أن‭ ‬ورود‭ ‬أفعال‭ ‬مثل‭: ‬لا‭ ‬تحزن،‭ ‬وأيده،‭ ‬تفيد‭ ‬التأييد‭ ‬والدوام‭ ‬لهذا‭ ‬النصر‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬وحتى‭ ‬المستقبل‭ ‬لأنه‭ ‬شمل‭ ‬النصر‭ ‬المتحقق‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأزمنة‭. ‬

إذًا،‭ ‬فمن‭ ‬البشارات‭ ‬على‭ ‬نجاة‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬من‭ ‬كيد‭ ‬أعدائه‭ ‬وخصوم‭ ‬الدعوة‭ ‬المباركة‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬رجالات‭ ‬الإسلام‭ ‬العظماء‭ ‬الذين‭ ‬آلوا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬ألا‭ ‬يفرطوا‭ ‬في‭ ‬حمايته‭ ‬ونشره،‭ ‬وهم‭ ‬يعملون‭ ‬جاهدين‭ ‬لتحقيق‭ ‬ما‭ ‬وعدهم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬النصر‭ ‬والتأييد‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أرسل‭ ‬رسوله‭ ‬بالهدى‭ ‬ودين‭ ‬الحق‭ ‬ليظهره‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬كله‭ ‬ولو‭ ‬كره‭ ‬المشركون‭) ‬التوبة‭ / ‬33‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الأفعال،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬حركتها‭ ‬المباركة‭ ‬وما‭ ‬تختزنه‭ ‬الأفعال‭ ‬من‭ ‬عطاء‭ ‬غير‭ ‬مجذوذ‭ ‬ولا‭ ‬ممنوع‭ ‬ولا‭ ‬مقطوع،‭ ‬لهذا‭ ‬وصفوا‭ ‬القرآن‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يخلق‭ ‬على‭ ‬كثرة‭ ‬الرد،‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭ ‬عجائبه،‭ ‬ولا‭ ‬يشبع‭ ‬منه‭ ‬العلماء‭ ‬الباحثون‭ ‬عن‭ ‬الحق‭ ‬والثبات‭ ‬عليه‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا