الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
«المنبر الديني».. والانحراف من جديد
منذ فترة.. والجميع يلاحظ أن ثمة أشخاص يستغلون المنبر الديني من أجل إشاعة التحريض والتأجيج والعنف.. عودة تلك الخطابات وتزامنا مع مناسبات دينية وتطورات سياسية إقليمية، ليست في صالح الوطن.. هؤلاء يريدون أن يعود بنا الزمن إلى الوراء.. ويمهدون للفوضى وتجاوز القانون، الذي متى ما تم تطبيقه عليهم، بعد التوجيه والتنبيه عدة مرات، بأنهم أبطال وزعماء.. ولكنهم غير ذلك بتاتا.
المؤسف له، أنه متى ما تم التحذير واتخاذ الإجراءات التي تحفظ أمن وسلامة المجتمع حيال تلك المنابر، وصون الوحدة الوطنية، وعدم تعريض النسيج الاجتماعي إلى التصدُّع، تخرج أصوات ومنصات، ومواقع وشخصيات، تتباكى على المنبر الديني والحريات، فيما يبقى الجميع صامتا متفرجا عن كل التجاوزات السابقة، والاستغلال الفاحش، ويتناسون كل التوجيهات والتنبيهات التي صدرت، قبل تنفيذ القانون الحاسم والحازم حيال المتجاوزين.
الدولة أحرص من الجميع على الحقوق والحريات والقانون، وكذلك على المنبر الديني في أداء رسالته النبيلة، الذي يريد البعض تحويله إلى منصة سياسية لآراء شخصية، ويبتعد فيها الخطيب عن خطاب السماحة والفضائل، والأخلاق والعبادات، والتربية الأسرية والحقوق، ويقف في خطبة عصماء «عرمرمية»، يسعد بهتافات وتصفيق الحضور، وكأنه في مؤتمر سياسي أو «هايد بارك»، لإطلاق الشعارات والتحريض، والتشجيع على الصدامات، وتحدى القانون والتجاوزات.
الحفاظ على مكانة المنبر الديني بعدم تسييسه أمر في غاية الأهمية، والمنبر الديني يجب أن يحافظ على رسالته النبيلة بإعلاء سماحة ديننا الحنيف وتوحيد صفوف المسلمين، كما أن وجوب صون قدسية دور العبادة أمر لا خلاف عليه، فالمنبر الديني يجب أن يكون بعيدا عن خطابات الكراهية والتأزيم، ونحن في مجتمع متماسك وواعي، ويجب أن لا نسمح بتمكين صوت ونهج من يريد أن يشق الصف من داخل وخارج البلاد، ولا نقبل بخطابات تثير العواطف والبلبلة، وتسعى لفرقة المجتمع ومكوناته.
لقد مررنا بتجربة مؤسفة في انحراف المنابر الدينية، وأمامنا دول ومجتمعات مارس فيها المنبر الديني أسوأ الأدوار، فكانت النتيجة هي الضياع والشتات وشبه الانهيار، وتحولت المجتمعات إلى كانتونات فئوية، وضاع الأمل والمستقبل فيها.
نحترم رجل الدين الذي يقف على المنبر الديني ويحترم حدوده ومسؤولياته دون تجاوز وعنتريات.. نحترمه ونقدر مكانته كلما كان خطابه وطنيا وإسلاميا وإنسانيا.. نحترمه حينما يحترم العقول والقانون، ويدعو للوحدة الوطنية واحترام القانون والإنسان.. أما ما عدا ذلك، فإن كل تصرف يخالف القانون والمجتمع ويهدد الحياة، فهو خطاب لا يُحترم، ولا مكان له في المجتمع، ولا في الإسلام، ولا الإنسانية.
نحن في دولة القانون والمؤسسات، والأمن والحريات المسؤولة، ولسنا في «دولة المنابر الدينية»، لكي يمارس رجال الدين دورا ليس دورهم، ويقومون بأفعال لا تنفع المجتمع، ولدينا بيانات عديدة صدرت من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ووزارة العدل، وإدارة الأوقاف المعنية بدور العبادة، وجميعها تؤكد الدعوة إلى الاعتصام بحبل الله، وعدم تفريق الأمة وتمزيقها، وتجنيب المجتمع المزالق الطائفية، من أجل أغراض شخصية أو فئوية.. وعودة الانحراف في المنبر الديني من جديد.. أمر مرفوض بتاتا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك