العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لماذا أقاطع الدول الغربية؟

كل‭ ‬من‭ ‬استخدم‭ ‬الطائرة‭ ‬كأداة‭ ‬للسفر‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬أحداث‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2001،‭ ‬أي‭ ‬قيام‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬بتدمير‭ ‬برجي‭ ‬مركز‭ ‬التجارة‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬مر‭ ‬بتجربة‭ ‬التفتيش‭ ‬المهين‭ ‬لأمتعته‭ ‬وجسده،‭ ‬فقد‭ ‬صرنا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬مطالبين‭ ‬بخلع‭ ‬الحذاء‭ ‬وحزام‭ ‬البنطلون،‭ ‬ثم‭ ‬يصدر‭ ‬ذلك‭ ‬الباب‭ ‬الالكتروني‭ ‬السخيف‭ ‬صافرة‭ ‬مزعجة‭ ‬فتخضع‭ ‬للتفتيش‭ ‬باليد،‭ ‬وحال‭ ‬النساء‭ ‬أسوأ‭ ‬لأنهن‭ ‬لا‭ ‬يسافرن‭ ‬إلا‭ ‬مصفحات‭ ‬بالهلاهيل‭ ‬والكشاكيش‭ ‬الذهبية‭ ‬والسوارفسكية‭ ‬والنحاسية،‭ ‬فتولول‭ ‬أبواب‭ ‬المطارات‭ ‬الالكترونية‭ ‬كلما‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬امرأة‭: ‬يا‭ ‬لهوييييي،‭ ‬فيتم‭ ‬اصطحابهن‭ ‬إلى‭ ‬غرف‭ ‬مغلقة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التفتيش‭ (‬هل‭ ‬تذكرون‭ ‬حكاية‭ ‬الصومالي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬دبي‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬باخرة،‭ ‬ثم‭ ‬وجد‭ ‬الفرصة‭ ‬للسفر‭ ‬جواً‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬أوروبي؟‭ ‬جاء‭ ‬المسكين‭ ‬إلى‭ ‬مطار‭ ‬دبي،‭ ‬وقالوا‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬أمتعته‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬جهاز‭ ‬أشعة‭ ‬اكس،‭ ‬وعلى‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬السير‭ ‬رأى‭ ‬الشرطي‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬الجهاز‭ ‬هيكلا‭ ‬عظيما،‭ ‬فهب‭ ‬فزعا‭ ‬وانطلق‭ ‬وهو‭ ‬يصرخ‭: ‬الحقوني‭ ‬يا‭ ‬أهل‭ ‬المروءة‭.. ‬مصيبة‭ ‬يا‭ ‬جماعة،‭ ‬فجاء‭ ‬زميل‭ ‬له‭ ‬وأوقف‭ ‬حركة‭ ‬السير‭ ‬الكهربائي،‭ ‬ولكنه‭ ‬بدأ‭ ‬بدوره‭ ‬يصرخ‭ ‬مستنجدا‭ ‬بزملاء‭ ‬آخرين‭ ‬ليفحصوا‭ ‬معه‭ ‬‮«‬حقيبة‭ ‬فيها‭ ‬جثة‭ ‬آدمي‮»‬،‭ ‬وبعد‭ ‬ان‭ ‬امتلأ‭ ‬المطار‭ ‬برجال‭ ‬الشرطة‭ ‬الجنائية‭ ‬وقوات‭ ‬الصاعقة،‭ ‬تم‭ ‬إعادة‭ ‬تشغيل‭ ‬السير،‭ ‬وظهر‭ ‬رأس‭ ‬ثم‭ ‬جسد‭ ‬آدمي،‭ ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬المعجزة‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬حي‮»‬‭. ‬واتضح‭ ‬أن‭ ‬الصومالي‭ ‬المسكين‭ ‬كان‭ ‬يسافر‭ ‬عبر‭ ‬مطار‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬وعلم‭ ‬أن‭ ‬الجهاز‭/ ‬السير‭ ‬الكهربائي‭ ‬خاص‭ ‬بالتفتيش‭ ‬فاستلقى‭ ‬عليه‭ ‬مع‭ ‬أمتعته‭ ‬فكان‭ ‬ما‭ ‬كان‭.‬

كلنا‭ ‬مررنا‭ ‬بتجارب‭ ‬مضحكة‭ ‬عند‭ ‬تعاملنا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬مع‭ ‬الأجهزة‭ ‬الحديثة‭. ‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تذكير‭ ‬القراء‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬عندما‭ ‬نزلت‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬هيثرو‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬وكان‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أستخدم‭ ‬السلم‭ ‬الكهربائي،‭ ‬وبحثت‭ ‬عن‭ ‬طريقة‭ ‬أخرى‭ ‬للصعود‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬ولم‭ ‬أعثر‭ ‬عليها‭ ‬وتوكلت‭ ‬على‭ ‬الله،‭ ‬ووضعت‭ ‬رجلي‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬درجة‭ ‬في‭ ‬السلم،‭ ‬وترنحت‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬والخلف‭ ‬وعندما‭ ‬أدركت‭ ‬أنني‭ ‬ساقط‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬مددت‭ ‬يدي‭ ‬كي‭ ‬أمسك‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬يعيد‭ ‬إليّ‭ ‬توازني،‭ ‬ولسوء‭ ‬حظّي‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الشيء‭ ‬ثوباً‭ ‬مزركشا‭ ‬تلف‭ ‬به‭ ‬سيدة‭ ‬سودانية‭ ‬كانت‭ ‬تقف‭ ‬أمامي‭ ‬جسدها،‭ ‬وترنحت‭ ‬السيدة‭ ‬وانحشر‭ ‬طرف‭ ‬ثوبها‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬السلم‭ ‬المتحرك،‭ ‬ومالت‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬فدفعتها‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬وسقط‭ ‬كيس‭ ‬مانجو‭ ‬كنت‭ ‬أحمله‭ ‬وتدحرجت‭ ‬حبات‭ ‬المانجو‭ ‬وفاح‭ ‬أريجها‭ ‬الزكي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬عصير‭ ‬بين‭ ‬تروس‭ ‬السلم‭ ‬وأصبحنا‭ ‬أنا‭ ‬والسيدة‭ ‬المسكينة‭ ‬كومة‭ ‬واحدة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجدنا‭ ‬الأيدي‭ ‬تمتد‭ ‬الينا‭ ‬بعد‭ ‬وصولنا‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬السلم،‭ ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬ما‭ ‬حييت‭ ‬نظرات‭ ‬الازدراء‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬رجال‭ ‬المطار‭ ‬البريطانيين،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إيقاف‭ ‬السلم‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يتسرب‭ ‬عصير‭ ‬المانجو‭ ‬إلى‭ ‬خطوط‭ ‬الكهرباء‭ ‬فيه‭ ‬ويحدث‭ ‬انفجار‭ ‬وحريق‭.‬

المهم‭ ‬حصل‭ ‬خير‭ ‬وأريد‭ ‬منكم‭ ‬إبلاغ‭ ‬ما‭ ‬سأقوله‭ ‬في‭ ‬السطور‭ ‬التالية‭ ‬لأصدقائكم‭ ‬وأقربائكم‭ ‬الذين‭ ‬يعتزمون‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬أوروبية،‭ ‬بعد‭ ‬الأحداث‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭: ‬لقد‭ ‬قرروا‭ ‬استخدام‭ ‬أجهزة‭ ‬تفتيش‭ ‬تظهر‭ ‬جسد‭ ‬الإنسان‭ ‬عارياً‭. ‬وهذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬مستخدمة‭ ‬في‭ ‬المطارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭: ‬يدخلونك‭ ‬في‭ ‬كشك‭ ‬فولاذي‭ ‬ويجردك‭ (‬سكانر‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬جهاز‭ ‬المسح‭ ‬التصويري‭ ‬من‭ ‬ملابسك،‭ ‬ولكنهم‭ ‬قرروا‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬المنصرم‭ ‬استخدام‭ ‬السكانر‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬محطات‭ ‬القطارات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬كشكا‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تحس‭ ‬بذلك،‭ ‬بحجة‭ ‬البحث‭ ‬عما‭ ‬تخفيه‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭. ‬صحيح‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يعرضون‭ ‬صورتك‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬عامة،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬تقبل‭ ‬لنفسك‭ ‬أن‭ ‬تتعرى‭ ‬ولو‭ ‬أمام‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬غير‭ ‬الطبيب؟‭ ‬شخصياً‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أتعرى‭ ‬حتى‭ ‬بطلب‭ ‬من‭ ‬طبيب،‭ ‬ولن‭ ‬أقبل‭ ‬بأيّ‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬أن‭ ‬يتفرج‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬عورتي‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬ذريعة‭. ‬بل‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬سأقبل‭ ‬أي‭ ‬مهنة‭ ‬تتيح‭ ‬لي‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬عورات‭ ‬الآخرين،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬المراهقة‭ ‬والطيش‭ ‬والنزق‭ ‬كنت‭ ‬أتقزز‭ ‬من‭ ‬مجلّات‭ ‬العري‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬زملاء‭ ‬الدراسة‭ ‬أو‭ ‬الحي‭ ‬يتباهون‭ ‬بعرضها‭ ‬علينا‭.‬

باي‭ ‬باي‭ ‬أوروبا‭ ‬وباي‭ ‬أمريكا

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا