العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

إنهاك روسيا هدف مجنون لتفكيك أوروبا!

بقلم: فاروق يوسف {

الأحد ٠٤ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

تضرر‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬أوروبا‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬المتضررين‭. ‬ولكن‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬سياسيي‭ ‬أوروبا‭ ‬لم‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬برؤية‭ ‬حكيمة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬معقولة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تنهي‭ ‬الصراع‭ ‬بما‭ ‬يحفظ‭ ‬كرامة‭ ‬روسيا‭ ‬ويجنب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الدمار‭.‬

العكس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭.‬

ذهب‭ ‬الجميع‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬خيارا‭ ‬وحيدا‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬نية‭ ‬مبيتة‭ ‬لإنهاك‭ ‬روسيا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هزيمتها‭ ‬ممكنة‭. ‬هناك‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الشيوعية؟‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أعتى‭ ‬أنواع‭ ‬الجنون‭ ‬الذي‭ ‬تمكّن‭ ‬من‭ ‬الساسة‭ ‬الذين‭ ‬إما‭ ‬أنهم‭ ‬جهلة‭ ‬لا‭ ‬يفقهون‭ ‬شيئا‭ ‬مما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬يتعمدون‭ ‬السخرية‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭.‬

الاحتمال‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬إقناعا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬صعود‭ ‬أسهم‭ ‬طبقات‭ ‬سياسية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تهمها‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬تبنتها‭ ‬أوروبا‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الثانية‭.‬

أوروبا‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬أوروبا‭ ‬الأخلاقية‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬رجالها‭ ‬الكبار‭. ‬وما‭ ‬صعود‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬إلا‭ ‬جرس‭ ‬إنذار‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشهده‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬تدهور‭ ‬على‭ ‬الأصعدة‭ ‬كافة‭ ‬وليست‭ ‬السياسة‭ ‬إلا‭ ‬واجهة‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الأوضاع‭ ‬قد‭ ‬ساءت‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ترأس‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬حكومتها‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬عديدة‭ ‬هي‭ ‬أحسن‭ ‬حالا‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تورط‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كشفت‭ ‬عنه‭ ‬الإمدادات‭ ‬العسكرية‭ ‬الهجومية‭ ‬التي‭ ‬قُدمت‭ ‬مؤخرا‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬معنى‭ ‬تحويل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬موت‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوروبا‭.‬

لقد‭ ‬خُيل‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬قد‭ ‬خُدعت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ووقعت‭ ‬في‭ ‬سوء‭ ‬فهم‭ ‬ستتمكن‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬منه‭ ‬حين‭ ‬تتأكد‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تدفع‭ ‬ثمن‭ ‬حرب‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬راغبة‭ ‬بها‭. ‬

ولكن‭ ‬إصرار‭ ‬الساسة‭ ‬الأوروبيين‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬خيار‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬أقصاه‭ ‬يفصح‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬قد‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬المصيدة‭ ‬وصارت‭ ‬تستعيد‭ ‬كراهيتها‭ ‬لروسيا‭. ‬لا‭ ‬روسيا‭ ‬الشيوعية‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬روسيا‭ ‬القيصرية‭.‬

عاد‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬بأوروبا‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬الكراهية‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬حدوث‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الانهيارات‭. ‬هناك‭ ‬ضغط‭ ‬تهريجي‭ ‬لتصفية‭ ‬حسابات‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬بنية‭ ‬عصرنا‭ ‬الذي‭ ‬بنته‭ ‬أوروبا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قدمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التضحيات‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬تخون‭ ‬اليوم‭ ‬نفسها‭ ‬وتخذل‭ ‬فكرها‭ ‬الإنساني‭. ‬وإلا‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬روسيا‭ ‬الشيوعية‭ ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬انهيار‭ ‬النظام‭ ‬الشيوعي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحكم‭ ‬كيانا‭ ‬سياسيا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬له‭ ‬وجود‭ ‬اسمه‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي؟‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬مرحلة‭ ‬أسوأ‭.‬

بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أوروبا‭ ‬عقلا‭ ‬للعالم‭ ‬وتلك‭ ‬حقيقتها‭ ‬التي‭ ‬تمليها‭ ‬وقائع‭ ‬التاريخ‭ ‬الحضاري‭ ‬المعاصر‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬ماكينة‭ ‬لإنتاج‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الجنون‭ ‬التي‭ ‬ستقودها‭ ‬إلى‭ ‬الضعف‭ ‬وانهيار‭ ‬اتحادها‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مكسب‭ ‬عالمي‭.‬

‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬وقوعها‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬أوروبية‭. ‬حرب‭ ‬تقلق‭ ‬الفضاء‭ ‬الأوروبي‭ ‬وتمهد‭ ‬لعزل‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شريكة‭ ‬في‭ ‬الخيار‭ ‬الأوروبي‭ ‬المستقل‭ ‬والحر‭.‬

عن‭ ‬طريق‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬تحرم‭ ‬أوروبا‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬باعتبارها‭ ‬شريكا‭. ‬فحين‭ ‬تتحول‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬عدوّ‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬أمام‭ ‬أوروبا‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬تسلحها‭ ‬في‭ ‬عودة‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭. ‬وهو‭ ‬هدف‭ ‬أمريكي‭ ‬وضع‭ ‬الأوروبيون‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬خدمته‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬كسروا‭ ‬بوصلتهم‭ ‬وصاروا‭ ‬أسرى‭ ‬خيار‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬خيارهم‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬يسيرا‭ ‬تطويع‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬أمريكيا‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬بوتين‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬بالتوجّهات‭ ‬الأوروبية‭ ‬المستقلة‭. ‬فالرجل‭ ‬الذي‭ ‬تبنّى‭ ‬مبدأ‭ ‬إحياء‭ ‬روسيا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعرّضت‭ ‬للانهيار‭ ‬لم‭ ‬تغب‭ ‬عنه‭ ‬فكرة‭ ‬قيام‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الأطراف‭. ‬هناك‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬تتحكم‭ ‬بالعالم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الريموت‭ ‬كونترول‭ ‬وهناك‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬يجاوره‭ ‬وله‭ ‬معه‭ ‬مصالح‭ ‬مشتركة‭ ‬كثيرة‭ ‬وهناك‭ ‬دول‭ ‬كبرى‭ ‬كالهند‭ ‬والبرازيل‭ ‬والنمور‭ ‬الآسيوية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬على‭ ‬الخارطة‭ ‬ليقوم‭ ‬تعدد‭ ‬ينهي‭ ‬سطوة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

وسواء‭ ‬كان‭ ‬بوتين‭ ‬على‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬الأوكرانية‭ ‬أم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬أوروبا‭ ‬أخطأت‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬حين‭ ‬اعتبرت‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬حربها‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬كذلك‭. ‬فروسيا‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬شيوعية‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬إلا‭ ‬شريكا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

ولكن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬محت‭ ‬حقائق‭ ‬كثيرة‭ ‬حين‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬التي‭ ‬جُنت‭ ‬باليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬خيار‭ ‬الحرب‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا