العدد : ١٦٨٣٥ - الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٥ - الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

من دعائم البيت السعيد!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٤ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

السعادة‭ ‬مطلب‭ ‬عصي‭ ‬يسعى‭ ‬إليه‭ ‬كل‭ ‬إنسان،‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬يهتدي‭ ‬إليها،‭ ‬وكثير‭ ‬منهم‭ ‬يضل‭ ‬الطريق‭ ‬إليها،‭ ‬وهذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأفراد‭ ‬وشروطهم‭ ‬في‭ ‬السعادة‭ ‬قليلة،‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬يراها‭ ‬في‭ ‬المال،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يراها‭ ‬في‭ ‬الجاه‭ ‬أو‭ ‬السلطة،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يراها‭ ‬في‭ ‬راحة‭ ‬البال‭ ‬وحسن‭ ‬الحال،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يراها‭ ‬في‭ ‬ابتسامة‭ ‬طفل‭ ‬بريء‭ ‬أو‭ ‬يتيم‭ ‬فقد‭ ‬والده‭ ‬فتسارع‭ ‬إلى‭ ‬كفكفة‭ ‬دموعه،‭ ‬وتمسح‭ ‬على‭ ‬رأسه‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الأفراد،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬البيوت‭ ‬التي‭ ‬يبحث‭ ‬ساكنوها‭ ‬عن‭ ‬السعادة،‭ ‬وبعبارة‭ ‬موجزة،‭ ‬أين‭ ‬هو‭ ‬البيت‭ ‬السعيد؟‭ ‬وإذا‭ ‬وجد،‭ ‬فما‭ ‬دعائمه؟‭ ‬

إن‭ ‬كثرة‭ ‬المشاكل‭ ‬في‭ ‬البيوت،‭ ‬ولجوء‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الزوجة‭ ‬والزوج‭ ‬إلى‭ ‬الطلاق‭ ‬باعتباره‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الأمثل‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬الزوجية‭ ‬التي‭ ‬تملأ‭ ‬البيت‭ ‬صراخًا‭ ‬وعويلًا،‭ ‬وهذا‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬تصور‭ ‬البعض‭ ‬هو‭ ‬بداية‭ ‬المشكلة‭ ‬حيث‭ ‬يفقد‭ ‬كلا‭ ‬الزوجين‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الآخر،‭ ‬وفِي‭ ‬الزواج‭ ‬كسبيل‭ ‬شرعي‭ ‬لعلاقة‭ ‬سوية‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬الطلاق‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬نفور‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬التجربة‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬من‭ ‬الزواج،‭ ‬ويتهيبون‭ ‬من‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬حتى‭ ‬يمضي‭ ‬قطار‭ ‬العمر‭ ‬ولا‭ ‬يجدون‭ ‬محطة‭ ‬تستقبلهم‭ ‬وتمنحهم‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬السعادة‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬فرصة‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬متوفرة‭ ‬لأنه‭ ‬هو‭ ‬المبادر،‭ ‬فإن‭ ‬المرأة‭ ‬يكون‭ ‬حظها‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬قليلا‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬المرأة،‭ ‬ومن‭ ‬فطرتها‭ ‬التي‭ ‬فطرت‭ ‬عليها‭ ‬ألا‭ ‬تبادر‭ ‬إلى‭ ‬طلب‭ ‬الزواج‭ ‬وتنتظر‭ ‬من‭ ‬يطرق‭ ‬بابها‭ ‬طلبًا‭ ‬للزواج‭ ‬منها،‭ ‬فيكون‭ ‬الطلاق‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المرأة‭ ‬بداية‭ ‬لمشكلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬لا‭ ‬حلًا‭ ‬لمشكلة،‭ ‬لهذا‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬البداية‭ ‬صحيحة‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬هذه‭ ‬الخلية‭ ‬الأولى‭ ‬المكونة‭ ‬للأمة،‭ ‬وهذه‭ ‬الخلية‭ ‬هي‭ ‬تأسيس‭ ‬أسرة‭ ‬على‭ ‬دعائم‭ ‬سليمة،‭ ‬وهذا‭ ‬لن‭ ‬نجده‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬يحرص‭ ‬أشد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬المؤسسات،‭ ‬ومنها‭ ‬مؤسسة‭ ‬الأسرة‭ ‬على‭ ‬دعائم‭ ‬ثابتة‭ ‬راسخة‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭ ‬الزوجان‭ ‬ويرجعان‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬مشاكلهما‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تستفحل‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل‭ ‬وتبلغ‭ ‬الذروة‭ ‬بالطلاق،‭ ‬لهذا‭ ‬ومنذ‭ ‬البداية‭ ‬حذر‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬التهاون‭ ‬في‭ ‬شروط‭ ‬تأسيس‭ ‬الأسرة،‭ ‬وأكد‭ ‬الالتزام‭ ‬بهذه‭ ‬الشروط،‭ ‬فتوجه‭ ‬بالنصيحة‭ ‬إلى‭ ‬أهل‭ ‬البنت،‭ ‬فقال‭ ‬رسولنا‭ ‬الكريم‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬خطب‭ ‬إليكم‭ ‬من‭ ‬ترضون‭ ‬دينه‭ ‬وخلقه‭ ‬فزوجوه‭ ‬إلا‭ ‬تفعلوا‭ ‬تكن‭ ‬فتنة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬وفساد‭ ‬عريض‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬الترمذي‭ ‬بسند‭ ‬صحيح‭.‬

ونلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بالدين،‭ ‬بل‭ ‬جعل‭ ‬معه‭ ‬الخلق،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬الشاب‭ ‬المتقدم‭ ‬لخطبة‭ ‬ابنتك‭ ‬صاحب‭ ‬دين‭ ‬والتزام‭ ‬بالمعنى‭ ‬الشائع‭ ‬للمتدين‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬قاسي‭ ‬القلب،‭ ‬سيئ‭ ‬الطباع‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬تنتظر‭ ‬منه‭ ‬الرحمة‭ ‬والرأفة‭ ‬لزوجه‭ ‬وبنيه‭.‬

والرسول‭ ‬الأعظم‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬لم‭ ‬يستثن‭ ‬المرأة‭ ‬أو‭ ‬الفتاة‭ ‬من‭ ‬وجوب‭ ‬التحلي‭ ‬بالخلق‭ ‬الحسن،‭ ‬حتى‭ ‬يصدق‭ ‬فيها‭ ‬قول‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬نظر‭ ‬زوجها‭ ‬إليها‭ ‬سرته،‭ ‬وإذا‭ ‬غاب‭ ‬عنها‭ ‬حفظته‭ ‬في‭ ‬نفسها،‭ ‬وفي‭ ‬ماله‭ ‬وولده،‭ ‬وهذه‭ ‬الأمور‭ ‬لن‭ ‬تتأتى‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬امرأة‭ ‬ذات‭ ‬دين‭ ‬وخلق،‭ ‬قال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬تنكح‭ ‬المرأة‭ ‬لأربع‭: ‬لمالها،‭ ‬ولحسبها،‭ ‬ولجمالها،‭ ‬ولدينها،‭ ‬فعليك‭ ‬بذات‭ ‬الدين‭ ‬تربت‭ ‬يداك‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬الإمام‭ ‬مسلم‭.‬

واشتراط‭ ‬الخلق‭ ‬مع‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الفتاة‭ ‬والفتى‭ ‬معناه‭ ‬توحيد‭ ‬المرجعية‭ ‬الشرعية‭ ‬التي‭ ‬عليهما‭ ‬أن‭ ‬يعودا‭ ‬إليها‭ ‬حين‭ ‬تثور‭ ‬المشاكل‭ ‬بينهما،‭ ‬وأن‭ ‬يخضعا‭ ‬لقول‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وقول‭ ‬رسوله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬وليس‭ ‬لكلام‭ ‬البشر،‭ ‬قد‭ ‬يستأنس‭ ‬بتشريعات‭ ‬البشر‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬حكم‭ ‬شرعي‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الاحتكام‭ ‬فيه‭ ‬مخالفة‭ ‬صريحة‭ ‬لحكم‭ ‬شرعي‭.‬

إن‭ ‬الإسلام‭ -‬وكما‭ ‬أسلفنا‭- ‬حين‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬المؤسسات،‭ ‬يؤسسها‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬الثابتة‭ ‬الراسخة‭ ‬التي‭ ‬يزيدها‭ ‬الزمن‭ ‬ثباتًا‭ ‬وصلابة،‭ ‬يقول‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬من‭ ‬تزوج‭ ‬امرأة‭ ‬لعزها‭ ‬لم‭ ‬يزده‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬ذلًا،‭ ‬ومن‭ ‬تزوجها‭ ‬لمالها‭ ‬لم‭ ‬يزده‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬فقرًا‭ ‬ومن‭ ‬تزوجها‭ ‬لحسبها‭ ‬لم‭ ‬يزده‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬دناءة،‭ ‬ومن‭ ‬تزوج‭ ‬امرأة‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬بها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يغض‭ ‬بصره،‭ ‬ويحصن‭ ‬فرجه،‭ ‬أو‭ ‬يصل‭ ‬رحمه‭ ‬بارك‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬فيها،‭ ‬وبارك‭ ‬لها‭ ‬فيه‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬الإمام‭ ‬البخاري‭.‬

إذًا،‭ ‬فالمال،‭ ‬والحسب،‭ ‬كلها‭ ‬دعائم‭ ‬ضعيفة‭ ‬واهنة‭ ‬وإن‭ ‬بدت‭ ‬في‭ ‬النظرة‭ ‬السطحية‭ ‬المتعجلة‭ ‬قوية،‭ ‬أما‭ ‬دعامة‭ ‬الدين‭ ‬والخلق،‭ ‬فهما‭ ‬الأقوى‭ ‬والأثبت،‭ ‬وغيرها‭ ‬زائل‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الفروض‭ ‬آيلة‭ ‬للسقوط‭.‬

ومن‭ ‬أسباب‭ ‬السعادة‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬مشاعر‭ ‬الزوجة‭ ‬وأحاسيسها،‭ ‬وأنه‭ ‬حتى‭ ‬يدوم‭ ‬الحب‭ ‬والمودة‭ ‬بين‭ ‬الزوجين،‭ ‬فعلى‭ ‬الزوج‭ ‬ألا‭ ‬يطرق‭ ‬زوجته‭ ‬ليلًا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلمها‭ ‬بموعد‭ ‬حضوره،‭ ‬ولا‭ ‬يتعلل‭ ‬بأنه‭ ‬يريد‭ ‬مفاجأتها،‭ ‬فقد‭ ‬يراها‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬يراها‭ ‬فيه،‭ ‬وأيضًا‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬الزوجة‭ ‬غير‭ ‬مستعدة‭ ‬نفسيًّا،‭ ‬وقد‭ ‬تكثر‭ ‬هذه‭ ‬المفاجآت‭ ‬فتصنع‭ ‬جدارًا‭ ‬نفسيًّا‭ ‬يكون‭ ‬سببًا‭ ‬لنشوء‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭.‬

وكثير‭ ‬من‭ ‬الزوجات‭ ‬يشكون‭ ‬غياب‭ ‬السعادة‭ ‬عن‭ ‬بيوتهن،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الزيجة‭ ‬لم‭ ‬يوافق‭ ‬عليها‭ ‬أهل‭ ‬الزوجين،‭ ‬لوجود‭ ‬موانع‭ ‬شرعية‭ ‬فتكون‭ ‬الزوجة‭ ‬مسلمة‭ ‬والزوج‭ ‬غير‭ ‬مسلم،‭ ‬فيتحايل‭ ‬الزوجان‭ ‬ويعقدا‭ ‬زواجهما‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الزواج‭ ‬رغم‭ ‬المحاذير‭ ‬الشرعية،‭ ‬وهذا‭ ‬الزواج‭ ‬حرام‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬وعند‭ ‬الاختلاف‭ ‬تنشأ‭ ‬المشاكل‭ ‬لاختلاف‭ ‬المرجعية‭ ‬التي‭ ‬يتحاكم‭ ‬إليها‭ ‬الزوجان‭ ‬والتي‭ ‬استهانا‭ ‬بها‭ ‬عند‭ ‬بداية‭ ‬عقد‭ ‬الزواج،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬غياب‭ ‬السعادة،‭ ‬ونشوب‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا