العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

العرب في رحلة عودة العلاقات مع إيران

بقلم: سميرة رجب

السبت ١٠ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

رغم‭ ‬صعوبةِ‭ ‬توحيد‭ ‬قراءةِ‭ ‬السياساتِ‭ ‬الخارجيَّةِ‭ ‬لدول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬ككتلةٍ‭ ‬موحدة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المتغيراتِ‭ ‬في‭ ‬السياساتِ‭ ‬الخارجيَّةِ‭ ‬الخليجيَّة‭ ‬مجتمعةً‭ ‬أو‭ ‬فرادا،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬عزلةِ‭ ‬الكوفيد‭ ‬حتى‭ ‬عودة‭ ‬العلاقات‭ ‬العربيَّة‭ ‬السوريَّة‭ ‬مع‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬جدة‭/ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ (‬مايو‭ ‬2023‭)‬،‭ ‬تشيرُ‭ ‬إلى‭ ‬بدء‭ ‬خروج‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬النفقِ‭ ‬الأمريكيِّ‭ ‬المظلم‭ ‬الذي‭ ‬زُجت‭ ‬فيه‭ ‬دولُ‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وبعد‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر؛‭ ‬وخصوصًا‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬العسكريِّ‭ ‬الأمريكيِّ‭ ‬للعراق‭.‬

وفي‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الصورة‭ ‬تتجه‭ ‬مؤشراتُ‭ ‬المتغيرات‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬الخليجية‭ ‬إلى‭ ‬الانحيازِ‭ ‬التدريجيِّ‭ ‬نحو‭ ‬التعاونِ‭ ‬مع‭ ‬نظامٍ‭ ‬دولي‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬والانضمام‭ ‬إلى‭ ‬تكتلاتٍ‭ ‬اقتصاديَّة‭ ‬تنمويَّة‭ ‬أكثر‭ ‬موضوعيَّة‭ ‬في‭ ‬سياساتها،‭ ‬وأكثر‭ ‬نديّة‭ ‬في‭ ‬علاقاتها،‭ ‬وأكثر‭ ‬احترامًا‭ ‬لمفهوم‭ ‬تبادل‭ ‬المصالح؛‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الابتعادِ‭ ‬عن‭ ‬سياساتِ‭ ‬المحاور‭ ‬والتحالفات‭ ‬الحربيَّة‭ ‬والعسكريَّة‭ ‬التي‭ ‬تستهدفُ‭ ‬إسقاطَ‭ ‬الأنظمةِ‭ ‬بتدمير‭ ‬الدولِ‭ ‬لخدمةِ‭ ‬حلم‭ ‬الأحادية‭ ‬القطبيَّة‭ ‬المتوحشة‭ ‬التي‭ ‬أودت‭ ‬بمنطقتنا‭ ‬للتحول‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬حروبٍ‭ ‬وعسكرة‭ ‬وصراعات‭ ‬مدمرة؛‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تركز‭ ‬دولُ‭ ‬الخليج‭ ‬داخليًّا‭ ‬على‭ ‬مزيدٍ‭ ‬من‭ ‬البناءِ‭ ‬والتنمية‭ ‬وامتلاك‭ ‬المعرفة‭ ‬ومواكبة‭ ‬العصر‭.‬

ليس‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬أيةُ‭ ‬مصلحةٍ‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬زُجت‭ ‬بها،‭ ‬أو‭ ‬زَجّت‭ ‬فيها‭ ‬بنفسها‭ ‬خلال‭ ‬العقودِ‭ ‬الماضية،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يزالُ‭ ‬بعضها‭ ‬مستمرة‭ ‬وتستنزف‭ ‬قوةَ‭ ‬المنطقة‭ ‬بشريًّا‭ ‬واقتصاديًّا‭... ‬ولا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الاحتلال‭ ‬الرباعي‭- ‬الأمريكي‭ ‬البريطاني‭ ‬الإيراني‭ ‬الإسرائيلي‭- ‬للعراق،‭ ‬والتي‭ ‬فتحت‭ ‬الحدودَ‭ ‬الشرقية‭ ‬للوطن‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬لجميع‭ ‬الأخطار‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬منطقتُنا‭ ‬الخليجيَّة،‭ ‬والعربية‭.‬

لم،‭ ‬ولن،‭ ‬تحقق‭ ‬أيةُ‭ ‬دولةٍ‭ ‬خليجيَّة‭ ‬مصلحةً‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬الصراعات‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬لصالح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬قوة‭ ‬عظمى‭ ‬تحاولُ‭ ‬الصعودَ‭ ‬إلى‭ ‬قمةِ‭ ‬النظام‭ ‬الدوليِّ‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬أنقاضِ‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬ونزيف‭ ‬ثرواتها،‭ ‬بينما‭ ‬بإمكان‭ ‬دولنا‭ ‬الخليجيَّة‭ ‬تحقيق‭ ‬كثيرٍ‭ ‬من‭ ‬المصالح‭ ‬بسياسات‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬والبناء‭ ‬والتنمية،‭ ‬والتسلح‭ ‬بالعلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬لاستثمار‭ ‬مواردها،‭ ‬وبالقراءة‭ ‬السليمة‭ ‬للتاريخ‭ ‬لحماية‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة‭ ‬من‭ ‬الاختراقات‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬خطرًا‭ ‬يوازي‭ ‬خطر‭ ‬الحروب‭ ‬العسكرية‭.‬

لذلك‭ ‬تكشفُ‭ ‬مساراتُ‭ ‬السياساتِ‭ ‬الخارجيَّة‭ ‬الجديدة‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬جديد،‭ ‬نرجو‭ ‬أن‭ ‬يكونَ‭ ‬أكثرَ‭ ‬إدراكًا‭ ‬بأخطاء‭ ‬السنوات‭ ‬السابقة،‭ ‬وأكثرَ‭ ‬اهتمامًا‭ ‬بتصحيح‭ ‬استراتيجياتها‭ ‬والاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬البناء‭ ‬والتنمية‭ ‬والإعمار‭ ‬وتصحيح‭ ‬ميزان‭ ‬القوة‭ ‬والأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭.‬

الاتفاق‭ ‬السعودي‭ ‬الإيراني

وسواء‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬القراءةُ‭ ‬الخليجيَّة‭ ‬شديدة‭ ‬الواقعية،‭ ‬أو‭ ‬شديدة‭ ‬التفاؤل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬تؤكِّدُ‭ ‬المؤشراتُ‭ ‬بدءَ‭ ‬تغييرٍ‭ ‬حقيقيِّ‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬المنطقة‭ ‬باتجاه‭ ‬معاكس‭ ‬لسياسات‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬طغت‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬العربي‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭... ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬العالمَ‭ ‬برمته‭ ‬يستعدُ‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬أفولِ‭ ‬النظام‭ ‬الدوليِّ‭ ‬‮«‬الأمريكي‮»‬‭ ‬الأحادي‭ ‬القطبية،‭ ‬المهيمن؛‭ ‬وصعود‭ ‬نظام‭ ‬التعددية‭ ‬القطبية‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬مؤشراته‭ ‬لدينا‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬الوساطة‭ ‬الصينية‭ ‬الجريئة‭ ‬للاتفاق‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وإيران،‭ ‬وهي‭ ‬مؤشرات‭ ‬سليمة‭ ‬وواضحة‭ ‬سواء‭ ‬تكلل‭ ‬الاتفاق‭ ‬بالنجاح‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬بنوده‭ ‬الصعبة‭ ‬والمعقدة،‭ ‬أو‭ ‬العكس‭.‬

العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬الإيرانية‭ ‬

والوسيط‭ ‬الأجنبي

يعدُّ‭ ‬محورُ‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأمور‭ ‬تعقيدًا‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬الخارجيَّة‭ ‬الخليجيَّة،‭ ‬لما‭ ‬لهذه‭ ‬العلاقات‭ ‬من‭ ‬تناقضات‭ ‬تاريخيَّة‭ ‬معقدة‭ ‬ومتراكمة،‭ ‬تبدأ‭ ‬بالحقدِ‭ ‬الإيراني‭ ‬التاريخي‭ ‬على‭ ‬العنصر‭ ‬العربي،‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭ ‬بالتدخلات‭ ‬العدائيَّة‭ ‬والتوسعيَّة‭ ‬الإيرانيَّة‭ ‬المستمرة‭ ‬والمتصاعدة‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬العربي‭. ‬وما‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬تاريخٌ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬والحروب‭ ‬والدماء‭ ‬والأرواح‭ ‬التي‭ ‬أُزهقت‭ ‬هدرًا‭. ‬ورغم‭ ‬طول‭ ‬أمد‭ ‬وتاريخ‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خفايا‭ ‬مطمورةً‭ ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬رصدها‭ ‬المؤرخون‭ ‬لمعرفة‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬الأحداث‭ ‬والتفاصيل‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتفاعل‭ ‬في‭ ‬كواليسها؛‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمرُ‭ ‬الوساطات‭ ‬والوسطاء‭ ‬والمحَكّمين‭ ‬الغربيين‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ (‬العربي‭ ‬والإيراني‭) ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الجدلية‭ ‬عند‭ ‬العرب،‭ ‬فبقي‭ ‬هذا‭ ‬الأمرُ‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المسكوت‭ ‬عنها‭ ‬دائما‭ ‬رغم‭ ‬إن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الوسطاءَ‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ‭ ‬أصحابَ‭ ‬مصالح‭ ‬استعمارية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ما‭ ‬يضعهم‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬الخصم‭ ‬والحكم،‭ ‬وكانوا‭ ‬غير‭ ‬محايدين‭ ‬في‭ ‬أحكامهم‭. ‬

يعدُّ‭ ‬دورُ‭ ‬الوسيط‭ ‬والتحكيم‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬الإيرانية‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬الأدوار‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬وحتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭. ‬ففي‭ ‬البدايات‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الدورُ‭ ‬محتكرًا‭ ‬على‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الروسية‭ ‬كطرفٍ‭ ‬رئيسيِّ‭ ‬مع‭ ‬الإنجليز‭ ‬كطرف‭ ‬ثانوي،‭ ‬ثم‭ ‬تطور‭ ‬ليحتكرَ‭ ‬الإنجليزُ‭ ‬هذا‭ ‬الدور،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬الدور‭ ‬الأنجلو‭ ‬أمريكي‭ ‬الذي‭ ‬تعيشُ‭ ‬منطقتُنا‭ ‬العربية‭ ‬كلَّ‭ ‬تبعاته‭ ‬الخطيرة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭... ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬الغربيُّ‭ ‬وسيطًا‭ ‬منصفًا‭ ‬أو‭ ‬عادلا‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬يشهد،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الإنجليزُ‭ ‬في‭ ‬المنطقةِ‭ ‬باتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو،‭ ‬والذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬إزالة‭ ‬مملكة‭ ‬الأحواز‭ (‬عربستان‭) ‬من‭ ‬الخريطة‭ ‬وإلحاقها‭ ‬أرضًا‭ ‬وشعبًا‭ ‬بإيران‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين؛‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬حليفنا‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬احتل‭ ‬العراق‭ ‬وقدّمه‭ ‬على‭ ‬طبق‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ (‬2003‭)‬،‭ ‬وبدعم‭ ‬خليجيِّ‭ ‬سخي‭. ‬

لقد‭ ‬تناوبت‭ ‬الإمبراطورياتُ‭ ‬الاستعماريَّة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ ‬غير‭ ‬العادل‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وإيران‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬قرون،‭ ‬كانت‭ ‬خلالها‭ ‬الحروب‭ ‬تلد‭ ‬بعضها،‭ ‬وتتغير‭ ‬أسبابها‭ ‬وأهدافها‭ ‬ونتائجها،‭ ‬ولكن‭ ‬تبقى‭ ‬سياسات‭ ‬الوسيط‭ ‬الغربي‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تتغير،‭ ‬وهي‭ ‬سياسات‭ ‬المساند‭ ‬الدائم‭ ‬لإيران،‭ ‬والتحكيم‭ ‬لصالحها‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬حرب‭... ‬في‭ ‬البدء‭ ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬الغرب‭ ‬هو‭ ‬لجم‭ ‬التوسع‭ ‬العثماني‭ ‬الذي‭ ‬توغل‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬أوروبا،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬روسيا‭ ‬القيصرية‭ ‬والإنجليز‭ ‬بأدوارهما‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الدولة‭ ‬الصفوية‭ ‬وساروا‭ ‬معها‭ ‬خطوة‭ ‬بخطوة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حروبها‭ ‬وصراعاتها‭ ‬الدموية‭ ‬ضد‭ ‬العثمانيين،‭ ‬والتي‭ ‬دفع‭ ‬العراق‭ ‬أثمانها‭ ‬الباهظة،‭ ‬وخسر‭ ‬بسببها‭ ‬أراضيَ‭ ‬ثرية‭ ‬وشاسعة‭ ‬تنفيذا‭ ‬لعديد‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬التحكيم‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬المُحَكّم‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬خمسة‭ ‬قرون،‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬تاريخية‭ ‬طويلة‭ ‬بتفاصيلها،‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المقام‭ ‬لسردها‭ (‬أرجو‭ ‬الاطلاع‭: ‬‮«‬الحدود‭ ‬الشرقية‭ ‬للوطن‭ ‬العربي‭/ ‬دراسة‭ ‬تاريخية‭ ‬مجموعة‭ ‬مؤرخين‭- ‬1981‭)‬،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وسقوط‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬وما‭ ‬رافقه‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬جسام‭ ‬كلَّف‭ ‬العرب‭ ‬أثمانًا‭ ‬باهظة‭.‬

إيران‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العهود

وبصفتها‭ ‬الوريث‭ ‬الشرعي‭ ‬للتركة‭ ‬الاستعماريَّة‭ ‬الأوروبيَّة‭ ‬عيّنت‭ ‬الولاياتُ‭ ‬المتحدة‭ ‬إيران‭ (‬الشاه‭) ‬شرطيًّا‭ ‬متحكمًا‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬ليبدأ‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬أوتار‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬الإيرانية‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬مع‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬الشاه‭ (‬1979‭) ‬بل‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الكارثة‭ ‬الأكثر‭ ‬هولا‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬المنطقة‭. ‬إذ‭ ‬ساند‭ ‬الغرب‭ ‬هذا‭ ‬الانقلاب،‭ ‬ودعم‭ ‬الانقلابيين‭ ‬الجدد‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬لتصبح‭ ‬إيران‭ (‬الخميني‭) ‬ببُعدها‭ ‬العقائدي‭ ‬المذهبي‭ ‬الأصولي‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الأجندة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬الباردة‭ ‬ضد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭. ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬متقدمة‭ ‬ظهر‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬إمدادات‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُشحن‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬جسر‭ ‬جوي‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬عبر‭ ‬إسرائيل‭ (‬إيران‭ ‬جيت‭) ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬العراق‭ (‬1980-1988‭)‬،‭ ‬رغم‭ ‬مسرحية‭ ‬عملية‭ ‬اقتحام‭ ‬السفارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬واحتجاز‭ ‬سكانها‭ ‬كرهائن‭ ‬فترة‭ ‬444‭ ‬يومًا‭ (‬نوفمبر‭ ‬1979‭- ‬يناير1981‭). ‬

وعلى‭ ‬مدار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود،‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬دخل‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬بين‭ ‬التوافق‭ ‬والنفور،‭ ‬صراعات‭ ‬وحروب،‭ ‬وأحداث‭ ‬هي‭ ‬الأخطر‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخ‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات،‭ ‬حيث‭ ‬الامتداد‭ ‬الإيراني‭ ‬يتوسع‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬اليمن،‭ ‬ومرورا‭ ‬بكل‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬ومن‭ ‬حرب‭ ‬الثماني‭ ‬سنوات‭ ‬ضد‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬المفتوحة‭ ‬الأمد‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭... ‬

الحرب‭ ‬في‭ ‬اليمن‭.. ‬التاريخ‭ ‬يعيد‭ ‬نفسه

حربٌ‭ ‬عربيَّة‭ ‬إيرانيَّة‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬تجاوزت‭ ‬الثماني‭ ‬سنوات،‭ ‬وأطراف‭ ‬متقاتلة،‭ ‬وشعبٌ‭ ‬مدمر،‭ ‬ووسطاء‭ ‬ومبعوثون‭ ‬ومحكّمون‭ ‬غربيون،‭ ‬حيث‭ ‬تتفاعلُ‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬المصالحُ‭ ‬المشروعة‭ ‬وغير‭ ‬المشروعة‭ ‬مع‭ ‬نزيفٍ‭ ‬بشريِّ‭ ‬ودمويِّ‭ ‬واقتصاديِّ‭ ‬عربي،‭ ‬ولا‭ ‬ضوءَ‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬النفق‭... ‬تعابير‭ ‬سهلة‭ ‬ووصف‭ ‬بسيط‭ ‬لأمر‭ ‬شديد‭ ‬التعقيد‭ ‬والخطورة‭ ‬والألم،‭ ‬وسؤالٌ‭ ‬مهم‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه،‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬مَن‭ ‬المستفيد‭ ‬من‭ ‬إطالة‭ ‬أمد‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬واستمرارها؟‭! ‬

للإجابةِ‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬المهم،‭ ‬نسترجعُ‭ ‬أحداثَ‭ ‬التاريخ‭ ‬القريب،‭ ‬ونستشهدُ‭ ‬بالمذكراتِ‭ ‬اليومية‭ ‬لوزير‭ ‬بلاط‭ ‬شاه‭ ‬إيران،‭ ‬أسد‭ ‬علم‭ ‬الدين،‭ ‬وهي‭ ‬معنيةٌ‭ ‬بأحداثِ‭ ‬البلاط‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ستينيات‭ ‬وسبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ (‬أرجو‭ ‬الاطلاع‭: ‬‮«‬الشاه‭ ‬وأنا‮»‬‭ ‬تمَّ‭ ‬النشرُ‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬أبطالِها،‭ ‬وتُرجم‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬عام‭ ‬1993‭)‬،‭ ‬إذ‭ ‬تعدُّ‭ ‬وثيقةً‭ ‬تاريخيَّةً‭ ‬مهمة‭ ‬جدًا‭ ‬يعترفُ‭ ‬فيها‭ ‬الوزيرُ‭ ‬الإيراني،‭ ‬بالتفصيل،‭ ‬بأن‭ ‬إيرانَ‭ ‬قامت‭ ‬بمحاولاتٍ‭ ‬عديدة‭ ‬للإطاحةِ‭ ‬بالأنظمة‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالنظام‭ ‬الملكي،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬العراقيون‭ ‬بالأسماء‭ ‬التالية‭ ‬‮«‬محاولة‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬النايف‭ ‬الانقلابية‭ ‬1968،‭ ‬حركة‭ ‬ناظم‭ ‬كزار‭ ‬الانقلابية‭ ‬1973،‭ ‬وحرب‭ ‬التمرد‭ ‬الكردي‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬1961‭-‬1975‮»‬‭. ‬وحيث‭ ‬تم‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬المحاولتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬في‭ ‬مهدهما،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬حربَ‭ ‬الأكراد‭ ‬استمرت‭ ‬سنوات،‭ ‬فكانت‭ ‬نزيفًا‭ ‬مستمرًا‭ ‬في‭ ‬الأرواح‭ ‬والثروات‭ ‬العراقية،‭ ‬والعائقَ‭ ‬الأساسيَّ‭ ‬أمام‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬العراقية‭ ‬رغم‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬العراقيين‭ ‬وحصول‭ ‬الأكراد‭ ‬على‭ ‬مطالبهم‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1970‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬إنهاء‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬اضطر‭ ‬العراقُ‭ ‬أن‭ ‬يقبلَ‭ ‬توقيعَ‭ ‬اتفاقية‭ ‬الجزائر‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ (‬1975‭ ‬بين‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬وشاه‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬تمَّ‭ ‬بموجبها‭ ‬تنازلُ‭ ‬العراق‭ ‬عن‭ ‬نصف‭ ‬شط‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬مقابل‭ ‬وقف‭ ‬الدعم‭ ‬الإيراني‭ ‬للتمرد‭ ‬الكردي،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬اتفاقًا‭ ‬مجحفًا‭ ‬وخطيرا‭ ‬جدًا‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬العراق‭.‬

إذًا‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬ليس‭ ‬بأمرٍ‭ ‬جديد،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬حلقةٌ‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬العربيَّة‭ ‬الإيرانيَّة؛‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬على‭ ‬المطّلعِين‭ ‬استشراف‭ ‬مسيرة‭ ‬ونتائج‭ ‬المفاوضات‭ ‬القادمة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬اليمنيَّة‭ ‬اليمنيَّة،‭ ‬أو‭ ‬الإيرانيَّة‭ ‬العربيَّة‭ ‬حول‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬بالمقايضة‭ ‬الإيرانية‭ (‬وليس‭ ‬التفاوض‭ ‬الإيراني‭) ‬مقابل‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬أو‭ ‬إنهاء‭ ‬حالة‭ ‬الحرب‭... ‬فإيران‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬تجيدُ‭ ‬لعبةَ‭ ‬سرقة‭ ‬الأراضي‭ ‬والقرصنة‭ ‬وخطف‭ ‬البشر‭ ‬والمفاوضة‭ ‬على‭ ‬أرواحهم،‭ ‬في‭ ‬أنماطٍ‭ ‬من‭ ‬المفاوضات‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد،‭ ‬وسلسلة‭ ‬من‭ ‬المقايضات،‭ ‬وأنواع‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬القسري‭ ‬العنيف،‭ ‬غير‭ ‬الحضاري،‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬الإنسانية‭ ‬أو‭ ‬مبادئ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬على‭ ‬الساحةِ‭ ‬اليمنيَّة‭ ‬أو‭ ‬الخليجيَّة‭ ‬عمومًا،‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬نهايتها‭ ‬‮«‬المتوقعة‮»‬،‭ ‬لهو‭ ‬حلقاتٌ‭ ‬متسلسلة‭ ‬واضحة‭ ‬الخطوط‭ ‬والمعالم‭ ‬لكل‭ ‬سياسي‭ ‬إيراني،‭ ‬إذ‭ ‬هم‭ ‬متأكدون‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬أنهم‭ ‬سيسحبون‭ ‬الطرفَ‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬طاولةِ‭ ‬المفاوضات‭ (‬المقايضات‭) ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب،‭ ‬وها‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ (‬وستكون‭ ‬مكاسبُهم‭ ‬كبيرةً‭ ‬جدًا‭). ‬

إن‭ ‬نموذجَ‭ ‬الحرب‭ ‬اليمنيَّة‭ ‬لهو‭ ‬تكرارٌ‭ ‬لسياساتٍ‭ ‬إيرانيَّة‭ ‬متأصلة‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬الفارسي،‭ ‬ومعروفة‭ ‬ببراجماتية‭ ‬عصابات‭ ‬المافيا‭ ‬والمهربين،‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬غير‭ ‬مشروعة؛‭ ‬ولذلك‭ ‬عمل‭ ‬الفرسُ‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخهم‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬المعتقدات‭ ‬الدينيَّة‭ ‬والأيديولوجيَّة‭ ‬المذهبية‭ ‬كواجهةٍ‭ ‬لتبييض‭ ‬صورتهم‭ ‬الخبيثة،‭ ‬وحجب‭ ‬عقدتهم‭ ‬التاريخية‭. ‬وهي‭ ‬الواجهةُ‭ ‬التي‭ ‬استخدمتها‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬عصاباتها‭ ‬وأذرعها‭ ‬ونفوذها‭ ‬الدموي‭ ‬المتوزع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬بلادنا‭ ‬العربيَّة‭.‬

إيران‭ ‬ووسائلها‭ ‬التاريخية‭ ‬الناعمة

والسؤال‭ ‬الملح‭ ‬هنا‭ ‬كيف‭ ‬تنجحُ‭ ‬إيرانُ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬ولم‭ ‬تتعرض‭ ‬يومًا‭ ‬لعقوباتٍ‭ ‬مدمرة،‭ ‬قاسية،‭ ‬كالتي‭ ‬يتمُّ‭ ‬فرضُها‭ ‬على‭ ‬العرب‭ (‬العراق،‭ ‬سوريا،‭ ‬ليبيا‭)‬؟؛‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لماذا‭ ‬يتمُّ‭ ‬قصفُ‭ ‬سوريا‭ ‬بذريعة‭ ‬امتلاكها‭ ‬مخزونا‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ ‬الكيماوي،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬يتمُّ‭ ‬قصفُ‭ ‬البرنامجِ‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬الأكثر‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم؟‭ ‬لماذا‭ ‬يتمُّ‭ ‬قصفُ‭ ‬سوريا‭ ‬بذريعةِ‭ ‬استهداف‭ ‬مواقع‭ ‬إيرانية‭ ‬ولا‭ ‬يتمُّ‭ ‬قصفُ‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬أرضها؟‭ ‬ولماذا‭ ‬ولماذا‭ ‬ولماذا‭.....‬؟‭!‬

إن‭ ‬كلمةَ‭ ‬السرِ‭ ‬في‭ ‬الإجابةِ‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة‭ ‬هي‭: ‬إيران‭ ‬تملك‭ ‬وسائلها‭ ‬الناعمة‭ ‬التاريخية،‭ ‬التي‭ ‬تجيدُ‭ ‬تسخيرَ‭ ‬جهودِ‭ ‬الوساطة‭ ‬والتحكيم‭ ‬الغربي‭ ‬لصالحها‭ ‬دائمًا،‭ ‬لتكونَ‭ ‬لها‭ ‬سورًا‭ ‬حاميًا‭ ‬ومدافعًا‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭... ‬وعبر‭ ‬الزمان‭ ‬السحيق‭ ‬نجح‭ ‬الفرسُ‭ ‬في‭ ‬صناعةِ‭ ‬واستثمار‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬السبي‭ ‬البابلي‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬الدورُ‭ ‬الأكبرُ‭ ‬في‭ ‬كسب‭ ‬ود‭ ‬‮«‬اليهود‮»‬‭ ‬و«المسيحيين‮»‬‭ ‬لصالحهم‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬ورغم‭ ‬إن‭ ‬الآثاريين‭ ‬أثبتوا‭ ‬كذبَ‭ ‬تلك‭ ‬الحكاية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحكايةَ‭ ‬صنعت‭ ‬هالتها،‭ ‬وراكمت‭ ‬تفاصيلها‭ ‬في‭ ‬العقول‭ ‬والقلوب،‭ ‬وصار‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تفكيكُها‭ ‬وتكذيبها‭ ‬وفصلها‭ ‬عن‭ ‬الواقع؛‭ ‬ولأن‭ ‬التاريخَ‭ ‬له‭ ‬دورُ‭ ‬في‭ ‬صناعةِ‭ ‬الحاضر،‭ ‬فهو‭ ‬يعيدُ‭ ‬نفسَه‭ ‬في‭ ‬صورٍ‭ ‬وأشكالٍ‭ ‬مختلفة،‭ ‬ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬يكونَ‭ ‬العربُ‭ ‬دائمًا‭ ‬هم‭ ‬الطرفُ‭ ‬الخاسر،‭ ‬لأنهم‭ ‬يجهلون‭ ‬صناعةَ‭ ‬وسائلهم‭ ‬الناعمة،‭ ‬ويتجاهلون‭ ‬المعرفةَ‭ ‬التاريخيَّة‭.‬

ولنفهمْ‭ ‬حربَ‭ ‬اليمن،‭ ‬ولنستشرفْ‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬القادم‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬المفاوضات‭ (‬المقايضات‭) ‬حولها،‭ ‬ومستقبل‭ ‬العلاقات‭ ‬السعودية‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاقية‭ ‬بكين،‭ ‬علينا‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬أدوار‭ ‬الوسطاء‭- ‬المبعوثين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬الخطير،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬استعدادًا‭ ‬للمواجهاتِ‭ ‬القادمة‭ ‬على‭ ‬طاولات‭ ‬الحوار،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لامتلاك‭ ‬وثيقة‭ ‬تاريخية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المستقبل‭.‬

إيران‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬جني‭ ‬الثمار

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬تكونَ‭ ‬السياساتُ‭ ‬الخارجيَّة‭ ‬الخليجيَّة‭ ‬الجديدة‭ ‬هي‭ ‬بدايةُ‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬الدخولِ‭ ‬في‭ ‬نظامٍ‭ ‬عالميٍّ‭ ‬جديد‭ ‬عبر‭ ‬خلق‭ ‬واقع‭ ‬عربي‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبناء‭ ‬علاقات‭ ‬سليمة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬الإقليميِّ،‭ ‬بإرادة‭ ‬التغيير‭ ‬وليس‭ ‬التهدئة‭... ‬والأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬دولَ‭ ‬الجوار‭ ‬الإقليميِّ‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬إيران‭ ‬لا‭ ‬تعملُ‭ ‬بنفسِ‭ ‬الإرادة،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬مازالت‭ ‬تعملُ‭ ‬بكامل‭ ‬أسلحتها‭ ‬ووسائلها‭ ‬الناعمة‭ ‬والصلبة‭ ‬وهي‭ ‬ترى‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الحصاد،‭ ‬وقطفِ‭ ‬ثمار‭ ‬ما‭ ‬زرعته‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬خلال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭.‬

إن‭ ‬إيرانَ‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬عودة‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬والعرب،‭ ‬نجاحًا‭ ‬لمشروعها‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬وإنها‭ ‬بذلك‭ ‬تقطفُ‭ ‬ثمارَ‭ ‬ما‭ ‬زرعته‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬حيث‭ ‬تستعدُّ‭ ‬للمقايضةِ‭ ‬بقائمةٍ‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬المطالبات‭ ‬الأكثرِ‭ ‬تعقيدًا‭ ‬من‭ ‬الشأن‭ ‬اليمنيِّ‭ ‬والخليجيِّ،‭ ‬وتتوقعُ‭ ‬أنها‭ ‬ستحصلُ‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬تتوقعُ‭ ‬في‭ ‬بدايةِ‭ ‬الحرب‭... ‬وتُعدُّ‭ ‬عودةَ‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬بسلام‭ ‬وأمان‭ ‬لهو‭ ‬دليلُ‭ ‬نصر،‭ ‬وحصادٌ‭ ‬ناجح‭ ‬لمشروعها‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الشام،‭ ‬وفي‭ ‬العراق،‭ ‬وما‭ ‬أدراك‭ ‬ما‭ ‬العراق‭....‬

وفي‭ ‬كلِّ‭ ‬الأحوالِ‭ ‬لقد‭ ‬دخلت‭ ‬حربُ‭ ‬اليمن‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬اتفاق‭ ‬الجزائر‮»‬،‭ ‬ولنرَ‭ ‬كيف‭ ‬يعيدُ‭ ‬التاريخُ‭ ‬نفسَه‭...‬

 

sr@sameerarajab‭.‬net‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا