العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

إنها أموال عامة.. وليست باذنجان..!!

تروي‭ ‬كتب‭ ‬القصص‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الأثرياء‭ ‬أكل‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬طبق‭ ‬‮«‬باذنجان‮»‬‭ ‬فأعجب‭ ‬به،‭ ‬فأسرع‭ ‬العامل‭ ‬ونظم‭ ‬قصيدة‭ ‬في‭ ‬مدح‭ ‬الباذنجان،‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬الباذنجان‭! ‬بارك‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الباذنجان،‭ ‬هو‭ ‬سيد‭ ‬المأكولات،‭ ‬شحم‭ ‬بلا‭ ‬لحم،‭ ‬سمك‭ ‬بلا‭ ‬حسك،‭ ‬يؤكل‭ ‬مقلياً‭ ‬ويؤكل‭ ‬مشويّاً،‭ ‬إن‭ ‬أكلته‭ ‬مقليّا‭ ‬بقي‭ ‬طعمه‭ ‬على‭ ‬لسانك‭ ‬طول‭ ‬النهار،‭ ‬وإن‭ ‬أكلته‭ ‬محشيّا‭ ‬كان‭ ‬شيخ‭ ‬المحاشي،‭ ‬وإن‭ ‬أكلته‭ ‬مكبوسا‭ ‬فهو‭ ‬أشهى‭ ‬الكبيس‮»‬‭.‬

وفى‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬قدموا‭ ‬للثري‭ ‬طبق‭ ‬‮«‬الباذنجان‮»‬‭ ‬فلم‭ ‬يعجبه،‭ ‬فقام‭ ‬نفس‭ ‬العامل‭ ‬ونظم‭ ‬قصيدة‭ ‬في‭ ‬هجاء‭ ‬الباذنجان،‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬الباذنجان‭! ‬لعنة‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الباذنجان،‭ ‬ثقيل‭ ‬غليظ‭ ‬نفّاح،‭ ‬وهو‭ ‬طعام‭ ‬رديء،‭ ‬إن‭ ‬أكلته‭ ‬مقليّا‭ ‬سبّب‭ ‬لك‭ ‬تضخّما‭ ‬في‭ ‬المصران،‭ ‬وإن‭ ‬أكلته‭ ‬محشيّا‭ ‬سبّب‭ ‬لك‭ ‬أحلاما‭ ‬مزعجة،‭ ‬وإن‭ ‬أكلته‭ ‬مكبوسا‭ ‬سبّب‭ ‬لك‭ ‬الغثيان‮»‬،‭ ‬فقال‭ ‬الثري‭ ‬للعامل‭: ‬ويحك‭! ‬تَمدَحُ‭ ‬الشيءَ‭ ‬وتذمُّه‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد؟‭! ‬فأجاب‭: ‬أنا‭ ‬خادم‭ ‬السلطان‭ ‬ولست‭ ‬شاعر‭ ‬الباذنجان‭.‬

تذكرت‭ ‬تلك‭ ‬القصة،‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ ‬تبريرات‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬بأن‭ ‬مديونيات‭ ‬الأجانب‭ ‬للبلدية‭ ‬البالغة‭ ‬4‭ ‬ملايين‭ ‬دينار‭ ‬بحريني،‭ ‬وقد‭ ‬غادروا‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدفعوها،‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬اعتيادية‮»‬‭ ‬تحصل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬ومشروع،‭ ‬وإنها‭ ‬أموال‭ ‬متراكمة‭ ‬منذ‭ ‬15‭ ‬عاما‭.. ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يضعوا‭ ‬أي‭ ‬حل‭ ‬ومعالجة‭ ‬لاسترداد‭ ‬الأموال‭ ‬العامة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يقترحوا‭ ‬إجراءات‭ ‬تضمن‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬هذا‭ ‬الهدر‭ ‬للمال‭ ‬العام‭.‬

المشكلة‭ ‬ذاتها‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬المؤجرون‭ ‬حينما‭ ‬يجدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬مماطلة‭ ‬وتهرب‭ ‬من‭ ‬المستأجرين‭ ‬الأجانب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يدفعون‭ ‬الإيجار‭.. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬لو‭ ‬تخلف‭ ‬أو‭ ‬تأخر‭ ‬عن‭ ‬سداد‭ ‬فلس‭ ‬واحد،‭ ‬لانهالت‭ ‬عليه‭ ‬القضايا‭ ‬والخطابات‭ ‬والاستدعاءات،‭ ‬وربما‭ ‬المنع‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يسددها،‭ ‬ولتم‭ ‬قطع‭ ‬تيار‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬عنه،‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬إزعاجه‭ ‬بالاتصالات‭ ‬المتكررة،‭ ‬وجرجرته‭ ‬الى‭ ‬المحاكمة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يسدد‭ ‬فاتورة‭ ‬الهاتف‭ ‬أو‭ ‬البطاقة‭ ‬الائتمانية‭.‬

ولطالما‭ ‬اشتكى‭ ‬صغار‭ ‬التجار‭ ‬من‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الرسوم‭ ‬البلدية‭ ‬ورسوم‭ ‬تجديد‭ ‬السجلات‭ ‬التجارية،‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬المواصلة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬بالسوق‭ ‬البحريني،‭ ‬ويدفعونها‭ ‬طوعا‭ ‬وكرها،‭ ‬ولم‭ ‬يقل‭ ‬أحد‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬اعتيادية‮»‬‭ ‬وبإمكانهم‭ ‬ألا‭ ‬يدفعوها‭..!!‬

وحسنا‭ ‬فعلت‭ ‬سعادة‭ ‬النائب‭ ‬الدكتورة‭ ‬مريم‭ ‬الظاعن‭ ‬بتقديم‭ ‬اقتراح‭ ‬بقانون‭ ‬يلزم‭ ‬الأجنبي‭ ‬بسداد‭ ‬كافة‭ ‬ديونه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يغادر‭ ‬البلاد‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬استبعاده‭ ‬منها‭ ‬وفقا‭ ‬للقانون،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعديل‭ ‬المادة‭ (‬64‭ ‬مكررا‭) ‬من‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ (‬15‭) ‬لسنة‭ ‬1976‭.‬

الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬البلديات‭ ‬لم‭ ‬تعلق‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭ ‬على‭ ‬الموضوع‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة،‭ ‬ولم‭ ‬توضح‭ ‬الأمر‭ ‬وتكشف‭ ‬الملابسات،‭ ‬وتبين‭ ‬الإجراءات‭ ‬القادمة،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الصامت‭ ‬قد‭ ‬يشجع‭ ‬الأجانب‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬السداد‭ ‬والمغادرة‭ ‬من‭ ‬البلاد،‭ ‬طالما‭ ‬لن‭ ‬يسأل‭ ‬عنها‭ ‬أحد‭ ‬أو‭ ‬يحاسب‭ ‬عليها،‭ ‬فهي‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬اعتيادية‮»‬‭..!!‬

هيئة‭ ‬المعلومات‭ ‬والحكومة‭ ‬الالكترونية‭ ‬تعلن‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ميزات‭ ‬جديدة‭ ‬للربط‭ ‬الإلكتروني‭ ‬لأي‭ ‬مواطن‭ ‬ومقيم‭ ‬والخدمات‭ ‬المقدمة،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ ‬آلية‭ ‬الكترونية‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬اعتيادية‮»‬‭..‬؟؟

لدينا‭ ‬تجربة‭ ‬ناجحة‭ ‬مع‭ ‬هيئة‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬قيمة‭ ‬المتأخرات‭ ‬غير‭ ‬المحصلة‭ ‬البالغة‭ ‬340‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬وأعلنت‭ ‬آليات‭ ‬تسديها‭ ‬وتحصيلها‭ ‬من‭ ‬المشتركين‭ ‬وتقسيطها،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬أموال‭ ‬‮«‬سبيل‮»‬‭.. ‬ولن‭ ‬يتم‭ ‬تحصيلها‭.. ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬اعتيادية‮»‬‭. ‬

لا‭ ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬‮«‬خبر‮»‬‭ ‬إعلان‭ ‬عدم‭ ‬سداد‭ ‬4‭ ‬ملايين‭ ‬دينار‭ ‬بحريني،‭ ‬سيمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬على‭ ‬‮«‬ديوان‭ ‬الرقابة‮»‬،‭ ‬لأنه‭ ‬حتما‭ ‬سيدونها‭ ‬ضمن‭ ‬ملاحظاته‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬على‭ ‬البلديات‭ ‬وأمانة‭ ‬العاصمة،‭ ‬ويؤكد‭ ‬غياب‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬وإن‭ ‬مر‭ ‬عليها‭ ‬15‭ ‬عاما‭.. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الإجراءات‭ ‬مدعاة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الهدر‭ ‬والتهرب‭ ‬وضياع‭ ‬المال‭ ‬العام‭.  ‬

أخيرا‭.. ‬حينما‭ ‬تصدر‭ ‬التوجيهات،‭ ‬وتنشر‭ ‬الملاحظات‭ ‬من‭ ‬ديوان‭ ‬الرقابة‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬الإجراءات‭ ‬في‭ ‬تحصيل‭ ‬الأموال‭ ‬العامة،‭ ‬فسنجد‭ ‬ذات‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬تشيد‭ ‬بالتوجيهات،‭ ‬وتؤكد‭ ‬حرصها‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬والتزامها‭ ‬بالقانون‭.. ‬وستكون‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬مدح‭ ‬‮«‬الباذنجان‮»‬،‭ ‬بعدما‭ ‬وصف‭ ‬المشكلة‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬اعتيادية‮»‬‭.. ‬عفوا‭ ‬يا‭ ‬سادة‭ ‬يا‭ ‬كرام‭.. ‬إنها‭ ‬أموال‭ ‬عامة‭ ‬وليست‭ ‬‮«‬باذنجان‮»‬‭..!!‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا