العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

سـرديـات: في المرجعيات السرديـة التأسيسية

بقلم: د. ضياء عبدالله الكعبي

السبت ٢٠ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

تيري‭ ‬إيغلتون‭ ‬Terry‭ ‬Eagleton‭ (‬1943‭_) ‬هو‭ ‬أستاذ‭ ‬نظرية‭ ‬الأدب‭ ‬بجامعات‭ ‬مانشستر‭ ‬وأوكسفورد‭ ‬ولانكستر،‭ ‬ويعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬النقاد‭ ‬المؤثِّرين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشروعه‭ ‬النقديّ‭ ‬الذي‭ ‬ناهز‭ ‬الأربعين‭ ‬كتابا‭ ‬تُرجِمت‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬لغات‭ ‬عالميّة‭ ‬حية‭. ‬ولقد‭ ‬ساهمت‭ ‬خلفية‭ ‬تيري‭ ‬إيغلتون‭ ‬الماركسية‭ ‬في‭ ‬اشتغالاته‭ ‬النقدية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الماركسية‭ ‬البنيوية‭. ‬لقد‭ ‬برز‭ ‬تيري‭ ‬إيغلتون،‭ ‬كما‭ ‬يذكر‭ ‬رامان‭ ‬سلدن،‭ ‬بكونه‭ ‬منظرًا‭ ‬متبنيًا‭ ‬أفكار‭ ‬التيار‭ ‬الماركسيّ‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬النقد‭ ‬والإيديولوجيا‮»‬‭. ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬أنَّ‭ ‬النصوص‭ ‬الأدبيّة‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬الواقع‭ ‬التاريخيّ‭ ‬بل‭ ‬تمارس‭ ‬عملها‭ ‬على‭ ‬الإيديولوجيا‭ ‬لتنتج‭ ‬تأثرًا‭ ‬بهذا‭ ‬الواقع‭. ‬ولا‭ ‬تشير‭ ‬الإيديولوجيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬إلى‭ ‬النظريات‭ ‬السياسيّة‭ ‬الواعية‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬كلّ‭ ‬الأنساق‭ ‬الذهنية‭ (‬الجماليّة‭ ‬والدينيّة‭ ‬والتشريعيّة‭ ‬وغيرها‭) ‬التي‭ ‬تتشكّل‭ ‬منها‭ ‬الصورة‭ ‬العقلية‭ ‬للتجربة‭ ‬الحية‭ ‬عند‭ ‬الفرد‭.‬

ويعد‭ ‬كتاب‭ ‬إيغلتون‭ ‬‮«‬فلسفة‭ ‬الفكاهة‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬جامعة‭ ‬ييل‭ ‬الأمريكيّة‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المقاربات‭ ‬النقدية‭ ‬التأسيسيّة‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬الضحك،‭ ‬وهو‭ ‬كان‭ ‬مسبوقًا‭ ‬بمقاربات‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فردريك‭ ‬نيتشه‭ ‬وفرويد‭ ‬وفلاديمير‭ ‬بروب،‭ ‬وميخائيل‭ ‬باختين،‭ ‬وهنري‭ ‬بيرغسون‭ ‬وميلان‭ ‬كونديرا‭ ‬وغيرهم‭. ‬وفي‭ ‬كتاب‭ ‬الضحك‭ ‬والنسيان‭ ‬‮«‬يقتبس‭ ‬الروائيّ‭ ‬التشيكيّ‭ ‬ميلان‭ ‬كونديرا‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬عن‭ ‬النسوية‭ ‬الفرنسية‭ ‬آني‭ ‬لوكليرك‮»‬‭ ‬رشقات‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬المتكرر،‭ ‬المتسارع،‭ ‬الضحك‭ ‬الحر،‭ ‬الضحك‭ ‬الجليل،‭ ‬المتكبر‭ ‬والغاضب‭... ‬ضحك‭ ‬المتعة‭ ‬الحسية؛‭ ‬أن‭ ‬تضحك‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬بعمق‮»‬‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬فلسفة‭ ‬الفكاهة‮»‬‭ ‬هو‭ ‬كتاب‭ ‬تنظيريّ‭ ‬نقديّ‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬إيغلتون‭ ‬ينسج‭ ‬كتابه‭ ‬ليأخذ‭ ‬طابعًا‭ ‬سرديًا‭ ‬متدفقًا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬سهل‭ ‬المقروئية،‭ ‬وليس‭ ‬بالطابع‭ ‬الفلسفيّ‭ ‬العسير‭ ‬المتعسِّف‭ ‬النخبويّ‭. ‬خمسة‭ ‬فصول‭ ‬هي‭ ‬فصول‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الفلسفيّ‭ ‬الاستثنائيّ‭ ‬هي‭: ‬عن‭ ‬الضحك،‭ ‬المتهكمون‭ ‬والهازئون،‭ ‬التناقض‭ ‬والتنافر،‭ ‬الفكاهة‭ ‬والتاريخ،‭ ‬مبادئ‭ ‬الفكاهة‭. ‬يقول‭ ‬إيغلتون‭: ‬‮«‬يعوض‭ ‬الضحك‭ ‬قليلاً‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬فنائنا،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬عجزنا‭ ‬العام‭ ‬أيضًا‭. ‬لاحظ‭ ‬فردريك‭ ‬نيتشه‭ ‬أنَّ‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬الحيوان‭ ‬الوحيد‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬الضحك‭ ‬لأنَّه‭ ‬يعاني‭ ‬بوحشية‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يحلم‭ ‬بهذه‭ ‬المسكنات‭ ‬اليائسة‭ ‬بسبب‭ ‬معاناته‮»‬‭. ‬هناك‭ ‬أيضًا‭ ‬مسألة‭ ‬رغبتنا‭ ‬اللاشعورية‭ ‬لما‭ ‬نخشاه،‭ ‬ما‭ ‬يدعوه‭ ‬فرويد‭ ‬بدافع‭ ‬الموت‭ ‬الذي‭ ‬يحطم‭ ‬المعنى‭ ‬والقيمة،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬مرتبط‭ ‬بهذه‭ ‬الفوضى‭ ‬العابرة‭ ‬للحواس‭ ‬التي‭ ‬تُعرف‭ ‬باسم‭ ‬روح‭ ‬الدعابة،‭ ‬مثل‭ ‬الفكاهة،‭ ‬تُحرف‭ ‬هذه‭ ‬الطاقة‭ ‬الشهوانية‭ ‬الإحساس،‭ ‬وتدحض‭ ‬التراتبية،‭ ‬وتدمج‭ ‬الهويات،‭ ‬وتبعثر‭ ‬الوجهات،‭ ‬وتستمتع‭ ‬بانهيار‭ ‬المعنى‭.‬

ويفكِّك‭ ‬تيري‭ ‬إيغلتون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬المقاربات‭ ‬النقديّة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬كتابه،‭ ‬وخاصة‭ ‬مقاربات‭ ‬ميخائيل‭ ‬باختين‭ ‬عن‭ ‬ظاهرة‭ ‬‮«‬الضحك‭ ‬الكرنفاليّ‮»‬‭ ‬والكوميديا‭ ‬الاحتفاليّة،‭ ‬ويبرز‭ ‬إيغلتون‭ ‬كم‭ ‬التناقضات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬نظريات‭ ‬الضحك‭ ‬الفلسفيّة،‭ ‬ولكنه‭ ‬يبين‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الأسئلة‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬أثارتها‭ ‬للتأمّل‭ ‬في‭ ‬ظاهرة‭ ‬إنسانيّة‭ ‬صميمة‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬‮«‬الضحك‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تشترك‭ ‬فيها‭ ‬الجماعات‭ ‬الإنسانيّة‭ ‬جميعها‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬أعراقها‭ ‬الإثنية‭ ‬وأنساقها‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية،‭ ‬ورغم‭ ‬اختلاف‭ ‬رؤيتها‭ ‬للعالم‭ ‬والكون‭.‬

{ أستاذة‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،

كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا