العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

خطاب بوتين وتحولات خطيرة

بقلم: د. نبيل العسومي

الأحد ١٨ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

تابعت‭ ‬مثلما‭ ‬تابع‭ ‬غيري‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬بمناسبة‭ ‬يوم‭ ‬الاستقلال‭ ‬لروسيا‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬يحمل‭ ‬صراحة‭ ‬أو‭ ‬ضمنا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬عن‭ ‬التحولات‭ ‬داخل‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬أو‭ ‬مجريات‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬هنا‭ ‬عند‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬ذات‭ ‬الدلالة‭ ‬وبعضها‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ذا‭ ‬دلالة‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬المستقبل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭:‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬اليوم‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بدء‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‭ ‬وأكثر‭ ‬تضامنا‭ ‬ووحدة‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬شعبية‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬ونظامه‭ ‬السياسي‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬المستويات‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬حيث‭ ‬استطاع‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬بسياسته‭ ‬وقراءته‭ ‬لمستقبل‭ ‬روسيا‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬مجد‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬والصناعي‭ ‬والتنموي‭ ‬رغم‭ ‬العقوبات‭ ‬الجائرة‭ ‬وغير‭ ‬الشرعية‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬ورغم‭ ‬حرب‭ ‬الاستنزاف‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬مجتمعة‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬وهذا‭ ‬تأكيد‭ ‬إضافي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬تمضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬الصحيح‭.‬

ثانيا‭: ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الطابع‭ ‬الاحتفالي‭ ‬الذي‭ ‬طغى‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬ألقاه‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬والردود‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬أمام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المراسلين‭ ‬العسكريين‭ ‬الروس‭ ‬عبَّر‭ ‬عن‭ ‬حتمية‭ ‬انتصار‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬معركتها‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الهجمة‭ ‬الهمجية‭ ‬الأطلسية‭ ‬الشرسة‭ ‬مذكرا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬بأن‭ ‬معارضي‭ ‬بلاده‭ ‬هدفهم‭ ‬الأساسي‭ ‬هو‭ ‬تفكيك‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وتدميرها‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬مراجعة‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬ترتبت‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬ومحاولة‭ ‬هدم‭ ‬منظومة‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي‭ ‬الجماعي‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬روسيا‭ ‬جزءا‭ ‬رئيسيا‭ ‬منها‭ ‬حيث‭ ‬تسعى‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬إلى‭ ‬التوسع‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬نحو‭ ‬روسيا‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يبقَ‭ ‬اليوم‭ ‬دول‭ ‬ذو‭ ‬أهمية‭ ‬إلا‭ ‬أوكرانيا‭ ‬التي‭ ‬حولها‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬لتدمير‭ ‬هذه‭ ‬الجمهورية‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬وساحة‭ ‬لاستنزاف‭ ‬روسيا‭ ‬ومحاولة‭ ‬لإضعافها‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬النخب‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والتعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬زرع‭ ‬الكراهية‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وتحويل‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الكبير‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬غير‭ ‬صورته‭ ‬الحقيقية‭ ‬فالدول‭ ‬الغربية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ترتب‭ ‬للانقلابات‭ ‬وتأجيج‭ ‬الصراعات‭ ‬وتدمير‭ ‬الدول‭ ‬المستقلة‭ ‬مثلما‭ ‬فعلت‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وغيرها‭ ‬وتدمير‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬الثوابت‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬خاصة‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬المثلية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإنسانية‭ ‬قاطبة‭.‬

ثالثا‭: ‬التأكيد‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‭ ‬حتى‭ ‬تحقق‭ ‬أهدافها‭ ‬المعلومة‭ ‬والمعلنة‭ ‬وهي‭ ‬تحييد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بعدم‭ ‬انضمامها‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬ونزع‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬منها‭ ‬ومنع‭ ‬وضع‭ ‬أي‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬التيارات‭ ‬النازية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والسماح‭ ‬للمواطنين‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬روسية‭ ‬بحقوقهم‭ ‬الثقافية‭ ‬واللغوية‭ ‬المشروعة‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬أي‭ ‬توجه‭ ‬غربي‭ ‬نحو‭ ‬السلام‭ ‬وإيقاف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭.‬

ولعل‭ ‬النقطة‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬قد‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬العسكرية‭ ‬بجعل‭ ‬شريط‭ ‬أمنى‭ ‬فاصل‭ ‬أو‭ ‬منطقة‭ ‬عازلة‭ ‬بين‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والأراضي‭ ‬الروسية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الأراضي‭ ‬المنضمة‭ ‬حديثا‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يبعد‭ ‬خطر‭ ‬الصواريخ‭ ‬والقذائف‭ ‬عن‭ ‬المواطنين‭ ‬الروس‭ ‬وعن‭ ‬مدنهم‭ ‬وقراهم‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬طبعا‭ ‬أن‭ ‬يؤجج‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬نهايته‭ ‬قريبة‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التهديد‭ ‬المبطن‭ ‬بأن‭ ‬روسيا‭ ‬مستعدة‭ ‬لخوض‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬فرضت‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬تعرض‭ ‬كيانها‭ ‬الاتحادي‭ ‬إلى‭ ‬التهديد‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬وذلك‭ ‬وفقا‭ ‬للعقيدة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬ما‭ ‬يؤشر‭ ‬باحتمال‭ ‬حدوث‭ ‬تطورات‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحشود‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬والاستعداد‭ ‬الروسي‭ ‬للمواجهة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وغيرها‭.‬

وتوجد‭ ‬نقاط‭ ‬أخرى‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬الممنهج‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬منه‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬الروسي‭ ‬ورسالة‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬وحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬تحديدا‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬وإن‭ ‬فشل‭ ‬الهجوم‭ ‬الأوكراني‭ ‬الأخير‭ ‬وتدمير‭ ‬أغلب‭ ‬أسلحة‭ ‬الناتو‭ ‬تزيده‭ ‬قوة‭ ‬على‭ ‬قوة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا