العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الإسلام.. والرسول الشهيد!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١١ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

إن‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬قد‭ ‬ختم‭ ‬الرسالات‭ ‬السماوية‭ ‬برسالة‭ ‬الإسلام،‭ ‬فقال‭ ‬تعالى‭: (.. ‬اليوم‭ ‬أكملت‭ ‬لكم‭ ‬دينكم‭ ‬وأتممت‭ ‬عليكم‭ ‬نعمتي‭ ‬ورضيت‭ ‬لكم‭ ‬الإسلام‭ ‬دينًا‭..) ‬المائدة‭ / ‬3‭.‬

وبعث‭ ‬خاتم‭ ‬رسله،‭ ‬وصفوة‭ ‬خلقه‭ ‬ليختم‭ ‬به‭ ‬موكب‭ ‬الأنبياء،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬ما‭ ‬كان‭ ‬محمد‭ ‬أبا‭ ‬أحدٍ‭ ‬من‭ ‬رجالكم‭ ‬ولكن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬وخاتم‭ ‬النبيين‭ ‬وكان‭ ‬الله‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬عليما‭) ‬الأحزاب‭ /‬40‭.‬

إذًا،‭ ‬فالإسلام‭ ‬خاتم‭ ‬الرسالات‭ ‬السماوية،‭ ‬ومحمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬خاتم‭ ‬النبيين،‭ ‬وباعتباره‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬كذلك‭ ‬فهو‭ ‬شهيد‭ ‬على‭ ‬أمته‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬وحدها‭ ‬شهيدة‭ ‬على‭ ‬الأمم‭ ‬جميعها،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وكذلك‭ ‬جعلناكم‭ ‬أمةً‭ ‬وسطا‭ ‬لتكونوا‭ ‬شهداء‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ويكون‭ ‬الرسول‭ ‬عليكم‭ ‬شهيدا‭..) ‬البقرة‭ / ‬143‭.‬

هذه‭ ‬الوسطية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أهلت‭ ‬أمة‭ ‬العرب‭ ‬ليكونوا‭ ‬شهداء‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬بإسلامهم،‭ ‬وبميزان‭ ‬العدل‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬حكمًا‭ ‬عدلًا‭ ‬بين‭ ‬الناس‭.‬

إن‭ ‬من‭ ‬كرامة‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬جعل‭ ‬الشهيد‭ ‬عليها،‭ ‬وعن‭ ‬بلاغها‭ ‬منهج‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬إلى‭ ‬الأمم،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬رسول‭ ‬الإسلام،‭ ‬وخاتم‭ ‬النبيين‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬عليها،‭ ‬وهذه‭ ‬منزلة‭ ‬لم‭ ‬تبلغها‭ ‬أمة‭ ‬من‭ ‬الأمم،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬تشريف‭ ‬لها‭ ‬لكنه‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تكليف‭ ‬عظيم‭ ‬وثقيل،‭ ‬وأن‭ ‬عليها‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تدعو‭ ‬غيرها‭ ‬إلى‭ ‬الإصلاح‭ ‬أن‭ ‬تصلح‭ ‬نفسها،‭ ‬وتحاذر‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬فيما‭ ‬تنهى‭ ‬الناس‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬المعاصي‭ ‬والذنوب،‭ ‬وأن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تستقيم‭ ‬على‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تدعو‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.. ‬يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬العربي‭:‬

لا‭ ‬تنه‭ ‬عن‭ ‬خلق‭ ‬وتأتي‭ ‬مثله‭ ‬

عار‭ ‬عليك‭ ‬إذا‭ ‬فعلت‭ ‬عظيم

هذه‭ ‬من‭ ‬أدبيات‭ ‬العرب،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أخلاقيات‭ ‬الإسلام‭ ‬لأن‭ ‬الناس‭ ‬ينظرون‭ ‬إليكم‭ ‬كما‭ ‬ينظر‭ ‬الطير‭ ‬إلى‭ ‬اللحم،‭ ‬فإن‭ ‬وقعتم‭ ‬وقعوا،‭ ‬وإن‭ ‬هبتم‭ ‬هربوا،‭ ‬والناس‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬أحوال‭ ‬دعاة‭ ‬الإصلاح،‭ ‬فإن‭ ‬وافقت‭ ‬أفعالهم‭ ‬أقوالهم‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬أدعى‭ ‬إلى‭ ‬اتباعهم،‭ ‬والتأسي‭ ‬بهم،‭ ‬وإن‭ ‬رأوا‭ ‬أفعالهم‭ ‬لا‭ ‬تطابق‭ ‬أقوالهم‭ ‬نفروا‭ ‬منهم‭ ‬ويمموا‭ ‬وجوههم‭ ‬إلى‭ ‬غيرهم‭.‬

إذًا،‭ ‬فمسؤولية‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬عظيمة‭ ‬وشاقة،‭ ‬وليحذر‭ ‬دعاة‭ ‬الإسلام‭ ‬ومن‭ ‬يحملون‭ ‬لواء‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬مسلمين‭ ‬في‭ ‬الظاهر‭ ‬منافقين‭ ‬في‭ ‬الباطن،‭ ‬وليحذروا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يقولون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفعلون،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬لم‭ ‬تقولون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تفعلون‭ (‬2‭) ‬كبر‭ ‬مقتًا‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬تقولوا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تفعلون‭ (‬3‭)) ‬الصف‭.‬

إن‭ ‬موقف‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬لموقف‭ ‬عظيم،‭ ‬وأن‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬التي‭ ‬حَمَّلها‭ ‬إياها‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عظيمة‭ ‬من‭ ‬الأهمية،‭ ‬والخطر‭ ‬الجليل،‭ ‬لقد‭ ‬جمعهم‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬حجة‭ ‬الوداع،‭ ‬وأشهدهم‭ ‬على‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وأشهد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬علًيهم‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬اللهم‭ ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬اللهم‭ ‬فاشهد‭! ‬وبمقتضى‭ ‬هذه‭ ‬الشهادة‭ ‬التي‭ ‬أقروها‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬سوف‭ ‬يشهد‭ ‬عليهم‭ ‬يوم‭ ‬القيامة،‭ ‬وأن‭ ‬ذمته‭ ‬قد‭ ‬برئت‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه،‭ ‬وأن‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬البلاغ‭ ‬والشهادة‭ ‬قد‭ ‬انتقلت‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬أمته،‭ ‬وسوف‭ ‬يجتمع‭ ‬بهم‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ثبتت‭ ‬لهم‭ ‬الشهادة‭ ‬على‭ ‬الأمم‭ ‬الذين‭ ‬جاءوا‭ ‬من‭ ‬قبلهم،‭ ‬ولقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬يستدعي‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬نوح‭ ‬ويسأله‭: ‬هل‭ ‬بلغت‭ ‬قومك؟‭ ‬فيقول‭: ‬نعم‭! ‬فيسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قوم‭ ‬نوح‭: ‬هل‭ ‬بلغكم‭ ‬نوح؟‭ ‬فيقولون‭: ‬ما‭ ‬جاءنا‭ ‬من‭ ‬نذير،‭ ‬فيطلب‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬نوح‭ ‬شهداء‭ ‬على‭ ‬بلاغه‭ ‬لقومه،‭ ‬فيقول‭: ‬محمد‭ ‬وأمته،‭ ‬فيشهدوا،‭ ‬ثم‭ ‬يتلو‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬وكذلك‭ ‬جعلناكم‭ ‬أمة‭ ‬وسطا‭ ‬لتكونوا‭ ‬شهداء‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ويكون‭ ‬الرسول‭ ‬عليكم‭ ‬شهيدا‭..) ‬البقرة‭/ ‬143‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬مقام‭ ‬أمة‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭.. ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬منزلتها‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭.. ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬تكليف‭ ‬عظيم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تشريفًا‭ ‬عظيمًا،‭ ‬ومسؤولية‭ ‬كبرى‭ ‬تتقطع‭ ‬دونها‭ ‬الأعناق،‭ ‬وتضيق‭ ‬بها‭ ‬الصدور‭ ‬وتحاول‭ ‬الأمة‭ ‬التنصل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية‭ ‬العظمى‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬لذلك،‭ ‬ولا‭ ‬فكاك‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬

إن‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬لعلى‭ ‬خطر‭ ‬عظيم‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يختم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬أفواههم‭ ‬وتتحرر‭ ‬الجوارح‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬الإنسان‭ ‬عليها،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬اليوم‭ ‬نختم‭ ‬على‭ ‬أفواههم‭ ‬وتكلمنا‭ ‬أيديهم‭ ‬وتشهد‭ ‬أرجلهم‭ ‬بما‭ ‬كانوا‭ ‬يكسبون‭) ‬يس‭ / ‬65‭.‬

في‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬تستعيد‭ ‬الجوارح‭ ‬إرادتها‭ ‬الحرة،‭ ‬وتنطلق‭ ‬ألسنة‭ ‬الحال‭ ‬والمقال،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬يوم‭ ‬تشهد‭ ‬عليهم‭ ‬ألسنتهم‭ ‬وأيديهم‭ ‬وأرجلهم‭ ‬بما‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭) ‬النور‭ / ‬24‭.‬

ومن‭ ‬عدل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ورحمته‭ ‬أنه‭ ‬سبحانه‭ ‬لن‭ ‬يعاقب‭ ‬عباده‭ ‬على‭ ‬الأفعال‭ ‬المجبرين‭ ‬عليها،‭ ‬فحين‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬مجبرًا‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬معصية،‭ ‬هذا‭ ‬الإجبار‭ ‬يرفع‭ ‬عنه‭ ‬الإثم،‭ ‬فقد‭ ‬رفع‭ ‬عن‭ ‬الأمة‭ ‬الخطأ‭ ‬والنسيان،‭ ‬وما‭ ‬استكرهوا‭ ‬عليه،‭ ‬رفع‭ ‬القلم‭ ‬عن‭ ‬النائم‭ ‬حتى‭ ‬يستيقظ،‭ ‬وعن‭ ‬المجنون‭ ‬حتى‭ ‬يفيق،‭ ‬وعن‭ ‬الصبي‭ ‬حتى‭ ‬يبلغ‭ (‬في‭ ‬المحلى‭ ‬لابن‭ ‬حزم‭ / ‬الحديث‭ ‬صحيح‭).‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا